8

65 6 0
                                    

سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم

قضيت ليلة عصيبة لا محل لها من الإعراب في
منزلنا، وكل ما حدث لي ببيت تلك الغجرية العجوز
يتكرر أمامي بكامل تفاصيله، وردود فعله المخيفة.
حتى انهار عقلي تماما، وتبعه جسدى، الذى عانى
من الحمى الشديدة نتيجة مياه الأمطار التى
أغرقتني. والتجربة المريعة التي مررت بها في تلك
الليلة المظلمة.
وقضيت على إثرها أسبوع كامل في الفراش، أعاني
من نوبات هذيان وصراخ لا تنتهي، وأنا أتخيل تلك
المخلوقات الظلامية تقوم بنزع رأسي واستخدامها
بدلا عن رؤوسها المفقودة.
وفي أحد تلك الكوابيس المزعجة رأيتهم
يتبادلونها بأقدامهم، كما يفعل لاعبوا كرة القدم
المحترفون.
ولكم أن تتخيلوا مقدار الألم مع كل ركلة.. ومقدار
الفزع مع كل مرة أندفع فيها صوب إحدى أقدامهم
الرهيبة..
لقد كدت أهوى إلى الدرك الأسفل نفسيا، لولا وجود
أمي بجواري.

والتي لم تتركني لحظة، بعنايتها ودعاءها،
وقراءتها للقرآن حتى تماثلت للشفاء تماما، وبرغم
ذلك بقيت في كنفها أياما أخرى لم أعرف كيف
أحصيها لتشابهها-أستمد منها الأمان..
ومن يومها لم أقرب هذا البيت أو المقابر، أو أذكر
قصة الجماجم الأربعة الموضوعة فى كيسها
الخيشي لأحد.
كان لدى تهاني الغجرية سر.. وأصبح هذا السر هو
لعنتي، فلم أهتك ستره أبدا.
وبعدها لم أرضخ ولو مرة واحدة لمحاولات أبي

المستمرة، والتي لم تكن هينة في أحيان كثيرة.
والتي كانت تنتهى بصفعي أو ركلي أو نعتي
بأقذع الصفات التي لا تنتمي لعالم الرجولة، للعودة
لمساعدته في مهنته التي ستجبرني على دخول
المقابر التي لا تنقطع تهاني الغجرية عن زيارتها.
وهذا ما جعل أبي في النهاية يتخلى عن عناده،
ويعتمد على شقيقي عبد الهادي اعتمادا كليا في
مساعدته بعد أن يئس مني.
مررت بليال سوداء، أكثر عتمة من ظلام القبر، كنت
أنتظر في كل يوم ذلك الشيء المجهول الذي
أقتنص حياة راجي الشايب، أو تلك الكيانات

الظلامية التي بلا رؤوس، لتأت كي تفتك بي، ولم
يحدث من هذا شيء، ولم أتحدث لأحد قط عن سر
تهاني..
ولا عن جماجمها..
نسيت أو
ولم أشعر بالأمان بعدها قط، ولكني
تناسيت، فمرور الأيام أكبر مخدر، وماحي للذاكرة
في الكون كله.
كل شيء ظل على حاله كما كان قبل زيارتي
المشئومة لبيتها، ورؤيتي لتلك الشياطين التي
كانت تتعامل معها..
فقط ما تغير هو أنا ..
لم أعد كما كنت قط..
لقد كانت تجربة عمرى الأسوا، وتعلمت خلالها كيف
لا أزج نفسي في ما لآ يعنيني.. وكيف أن الفضول
قاتل..
ولكن ..
بعد عام كامل.. قابلتها صدفة، هممت بالعدو من

أمامها، ولكن عقلي هدانى أن أتعامل بهدوء
كانت قد

نسيتني، وكان هذا آفضل ما قمت به وقتها، لأنها
عندما رأتني منحتني نظرة خاوية.
مجرد نظرة خاوية..
ثم تجاوزتني وكأنها لا تعرفني أو تضمر لي شرا،
وهي تحمل كيسها الخيشي الثقيل متوجهة
صوب المقابر..
شيء ما تغير فيها..
ربما قلت تجاعيدها..
أو ازدادت سرعة خطواتها..
أو اكتسبت قوة ما، أو شبابا أوفر.
أو أصبحت أكثر شرودا، ونظراتها أقل حدة..
أو كل ما سبق، فكل نظرة إليها تمنحك تفصيلة
جديدة غير مريحة، تزيد من كراهيتك لها أو نفورك
تأملتها من ظهرها حتى توارت في المنعطف
التالي، ثم تنفست الصعداء، وقررت العودة إلى
ي
الحياة، ووأد خوفي..

سر الحانوتى لعمرو المنوفى(مكتمله)Where stories live. Discover now