المقدمة

69.3K 1.6K 276
                                    


لنقل أنها ليست من المشاهد التي أحب تذكرها؛ وبالرغم من سنوات عمري الصغيرة آنذاك، إلا أن ما حدث نصب عيني، بقي محفورًا في ذاكرتي للأبد، وسيظل معي حتى يوارى جسدي الثرى. جاءت والدتي بي إلى واحد من الملاهي التابعة للمنظمة، والمملوكة لزوجها الحالي. نسيت أن أخبركم أن والدي قد قتل قبل بضعة أعوام، ضمن الصراع الخفي بين عائلتي "فاليريو" وعائلة "سانتوس"، ولكون والدتي صغيرة السن، فتم تزويجها لآخر من ذوي الشأن، وممن أبدوا إخلاصهم للمنظمة، وسريعًا ما تربع على العرش، ليصبح القائد. لم تنجب والدتي سوى أنا وشقيقتي الصغرى "آن" من أبي الراحل، أما "أندور" زوجها، فلم يحالفه الحظ بعد في الحصول على طفل من أمي.

في ذلك اليوم الكئيب انتظرت بالخارج، وتحديدًا بالقرب من مكب النفايات في الشارع الخلفي الضيق، والمليء بالصناديق الخشبية وبعض المخلفات التابعة للملهى. رفعت وجهي الناعم وحدقت في عيني والدتي القلقتين حين أوصتني بصوتها الدافئ:

-"ريانا"، قطعة السكر، لا تتحركي من هنا، دقائق وسأعود.

أومأت برأسي دون أن أنطق، وراقبتها وهي تختفي خلف ذلك الباب المعدني. ما زالت أذكر الرائحة الكريهة التي عبقت أنفي، لم يكن من المفترض أن أتواجد بالداخل؛ بالطبع لصغر سني، فأنا لم أتجاوز الست سنوات، وكذلك لعدم رغبة والدتي في أن أرى أي نوع من البشر يمكثون في هذا المكان. ركزت أنظاري التائهة على قطةٍ متسخة، كانت تنبش في بقايا الطعام لتجد ما تأكله، بدت تسليتي المؤقتة إلى أن فُتح الباب الخلفي، انتبهت لصوت الصرخة المتألمة النابعة من والدتي، اتسعت حدقتاي خوفًا، وارتعشت في مكاني. رأيت "أندرو" قابضًا على ذراعها، يكاد يخلعه من ضغطه الشديد عليه، جف حلقي، وراقبت الموقف بصمتٍ تام، على أمل ألا ينتبه إليّ. سمعته يعنف والدتي بصوته الثمل:

-كيف تجرؤين على القدوم إلى هنا؟ أأنتِ حمقاء؟ ومعكِ ابنتك؟!

ردت "صوفيا" ترجوه بنبرة متألمة:

-اترك ذراعي، ستكسره.

همهم بغضبٍ انعكس على تعابيره أيضًا وهو يرخي قبضته عنها:

-اللعنة!

تشجعت والدتي لتضيف بنعومة:

-"أندور"، حبيبي! احتجت للنقود، وأنت لم تأتِ للمنزل منذ أسابيع! كيف أتدبر النفقات وحدي؟

صرفها بخشونةٍ وببرود ملموس في نبرته؛ وكأن أمرها لا يعنيه:

-عودي إلى المنزل، وآ.....

لم يكمل "أندرو" جملته للأخير حيث اندفعت طلقة نارية من مكان مجهول نحو رأسه لتفجره وسط ذهولي وصرخات أمي، شعرت بالهلع يضرب قلبي، وبارتفاع دقاته، مشهد الدماء كان مخيفًا، آخر ما أذكره عن ذلك اليوم هو امتلاء الزقاق الضيق بعشرات الرجال المدججين بالسلاح وهم يصرخون عاليًا:

-قُتل الرئيس.

كتمت صرخاتي المذعورة كطفلة شاهدت للتو واحدًا من أفظع المشاهد على الإطلاق، فبدلاً من أن أكون في فراشي، وقفت كالصنم أتابع بعينين جاحظتين التخبط الذي ساد من حولي. عج المكان بالمزيد منهم، توهمت أني غير مرئية بالنسبة لهم؛ لكني كنت مخطئة، لاحظني أحدهم وحملني بين ذراعيه لأختفي بعدها بداخل إحدى السيارات، وصوت والدتي الصارخ لم ينقطع أبدًا عن الصراخ.

..................................

غير قابل للحب ©️ كاملة - مافياWhere stories live. Discover now