الفصل الخامس عشر

12.2K 758 89
                                    


الفصل الخامس عشر

بأسلوبه الحازم العتيد الذي اعتاد ممارسته على من حوله، مهما بلغت درجة قرابتهم منه، فرض عليّ واقعًا صادمًا، حين نطق بجملته المقتضبة، مما جعل شفتاي تفتران في ذهولٍ مستنكر، كنتُ كمن تم صعقه بجهاز الصاعق الكهربائي، تبلدتُ، وشُلَّ تفكيري للحظاتٍ، وعقلي يرسم تجسيدًا لمستقبلٍ غارق في الظلام. جاهدت لأستفيق من صدمتي، وبذلت أقصى طاقتي لأضبط انفعالاتي، فلا تتعقد الأمور أكثر مما تبدو عليها. ظهر الاحتجاج في نظراتي، ولمحة منه انعكست في نبرتي عندما قلتُ بدبلوماسيةٍ:

-إنها ما زالت صغيرة، ولديها الكثير لتفعله قبل أن تتزوج.

من موضعه البعيد عني، رمقني بهذه النظرة الجوفاء القاسية قبل أن يخاطبني في لهجةٍ غير متساهلة:

-لا رأي لكِ، أو لها...

احتقنت عيناي غيظًا منه، وتجهمت قسماتي بشكلٍ لافت، وزاد ذلك وضوحًا وهو يتم جملته:

-حُسم الأمر، فلا تجادلي فيه.

رددتُ بحرصٍ، وقلبي يفيض كمدًا:

-أنا لا أجادل؛ لكنها مفاجأة.

ضحك في سماجةٍ، وقال كأنما يسألني وهو يسحب مقعده الضخم ليجلس عليه:

-مفاجأة سارة؟ أليس كذلك؟

لم أجبه، فلن أدعي كذبًا أن خبره الصــادم جعلني أطير فرحًا، بل إنه حطم كل آمالي وتوقعاتي في إخراجها من هنا سالمة، دون مساس. انتبه له مرة ثانية عندما واصل الحديث:

-كما أني سأخبر "صوفيا" بالأمر، كنتُ انتظر انتهاء العرس لأطلعها عليه.

غاص في مقعده، وأخذ ينظر إلى ما لديه من أوراق مطروحة على سطح مكتبه، ناديته برقةٍ، كأنما استحث مشاعر الأبوة فيه:

-عمي "مكسيم".

رفع ناظريه إلي قائلاً بلهجة جادة:

-لا تشغلي بالك بهذه المسائل، وابحثي عن طرقٍ تسعدي بها "فيجو"، فهو صعب المراس.

زويت ما بين حاجبي، فأكمل مبتسمًا في لؤمٍ، كما لو كان يتعمد استفزازي:

-كما أن أنثى واحدة لا تكفيه!

برقت نظراتي في إنكارٍ منزعج لوقاحته، وتقليله من شأني بطريقة ملتوية، أصاب هدفه، وأوغر صدري، فاستراح مبتسمًا، ثم قال بمكرِ الثعالب، وكأن وظيفتي معروفة مسبقًا:

-مهمتك شاقة معه، فأنا أريد الأحفاد يركضون من حولي.

كورت قبضة يدي المسنودة إلى جانبي، محاولة ألا أظهر ضيقي الشديد من تلميحاته المستفزة، حافظ "مكسيم" على سخافة ابتسامته المتكلفة، وطردني بلباقةٍ:

غير قابل للحب ©️ كاملة - مافياWhere stories live. Discover now