السابع والثلاثين "استسلام للواقع"

8.9K 300 21
                                    

الفصل " السابع والثلاثين "
" استســـــــــــلام للواقع "
نظرت السيدة نور نحو سارة بريبة " عبد الرحمن عارف أنك هنا؟ " " لاء " ردت بوهن , " طيب أطلعي يا بنتي أحسن يجي في أي لحظه ويلاقكي هنا ويعمل مشكلة " " حاضر " ومدت اليها الصندوق بتردد شديد " ده إيه؟! " " دي حاجه أحمد الله يرحمه أخر هدوم لبسها لسه ريحته فيها " وازدردت لعابها " والبرفيوم والصور بتاعته " " جبتيهم منين يا سارة؟ " " دول كانوا معايا خبتهم لما عبد الرحمن قفل الشقة بابا عمل زيه بس أنا كنت مخبياهم من قبلها " اخذت السيدة نور بيد مرتعشة الصندوق من سارة وكتمت دموعها بصعوبة بينما ظلت أعين سارة معلقة علي الصندوق .
وضعته السيدة نور بحذر علي جنب وضمت سارة لها " شاطرة يا سارة بوصي لمستقبلك يا حببتي " تساقطت دموع سارة واستأذنت السيدة نور وصعدت , وظلت السيدة نور تنظر للصندوق بلوعة .
_ انتظرت ولدها بالشرفة وحالما رأته أشارت له بيدها وقالت " أطلع عاوزاك " صعد عبد الرحمن لها وأخذته معها الي غرفتها و أشارت الي الصندوق " الصندوق ده سارة نزلته أنهاردة " قال بحده " هي إيه اللي نزلها؟؟ " أشارت له بنفاذ صبر كي يصمت " الصندوق ده في أخر حاجات أحمد لبسها وصوره وعطوره , وهي نزلتهم عشان كلمتها أمبارح وهي مش عاوزة تبقي خاينه " أغمض عينيه بآسي لازالت تحتفظ بأغراضه الي الآن , وقال بسخريه لوالدته " وأنا أعرف أزاي ما جايز لسه مخبيه حاجه " " أفهم يا غبي الصندوق ده محدش يعرف عنه حاجه إيه اللي يجبرها أصلا تنزله , إلا إذا هي فعلا مش عاوز تشوف الي فيه تاني " .
أقترب من الصندوق وأراد فتحه " أنت هتعمل إيه؟ " رد بوهن شديد " أحمد وحشني قوي " وضعت يدها علي الصندوق بحزم " الله يرحمه , ملوش لزوم تعذب نفسك الكورة الوقتي معاك يا عبد الرحمن أنا عملت اللي عليا وهي أتخلت عن أغلي حاجه يعني ناويه تكمل " .
ظل عبد الرحمن جامد في مكانه يحاول فهم ما قالته السيدة نور ثم أنصرف بهدوء .
_ وفي المساء طرق باب غرفتها ووضع باقة ورد أمامها وذهب , فتحت سارة الباب وأخذت الباقة ونظرت حولها لم تجده , همت بترك الباقة ولكنها تذكرت كلام السيدة نور بأنه زوجها وله عليها حقوق , أخذتها علي مضض وأغلقت الباب ووضعتها علي الطاولة وذهبت لتكمل قرأه القرآن المخصص لأحمد فهي أن تخلت عن أغراضه , لن تنسي القراءة  والدعاء له أبدا .
أطل عبد الرحمن برأسه وعندما لم يجد الباقة فرح كثيرا , ودخل غرفته وهو سعيد وأرتمي علي السرير وأخذ ينظر للسقف بمرح " بتضحك علي إيه يا أهبل! " " أهلا أنت شرفت " " دي مراتك من حقك تعمل اللي أنت عاوزة واللي يكلمك حط صوابعك في عينه , مش تفرح عشان خدت الورد وتجيب ورد ليه أصلا !! , حد بيجيب لمراته ورد؟!! " , قال عبد الرحمن بسخرية " صدق أنا مستنيك فينك يا راجل فاكر أول يوم , يوم فرحي استغربت قوي أنت مجتش ليا وقولت أنا أهو وهي في الأوضه اللي جنبي وأنت فين , الوقتي بس عرفت أنت مجتش ليه , لأنها مراتي وأنت مش هتستفاد حاجه ووقت ما سارة عملت اللي عملته في الشركة جيت وعمتني ومشوفتش أنا عملت إيه إلا بعد ما كان الوقت خلاص فات " " لوكنت سبتك كنت هتفضل متردد طول عمرك " كان يقولها بانتصار واضح .
" عشان كده ليك عندي حاجه حلوة أوي " ونهض عبد الرحمن سريعا وتوجه الي الحمام وتوضأ وأخذ يستغفر الله كثيرا ثم ذهب للصلاة وفي كل ركعة كان يدعو الله أن يصلح بينه وبين زوجته , وان يبعد عنه هذا الذي يوسوس له ليل نهار .
وكلما حضر أستغفر عبد الرحمن كثيرا وأنشغل بعمل شيء ما كي لا ينصت له , الي أن مل هذا الأخير وكف عن الذهاب والتحدث معه .
***
ظل عبد الرحمن كل يوم في نفس الموعد يطرق الباب ويضع الورود والشوكولا  امام الباب ويذهب وهي تأخذها , كانت تتركها علي الطاولة ولا تفعل بها أي شيء ولكن تأخذها فقط من أجل كلام السيدة نور .
سمح لها بالخروج كيفما تشاء مرة أخري ورفع الحظر عنها الذي أخبر حسين به لأنه لم يكن يسمح لها بعبور باب الفيلا حتي مع حسام أو محمد .
_ أما تلك الليلة فكانت مختلفة طرق الباب في التاسعة كعادته ولكنها عندما فتحت الباب وجدته هو يقف أمامها فنظرت الي الأسفل أخرج كيس من خلف ظهره الضخم وقال لها بود " أصل ده آيس كريم وخفت يسيح ويبوظ السجادة وأنا عارفة أنك لسه قالبه الشقة وكان ممكن تيجي وتزعقي فيا " وأقترب منها وقال بتوسل " وأنا بخاف أوي لما بتزعقي فيا " رفعت سارة رأسها وحاجبيها من الدهشة هل يمكن أن تصيح به ؟! والأهم هل يشعر بالخوف مثلنا؟!!  .
مدت يدها وقالت له " شكرا " أرجع الكيس للخلف وقال وهو يحاول أن يسترضيها  " أصل الآيس كريم ده لينا إحنا الإتنين المفروض ننزل ناكله تحت " " شكرا أنا عاوزة أنام " وهمت بغلق الباب  ولكنه أمسك يدها وقربها له كثيرا " لو بتحبي عم شاكر أنزلي كلي معايا " " بحبه بس ملوش علاقة علي فكرة! " " خلاص هقول له " كان يشاكسها بمرح وأربكها حين أقترب منها كثيرا هكذا " طيب سيب أيدي وأنا أنزل " شاكسها مرة أخري " أنتِ تؤمري " نزلت أمامه بحذر وهي متوجسة خيفة منه ما هذا الذي يفعله ؟ أهو معتوه ما !! .
سكبت له وسكبت لنفسها وجلسوا في المطبخ وتناولوه بصمت , ظل يراقبها بينما لم ترفع هي عيناها عن طبقها فهو يعلم أنها تأكل دون شهية , ولكنها تعشق الآيس كريم وهذه نكهتها المفضلة .
" سارة " " أيوة " ورفعت رأسها له فوجد قطعه صغيرة للغاية علي فمها , لم يستطع أن يقاوم مد يده ومسحها بأصبعه وارتبكت هي كثيرا وأخذت تمسح فمها جيدا , نظر لها في عينيها ولعق أصبعه الذي مسح به المثلجات وأمسك وجهها بكفيه وقال بآسي حقيقي " أنا أسف " .
همت بتركه ولكنه جذبها برفق اليه فتلاحقت أنفاسها بشدة وأوشكت علي الصياح به وضربه والركض ومنعت نفسها مرة أخري عندما تذكرت كلام السيدة نور , ولكنها لا تطيق لمسته أبدا , سالته بصوت مرتعش " ممكن تسبني ؟ " " يا سارة أنتِ مراتي لحد أمتي هنفضل كده ؟ " وحاول الاقتراب منها ولكن دموعها نزلت رغما عنها فهي ليست عليها سلطان , ضمها إليه بحنان وأخذ يستنشق عبير شعرها فهو يشعر بشوق رهيب لها وقبل وجنتها ولكنها كانت تبكي وترتعش بشدة بين يديه فتركها وهو مكرهة كي لا تخشاه أكثر وحالما تركها ركضت هي الي الأعلى .
تملك الإرهاق منه ماذا عساه أن يفعل , ولكنه كان ينوي استعادتها بأي شكل فلم يستسلم ليأسه ونهض وأخذ يبحث عن شيء ما .
وضع الأسطوانة وانسابت الموسيقي أمام غرفتها مباشرة واندلعت أغنية جاستن بيبر
“ Love yourself “
لم يكن هو يستمع له ولكنه يعلم بأن سارة تسمع أغانيه وضع الاغنية ورن هاتفه فذهب بعيد كي يتحدث وحين عاد أستمع الي الكلمات الآتية :
My mama don’t like you , and she likes every one
أمي لا تحبك وهي تحب الجميع .....
" هااااار أسود " وضع يده علي رأسه وركض للأعلى
And now I know , I’m better sleeping on own
والآن أعرف أنني أفضل النوم بمفردي ...
_ "أخرس يا بن ......  هي ناقصة يا جذمة قديمة " وضغط الزر وأدار أغنيه أخرى ودلف الي غرفته سريعا .
So let me , Oh let me redeem ,Oh redeem myself tonight
لذلك أسمحي لي , أسمحي لي أن أكفر عن أخطائي الليلة .
كان عبد الرحمن يقف خلف الباب ويهمس لنفسه " أه يا بني قولها ويا سلام لو تصالحني أنهارده " .
Is it too late know to say sorry ?
هل فات الأوان الآن علي أن أقول أسف ؟
" يا بني قولها المسامح كريم أحسن !! " , ظل عبد الرحمن وراء الباب يسمع ربما يصدر أي رد فعل عن سارة .
Cause I missing more than just your body
لأنني أفتقد أكثر من جسدك فقط .   !!
صاح عبد الرحمن من الدهشة وضرب خده بيده " يخرب بيت أمك هي ناقصة " وخرج سريعا من الغرفة وفي تلك اللحظة كانت سارة مبحلقة في غرفتها وحالما سمعت تلك الجملة قررت إغلاق مشغل الموسيقي واحمرت غضبا .
فتحت الباب ووجدته أمام المشغل , أستوقفها بيده وقال بسخرية واضحة من نفسه " والله ما أنتِ تاعبه نفسك , ده عيل واطي جاي يوقع بنا أصلا ! " ثم أخرج الأسطوانة ونظر لها وقال " حتي أهه بوصي " وقسم الأسطوانة الي نصفين ورماها خلفه وأردف " يحرق أمه كان هيودينا في داهية , بوصي أنا عاوزك تنامي وترتاحي ولا كأنك سمعتي حاجه خالص أقولك إحنا وقفنا عند الآيس كريم " وتذكر بأنه أرعبها فتراجع " أقولك أنتِ مشوفتنيش النهارده تصبحي علي خير يا سارة " ودخل غرفته وأغلق الباب .
ارتسم علي ثغرها شبح ابتسامه وحدثتها نفسها , هل جن هذا! , ثم تذكرت عندما أشعل أحمد الموسيقي كي يصالحها وذهب ذلك الشبح وأغلقت النور وذهبت للنوم .

_  " بعد هذا الموقف أكتفيت بالورود والكروت مرة أخري وبعد عده أيام كان الجميع يتناول العشاء في الحديقة وبعدها ذهبت هي للجلوس علي أرجوحتها وصعد حسام وأمل ووالدي ووالدتي أما محمد وأيه فذهبوا للسباحة " .
_ غفت هي علي الأرجوحة بالحديقة وقف يتأملها وهي نائمة هكذا فهذه الفرصة لن تتكرر كثيرا , جازف بكل شيء وحملها وهو يعلم أن ذلك سوف يضايقها ولكنه لم يستطع منع نفسه من المحاولة , لم تستيقظ حملها برقة شديدة وصعد بها ببطء كي لا تستيقظ وكالعادة طار قلبه من صدره لقربة منها , وأثناء صعود المصعد للأعلى استيقظت فجاءه من صوته وشهقت " في إيه أنت بتعمل إيه ؟! " وبدأت بالتململ من يده " نزلني الوقتي أحسن لك " أنها مرعوبة ومعها كل الحق في ذلك .
" سارة أرجوكي أنتِ دايخة , أنا والله عمري ما هأذيكي تاني " كان هناك توسل رهيب في صوته وفي نظرته جعلها تصدقه , رفعها قليلا كي تريح رأسها علي كتفة واستكانت له , فتح الباب وصعد بها الي غرفتها وهو  غير مصدق أنها استكانت له أخيرا .
أجلسها برفق علي حافة السرير وركع علي ركبة واحده أمامها يتأملها بينما اشاحت هي بوجهها كي تهرب من تلك النظرات المصوبة نحوها , ولكنه جعلها تنظر له بحركة خفيفة من أصبعه وتوسلها ودموع الندم متحجرة بعينيه " مفيش أي أمل أنك تسامحيني في يوم من الأيام علي اللي عملته فيكي ؟ " , نظرت الي الأسفل ما فعله معها كان وحشي للغاية لم تصدق أن هذا الوحش الراكع أمامها يتوسل لها وفي عينيه دموع , هل يشعر مثلنا ؟ هل لديه قلب ؟ .
وما إن نظرت له مرة أخري حتى فوجئت بشدة لقد تساقطت دموعه علي كل من وجنتيه واحمرت عيونه بشكل غير طبيعي , أمسك بكل من يديها وهو يتأمل رد فعلها هذا " سارة أنا عارف أن اللي بطلبة كتير , بس أنا متأكد أن قلبك كبير أدي لنفسك فرصة بس عشان تفكري في الموضوع , اللي عملته فيكي من البداية كان شيء حقير من أول ما ضحكت عليكي عشان تتجوزيني " نظر الي الأسفل ومسح دموعه وأنفه لكن الدموع لم تتوقف عن النزول " أنا أستغليتك ومفيش أي فرق بيني وبين علي وأحمد " قالت سارة بدهشة " استغلتني ! وعلي وأحمد الله يرحمه هيستغلوني في إيه ؟! " " علي أستغلك عشان يسكت والدته , وأحمد كان عاوز يأمن نفسه بيكي عشان عارف أنك وفيه وعمرك ما هتسبيه " , ونظر للأسفل بآسي " وأنا كان كل همي أخد اللي معرفتش أخده من سنين ومعرفتش أنساه في يوم من الأيام , أنا بحبك من زمان وأنتِ مش حاسة بيا من يوم ما شوفتك مع عم شاكر و أنتِ بدخلي شعرك في الطرحة والشمس منورة وشك مروحتيش من بالي وأفتكرتك وأنتِ صغيرة لما كنت بلعبك وقد إيه كنت بحبك " .
قالت بدهشة " أنا أعرفك وأنا صغيرة ! " ابتسم بوهن من بين دموعه " أيوة انا كنت باخدك قدامي علي العجلة وأنتِ صغيرة " لم تستطع سارة تذكرة أبدا " لقيتك فجاءه قدامي عروسه جميلة , كنتي مع عم شاكر وبابا مكنش شافه من زمان راح سلم عليه ووقفوا يتكلموا شويا وأنا أول ما شوفتك أتسمرت في مكاني مصدقتش أنك كبرتي وبقيتي عروسه , فضلت واقف وعيني منزلتش من عليكي وأنتِ ملبوخه في الطرحة بدخلي شعرك فيها , وبعدها بابا ساب عم شاكر ومشيتو وأنا فضلت أفكر فيكي كام يوم ليل و يا نهار وبعدين روحت قدام البيت بتاعكو قولت جايز أشوفك من البلكونه أو الشباك , فضلت واقف قدام البيت نص ساعة مش عارف أنا بعمل كده ليه ! , دي كانت أول مرة في حياتي كلها أعمل حاجه زي دى عمري ما حولت حتي أني أتعرف علي وحده قبل كده , وبعدين لقيتك نزلتي أنتِ وطنط  و ركبتوا تاكسي , فضلت ماشي وراكو لحد ما دخلتوا المول كنتو بتشتروا حاجات كتير , بس أنا مكنتش واخد بالي غير منك براقب وشك وهو بيتكسف ويضحك ويحمر والبراءة اللي كانت ملياه وطنط وهي بتحضنك وتضحكوا سوا , فضلت اليوم ده كله ماشي وراكي وبضحك من نفسي مش عارف أنا بعمل كده ليه ؟ وفضلت وراكوا لحد ما روحتوا البيت تاني , وبعدين أعدت أفكر أزاي ممكن توافقي بيا كنت متردد عشان فرق السن اللي بنا , بس يوم الجمعة خدت قراري وقولت أنا هفاتح بابا وأجي أتقدم واللي يحصل يحصل ولو موفقتيش هشوف حل تاني وأحاول أكلمها ولما روحت عشان أقول لبابا " وتذكر هذا اليوم .
" بابا من فضلك هو عم شاكر والد سارة .... " " أه سارة ياااه أبن حلال يا عبد الرحمن فكرتني كنت ناسي أنا هلبس حالا وتعالي وصلني يا بني عشان رجلي مجزوعة ده فرحها أنهارده " وبابا خدني معاه ودخلت وباركت لعم شاكر , كانت دي أول مره يشوفوا بعض من سنين وأنا كمان أخر مرة شوفتك فيها كان عندك 9 سنين وبعدها شوفتك وأنتِ عروسه حسيت بحسرة في قلبي وأنتِ لابسه فستان الفرح لغيري , فضلت الربع ساعة كلها واقف أبوص عليكي مشلتش عيني من عليكي , مشوفتش مين العريس حتي وأنتِ بتسلمي و الناس بتبارك ليكي وعينك جيت في عيني مرة واحده بس للحظه متعرفيش قلبي دق ساعتها أزاي كنت حاسس أنو هيطلع بره صدري كانت أول مرة تحصلي , خرجت وأنا مش شايف قدامي وفضلتي معلقه معايا فترة كل يوم قبل ما أنام أفكر فيكي وأقول يا تري هي مبسوطة مع جوزها " وصمت كي يلتقط أنفاسه " ولما قرأت مذاكراتك مع علي ندمت قولت يا رتني جريت وخدتها وهربت بيها ومسبتهاش تتعذب كده .
يمكن ده مش سبب كافي ليكي وأنا نفسي كنت مستغرب أزاي أتعلق بحد كده من غير ما أتكلم معاه حتى بس دى كانت أول مرة تحصلي وبعد كده ماما كانت بتجبلي عرايس عشان أشوفها بس غصب عني كنت بقارن بينهم وبينك ملقتش مع أي وحده الراحة اللي حستها وأنا ببوص ليكي " .
كانت سارة مدهوشة من الكلام الذي يقوله ولكن دهشتها الكبرى أنه يبكي وأرتعش قلب سارة كيف لرجل بصلابته أن يبكي أمام أمرآه " أنا مش مصدقه اللي بتقوله ومش مصدقة أنك بتعيط كده ! " ورفعت يدها تمسح دموعه برقه فرغم كل شيء لم تستطع رؤيته يبكي هكذا أمامها .
أمسك يدها وأخذ يتنفس رائحتها وأسند رأسه علي كفها غير مصدق ما تفعله وابتسم لها بوهن " دي مش أول مرة أعيط فيها عشانك يا سارة , أنا عيطت لما أحمد طلبك للجواز طلبك وأنا لسه هفاتح بابا في الموضوع سبقني بدقيقة واحده وطلبك هو كنت أعد افكر أزاي هفاتح بابا في الموضوع " وتردد عبد الرحمن قليلا " كنت خايف بصراحة من رد فعل ماما عشان أنتِ كنتي متجوزة قبل كده , رفضت لما أحمد طلبك من بابا بس مقدرتش أكسر قلب أحمد مقدرتش " وبكي بشدة وبقوة " أحمد الله يرحمه كان أغلي واحد علي قلبي , رغم أني شوفتك قبله يوم المقابلة بعد فرحك بحوالي سنتين مع حسام مصدقتش نفسي لما لقيتك أنتِ اللي أعده وقتها كنت نسيتك بس لما شوفتك وتأكدت أنك سارة لقيت قلبي ضرب جامد وكأنه هيخرج من مكانه عرفت أني لسه بحبك و استغربت من نفسي بصيت في أيدك ساعتها ملقتش الدبلة كنت هطير من الفرحة وبعد ما مشيتي جريت علي  " السي في " بتاعك وأتأكد من الحالة الاجتماعية , حتي في الأسانسير حسيت بحاجه غريبة نحيتك بس أنتِ كنتي باصه في الأرض ومعرفتش أنتِ مين , فضلت أراقبك كل يوم وأنتِ بتصلي وبتشتغلي بس مقدرتش أكلمك أنا عمري ما عرفت أزاي الواحد يكلم واحدة ويخليها تحبه , كل اللي كنت مستنيه أنك تهدي وأروح أقابل عم شاكر وأطلبك منه لأنك أكيد كنتي هترفضيني لو طلبتك وقتها " ومسح أنفه بعنف " .
بس أنت كنت جامد معايا قوي عمري ما حسيت أنك ممكن تفكر فيا أصلا " هز رأسه " كنت خايف تحسي بأي حاجه تسيبي الشغل وتمشي وأنا كنت عاوز وقت بس عشان تهدي ويوم ما حسام زعق فيكي في المكتب برج من دماغي كان هيطير " .
تذكرت سارة ذلك جيدا وكيف صاح بأخيه " وبعدها لقيتك واقعه مع أحمد علي الأرض كنت حاسس أن عقلي هيشط مني وبلعن الحظ اللي بيوقع بيني وبينك وفي النهاية أحمد طلبك هو اللي سبق وأنا من حبي فيه مقدرتش أعمل حاجه خصوصا لما لقيتك أنتِ كمان معجبه بيه " وضحك بوهن وسخريه " لأ وكمان كنت الشاهد علي كتب كتابك كنت بموت وأنتِ بتضيعي مني للمرة التانية وأنا مش قادر أتكلم ولا أعمل حاجه يوميها عيطت ويوم فرحك عيطت ويوم عمليتك كنت حاسس أني هموت لو جرالك حاجه " وأمسك بيدها واضعا كفها علي قلبه " أنا عارف ان اللي هقوله الوقتي أحتمال كبير متصدقيهوش بس والله العظيم هي دي الحقيقة وأنا مستعد أحلف ليكي علي المصحف حالا عشان تصدقيني , يوم ما تعبتي حسيت بغزة رهيبة في قلبي وحاجه بتقولي أنك مش كويسة وتعبانة وتحججت ليهم بالتاب وجريت عليكي ولما لقيتك واقعه وماسكه جنبك قلبي كان هيوقف فضلت أفوق فيكي وعيطت لما مردتيش عليا , بس مكنش ينفع حد يعرف مسحت دموعي وجريت بيكي علي المستشفى ووانا شايلك حضنتك جامد من غير ما حد يا خد باله مكنتش قادر ولما أعدت معاكي في المستشفى كنت هطير من الفرحة لما فوقتي , منزلتش عيني من عليكي لحظه , حتي أني حلمت بيكي " والتقط انفاسه "حلمت أني حضنتك جامد , ويوم الحرامي في المول بعد ما أحمد قفل معايا حسيت بحاجه وحشة وسمعت صوتك في ودني فجاءه وأنتِ خايفة خدت المسدس وجريت ولما شوفت الحرامي كنت هضربه بالنار بس خوفت يتحرك فجاءه وتيجي فيكي " أزدرد لعابه والتقط أنفاسه وأردف " ولما نزلتي الجنين حسيت بنفس الإحساس اللي حسيته لما الزايدة تعبتك جريت أدور عليكي في كل مكان ولما شوفت الدم كنت حاسس أن حد ضربني  في قلبي بسكينه وجري وفهمت أنك نزلتي " " عرفت أزاي !! " كانت سارة مصدومة مما تسمعه ولم تصدق بأن هناك من كان يحبها ويهتم لأمرها منذ سنوات وهي لا تعلم وفي نفس الوقت لم تستطع أن تكذبه فهو يحكي أشياء حدثت وإنما من رؤيته هو " أنا خدت المذكرات من علي يوم ما جه وحاول يرجعك وقرأتها وعرفت كل اللي مريتي بيه " كان يتصبب عرقا وأصبح يتكلم بصعوبة أكبر وبكي بحده وتعالت شهقاته " أنا .. أنا .. أنا مش وسخ يا سارة .. أنا حبيتك وحبيتك من قبل أحمد من زمان وحاولت أطلعك من قلبي وربنا شاهد عليا , أنا كنت بسافر عشان أنساكي ولما أحمد رجعله نظرة قررت أني أطلع من حياتك نهائي ومكنتش هسكن في البيت عشان كده وحتى الشغل قررت أني أبعده عشان ميبقاش في أي صله بيني وبينك " .
فتحت سارة فاها فارغة ودموعها نزلت وهي تهز رأسها غير مصدقة " عشان كده كنت بتتجنبني وبعد العملية مكنتش بتكلمني " وتذكرت حادث القلم ومعصمها الذي هشمه " مكنش ممكن أكلمك بعدها أحمد خلاص كان فاق وتأنيب ضميري أنك شيلة مسئوليته كان خلاص مبقاش له لازمه " أخفض رأسه بحجرها وبكي بصوت عالي للغاية لقد أنهار تماما وأنكشف كل شيء .....
" صدقيني أنا مكنتش مبسوط انا عشت غريب بنكو بمثل أني بضحك معاكوا  , بس تأنيب الضمير كان هيموتني كنت بتمني الموت عشان أرتاح وياما دعيت ربنا عشان أنساكي " .
أصبحت رعشته كبيرة جدا وضعت سارة يدها علي جبينه وأغمض عينيه لحركتها هذه " عبد الرحمن أنت سخن قوي قوم معايا " أوقفته وأزاحت الغطاء وجعلته يتمدد " سارة لاء لازم تسمعيني أنا كنت بخاف أنام مع حد من أخواتي أنطق أسمك بالليل وأنا نايم قدامهم أنا عشت في رعب ربنا أنتقم مني عشان خاين بس والله مش بأيدي , مش بأيدي ولما عملت اللي عملته معاكي كان جويا غضب سنين وعذاب ضمير فكرت أنك لو بقيتي مراتي بجد هيروح كنت هتجنن مش قادر المسك فاكر أن روح أحمد حواليكي ومكنتش نايم قبلها ب 3 أيام والشيطان جاب في عقلي ودا " وبكي بحرقه " والله ما عرفت عملت كده أزاي والله ما عرفت إلا بعد ما لقيتك مغمي عليكي ومش بتردي عليا صدقيني يا سارة هي دي الحقيقة , هتسمحيني , هتقدري ! , وبعد ما حصل الي حصل كنت مضايق منك وعاوز أنتقم لأني خسرت كل حاجه عشانك وأنتِ مش قادرة تحسي بيا عشان كده كنت بعملك وحش كنت عاوز أكرهك بس معرفتش بردو مقدرتش " كانت سارة تبكي هي الأخرى وضعت شفتاها علي جبينه ووجدت حرارته مرتفعة للغاية " أرجوك يا عبد الرحمن لازم تهدي الأول " , أحضرت كمادات مياه وحبوب خافضه للحرارة واعتنت به طيلة الليل , أخذ ينادي باسمها ويكرر ما قاله لها وهو يهذي وبعد عده ساعات انخفضت الحرارة قليلا وهدأ هو الأخر .
ذهبت ووقفت أماما المرآه وهي مصعوقة أخذت تتلمس وجهها وتسألت " أحقا هو أحبني كل هذا الحب ؟ هل يعقل أن يتحمل أحد تلك العيشة ؟ ولكنه فعلا سافر بعد زواجي من أحمد وكان يتجنب الكلام معي وأنا بسذاجتي كنت أظل وراءه الي أن يتحدث مع مرة أخرى وبعد أن اصبح أحمد يري أراد ترك المنزل والزواج بعيدا عن هنا رغم اعتراض الجميع علي هذا القرار .
ولكن لما ؟ ما المميز في أنا لست بجميلة , لست بشخصية جذابة تجيد التحدث مع الناس ما الذي جذبه الي وجعله يتحمل كل هذا العذاب , لم تستطع سارة فهم أي شيء يحدث حولها جلست أمامه علي كرسي حتي غفت وهي غير مصدقة ما يحدث , لطالما حلمت بأن يحبها أحد ما وها هو هذا الشخص يتحدث عن حب كبير لها , لقد كان أمامها طوال الوقت وهي لا تعلم وتبحث ... وتبحث .... .
غفاها النوم علي الكرسي وبعد فترة استيقظت علي صوت تململه بالسرير " انا اسف اني نمت هنا " أرجعت رأسه الي الوراء وجعلته ينام مرة أخرى ووضعت له مؤشر الحرارة " الحمد لله الحرارة نزلت " نظر للكمدات بجواره " هو أنا كنت سخن ! " هزت رأسها ووضعت كفها علي جبينه ومسدت شعره الي الخلف أغمض عينيه مستمتع بلمساتها الحانية غير مصدق إنها هي من اعتنت به , وقالت هي بهدوء " الحمد لله أنت أحسن الوقتي " أمسك يدها حين تركت جبينه وسألها بوهن " سارة أنتِ مسامحاني ؟ " جلست الي جواره وابتسمت له " لو شربت العصير وأكلت الفطار اللي هجيبه هسامحك " .
اتسعت عيناه من المفاجأة ونهض سريعا وضمها اليه بفرحه وبكل قوته بينما تأوهت هي بشدة من قوة عناقه " أه أه حرام عليك ! " تركها بسرعة " مالك في إيه ! " أخذت تفرك ذراعيها بشدة من فرط الألم " حرام عليك هتكسر دراعي " أمسك بوجهها بين كفيه " أنا مش مصدق أنا أسعد واحد في الدنيا دي كلها " قبل رأسها وضمها اليه مرة أخري وحاول أن يكون رقيقا معها هذه المرة , ثم تركها وأخذ يتأملها بينما أخفضت هي رأسها واحمرت منه خجلا , ذاب عندما راها خجله منه لم يشعر بسعادة مثل تلك التي يشعر بها من قبل في حياته كلها لقد تحقق المستحيل أخيرا كاد عقله أن يطير من الفرحة قال بلهفة " سارة أنا .... " لم تدعه يكمل كلامه بل وضعت إصبعها الصغير علي فمه " تقدر تنزل تحت الوقتي ؟ " ابتسم لها " أيوة أقدر " " لازم طنط نور تعرف " انفرج ثغرة عن ابتسامه امتنان كبيرة وضم وجهها بين كفيه " بس عاوزة أسألك سؤال واحد الأول " ارتسمت الجدية علي وجهه مرة أخري وخشي من هذا السؤال , ما الذي يمكن أن تسأله له ؟
هز رأسه بهدوء " أسألي " " ليه أنا ؟ " ارتاحت أساريره وأخذ يتأملها جيدا " مفيش حاجه أسمها في الحب ليه يا سارة أنتِ كلك علي بعضك أسرتيني من أول مرة شوفتك فيها في الشارع حسيت فيكي ببراءة وهدوء ريح قلبي علي طول " قاطعته " بس أنا مش جميلة قوي ولا حاجه " تلمس وجهها بأصابعه بلمسات حنونه " يمكن أنتِ شايفه أنك مش جميلة مش عارف ليه ؟ بس أنتِ بالنسبة ليا أجمل بنت في الدنيا ومش عشان جميلة أو مش جميلة الراحة اللي بحس بيها لما أتكلم معاكي أو أبوص ليكي متتوصفش , حاجه حطها ربنا في قلبي من نحيتك حتى من وأنتِ صغيرة كنتي هاديه ورقيقة وبحب ألاعبك قوي بس طبعا وقتها كنت شايفك أختي " هزت رأسها " بس أنا مش فاكراك خالص " ضحك " أحنا كنا ساكنين وراكوا بشارعين وبابا وعم شاكرا كانوا بيعودوا مع بعض علي نفس القهوة وكنتي ساعات بتروحي معاه وأنا كنت بخدك أجبلك شكولاتة أو تركبي معايا العجلة شويا حتي وأنتِ صغيرة كنتي هاديه  وبحبك بس فعلا ممكن ما تفتكريش لأننا متقبلناش كتير وكمان علي فترات ولما شوفتك لما كبرتي أسرتيني بردوا بس بالبراءة اللي في وشك ولما أنفصلتي وجيتي الشركة أسرني الحزن اللي في عيونك بشكل مش طبيعي كان نفسي أقولك اتكلمي , أرجوكي , إيه اللي حصلك ؟ أنا جنبك مش هسيبك , بس مجتليش القوة وخفت تهربي وتضيعي تاني ولما قربنا وعرفتك عن قرب حبيتك أكتر وأكتر حتي لو كان غصب عني , مفيش ليه يا سارة أنتِ دخلتي قلبي من غير ما أعرفك ولما عرفتك وشوفت روحك , والطيبة اللي ماليا قلبك وعيونك عشقتك ومش ندمان لأنك تستهلي أتعذب عشانك " و مسح دمعة نزلت بهدوء علي وجنتها , ابتسمت له وتنهدت من تأثير كلامه هذا " مش يا لا بقي ننزل ؟ " أطاعها بحب " يالا " .
***** **** *****
فتحت السيدة نور الباب , لتجد كل من عبد الرحمن وسارة يبتسمون لها بمودة وكل منهم يمسك بيد الأخر وما شجع السيدة نور هي نظرة سارة لها وهي سعيدة , ركع عبد الرحمن أمام والدته وقبل كل يد عده مرات وأحتضنها بشدة وكأنه طفل صغير يخبئ رأسه بصدر أمه ضمت رأسه بحنان وقبلتها " سامحيني يا ماما أرجوكي " دمعت عيناها ومسدت رأسه بحنان " مسمحاك يا عبد الرحمن مسمحاك " ذهبت سارة وضمتها وقبلت كل منهم الأخرى , وقف عبد الرحمن وضمهم الي صدره وقبل رأس كل منهم " أغلي أتنين علي قلبي واقفين معايا " كان السيد شهاب يراهم من بعيد وعندما لمحه عبد الرحمن هرع نحوه وقبل يده ورأسه " أنا أسف يا بابا سامحني " ابتسم السيد شهاب بهدوء وقال وهو يربت علي ظهر عبد الرحمن " مسامحك يا بني " جلس عبد الرحمن الي جوار سارة وأمسك بيدها وهو غير مصدق ما يحدث معه تحقق حلمه أخيرا , وأخيرا لا يشعر بالذنب أو العذاب كلما نظر لها " مروحتش الشغل يعني يا عبد الرحمن " " عبد الرحمن كان تعبان يا عمي وسخن طول الليل " نظر كل من الأب والأم اليه بقلق " وعامل ايه الوقتي " .
ابتسم ونظر الي سارة " الحمد لله سارة فضلت جنبي طول الليل ومنمتش لحد ما أنا فوقت وأول ما فوقت وأتكلمنا قالت لازم ننزل لطنط نور " نظرت سارة الي الأرض وهي تشعر بخجل منهم ومن نظراتهم , ربتت السيدة نور علي ظهرها أنها تحبها بشدة وتقدر ما تفعله مع أولادها .
_ قالت سارة لتخرج من هذا المأزق " إحنا مفطرناش هحضر الفطار ونفطر كلنا سوا " وذهبت الي المطبخ وبدأت في التحضير , قبل عبد الرحمن والدته بسعادة كبيرة " وذهب خلفها وتكلم بصوت ملئه الرقة والفرح " ممكن أساعدك ؟ " لطالما أراد فعل ذلك كلما رأي حسام ومحمد معها يحضرون الطعام ولكنه كان يخشي الاقتراب منها أما الآن فلا موانع ولا حواجز , قالت بخجل " متتعبش نفسك " رد و هو هائم بها وبخجلها " مفيش تعب معاكي أبدا " .
كان يشعر وكأنه فوق السحب ، وضعا الطعام واجتمع شملهم يتناولون الطعام ونزلت كل من أيه وأمل , كانت أمل تسير ببطء وتتحسس بطنها الكبير , أما أيه كعادتها المرحة أخذت تشاكس السيد شهاب والسيدة نور " تعالوا يا بنات أفطروا " " والله يا عمو أنا فطرت مع محمد بس مش هكسف حضرتك " " يا رب تتخني وتبقي فشلة يا رب " تمتمت امل بغيظ من بين اسنانها ضحكت السيدة النور " كفاية يا أمل أنتِ يا ما دعيتي ومفيش حاجه حصلت لا هي بطلت أكل ولا بردو تخنت " .
وعندما جلسوا الي الطاولة نظرت كل منهن الي عبد الرحمن فهو يبدوا أنه مختلف تماما وكذلك سارة , أنها واحده أخري غير تلك الهائمة الحزينة , قالت أيه مستنكرة " هو مش المفروض تبقي في الشغل الوقتي " " اه صح أنت عمرك ما غبت من الشغل " نظر نحو سارة وابتسم بشدة ونظرت هي الأسفل بخجل " أنا خلاص مش هروح الشركة أخيرا هاخد أجازه " صدمت أيه وفتحت فاها " لاء متقولش أنتو .... " وأخذت هي وأمل يصدرن صيحات مضحكه فرحه وثم وضعت أيه أصبعا بفمها وأخذت تصفر مشجعه لهم جعلت الكل يضحك .
أمسك بكف والده " بابا أنت هتاخد مكاني بقي أنت بقالك كتير مريح " " والله انا زهقت فعلا من أعده البيت " كان عبد الرحمن يعلم ان هذا هو علاج أبيه كي يعود الي ما كان عليه قبل وفاه أحمد .
_ مر الوقت وقررت السيدة نور أنهم سوف يتناولون جميعا الطعام معا وعاد كل من حسام ومحمد الي المنزل وحالما رأي حسام أمل أقبل علي بطنها " حبيب بابا وحشتك مش كده ؟ عملت فيك إيه الست دي قول يا حبيبي ما تخفش " أزاحته أمل من علي بطنها " طيب قول ليا السلام عليكم الأول وبعدين كلمه " " أولدي أنتِ بس وليكي عليا هروحك لعم شاكر " " لا يا حسام هنسبها سنتين لازم تشغل موقعها كبقرة حلوب " قالت أيه تشاكسها , حك رأسه يفكر " أه تصدقي خلاص هستحملها سنتين كمان عشان خاطر عيونك يا جميل " وعاد يكلم الجنين مرة أخري .
همست كل من أيه وأمل لمحمد وحسام الذين نظروا الي أخيهم والي سارة ذهب حسام وسلم عليه ونظر الي سارة " ربنا يسعدكوا أن شاء الله " وكذلك فعل محمد لقد كانت علاقتهم متوترة والأن حل كل شيء وأصبح الجو محبب مرة أخري .
_ بعد تناول الطعام وشرب الشاي سأل حسام " ها يا عُبد هتعمل إيه في فرع 6 أكتوبر ؟ " " أنا مش هعمل حاجه خلاص بقالي سنين بجري جه عليك الدور أنت والمفعوص  اللي جنبك " ضحكت أيه بشدة بينما نهرة محمد " يا أخي مراتي أعده أحترموني بقي شويا يا جدعان !! " , نظر عبد الرحمن الي سارة بحنان " جواز سفرك جاهز للسفر مش كده " " اها " " أحنا هنطلع عمرة علي أول فوج " شهقت سارة ودمعت عيناها " بجد ! "  " بجد , إحنا الاتنين محتاجنها قوي وبعد ما نيجي هنريح كام يوم ونطلع شرم , الاقصر , مالديف أي حته نفسك تروحيها " نزلت دموع سارة وهي تضحك غير مصدقة ما يحدث معها بينما هنئها كل الجالسون , مسح عبد الرحمن دموع فرحها بهدوء وأمسك بيدها وهو فرح أنه يقتات من سعادتها وفرحها ويتنفس بهدوء نفسِها , كلما أطمئنت سعد هو , انها هو جزء كبير لا يمكن إهماله أنها مسئوله عن فرحه وعيشه ورجوعه الي الدنيا مرة أخري بصدر رحب .... .
*** **** ****
انسلت بهدوء من بين هذا الجمع ونزلت الي أرجوحتها ونزل هو ورائها وأمسك بيدها وجعلها تنظر له " مالك يا سارة ؟ " أخفضت رأسها " أمم .. أنا .. " شعر بالقلق مرة أخري " قولي اللي جواكي متخبيش حاجه عليا " " أنا محتاجه شويه وقت سنين وأنا شايفاك أخويا الكبير اللي لازم أحترمه والوضع جه بنا فجاءه .. م .مش عارفه " أمسك وجهها بحنان " خودي كل الوقت وأنا معاكي مش هسيبك أتفقنا " هزت رأسها موافقة قبل رأسها وضمها الي صدره وأخيرا سوف يهدأ باله .
**** ***** *****
بعد أسبوع من تلك الجلسة العائلية الجميلة كان محمد ممسك بالهاتف والعائلة ملتفة حوله " ها يا عبد الرحمن أنتو فين قلقتونا عليكوا  يا أخي " " أيوة يا محمد أحنا كنا في الطواف ولسه مخلصين السعي حالا ولما شوفت المكالمات أتصلت بيك علي طول " أبتسم السيد شهاب بشدة " الف مبروك يا عبد الرحمن عمرة مقبولة يا بني إن شاء الله وأزي سارة " ضحك عبد الرحمن " سارة هنا مبسوطة جدا بس رجلها وجعها " " أزيك يا عمو  أنا تمام الحمد لله " " أزيك يا سارة دعتيلي أن البيبي يجي بخير و أقوم بالسلامة " كانت أمل تسأل بلهفة .
" دعيت ليكي يا قلبي صدقيني ولسه هدعيلك أنتِ والبيبي ربنا يجيبه بالسلامة " صاحت أيه " حسيتي ب إيه أو ما شوفتي الكعبة ؟ " " ههههه دي أعدت تعيط وتقول مش مصدقه مش مصدقه " " فعلا يا أيه والله أحساس رهيب كنت حاسة أن قلبي هيطير من الفرحة مش مصدقة " ثم نظرت لعبد الرحمن " بتضحك عليا كده ليه ما انت كمان أعدت تعيط ! " " الله يا محمد أنا عاوزة أروح " " إن شاء الله لما يرجعوا نروح مع بابا وماما " صاح حسام بهم " أبعتو لينا الصور يالا ومتنسوش ماية زمزم وأنتو جاين " " حاضر يا حسام وهبعتلك بعد شويه صورة عبد الرحمن بعد ما يتحلل من الإحرام وهو زلبطه " ضحكوا ثم سأل السيد شهاب " هتعملوا إيه تاني يا عبد الرحمن ؟ " مفيش أحنا هنتحلل من الإحرام ونروح الفندق نرتاح وبعد بكرة هنعمل عمرة أحمد الله يرحمه أن شاء الله وبعدها بيومين هنروح المدينة " , " ربنا يجبكوا بالسلامة يا ولاد , سارة أدعي لأحمد يا سارة ربنا يسامحه ويغفر له ذنوبه " " متقلقيش يا ماما والله أول ما شوفنا الكعبة أعدنا ندعي له وسارة مش بتبطل وكلها يوم ونعمله عمرة أحنا الأتنين " " ربنا يجبكو بالسلامة يا رب " " خلاص بقي يا نور كلها شهرين وتروحي تعملي عمرة له بنفسك " مسحت دموعها " يا رب يا شهاب ربنا يبلغنا ويقدرنا " "سلام يا ولاد خلوا بالكوا من بعض " وبعدها بدقيقة أرسل عبد الرحمن صورة له هو وسارة كل منهم يرتدي الأبيض وبيت الله يظهر خلفهم , كانت عيونهم دامعة إلا أن الفرحة كانت تقفز من تلك الوجوه الباسمة .
_ مرت الأيام وحان موعد وصولهم كان السيد شهاب والسيد شاكر منتظرين بالحديقة بينما دلف محمد بهم وهو يضرب أصوات بوق السيارة وكأنه بزفة عرس ما , دخلوا وأدخلوا الفرحة الي قلوب الجميع معهم كان السيد شاكر والسيدة وفاء فرحين جدا بابنتهم العائدة من بيت الله والسعادة والنور ملئ وجهها , وقرروا ترك فارس مع أخوته والذهاب في القريب هم الأخرين الي بيت الله كي يشعروا بسعادة وراحة سارة وعبد الرحمن .
_ بعد عودتهم بعده أيام طار عبد الرحمن بها الي شرم الشيخ .
وقفت تشاهد البحر من وراء النافذة والهواء العليل يعبث بشعرها بخفه , نظر لها من بعيد لقد أصبحت أهدأ وأفضل حالا بكثير منذ أن أدت مناسك العمرة حقيقة منذ أن رأت بيت الله الحرام ، كانت شاردة ولكنه لم يسمح لأفكاره بالذهاب بعيدا , أقترب منها بهدوء ومسح وجنتها بظهر يده برقه بالغة , التفتت له وابتسمت ابتسامتها المهذبة " البلد عجبتك ؟ " " جميلة قوي " كان عبد الرحمن سعيد لأنها لم تأتي الي هنا من قبل وأحس براحه كبيرة يمكنه بناء ذكريات معها هنا دون أي أشباح من الماضي ....
جعلها تلتفت له وأمسك بوجهها وقبل وجنتها بقبله حانية للغاية ثم ضمها وأخذ يستنشق عبير شعرها , حمد الله  أنها لم تعد تبكي كلما أقترب منها وخفت رعشتها كثيرا ظل ممسكا بها هكذا بينما دفنت هي رأسها بصدرة الضخم وظلت ساكنه له أطال ضمها عله يشبع شيء من ظمأ قلبه لها وبعد مدة رفع رأسها بهدوء " إيه رأيك ننزل المايه ؟ " , نظرت الي البحر بزرقته الرائعة " أممم . أصلي مش بعرف أعوم كويس " ضحك لها " متخفيش أنا مش هسيبك " وأنخفض نحوها وقبل طرف أنفها بمرح " يالا بقي زمان المايه جميلة قوي الوقتي " .
_ كانت الساعة التاسعة صباحا ولم يكن هنا أحد موجود في هذا المكان الهادئ الذي حجز به وقفت معه وأخذت المياه تعبث بأقدامها " ما تخلينا نتمشي وخلاص علي البحر " خلع قميصه ثم نظر نحوها ورفع حاجبه  بمكر ثم وفجاءة حملها بسرعة ودخل الي المياه وهو يضحك بشدة عليها " أستني بس انا مبعرفش أعوم ! " " متخفيش مش هسيبك " تعمد الدخول بها الي مكان عميق لا تصل أقدامها به الي الأرض كي تظل متعلقة به فهو يتصيد الفرص للاقتراب منها .
قالت سارة برعب " طب طب خلينا نطلع قدام شويا أنا مش طايله الأرض خالص " ضحك بشدة عليها " لما تقولي لي عبد الرحمن 250 مرة هطلع بيكي " " مش فاهمه يعني إيه ؟! " نظر الي عمق عينيها وقال بصوت رصين " أنتِ مش بتنطقي أسمي خالص يا سارة " دمعت عيناها رغما عنها ولكنه لم يعطها الفرصة كي تشرد فقال مازحا " ولا أنتِ شاطرة بس تقولي أبيه وحضرتك زي اللادعة " وأمسكها من خاصرتها ورفعها عاليا من المياه بمرح وأخذت تضحك بشدة الي أن استسلمت " خلاص خلاص هقول " " مش سامع " " عبد الرحمن خلاص صدقني هقول " فرح كثيرا عندما سمعها تقولها وأنزلها أخيرا " ها هاتقوليها كام مرة في اليوم " " زي ما أنت عاوز " وضحكت بشدة وضحك هو الأخر وأخذ يلهو معها بالماء وهو فرح للغاية أنها تقترب منه يوم عن يوم صحيح أنها تقترب بحذر ولكنه وعدها بأن يعطيها كل الوقت وعليه الإفاءة بوعده حتى لو كان هذا الوعد يعذبه  ... .
رجع  الي المنزل بعد أسبوع بعد أن أراها معالم البلد وتمتع معها كثيرا برحله رائعة , فرحت السيدة نور بهذا التغير الذي طرأ علي سارة وعبد الرحمن ولكنها أخذت تراقب عبد الرحمن وهو ينظر بشوق الي سارة دائما وتذكرت قلقه عليها عند إجراء العملية وكيف كان دائما الي جوارها وكيف تبدل حاله بعد زواج أحمد منها وتذكرت كيف أصر علي سارة بأن ترتدي فستان زفاف عند زواجه منها وكان مصر أصرار غير عادي استغربته السيدة نور وقتها كثيرا فهي لم تكن تعلم بحبه وقتها لسارة واخذت تراقب سارة هي الأخرى وهي تتعامل مع عبد الرحمن أنها هادئة صحيح وخف شرودها بنسبه كبيرة إلا أن هذه لم تكن سارة المرحة الفرحة التي تعرفها السيدة نور جيدا , أشفقت كثيرا علي أبنها وقررت مساعدتهم مرة أخري .... .
*** **** ****
_ " إيه ده يا طنط ؟ " ربتت السيدة نور علي حافظه الملابس التي يبدوا أنها تحتوي علي فستان عملاق .
" ده هديه جوازك أنتِ وعبد الرحمن " أغمضت سارة عيناها لبرهة ثم فتحتها بوهن , أمسكت السيدة نور وجنتها وداعبتها وضحكت لها " عبد الرحمن ضايقك ولا حاجه من ساعة ما أتكلمتوا " هزت رأسها نافية  .
" عارفه يا سارة عبد الرحمن طول عمرة طيب وحنين قوي وأنا متأكدة أن اللي عمله قبل كده مكنش في وعيه هو عمرة ما هيأذيكي تاني أبدا صدقيني " نزلت دموع سارة رغم عنها وأخفضت رأسها " بوصي لمستقبلك يا سارة وعبد الرحمن هيعوضك وأنا متأكدة أنك هتحبيه قوي قوي " وابتسمت لها " أنتِ اصلا بتحبيه وعارفه كل حاجه عنه دة مكنش في حد بياخد باله منه ولا من حاجته زيك , سيبي نفسك متخليش تأنيب الضمير يضيع عليكي حاجات كتير " وأردفت بآسي " الحي أبقي من الميت يا سارة " .
أخذت سارة هديه السيدة نور ووضعتها علي السرير وأخذت تنظر نحوها ودموعها تسقط رغم عنها ,حدثت نفسها " هل هذا صحيح ؟ هل يجب أن أنسي ؟ المشكلة هي أنني لا أريد أن أنسي ولكن الواقع يفرض علي رغبته ويجبرني علي مسايرته , صحيح أن عبد الرحمن لم يجبرني الي الآن علي أي شيء إلا إنه الي متي سوف يتحمل هذا الوضع فنحن متزوجون منذ خمسه أشهر وتصالحنا منذ ثلاثة أسابيع وهو يحاول إسعادي بكل استطاعته ".
هي أكيده من هذا وتشعر بالذنب الشديد نحوه ويبدوا أنه لا محاله من ما هو محتوم فلا داعي لأن تطيل عذابه وعليها بتدريب نفسها هي الأخرى حتي لو كان رغم عنها .... .
***
دخل الي الشقة ولكنه لم يجدها بالمطبخ كعادتها فصعد الي الأعلى كي يبدل ملابسة ولكنه رأي أخر شيء توقعه عندما دلف الي الشقة هذا اليوم ,
إنها تنير الممر بالشموع وهناك رائحة عطرة بالمكان دخل الي غرفتها بهدوء وكاد أن يبكي لشدة الفرحة التي أحساها .
لقد كانت عروسه واقفة أمام طاولة الزينة بفستان زفاف رائع وشعرها الأسود يتدلى بتموج رائع علي  أحد كتفيها وطرحه صغيرة رائعة علي قمة رأسها وتتزين بتاج رقيق من الورود البيضاء وتبتسم له في خجل .
أحس وكأنه يراها عروس لأول مرة , كان غير مصدق أخذ يفرك عينيه بشدة وضحكت هي لفعلته هذه وعندما سمع صوت ضحكتها قال بتعجب " أنتِ سارة بجد ! " منحته ابتسامه ساحرة وأدارت المشغل علي أغنيتها المفضلة ,  “Some body  “  تلك الأغنية التي تعذبه وتوصف حاله وأخيرا بعد أن كان لا أمل له أطلاقا , وكان يحسد المغني علي أن لديه أمل في أن تعرف حبيبته أنه الشخص المناسب , فسارة أمامه الآن وتخبره برقتها أنه هو الشخص المناسب .
تقدم نحوها ببطء وأمسك يدها ولثمها برقة وتمايل معها علي الأنغام الحالمة , أنها ذكرياته الخاصة معها , أغنيتهم , وفستانها سوف يبدأ من اليوم الحياة التي طالما تمناها , ضمها اليه وأخيرا سوف يطفئ نار شوقه اليها تلك النار التي اشتعلت منذ سنوات طوال , اشتعلت به حالما راها بالصدفة في الشارع وها هي الآن وأخير بين ذراعيه ..... .
*** *** ***
أراد عبد الرحمن السفر بسارة مرة أخري بشهر عسل حقيقي هذه المرة ولكنها أخبرته بأن أمل علي وشك الولادة وتتمني أن تكون الي جوارها وبالفعل بعد عده أيام كان الوقت        قد حان ....
" حســــام " " هممم " " حســــــااااام " " هي ليله مش معديه , خير يا أمل ؟ " " أنا تعبانه قوي " " أمل أبوس أيدك أنتِ بقالك خمس أيام كل يوم تصحيني من أحلها نومه وتقولي لي بولد ومفيش حاجه بتحصل , نامي وأتقي الله أحنا الفجر " .
" أأأأأأه "  فزع حسام والتفت لها " أمل مالك ؟ " صاحت فيه بقوة " أأأأأه , كورة كفر اللي في بطني دي ولا عيل ! بولد يا غبي هو إيه اللي مالك ؟! " وأخذت تصرخ " أأأأأه " أزداد صراخها وأخذت تعض في الوسادة بينما هو أخذ يركض بكل أتجاه في الغرفة ويلف ويدور حول نفسه " أعمل إيه ؟ أعمل إيه ؟ احنا كنا أتفقنا علي إيه !! " وأخذ يضرب رأسه بكفه " أه . أه , الشنطة بتاعة البيبي وإيه . إيه ؟؟ أعمل إيه ؟؟؟؟!!! " .
كان يتكلم بهلع " أمممم أطلب لي ماما ,أنا عاوزة ماماااا " " أه . أه طنط , فين ! أعمل إيه ؟؟ الموبايل مش لاقيه " كان حسام متوتر ويرمي بكل شيء وأصبحت الغرفة فوضي وأزداد خوف وتوتر أمل من هلعه هذا , فصاحت به بشدة " أندهلي سارة يا حيواااان " وأكملت صراخها وتأوهاتها " أه . أه سارة " وركض بملابس نومه وهو عاري الأقدام وأخذ يطرق الباب بشدة علي عبد الرحمن الذي فتح له الباب وهو مغمض العينين " الحقني بسارة أمل بتولد " وركض حسام الي الداخل وركض عبد الرحمن خلفه وأمسكه من ملابس من الخلف وكأنه ممسك بلص ما بينما كان حسام وصل الي أعلي السلم وصاح به " أنت رايح فين يا غبي أنت ؟! " قال حسام بهلع " هجيب سارة " " أنزل يا متخلف من وشي أنا هجيب سارة روح لمراتك " نزل حسام بضع سلالم ثم توسل عبد الرحمن " ونبي تعالي معايا أنا خايف أروح لوحدي أصلها بتصرخ جامد " ضرب عبد الرحمن كف بالأخر وصاح بأخيه " سايب مراتك لوحدها ! لتكون ولدت أمشي يالا من هنا " هلع حسام أكثر وركض الي الأسفل وبدل من الدخول لأمل ذهب الي محمد وحدث معه نفس الشيء وطرده أخوة , وعندما دخل عبد الرحمن الغرفة وجد سارة ترتدي ملابسها سريعا .
بعد خمسه دقائق كان المنزل كله بغرفة أمل التي تصرخ وتأن " أأأأأأه يا سارة الحقيني ونبي معتش قادرة بموت خلاص " " أهدي بس يا قلبي الماية لسه منزلتش متقلقيش , عبد الرحمن جهز العربية بسرعة وأطلعوا بره عشان نلبسها يالا " ساعدتها أيه وسارة علي ارتداء ملابسها وأخذوا أغراضها ونزلوا بها الي الأسفل وذهب كل من حسام وعبد الرحمن وهي وأمل بسيارة وأيه ومحمد والسيد شهاب والسيدة نور خلفهم .
_ حالما ركبت سارة الي جوار أمل رن هاتفها " أيوة يا ماما أيوة أمل بتولد " صاحت أمل " الحقيني يا مامااااا " " ماشي إحنا طلعنا خلاص علي المستشفى " قامت السيدة وفاء التي استيقظت مرة واحده وشعرت بقلق رهيب علي أمل بهز السيد شاكر بقوة " قوووم بسرعة أمل بتولد " فزع من نومه " أه . أستر يا رب أستر " وهرع الأثنان الي المشفى .
كانت أمل تتلوي من الألم وكلما حاول حسام تهدئتها صاحت به بينما أخذت سارة تمسح لها ذرات العرق التي تنساب منها وعبد الرحمن كان مذعور ولكنه حاول أن ينتبه الي الطريق .
جاءت طلقة مؤلمة تضرب ظهر أمل بقوة فأمسكت بيد حسام وعضت عليها بشدة مما جعل حسام يصرخ بقوة وفي نفس الوقت نزلت مياه الرأس من أمل التي أخذت تصيح بقوة وعندما رأت سارة المياه ارتعبت هي الأخرى وصاحت بزوجها " الماية نزلت بسرعة يا عبد الرحمن " ثم أخذت تصرخ بهستيرية هي الأخرى من الرعب , كان الثلاثة يصيحون بشكل متواصل ويصرخون نظر عبد الرحمن نحوهم بهلع وعندما علم بنزول المياه ضرب بكفه علي خده وصاح هو الأخر " المايه نزلت في عربيتي !! أأأأه " وأخذ يصرخ بهلع هو الأخر .
في تلك اللحظة مرت سيارة محمد الي جانبهم ونظر الجميع نحو الأربعة الذين يصيحون بكل قوة لديهم .... .
_ نزلت أمل من السيارة وهي تأن أحيانا وتصرخ أحيانا أخري ودلفت الي المشفى وحالما دخلت الي غرفة الولادة تبدل حسام من الهلع الي الخوف الشديد علي حياة أمل , بكت كل من أيه وسارة ووصلت السيدة وفاء وهي تهرول " دخلت خلاص يا ولاد " " اها " " ربنا يقومها بالسلامة يا رب " أخذ الجميع يدعو الله كي تخرج سالمه لهم وعندما تأخرت بداخل غرفة العمليات أنهار حسام تماما وشعر بالخوف الشديد علي حياة أمل وأخذ يدعو الله أن تفيق زوجته ولا يهم أي شيء أخر .
وبعد ثلاث ساعات سمعوا صوت بكاء لطفل صغير لتتبدل الدموع الي ضحكات , خرج الطبيب وطمأنهم علي حاله أمل وأخبرهم بأن الصغير سوف يظل بالحضانة لمده ثلاثة أيام وأن أمل بعد الراحة سوف تصبح بخير .
وحالما نقلت الي غرفتها دخل حسام خلفها وقبلها وقبل رأسها وأخذ يشكر الله لأنه رجعت له مرة أخري .
_ بينما وقفت سارة تراقب المولود من خلف الزجاج تتأمله وتتأمل حجمه متناهي الصغر ودموع الفرح تنساب من بين عيونها , تمتم عبد الرحمن خلفها بهدوء " سبحان الله العظيم " " لونه وردي وجميل قوي مشاء الله ربنا يحميه ويقومه بالسلامة ويخرج من الحضانة كويس " .
وبعد ثلاثة أيام أصبح أحمد الصغير ووالدته بإمكانهم الذهاب الي المنزل كانت سارة تحمله بفرح شديد بينما أيه تساعد أمل كي تستريح في سريرها , انحني عبد الرحمن فوق سارة وقبل يد الصغير برقه نظرت سارة له ثم قالت " مشاء الله ناعم قوي كل حاجه فيه جميلة وبريئة " فتح الصغير فمه وتثاءب برقه فتنهد عبد الرحمن غير مصدق روعه هذا الصغير " يااااا الله " بينما سارة كانت مستمتعة كثيرا بحمل ذلك الكائن الملائكي الصغير وبعد لحظات أصدر صوت بكاء صغير واهن " لا يا قلبي , لا أنتِ جعتي يا كميلة " وقالت أيه بمشاكسة " حان وقت البقرة الحلوب " وأخذته سارة الي والدته كي تطعمه .
كان الصغير لا يذهب الي والدته سوي وقت الرضاعة أو وقت النوم فسارة كانت تحبه بشدة وتعوض فيه فقدانها لإحساس الأمومة ولأحمد والسيد شهاب و السيدة نور كانوا يجعلوه بأحضانهم دائما حيث رأوه التعويض عن أبنهم المفقود فالطفل لم يحمل أسم عمه فقد بل وبعض ملامح وجهه الوسيم أيضا , وأيه كانت تحب مشاكسته ومداعبته كثيرا والسيد شاكر والسيدة وفاء كانوا فرحين للغاية بأول حفيد لهم وأصبحت زيارتهم أكثر بعد الولادة كي يستمتعوا مع حفيدهم الصغير .
أما عن محمد وعبد الرحمن فشعورهم بأنهم أعمام لأول مرة كان يسعدهم كثيرا وأول شيء يسألوا عنه بعد عودتهم من العمل " أحمد فين ؟ " أو " أحمد عمل إيه النهارده " , حتي فارس الصغير كان يحمله بغبطة ويظل يكرر له " أنا خالو . أنا خالو " والأكثر فرحا علي الإطلاق كان حسام , لقد كان عاشق والهان لهذا الصغير فأخيرا أصبح أب وتحقق حلمه وأزداد حبه لأمل أضعاف و أضعاف لأنها كانت السبب في جعله أب أخيرا .
*** **** ****
بعد أن أصبح لدي أحمد شهر ونصف تقريبا , دلف محمد الي شقته بعد أن مر بأحمد وداعبه وأطمأن عليه وجدها مظلمة عدا غرفة الطعام المضاءة بالشموع , ابتسم لنفسه لابد وأن أيه لديها مفاجأة ما له ثم أضطرب بطنه قليلا ودعا الله أن تكون مفاجأة جيدة , حاول أن يكون صوته هادئ " حبيبي أنا جيت " نزلت أيه له وهي ترتدي فستان طفولي للغاية ولكنه رقيق وبدي رائع عليها وتسريحة شعرها كانت كالقطة تسريحه أطفال هي الأخرى وممسكه بيدها عده بالونات .
ابتسم لها " إيه يا يويو القمر دة ؟ " " مرسي " كانت تتكلم وتتحرك مثل الأطفال وأعطته البالونات " إيه ده !! " سألها وهو يضحك " فرقعهم هتلاقي جوا مفاجأة " وأعطته دبوس , فرقع الأولي وهو يضحك فسقطت منها قطعه شكولا , التقطها وهو يضحك , وفرقع الثانية فسقطت منها ورقه مطوية فتحها وقرأ ما بها " أنا بحبك أوي عشان أنا ... " نظر لها وهو يضحك " عشان أنتِ إيه ؟ " فأشارت بإصبعها علي البالون الأخير فرقعة محمد وسقط منه قطعه بلاستيكية وبها خطان أحمران لم يفهم ما هذا أمسكها ببلاهة " هو ده إيه ؟ بتحبيني عشان البتاعة دي ! " " ده تست حمل "  قالتها بابتسامه هادئة .
تجهم وجهه وذهب اللون عنه وأزدرد لعابة بعصبية " و..و ..والنتيجة إيه كده ؟!! " " إيجابي " أشار بأصبعه نحو بطنها يعني أنتِ حامل الوقتي !! " , هزت أيه رأسها موافقه وأخذ شعرها الطويل يهتز بنعومة جميلة , نزلت دمعة من عينه غير مصدق هذا الخبر السار ثم تلي تلك الدمعة دموع كثيرة وأخذ يهز رأسه رافض وقال من بين شهقاته " أيه أبوس إيدك دي مفهاش هزار أنا مش هستحمل اقسم بالله لو ده مقلب ممكن اروح فيها  " دمعت هي الأخرى " والله ده معني التست وأنا أتأكدت وروحت للدكتور أنهاردة وهو أكد لي " نظر الي بطنها وركع علي ركبتيه وضم بطنها اليه وأخذ يبكي بشدة وهو غير مصدق " الحمد لله يا رب , والله ما أنا مصدق والله ما أستاهل كل النعم دي " وأخذ يبكي بشدة ويقبل بطن أيه وهي تبكي وتربت علي رأسه بحنو كي يهدأ لكنه لم يفعل فاضطرت لافتعال المرح " محمد أنا مطبختش النهاردة " رفع رأسه وقال من بين شهقاته " مش مهم يا حببتي " ودفن رأسه مرة أخري ببطنها " بس أنا جعانه قوي " " أجبلك إيه تاكليه ؟ " " عاوزة بيتزا وشيكولاتة " " ما بلاش الحاجات دي " قالت بسخط " لا بقي دي طلبات بنتك ! " نظر لها ووقف علي قدميه وضمها اليه بشدة وقبل رأسها " ربنا يخليكي ليا يا أيه يا أحلي حاجه حصلت ليا في حياتي كلها " , عقدت ذراعيها حول رقبته وقالت بمرح " شيلني " ابتسم بشدة وحملها الي غرفتها وكل منهم ينظر الي الأخر بحب وأخيرا سوف تكتمل سعادتهم .
_ وعندما وضع محمد اختبار الحمل المنزلي أمام أسرته علي الطاولة ليلا بالحديقة , شهقت كل من أمل وسارة وهنئت كل منهم أختها وهم يغمروها بالقبلات والأحضان وبارك كل من حسام وعبد الرحمن لأخيهم .
وصاحت سارة بفرح " إحنا لا زم نحتفل بالمناسبة دي أنا هجهز كل حاجه " وصعدت وهي تركض الي الأعلى , أستأذن عبد الرحمن وصعد خلفها فتح الباب بهدوء ودخل المطبخ وجدها تبكي وهي تضع الأكواب علي الصواني وحالما شعرت بقربه مسحت دموعها سريعا وقالت مفتعله المرح " كلها تمن شهور وأحمد يلاقي حد يلعب معاه " .                                                                جعلها تترك ما بيدها وتنظر له ومسح بقايا دموعها ولكنه حالما فعل تلك الحركة انهارت المزيد من الدموع علي خدها ضم رأسها الي صدره وحاول تهدئتها بينما قلبه يعتصر حزنا وألما عليها يعلم سبب لوعتها ويعلم جيدا أنها مشتاقة لأن تكون أم وللأسف لا يستطيع فعل شيء .
أسوء شيء علي الإطلاق حين تقف مكتوف الأيدي ولا تعلم ما هو العمل ؟ أو كيف تسعد من تحب ؟! .
" ربنا كريم يا سارة أوعي تيأسي  من رحمته " ورفع رأسها وجعلها تنظر له " وبعدين مش أنا أبنك ! , تقدري تقولي ليا إيه الفرق بيني وبين أحمد ولا حاجه أنا بس أطول منه شويه " ابتسمت رغما عنها " شوية يا مفتري " " أيوة كده مبحبش أشوف دموعك , إيه رأيك أجيب تورته بالمناسبة دي " " أها يا ريت أصلا ملقتش عندي غير عصير" " تحبي تيجي معايا ؟ " هزت رأسها موافقة وحاولت مسح دموعها , بينما أفتعل عبد الرحمن التفكير وأغمض عين وفتح الأخرى " وكمان هنكتب عليها فريق بودي وصرصور واللي يطق يموت " انفرجت أساريرها عن ضحكه ودفنت رأسها في صدرة مرة أخرى " ربنا يخليك ليا يا عبد الرحمن " .
وقد كان ذهبوا معا لشراء قالب الحلوى وكافأها عبد الرحمن بالمثلجات لأنها ذهبت معه وضحك الجميع عليهم عندما رأوا المكتوب علي قالب الحلوى .... .
مرت عدة أشهر أخرى وأصبح باستطاعة أحمد الصغير أن يجلس بمساعدة الوسائد وكان هذا هو الحدث الأهم والموضوع الدائر بين أفراد العائلة كلها .
كان يوم جمعه والسيد شاكر والسيدة وفاء موجودون والجميع يضحك لرده فعل أحمد وضحكه عندما يخفي فارس وجهه بكلتا كفيه ثم يصيح بمرح " بخخخخ " فيضحك الصغير مقهقه ويضحك الجميع له , وكان محمد منهمك في تصوير الصغير مع فارس أو بمفردة وهو يضحك بمنتهي البراءة والصفاء .
مال عبد الرحمن برأسه علي سارة " مالك يا سارة ؟ " ابتسمت له " أنت بتشتغل ترمومتر بعد الضهر! " " ليكي أه " " المغص العادي بس " " خلاص بلاش الخروجه دي النهاردة مش مشكلة " " لا بقي هو إيه ده ؟ أنت مشوفتش أصحابك من زمان يالا عشان متتأخرش " ابتسم لها وقبل رأسها وذهب لأصدقائه ظلت هي مع العائلة وهي تشاهدهم يمرحون مع الصغير ومحمد وأيه كانوا يتكلمون بشيء ما ثم علت أصواتهم , ونزعت أيه يد محمد الموضوعة علي بطنها " بنت إن شاء الله " قالتها أيه بكل إصرار , " أستغفر الله العظيم , متعصبنيش يا أيه أنتِ عارفة أني هموت علي ولد بطلي تتفرجي علي صور بنات وتشتري فساتين وحاجات بنك " " أيوة لأنها بنت أن شاء الله " تمتم بوهن " أنا عارف , مدام هي متأكدة كده خلاص أستر يا رب دي لو بنت هحط عيني في وسط راسي وهمشي وراها بودي جارد يحميها من أي كلب يقرب ليها , أأأأه ده أنا دماغي بتلف بس لما أفكر في الموضوع " وأمسك رأسه يتأوه والجميع يضحك عليه .
_ جلس عبد الرحمن مع أصدقائه وبعد السؤال عن الأحوال والحياة والعمل والضحك قليلا علي أنفسهم ببعض من الذكريات , شعر عبد الرحمن بإحساس غريب ينتابه تلك الوخزة الموجه التي تدق قلبه دون أي سبب , أستأذن رفاقه وهاتف سارة لم تجب أتصل مرة أخري فرد عليه محمد وعندما سمع صوت أخيه هلع " سارة فين يا محمد !! " " إيه يا بني مع أيه فوق " " متأكد " " أيوة دول لسه طالعين " " طيب ماشي خليها تكلمني " رجع الي رفاقه مرة أخري ولكنه لم يستطع الجلوس لأكثر من عشرة دقائق وأستأذن وأنطلق في طريقة حاول الاتصال مرة أخري إلا أن بطاريه هاتفه نفذت منه لعن الهاتف والقي به في السيارة وقاد بسرعة الي المنزل ولكن لا تأتي الرياح بما تشتهي السفن ....
نظر الي ساعته وهو يزفر الهواء بعنف من فمه لقد مر ساعه ونصف وهو يقف في زحام شديد بسبب حادث ما علي الطريق فكر بترك السيارة وركوب سيارة أجرى ولكن لا أمل أبدا في أن يجد أحد يسير فالطريق مسدود من الناحيتين لوقوع حادث ما , ورغم أنها الجمعة إلا أن الزحام كان شديد لقرب مكان الحادث من المطاعم وأماكن النزهة .
وأخير بدأ السير بالتحرك قليلا وأستطاع الوصول الي المنزل بعد ذلك بنصف ساعة .
ترك السيارة بمدخل الحديقة وركض نحو الجالسين " سارة هنا ؟ " " لأ فوق " ردت أيه  ركض سريعا دون أن يفسر لأحد أي شيء وركض خلفه حسام ومحمد وسط تسأل الجميع , صعد السلم بسرعة رهيبة وفتح الباب وهو متوجس خيفة مما سوف يلاقيه , ليته لم يذهب , ليته لم يستمع لها .
صاح باسمها " سارة . سارة " لم تجبه لم تكن هذه عادتها علي الأطلاق , أخذ محمد وحسام يبحثون في الطابق الأسفل عنها بينما صعد هو الي الأعلى ودخل غرفه نومه لم يجدها , ذهب الي الحمام الموجود بالغرفة والرعب يملئه وقد وجد ما كان يخشاه انهار من الصدمة وسقط علي ركبتيه ووقف حسام ومحمد خارج الغرفة مترددين من الدخول , خرج أسمها من بين شفتيه بصوت واهن " سارة . سارة " لم تجب فتح باب الحمام بالكامل ودخل وهو واهن كان الدم بكل مكان يملئ ملابسها والأرض وكأن رسام ملعون سكب كل اللون الأحمر في تلك البقعة دون شفقة أو رحمه منه بالورقة التي يرسم عليها .
حاول أن يكلمها ولكنها لم تجب كانت كقطعة قماش مبللة ووجهها شاحب وشفتيها شديدة البياض , حملها وصاح بأخوته وكأنه فاق أخيرا " جهزوا العربية بسرعة " وركض بها وهم سبقوه والذعر والخوف سيدا الموقف .
_ يقف للمرة الثانية أمام غرفة العمليات وهو يأس , حالما رأي الدم علم تماما أنها أنزلت جنين أخر كانت هذه هي المرة الثانية له ولكنها الخامسة بالنسبة لتلك المسكينة الراكدة بالداخل , أستعاد مشهد سقوطها بالحمام وكيف ركض بها الي السيارة وسط دهشة وهلع كل من بالأسفل وأجلسها بحضنه وضمها له بشدة ورغم يده الممتلئة بالدماء إلا أنه أخذ يتحسس وجهها بآسي وينطق أسمها بيأس كي تجيب أو يصدر عنها أي أشاره للحياة ولكن لا شيء أبدا كي يطمئن باله المسكين عليها , أما عن قلبه فقد غاص بصدره من اللوعة علي حبيبته وحظها العاثر بهذه الحياة .
لم يجلسها بالكرسي لم يضعها علي السرير المتحرك لم يتركها من يده سوي بغرفه الطبيب وها هي منذ ساعة بغرفه العمليات ولا يوجد من يجب عليه .
عاد محمد بعد أن ذهب لجلب ملابس الي أخيه بدلا من تلك المضجرة بالدماء , لم يصيح لم يصرخ كان يحاول التماسك أو هكذا رأي الأخرون بينما هو كان بعالم أخر يفكر بسارة وكيف حالها وكيف شعرت عندما رأت الدماء ومنذ متى وهي تنزف هكذا ؟ بالتأكيد منذ أن شعر بوجود خطب ما , أغمض عينيه وقاوم الدموع التي تريد النزول وتأوه بقلبه " يا الهي أرجوك كن معي ف وخز قلبي اللعين لم يتوقف , أشعر أن الأسوأ لم يأتي بعد يا الله كن معي ولا تريني بها شيء سيء أبدا ولا أريد أي شيء أخر من هذه الدنيا فقط أريدها هي " .
_ أدخله حسام الي الحمام كي يغتسل من الدماء تردد كثيرا قبل أن يفتح الصنبور فهذه هي دماء زوجته وولده الذي لم يكتبه له الله النجاة , هل يعقل أن تكون هذه أخر ذكري منها ! أخذ ينظر الي الدماء علي يده ثم فتح الصنبور وأغتسل من الدماء وحالما ذهب عنه الدم تساقطت دموعه وبكي بشدة وهو يشعر بالضياع مرة أخري ذلك الوخز اللعين لا يريد أن يتوقف فأخذ يصيح بنفسه في المرآة " لسه عاوز يجري ليها إيه ؟ أنت عاوز إيــــــه ؟ " كان يصيح بقلبة الذي يؤلمه بشدة  أخذ يضرب بقبضته بكل قوة علي صدره لينتقم منه علي أنه لا يزال يصر علي أن هناك شيء بعد ... .
دخل حسام ومحمد وكبلوه كي يكف عن ضرب صدره , الي أن هدأ قليلا وأرتدي ملابسة وخرج ينتظر مرة أخري ولكن هذه المرة كان أكيد من وجود خطب ما .
خرجت سارة أخيرا وهي تتمتم ببعض الكلمات الغير مفهومة ودموعها تتساقط بهدوء وتنساب علي جانبي وجهها , أنفطر قلبه لرؤيتها هكذا لم تكن هذه هي المرة الأولي التي يراها هكذا ولكن هذه المرة مختلفة , فهو يمكنه مواساتها يمكنه أخيرا إظهار ألآمه وحزنه عليها .
تجمع الجميع حولها , أخوتها يبكون حالها وحظها العسر مع الحمل وأمها تبكي بحرقة ألما لتألم أبنتها ولوعه مما سوف تواجهه .
_ كانت نصف واعية وهذا النصف هو الذي يذرف الدمع ويعي ما يحدث معه , أما النصف الآخر قرر السكون تماما تري هل دخلت بموجه أخري من الصمت ؟ ولن تستطيع التكلم مرة أخري ! .
تجاهل طلب الممرضة من ترك الغرفة والذهاب لرؤية الطبيب المعالج لسارة , وظل الي جوارها يمسح دموعها التي تتساقط بهدوء قاتل علي جانبي وجهها , وتجاهل محاولات الجميع للحديث معها " سارة . سارة " التقط عيناها , هو يعلم جيدا إنها تشعر به ولكن لا رغبة لديها في الكلام .
" ممكن تسبوني معها شويا " مسح دموعه وحك أنفة كي يستطيع قول هذا دون أن ينظر الي عين أحد ، هدأ الجو وأصبحت الغرفة فارغة أخيرا .
أحتضن وجهها بكفيه وأنخفض نحوها " سارة أنا عارف أنتِ حاسة ب إيه كويس , أنا خلاص مش هسكت أول لما تخرجي من هنا هجهز ورقنا ونسافر بره ومش هرجع بيكي إلا لما يكون البيبي اللي بتحلمي بيه علي أيدك صدقيني يا سارة بس لازم تفوقي وتبقي قوية وأنا هبدأ في الإجراءات حالا وأول ما تقدري هنسافر علي طول " .
انفرجت شفتاها وتحركت بوهن شديد ليخرج منها صوت ضعيف يأس من كل شيء شطر قلبه وحطم كل تماسكه " بجد " ازدرد لعابه بصعوبة " طبعا بجد أجمدي لازم تبقي كويسة وقويه عشان تتحملي السفر أوعديني يا سارة " هزت رأسها بوهن ثم وأخيرا بكت بصوت واهن أرتاح قليلا لسماع صوت بكاؤها فتلك الدموع الصامتة كانت تقتله ببطء , " ليه كلهم بيروحوا مني ؟ " " أستغفري ربنا يا سارة ده قدر ونصيب " " أستغفر الله العظيم " وتتالت شهقاتها " وأنت ذنبك إيه ؟ " " ذنبي أني مخلف أحلي بنوته في الدنيا كلها ومش عاوز حاجه تانيه من ربنا أنا هسافر عشان أطمن عليكي وعشان أنا وعدتك أحقق ليكي كل أحلامك , لكن أنا مش عاوز غيرك أنتِ يا سارة أنتِ عندي بالدنيا كلها " وقبل رأسها " يكون في علمك أنا بغير موت ولو أهتميتي بيه أكتر مني مش هسكت أنتِ فاهمة ولا لأ " حاول افتعال المرح كي يطمئنها ويؤكد علي إنه سوف يظل معها , قبل كل من يديها برقة " أهم حاجه تهدي وتاكلي كويس عشان تعوضي الدم اللي نزل منك ونقدر نسافر في أسرع وقت , أنا هقوم أعمل اتصالاتي الوقتي " " بجد يا عبد الرحمن هسافر بجد ! " كانت غير مصدقه .
" طبعا يا سارة أنا وعدتك ويالا بقي عشان بابا وماما زمانهم قلقانين عليكي أجمدي كده عشانهم " " عبد الرحمن " " أيوة يا قلبي " " دي أول مرة حد يوقف معايا كده ويطمني " ربت علي يدها وابتسم وخرج لهم وما إن دلفوا جميعا حتى تساقطت دموعه الوخز اللعين لم ينتهي الأسوأ لم يأتي بعد وتأثر بما قالته له , لقد قرأ المذكرات وعلم كيف تعامل زوجها السابق ببرود ورأي رد فعل أخيه ولم يفكر أي منهم في أن يواسيها أو يطمئنها من قبل .
_ ذهب للطبيب وعندما تحدث معه توقف الوخز الذي يضرب قلبه وتوقف قلبه هو الأخر عن النبض أو الشعور , لم يبكي لم يجد أي أثر للدموع فقد جمود كل شيء جامد وبارد وكأنه خرج عن الزمن ويشاهد الأحداث من بعيد , أفاق علي صوت الطبيب " بش مهندس عبد الرحمن , ربنا يصبرك أن شاء الله بس لازم نتصرف بسرعة لأن النزيف مش في مصلحتها , وكلها كام ساعة وتقرير المعمل يطلع وأنا صممت أن النتيجة تكون هنا بأسرع وقت " .
خرج عبد الرحمن وجلس الي أقرب كرسي وجاء السيد شاكر ليعرف ما أخبره به الطبيب إلا أن عبد الرحمن لم يستطع الرد عليه فقط ظل جامد مثل الحجر لا بل هو الحجر نفسه ...
تركه السيد شاكر وذهب الي الطبيب كي يستفهم بنفسه عما يحدث لأبنته , لم تكن هذه هي المرة الأولي التي يجلس فيها عبد الرحمن ويشعر بالعجز ناحية سارة ولعن ألف مرة شعور المرء وهو مقيد بسلاسل من حديد ولا يستطيع مد يده الي من يحب ولا يستطيع فعل شيء له , ظن أن هذا الشعور لن يتكرر بما أنها أصبحت ملك له ولكنه كان مخطئ للغاية فإرادة الله دائما فوق كل شيء .                                    
خرج السيد شاكر وهو دامع الأعين وجلس الي جوار عبد الرحمن وقال بوهن " دي إرادة ربنا يا بني حاول تمسك نفسك شويا " لم يتحرك عبد الرحمن رغم سماعه كل كلمه من السيد شاكر وأخيرا علم لما تصمت سارة عن الكلام فالعالم كله بدا أتفه من أن يفتح فمه ليخرج منه أي صوت حتى لو كان واهن لا شيء يستحق كي يجعل فمه يتحرك ذلك الألم الرهيب الذي يشعر به بداخله ويخلف شعور رهيب من بالفراغ من كل شيء وتفاهة أي شيء وأي كان بالوجود .... .
أنتزع نفسه بمجهود جبار كي يقف أمام غرفتها من بعيد كي يستمع الي صوتها , إنها تتحدث بكل أمل وتفاؤل عن الأمل الوهمي الذي أعطاه لها , ليته لم يطمئنها ليته لم يخبرها بأن هناك أمل ليته لم يفعل سوف تنهار الآن بعد أن عادت للحياة .
أخذ يسمع مزاح أيه معها حول سفرها , إنها تسأل عنه , صوتها الرقيق يتكلم بحب " عبد الرحمن فين يا حسام ؟ " يا الله كم يعشق نطق اسمه منها أنها تذيبه عشقا عندما تنطق أسمه فقط دون أي شيء " تلك الرقة الحزينة الخجلة بصوتها عندما تقول " عبد الرحمن " تجعله يعشق اسمه ويعشق وجوده الي جوارها , خرج حسام ورأي أخيه " تعالي يا عبد الرحمن سارة عاوزاك " لم ينظر اليه لم يتكلم لم يستطع يشعر بفراغ داخلي عظيم وليس لدية ذرة قدرة كي يُخرِج أي كلمه من فمه , بعد محاولات عده تدارك حسام موقف أخيه .
" هو بيخلص شوية ورق وإجراءات للمستشفى يا سارة ولما يخلص بيقول هيطلع علي طول " ردت بصوت ملئه الأمل " أكيد بدأ في أوراق السفر هو قالي كده قال أنو هيبدأ حالا " ثم نظرت لأمل وأردفت " جهزي ليا شنطتي أنا عاوزة أسافر علي طول مش عاوزة أستني هنا يوم واحد " " طيب أستني لما تفوقي يا سارة وتشدي حيلك يا حبيبتي " " أنا هاكل وهعمل كل اللي الدكتور يقولي عليه وهخرج من هنا بسرعة أن شاء الله " كفي يا سارة رجاء أرحمِ قلبي المسكين .
دلف السيد شاكر وقبل رأسها والدموع تملئ عينيه " متقلقش يا بابا خلاص عبد الرحمن هيسفرني بره ومش هنرجع إلا وانا معايا البيبي إن شاء الله هتبقي جد لتالت مرة " وأشارت بيدها علي رقم ثلاثة وهي تبتسم هز رأسه بآسي وخرج سريعا لم يستطع أخبارها أو مواجهتها , خرج وراءه السيد شهاب وقد شعر بأن هناك شيء أكبر من أنزال الجنين وتبعه حسام ومحمد .
" لازم تقول لها يا عبد الرحمن حرام نعشمها أكتر من كده يا بني " لم يواجه رد من التمثال الحجري الذي أمامه " في إيه يا شاكر ؟ " " في إيه يا عمو " سأل كل من محمد وحسام , أمسك السيد شاكر عبد الرحمن من ذراعيه بعصبيه وأخذ يهزه بعنف " أبوس أيدك يا عبد الرحمن اللي بتعمله ده مش وقته فوق عشان خاطر سارة " لم يجد أي رد من الحجر الماثل أمامه لم يرف له جفن حتى , " حتى لو هتتخلي عنها يبقي مش الوقتي فوق مدمرهاش مثل عليها حتى بالكدب " كان يكتم غيظه بشدة ويحاول قدر الإمكان أن يكون صوته خفيض وعندما لم يجد أي رد من عبد الرحمن صفعه بقوة علي وجهه وسط دهشة السيد شهاب ومحمد وحسام وقال من بين أسنانه " ندل " وتهاوي الي اقرب كرسي يبكي عليه .
حضر الطبيب الذي حاول أن يواسي الاب المسكين " لازم تتمالكوا نفسكوا شويا يا جماعة عشان خاطر مدام سارة " " هو في إيه يا دكتور سارة مالها " سأل حسام وعندما أخبرهم الطبيب لم يكن حالهم أفضل من عبد الرحمن والسيد شاكر , أنتزع محمد نفسه من كل هذا " ممكن حضرتك تقولها يا دكتور " " هي لسه معندهاش خبر ؟ " هز رأسه في آسي .
دلف الطبيب وقال حسام للجميع " تعالوا يا جماعه عشان الدكتور عاوز سارة " , دلف عبد الرحمن بعد خروج الجميع خلف الطبيب وجلس الي جوارها وأمسك بيدها دون أن ينبس ببنت شفة .
سالت سارة بكل تفاؤل " دكتور انا أقدر أسافر أمتي ؟ " ونظرت بحب لزوجها " ثم أردفت " عبد الرحمن قرر أني اسافر بره وأشوف سبب المشكلة ونحلها لحد ما ربنا يكرمنا إن شاء الله " , " مدام سارة حضرتك مؤمنه بقضاء الله وقدرة " ذهبت نظرة التفاؤل حالما قال تلك الجملة ونظرت نحو عبد الرحمن الصامت وعلمت أن ما سوف يتحدث به الطيب الآن سوف يقلب عالمها رأسا علي عقب ...
_ النزيف لسه مستمر وبيهدد حياتك في أي وقت , إحنا ممكن نوقفه بطرق تانيه بس أنا عملت منظار رحمي ليكي أثناء العملية وأظهر وجود أورام كتيره بداخل الرحم وده بيحطنا في إطار ضيق للغاية ويضطرنا لاستئصال الرحم حفاظا علي حياتك من النزيف والأورام " .
كان السيد شاكر يقف في مقابلة أبنته التي تنساب الدموع علي وجنتيها وهو يسمع صوت البكاء بالخارج بعد أن أخبرهم حسام ومحمد بما يحدث مع سارة .
" طبعا أنا أسف لأني عرفت أنك مأنجبتيش أطفال قبل كده , لكن بعد العملية هترتاحي من النزيف اللي بيهدد حياتك وكمان ألامك وأوجاعك هتنتهي , يا ريت تمضي الإقرار عشان نبدأ بتحضيرك للعمليات " وترك الورقة وذهب لمواصلة عملة .
_ وضعت سارة كلتا كفيها علي فمها كي تكتم شهقات عالية متتالية أخذت تهزها هزا , دخلت عائلتها ولم يستطع أحد التحدث بكلمه تعوض عليها خسارتها الفادحة فقط يبكون بصمت لرؤيتها تتألم , أنزلت يدها من علي فمها و أخذت تعصر الغطاء ب كلتا يديها عصر وتعض علي شفتيها وتكتم الشهقات الباكية التي تريد الخروج من فمها , تشعر بألم رهيب يمزق أوصالها تمزيق وكأن أحد ما أمسك بقلبها وأخذ يعصره عصرا حتي يستخلص منه أخر قطرة للحياة .
هي لم تكن تنجب وكانت تفقد أطفالها دائما ولكن كان هناك دائما الأمل , أجل هو ما جعلها متماسكة الي الآن وفجأة أنقطع هذا الأمل ولمدي الحياة لم تشعر بالألم مثلما شعرت في ذلك الوقت , رفعت يدها مرة أخري علي فمها تكتم صراخها وشهقاتها فهي تشعر بأن هناك من وجه طلقة نحو كل أمالها بالحياة وتلك الطلقة نفذت من الأمل الي قلبها مباشرة .
فلا شيء يوجد في الحياة أصعب من أن لا تتمكن من الحلم , أجل الحلم هو ما يجعل الحياة تمر وإذا قتل الحلم فلا فائدة من الحياة بعد موته .
_ لم يستطع التحدث فقد ترك الألم ينال منه وينهش في قلبه نهشا , ضمها اليه بهدوء وأخذ يربت علي ظهرها بحنان ولم يستطع التفوه بأي كلمه يقسم أنه حاول ولكنه لم يستطع .
دفنت رأسها بصدره وأخذت تأن وهي تكتم شهقاتها ثم بعد دقائق تركت العنان لنفسها لتجهش ببكاء حار لتتحرر دموعه المتجمدة هو الأخر , بكت بحرقة كبيرة ولم يمنعها هذا أفضل من أن تكتم بكاؤها بداخلها , وبعد مدة هدأت وأعتدل هو الي جانبها وضمها وضعت رأسها علي صدرة ثم صمتت عن البكاء ولم يصدر عنها سوي كل مده بقايا الشهقات التي كانت تبكي بها منذ مده , وضع يده علي قلبها تنفسها هادئ لابد وأنها تعبت من البكاء ونامت هو الأخر تعب كثيرا أغمض عينيه وذهب الجميع بعد أن أطفئوا الإضاءة وتركوهم مع الصمت وبعض الشهقات التي تفلت منها أثناء نومها .
وفي اليوم التالي دخلت غرفة العمليات مرة أخري ولكن هذه المرة كانت تعلم أنها الأخيرة علي الأقل فيما يخص هذا الشأن ..... .


نهاية الفصل.
Please vote if you like it 😍 😊
يا ريت اعرف رأيكم عن الأحداث، قرأه ممتعه😊

مذكرات حائر الجزء الأول "الحلم المستحيل" بقلم هالة الشاعر Where stories live. Discover now