الفصل الرابع "فرقه"

9.9K 365 25
                                    

الفصل الرابـــــع
" فرقـــــــه "

تجمعت الفتيات الثلاث علي السرير يتضاحكن ويتمازحن و لكن بصوت خافت كي لا يسمعهم أخيهم الصغير، لكنه كشف أمرهم ودخل يجلس إلي جوارهم علي السرير فاضطروا إلي الصمت.
ذهبت ابتسامته "بطلتوا كلام ليه أنا عاوز اعرف النكت اللي كنتوا بتضحكوا عليها الوقتي "، صاحت أية بسخرية "ولاااا بقولك إيه ....."  ولم تكمل لأن أمل أغلقت فم أختها بيدها وأخذت تقاومها أية إلا أن أمل لم تترك لها أي مجال.
" روح يا حبيبي ده كلام كبار شويا وهنيجي" غضب فارس الصغير
" انتو مش بتحبوني أعد معاكوا خالص مش عارف ليه!".
اضطرت أمل إلي الجلوس فوق أية كي تتمكن منها جيدا وضحكت سارة بشدة، "بص يا حبيبي روح أنت الوقتي وهنيجي نلعب معاك كلنا يالا روح"، نهض وهو حانق "أصلا ماما بتقول ليكو تعالوا أتعشو" " قولها هنتعشي إحنا بعدين هوينا بقى يا فارس " .
خرج وصفق الباب وراءه تركت أمل أية التي أحمر وجهها لشدة المقاومة "معتش ناقص إلا الاوزعة ده كمان يعد معانا وربنا لمت!!".
ضربتها سارة علي ركبتها "حرام عليكي ده صغير ومش لاقي حد يلعب معاه"، تهكمت عليها وقلدتها بطريقه كوميدية، ثم تحدثت سارة بجديه
"بقول ليكو إيه أنا الكونسيلر اللي معايا قارفني معتش راضي يخبي حاجه"، زمجرت أمل معترضة "عينك مش عاوزه كونسيلر عاوزة علاج يا سارة وتبطلي عياط أهم حاجه".
تأففت منهم بشدة "أوف منكو بقي واحدة تبدل معايا بلاش رخامه"، أحضرت حقيبتها كي تخرج منها العلبة ولكنهم خطفاها وأخذوا يعبثوا بمحتوياتها.
أخرجت أية قلم حمره وأبدت إعجابها الشديد به "لو جبتي ليا ده هديلك الكونسيلر بتاعي "، خطفته أمل منها ثم أردفت "روج الإمارات لا يعلي عليه" ووضعت منه هي الأخرى، أخذت سارة منهم قلم الحمرة و أغلقته ووضعته بالحقيبة.
"احلمي منك ليها ده لونه خفيف ودوخت علي ما لقيته"، ثم نظرت ل أية بحنق وأردفت "ثم أنتِ عندك علبه مليانا روج بس بتعملي ايه بكل الأقلام دي؟" هزت نفسها بميوعة وقالت " والله يا اوختشي مبيهداليش بال إلا أما أكل أتنين علي الصبح"، ضحكت سارة كثيرا عليها بينما أمل كانت تفتش في حقيبتها عن أي مال "إيه يا سارة مفيش أي حاجه لأختك حببتك "
"ارحمي نفسك مفيش غير فلوس المواصلات أنا مش هقبض الوقتي".
رمت الحقيبة غير مكترثة بمحتوياتها "بطلي بخل ونتانة وروحي اشتري كونسيلر لنفسك هه ".
جاءت أية وأخذت تقبل سارة قبلات مفرقعه واستلمت أمل خدها الآخر ولكنها نفضتهم عنها ومسحت وجهها بتقزز "بطلوا قرف بقي، عاوزين إيه؟ انجزوا!" .
" أول مرتب معروف كده انو للأخوات حاجه معروفه جداااا علي فكرة" قالتها أمل وكأنه أمر بديهي، رفعت حاجبها بتعجب "والله !صدقي أول مره اعرف!" "بصي يا سارة من الآخر أنتِ هتجيبي ليا طقم كامل وشنطة وشوز، جزره وقطمها جحش" "والله فعلا جحش!، هو المرتب فيه كام طقم إن شاء الله!!".
سالت أمل بترقب "هو المرتب كام يا سارة؟" , "صدقي والله ما اعرف ما سالتش " , رمت أيه الحقيبة بملل "يا ربي علي الخيبة!" .
أمسكت أمل الورقة وقرأتها وشعرت بشيء غريب للغاية نحو الكاتب قالت بجديه "سارة هو مين حسام ده؟ مش ده المدير بتاعك؟!" هزت سارة رأسها نافيه " معتش بشمهندس عبد الرحمن الوقتي هو المدير" , "ليه؟" سالت أمل مستفهمة.
قصت سارة عليهم ما حدث بالتفصيل وكيف إنها كانت سوف تترك الشركة قالت أية بحنق "ضربه في شكله هو فاكر نفسه مين عشان يزعق فيكي كده!" تنهدت سارة وأكملت "مش بس كده وأنا راحة مكتب باش مهندس عبد الرحمن حصل ..." وقصت عليهم حادثه الوقعة مع أحمد وهي خجله للغاية وتستغفر ربها كلما تذكرت, وضعت أية يدها علي فمها بينما ظلت أمل غير مصدقه لما حدث ثم سالت "يعني اتكعبلتي ولا لزقتي فيه؟".
هزت سارة رأسها نافيه "لا وأنتِ الصادقة فوقيه "وأشارات بيدها توصف الوضع، "وطبعا زعق فيكي جامد" نفت سارة "بالعكس ده فضل اعد بارد وبيضحك لحد ما أخوة جه قومه" , "طبعا وحده وقعت عليه من السما ميضحكش ليه "وضربت أمل كفها بكف أية  وهن يضحكن بشدة عليها.
"أنا غلطانة إني قولت ليكو حاجه" , أمل باهتمام شديد "استني بس هو إيه اللي خلاه نايم مستني أخوة!!" قالت سارة بأسف "أصله كفيف" شهقت كل من أمل وأية شهقة عالية" يعني أنتِ هزقتيه وهو كمان اللي مش بيشوف ! يا حرام شكله عامل أزاي؟".
تنهدت سارة بآسي "سبحان الله ربنا مبيديش حد كل حاجه شاب جميل ووسيم وعيلته كبيره ومع ذلك مش بيشوف , زعلت عليه اووي " .
قالت أمل بتهكم "والله صعب عليكي بس!" , وأردفت أية بشقاوة "الحب من أول وقعه " وأشارت بيدها مثلما أشارت سارة.
لم تحكي لهم سارة عن عزيمة عبد الرحمن فهي لا تريد  المزيد من تكهن أخواتها عليها, وحين جاءت والدتهم لكي يتناولوا العشاء تعمدت أمل إخفاء الرسالة معها لم تعلم لماذا؟ لكنها لمست فيها شيء جميل بعد أن عاشرت "الحيوان الانوي" تعجبت من وجود رجل يمكن ان يكون له قلب ورقه بحيث يعتذر من مجرد موظفه عنده .
وظلت تفكر طوال الليل "يا تري حسام ده شكله إيه ؟ وممكن أشوفه في المستقبل ولا لاء؟" .
***
دلف أحمد إلي الشركة وكله تفاؤل وأمل, لقد تغير شيء ما بداخله منذ أن اصطدم بتلك الفتاة , والآن يترقب لقاؤها علي أحر من الجمر.
قال عبد الرحمن مرحبا بأخيه " أنت هتعد في مكتبي لحد ما نوضب مكتب ليك والسكرتيرة هتقرأ لك المشاريع والمشاكل وأنت تمليها ملاحظاتك كلها وأنا بالنيابة عنك هوقع بالتوكيل اللي أنت عامله ليا" , "ماشي أنا عاوز ابدأ من الوقتي " قالها أحمد بحماسة "سخن أوي كده".
مازحه أخيه وأثناء دخوله المكتب "صباح الخير في جديد؟" وقفت سارة
"البريد علي المكتب والملف اللي حضرتك طلبته هيجهز بعد نص ساعة" "أزيك يا آنسه سارة" جاء صوت أحمد هادئ ويبتسم لها بخفه.
ردت بخفوت "الحمد لله" فهي لا تزال تشعر بالحرج من فعلتها, شكرها عبد الرحمن ودلف الأخوين معا .
ظل أحمد يستمع إلي كلام المساعدة التي أتي بها عبد الرحمن لكي تقرأ علي أحمد تفاصيل المشاريع ولكنه لم يشعر بالراحة, وأحس بغرابه الموقف وتسأل ما الذي يفعله هنا؟!.
"من فضلك سبيني شويا" وافقته المساعدة وخرجت مسرعة, كانت الشفقة عليه متملكه منها لدرجه انه لم يعد يستطع التحمل خرج من المكتب بعنف وهو يتخبط في المكان الذي لم يعتاد بعد, رأته سارة ولمحت الغضب من حركاته.
"باش مهندس أحمد بش مهندس عبد الرحمن لسه مخلصش الاجتماع" , لم تعلم لما قالت له هذا الكلام وما علاقته بغضبه ولكنها استشعرت أنها يجب أن تتكلم ولم تستطع منع نفسها!.
سال بغضب "بابا فين؟" "في مكتبه تحب اكلمه؟" , "لا خليني ..." بتر كلامه سريعا, لم يرد التخبط في المكان وجلب المزيد من الشفقة لنفسه, تنهد بآسي علي حاله " ماشي يا سارة كلميه ".
ذهبت بنفسها إلي مكتب السيد شهاب بدل من مكالمته وطرقت الباب بخفه "ممكن حضرتك تيجي مكتب البش مهندس عبد الرحمن" " خير في حاجه؟"سال بقلق ،
عضت شفتها السفلي "مش عارفه بس بش مهندس أحمد شكله مضايق "
"طيب أنا جاي حالا" نهض وذهب سريعا إلي ابنه "خير يا أحمد مالك؟" .
رد بحنق وهو يشعر بالكسر من داخله " أنا مش عاوز شفقه من حد يا بابا" " إيه بس مالك يا أحمد؟" "الشغل مش مهم أوي واللي بتقرأ الدمعة هتفر من عينها علي حالي, أنا مفيش أي فايده من وجودي هنا خليني ارجع بكرامتي أحسن".
امسك الوالد رأسه من الألم علي حال ابنه الحبيب  "يا أحمد مينفعش تاخد كل حاجه علي نفسك كده, كل الحكاية أني قولت لعبد الرحمن ما تقلش علي أخوك بالشغل, ولو عاوز شغل اكتر أنت حر يا سيدي , والمساعدة تتغير ها مبسوط؟".
دخل عبد الرحمن ورأي السيد شهاب سارة وهي متماسكة علي مكتبها وقرر تغير رأيه حيال حسام, ثم ضرب علي كتف ابنه يمازحه "ومن هنا و رايح سارة هي اللي هتبقي المساعدة بتعتك ها إيه رأيك ؟", هدأ أحمد ولا ح شبح ابتسامه علي وجهه وقال باستسلام "عشان خاطرك المر ه دي بس يا بابا" .
جلس أحمد بعد أن أصبح أهدأ ونظر السيد شهاب إلي عبد الرحمن "سارة من هنا ورايح مساعده أحمد يا عبد الرحمن ومعلش دبر نفسك أنت", مسح رأسه وجعل أصابعه تتخلل شعره "اللي تشوفه يا بابا" رد ب اقتضاب, لما تبعدها الأقدار عنه؟! صبرا يا زمن.
تركت سارة مكتبها بأوامر السيد شهاب, ولم يعجبها هذا التخبط في العمل, جلبت ورقه وقلم وشرح لها عبد الرحمن ما عليها فعله, جلست أمام أحمد وبدأت تقرا المشاريع واحد تلو الأخر وتخبره بالمشكلات وتكتب الحلول دون أي انفعال منها مع وضعه الخاص حسب تعليمات السيد شهاب لها.
هدأ أحمد واستكان إلي صوتها وهي تقرأ وتتنحنح وتكتب, كان يشعر بكل شيء تفعله ويرسم كل التفاصيل حولها, عدي شكل وجهها لم يستطع تخيله أبدا.
_ مرت عده أسابيع وهو علي هذه الحال , زاد تعلقه بها أكثر وأكثر وأصبح العمل مهم أيضا بالنسبة له وتوغل من جديد في عمق أسرار العمل, وأصبح هو وسارة أكثر تفاهما أرادها بشدة ولكنها كانت خجولة للغاية وتضع دائما الحدود بينهم وفي يوم قرر انه لم يعد يحتمل عليه معرفه كل شيء اليوم, حتى لا يغرق أكثر بعلاقة لا يوجد بها أي أمل, ورغم خوفه من خسارتها إلا انه اتخذ قراره ولم يعد هناك ما يثنيه عنه .
"أأأأه لسه كتير يا سارة, الساعة كام مش الاستراحة قربت؟" نظرت في ساعتها "لسه عشر دقايق" "لا أنا معدتش قادر خالص إحنا هناخد العشر دقايق دول راحة إن شاله ما حد حوش " ابتسمت في صمت ثم قالت له "طيب بعد إذنك تحب اكلم بش مهندس عبد الرحمن".
"راحة فين العشر دقايق دول سر , محدش لازم يعرف بيه ولا عاوزاني اترفد !" ابتسمت دون صوت وقالت في بخبث تريد أن تستدرجه, "أنا رايحه أصلي لو حضرتك علي وضوئك أنا ممكن افرش السجادة ليك ووجهك علي القبلة " .
حك رأسه وتنهد مطولا "أنا عارف اني مقصر يا سارة بس صدقيني في حاجات كتير عاوز اعملها وأغيرها من ساعة ما أتعرفت عليكي ".
ارتبكت كثيرا وبدأت بلم أغراضها بعصبيه, احمر وجهها بشدة لم يسبق لها أن كانت بهذا الموقف أبدا من قبل لم يحاول أي شاب التعرف عليها أو التحدث معها لم تكن بالجمال المطلوب الذي يجعل أي أحد يرغب في التحدث معها بما فيهم زوجها السابق.
فوجئت بيده ممسكه بيدها بدفء وحزم "سارة من فضلك استني لما اخلص كلامي للآخر, أنا من ساعة ما قبلتك أول مره وأنا النور دخل حياتي ومش عاوزة يخرج منها تاني, جمال روحك وطيبتك نوروا ليا حياتي كلها وقلبي وطريقي .. أنا عارف انك ملتزمة, وأنا أوعدك اني هتغير عشانك وعشاني وعشان ربنا قبل كل حاجه في الدنيا, أنا وأنا معاكي مبحسش نفسي ساخط علي الدنيا وعلي وضعي بالعكس بعد ما أتكلمت معاكي عرفت قد إيه أنا محظوظ لأني علي الأقل عشت قبل كده وأنا مفتح وغيري ربنا مكرموش بالمدة دي أو نصها حتى" .
كانت كلماته تتغلغل بداخلها وجعلت دموعها تنهمر ولمسه يده كانت حارقه لها تشعرها بدفء رهيب ولكنه دفء محرم عليها, سحبت يدها من يده وعادت البرودة تغلف حياتها مره أخري لكن يده بمثابة الفاكهة المحرمة لم يكن عليها لمسه أبدا .
لكن الأوان قد فات علي ذلك , لقد اشتعلت نار بداخلها كانت تدربت مطولا علي كيفيه إخمادها, خاصة بعد إهمال زوجها الذي جعلها تنسي كونها أمرآه, لقد دفنت مشاعرها وظنت أنها فعلت ذلك إلي الأبد ولكن كم كانت مخطئه ها هي مشاعرها تطفو علي سطح الحياة مره أخري بمجرد لمسه يد!.
"بعد إذنك يا بش مهندس أحمد" وعندما وصلت إلي منتصف الغرفة
"سارة" ناداها بكل حزم, "أنتِ مش مضطرة تبرري ليا أو لحد أي حاجه أنا عبئ علي أي حد وأنا عارف كده كويس, بس أنا عندي أمل في عميله ممكن تخليني افتح تاني لو مش حاسة بأي حاجه نحيتي يا ريت تقولي وأنا أوعدك إن ده هيبقي أخر يوم ليا انهارده في المكتب لكن لو حاسة اني ممكن أسعدك وتقدري تتحملي عبئي, أنا وبابا هنبقي عندك في البيت انهارده".
لقد تمكن الذهول والبكاء منها بشدة ولم تعرف ما الذي تفعله!, خرجت وهي مسرعة بحثت عن عبد الرحمن, وقالت له باقتضاب "ممكن أخد باقي اليوم أجازة " وافق ثم سألها "تحبي أوصلك لو حاسة انك تعبانة"
"لا شكرا" وخرجت مسرعة من المكتب.
دخل عبد الرحمن مكتبه ووجد أحمد جالس وهو يستند إلي عصاه والهم بادي علي وجهه.
***

كانت نائمة غارقة بين الأغطية ورن هاتفها في الساعة العاشرة صباحا, من الأبله الذي يتصل بها في هذا الموعد!, ردت بكسل شديد "الوو"
" حسام عندك يا صافي" صاح بها عبد الرحمن , فزعت من نومها وجلست وشعرها الأصفر متشعث, "لا مش عندي" , "يا خبر ابيض طيب و أمبارح مكلمكيش ولا شوفتيه" , "لا يا عبد الرحمن أنا مشوفتهوش من ساعة ما سبت البيت ", " طيب سلام ".
اتصلت بحسام والقلق يتملكها وجدت هاتفه مغلق, أعادت الاتصال بعبد الرحمن " ايوة يا صافي عرفتي حاجه؟" سألها بفزع "لا عرفت إيه؟ فهمني في ايه يا عبد الرحمن  إيه اللي حصل وحسام راح فين؟" , تنهد بآسي شديد "كارثة يا صافي وحلت علي دماغنا كلنا الشركة والبيت كل حاجه راحت بتنا أتخرب" , "إيه!!" شهقت صائحة بعبد الرحمن "أزاي ده حصل وإيه علاقة حسام بيه؟" , "محتاجين فلوس ضروري وخدنا دهب ماما, لكن المبلغ مكفاش فحسام نزل أمبارح بالليل عشان يجيب منك الدهب والمجوهرات, بس من ساعة ما نزل وإحنا منعرفش راح فين وتليفونه مقفول ".
" إيه أنا مش مصدقه؟ دهب إيه؟!" , "صافي لازم ترجعي البيت إحنا بنلم حاجتنا, طبعا مش هناخدها كلها بس علي الأقل هناخد هدومنا أنا ممكن اعدي عليكي بعد نص ساعة اتفاقنا"  "ماشي" قالتها وهي تجيب من عالم أخر.  قال مؤكد "صافي مفيش وقت لازم تبقي قدام العمارة بعد نص ساعة"  "حاضر" قالتها باقتضاب وهمت بارتداء ملابسها دون حتى أن تغسل وجهها.
دخلت والدتها عليها وهي تخلع منامتها البيضاء "في إيه يا صافي بتزعقي ليه علي الصبح" "كارثة يا ماما وحلت علي دماغنا كلنا " وقصت عليها ما اخبرها به عبد الرحمن للتو.
فأوقفتها والدتها من يدها "دهب إيه اللي عاوزينه وتروحي فين وتسيبي شقتك يعني اية هتخسري كل حاجه؟!" "مش عارفه يا ماما أنا هقابل عبد الرحمن الوقتي " صاحت والدتها بحنق "تقابلي مين؟ أوعي تكوني بتفكري أنك تاخدي الدهب له! صافي فوقي دول فلسو لدرجه الدهب وهيسيبو البيت ويسافروا يعني هتعدي معاهم في شقه واحده, الله اعلم فين ومش هتستحملي وتطلقي منه وتبقي خسرتي كل حاجه", وقفت صافي مشدوه
" يعني إيه يا ماما خلاص أنا انتهيت!" وسقطت دموعها, " لا يا روح ماما ممكن ننقذ حاجات كتير لسه الدهب وقايمتك والمؤخر, لحد ما ربنا يكرمك باللي يعوضك عنه " ثم نظرت لها في ملئ عيناها " أنتِ كده كده مش هتستحملي العيشة الصعبة خليكي ذكيه ومتخسريش كل حاجه, ومتنسيش الشقة والعربية دول باسمك " .
مسحت صافي دموعها وهي في ذهول تام ونظرت في الساعة , طيب أنا هقابل عبد الرحمن واعرفه, قبل ما يتصرفوا في حاجه" ,"شاطره هو ده عين العقل" .
نزلت صافي وما هي إلا دقيقه ووجدت سيارة عبد الرحمن تقف أمامها مباشره نزل مسرعا "ها يا صافي فين شنطك؟ مفيش وقت!".
قالت وهي تنازع لخروج الكلام من فمها " أنا مش هاجي معاك يا عبد الرحمن " "مينفعش تسيبي حسام في الظروف دي يا صافي لازم توقفي معاه وتسامحيه, ده محتجلك أوي الوقتي "
" أنا وحسام مبقاش في بنا حاجه أنا عاوزة أتطلق ويا ريت تبلغه ده يكون في أسرع وقت ومش هتنازل عن حق من حقوقي".
"حقوقك؟ هو ده كل اللي يهمك؟! " جاءتها الكلمات من خلفها وكأنه دلو مياه مثلجه يصب فوق رأسها... .
_ بالعودة عده أسابيع إلي الوراء عندما صاح حسام بسارة من شده غضبه .......
"هو أنا اللي عملته ده صح يا عبد الرحمن"، ثم ازدرد لعابه وفرك يده
"البيت وحش أوي من غيرها بس مش عارف اكلمها و أروح لها ولا اعمل إيه أنا مش معايا ولا مليم معرفش أجيب شقه بره الوقتي" ، رفع عبد الرحمن حاجبه "والله هو ده الدرس اللي أنت استفادته من اللي حصل معاك انك عاوز تجيب لها شقه بردوهتنفذ طلبتها!" ، رد بعنف "انتو ظلمنها هي مشيت عشان أنا مديت أيدي عليها وكمان قدامكوا مش عشان بابا سحب الفلوس والعربية مني " .
مط عبد الرحمن شفتيه في آسي "لو كان كده كانت مشيت في يومها مكنتش استنت هي استنت عشان تشوف بابا هينفذ اللي قاله ولا لأ " .
أمسك حسام رأسه بشدة وتأوه من الألم، " انتو ظلمنها صافي بتحبني وزمانها زعلانه ومقهورة ".
ضرب عبد الرحمن المكتب بكلتا يديه وتردد لفترة ثم قال واقفا وهو يزفر لما عليه حمل الأخبار السيئة إلي إخوته يا له من أمر مقيت " الهانم المقهورة كانت برة أمبارح مع أصحابها ولا علي بالها أي حاجه وسهرت في النادي لحد الساعة 2 الصبح ورجعت مع شله ولاد وبنات والفرحة بتنطط من عينها" ، صرخ حسام قائلا "بس يا عبد الرحمن كفاية حرام عليك " ، هجم عليه عبد الرحمن وقبض علي ذراعيه بعنف " فوق بقي يا أخي الحقيقة واضحة قدام عينك أنت اللي مش عاوز تصدق أو تستوعب إنها بتحبك عشان فلوسك، دي لو خسرت جنيه واحد بس هتسيبك وتمشي" " لا انتو ظلمنها " قالها وهو يصيح بآسي شديد .
"حسام أنا جبت أخري من الحكاية دي الموضوع واضح زي الشمس , مش محتاج حيله ولا فكر بس أنا بقي هنهي الحكاية دي لو نجحت تبقي حلال عليك ولو فشلت وأنا عارف إن ده هيحصل , تبقي حر في قرارك بعد كده تعيش اعمي بمزاجك لكن متلومش غير نفسك, مش كفايه بقالك سنتين متجوزها وحسابك صفر, أنت بتشتغل من وأنت في تانيه كليه  تقدر تقولي فين حسابك فين اللي عملته وأنت عندك28 سنه الوقتي" .
امسك المحمول ولوح به " مستعد ولا عايز تعيش اعمي طول عمرك" وقف حسام بدون حراك وكأنه صنم , زفر عبد الرحمن بقوه " أسف يا حسام لازم ادخل ولو المره دي بس في حياتك " .
تناول هاتفه وطلب رقمها بسرعة لم ترد أول مره ولا الثانية وفي الثالثة ردت وصوتها مملوء بالنعاس, تكلم عبد الرحمن بعصبيه كبيره وشديدة وكأنه يصرخ بها " حسام عندك يا صافي؟" صاح بها عبد الرحمن, فزعت من نومها وجلست وشعرها الأصفر متشعث " لا مش عندي" , " يا خبر ابيض طيب و أمبارح مكلمكيش ولا شوفتيه" , "لا يا عبد الرحمن أنا مشوفتهوش من ساعة ما سبت البيت " , " طيب  ....... .
هتفت في دهشة عندما رأته "حسام!!" , " أنا .. أنا .. ونزلت دموعها لم تدري ما تفعله وما الذي يمكن أن تقوله كي تصلح ما فعلته .
هز رأسه غير مصدق " أنتِ إيه؟ عارفه أنتِ إيه, أنتي حاجه واحده بس"وصاح قائلا "أنتي طـــــــــالق" وصاح ثلاث مرات مكررا
" طـــــــــالق ,
طــــــــالق،
طـــــــالق , فاهمه وحقوقك دي بقي ابقي شوفي هتخديها أزاي لأنك خرجتي من حياتي صحيح للأبد لكن مش هتشوفي ورقتك خليكي كده زى البيت الوقف ".
والقي نظره ملؤها الاشمئزاز نحوها وتركها وهي منهارة من البكاء تتوسل له ليعود, ثم نظرت نحو عبد الرحمن بغيظ شديد, زم شفتيه وقال لها بآسي مصطنع "يا خسارة".
نظرت له والغضب يقتر من عيناها "هتندم علي اللي عملته معايا فاهم "ورفعت يدها في الهواء  تصفعه إلا انه امسكها بكل سهولة وسحق معصمها وقال بكل بساطه "أتكلمي علي قدك يا شاطره" ودفعها بعيدا عنه وهو متقزز منها وذهب لسيارته وهو يصفر .
***
عادت سارة إلي منزلها ودلفت مباشره نحو غرفتها تبكي بمرارة, لمحتها كلا من أمل وأية فانسحبوا بهدوء قبل أن تراهم والدتهم ودلفوا ورائها.
كانت سارة متكورة علي نفسها في السرير وجسدها يرتعش وتبكي وتنتحب بشدة.
تشعر بمرارة كل شيء حولها وقد أعيدت إليها كل الذكريات المريرة مع زوجها مره أخري, لقد فتحت أبواب قلبها مره علي مصراعيه من أجل الحب , وكانت النتيجة هبوب عاصفة اللامبالاة التي اقتلعت جذور كل شيء جيد لديها , لا تريد الدخول في تلك الدوامة مره أخري.
دخلت أمل وأيه وأغلقوا الباب خلفهم جيدا, احتضنت أمل سارة في حضنها جيدا وأخذت تهدأ فيها قالت أية وهي دامعة العين "مالك يا سارة حد عملك حاجه ؟!" .
نفت سارة برأسها, كانت أمل مرتعبة بشدة لذلك صاحت بسارة وهي ممسكه بكلتا ذراعيها " انطقي أتكلمي من اللي عمل فيكي كده؟", قالت سارة من بين شهقاتها "طلب ..أيدي ..للجواز", هزتها أمل بعنف أكبر من السابق "مين انطقي أتكلمي مين؟" ردت سارة بما يشبه الهمس "أحمد".
ارتخت أمل وتركتها وهوت جالسه علي السرير واخفت أية وجهها بكلتا يديها من الدهشة, ثم أخذت نفس وربتت علي ظهر أختها بحنان "طيب أنتِ خايفه كده ليه؟".
حكت سارة لإخوتها ما حدث معها بالضبط, همست أمل بشغف "ده أكيد بيحبك يا سارة أنتِ زعلانه كده ليه؟" , "صاحت بها سارة غاضبه "ده بس عشان كفيف", نهرتها أية "أنتِ أزاي بتقولي كده أنتي زعلانه انو اتقدم لك وهو كفيف, هو مش إنسان زينا!" صاحت بهم بغضب "عمركوا  ما هتحسوا بيا هو عمره ما كان هيبوصلي لو كان بيشوف" , " قصدك إيه ؟!" سألتها أمل، " أنتِ عارفه قصدي كويس مالوش لزوم نحور علي بعض أنا كلي علي بعضي ملخبطه وواحد زيه عمره ما كان هيبوص عليها أبدا لو كان بنظره" .
جذبتها أية بعنف من يدها  "بطلي بقي عدم ثقتك بنفسك دي , مش عشان الحيوان اللي كنتي متجوزاه بيقولك كده يبقي ده رأي كل الناس أنتي جميلة بس مش حاسة بنفسك , عشان صدقتي كلام واحد فاشل".
صرخت سارة ووضعت يدها علي أذنيها " كفاية بقي حرام عليكو عمركوا ما هتحسو بيا سهل عليكو تقولو كده و مفيش واحده فيكو خرجت إلا وحد أعجب بيها, وأنا عمر ما حد شافني, حتي الراجل اللي تجوزته مامته هي اللي كانت ضاغطة عليه عشان اتجوزة" .
صفعتها أختها الأصغر أمل علي وجهها كي تكف عن الصراخ, تجمدت الدموع بعين سارة, وشهقت أيه بشدة من فعله أختها.
دخلت الوالدة ولم يكن المشهد جيد بالنسبة لأي منهن علي الإطلاق , " في إيه مالكو؟! " كانت الأم قلقه للغاية , احتضنت أمل سارة بقوة رهيبة " أنا أسفه , أنا أسفه, سامحيني يا سارة والله غصب عني" وأخذت أمل تبكي بشدة, ومع إلحاح الأم لمعرفه سبب بكاء بناتها بشدة وجدت أية نفسها مضطرة لشرح الوضع للأم التي ظلت جامدة, ثم تكلمت ببطء وهي تفك الطرحة عن ابنتها وتمسد شعرها وضمتها إلي صدرها ثم سألتها بهدوء .
"سارة بابا جاب صندوق أمبارح وحطه في المطبخ تعرفي فيه إيه؟" هزت رأسها نافيه, سألتها مره أخري "ليه يا سارة متعرفيش؟" نظرت بغرابه لوالدتها "عشان مفتحتوش" "الله ينور عليكي مفتحتهوش, واحد أتقدم ليكي وعاوزك في الحلال تعملي في نفسك كل ده ليه؟ وأنتِ لسه مفتحتيش الصندوق بتاعه, صوابعك مش زي بعضها يا بنتي والناس كمان ومش عشان قابلتي واحد وحش يبقي الكل كده, وده عاوزك وهيتغير عشانك يعني بيحبك مش جواز مصلحه" ونظرت إلي أمل ثم نظرت إلي مره أخري "أو جواز صالونات" .
هدأت تحت وقع كلمات أمها الساحرة وتنهدت وسألتها "لو فتح هيبقي موقفي إيه وقتها؟" ،
" يا بنتي أنتِ زي الفل ومفكيش حاجه كل واحد ربنا بيديه جماله اللي الناس تحبه بيه ولو كنتي ملكه جمال العالم عمرك ما كنتي هتعجبي "علي" لأن عينه شايفه غيرك و العيب مش منك العيب في عينه هو اللي أتعلقت بوحدة وقفلت عليها, وربنا هيعوضك بالحب اللي كنتي عاوزاه مش بقولك اقبلي أو ارفضي بس بقولك اسمحي لنفسك تفكري ومتزعليش نفسك كده المفروض تفرحي "  وقبلتها في رأسها بحب شديد .
هدأت سارة قليلا ثم أردفت " طيب ما تقوليش لبابا أنا عاوزة أتصرف لوحدي المرة دي" , هزت الأم رأسها موافقة وقبلتها واحتضنتها كل من أية وأمل ثم عبثوا بها يضحكوا معها ويضمون بعضهم البعض ثم صاحت أية بعبث " انا شامه ريحه خطوبه يعني فستان جديد " .
***

هزت نور يد شهاب ونظرت بقلق نحو أحمد فأشار لها برأسه بأنه لا يعرف, حال العائلة لم يكن علي ما يرام فمنذ مده انفصل حسام عن صافي وانفصل بشكل ما أيضا عن التواصل معهم, وعبد الرحمن هادئ وصامت  علي غير العادة وكأنه دائم التفكير في شيء ما.
أما أحمد الذي كان بدأ يضحك ويتكلم كان علي وجهه الهم واضح بشكل كبير, لم يكن هناك من يأكل بنهم سوي محمد الأخ الأصغر لهم الذي عاد من شرم الشيخ هذا الصباح.
"لو أعرف انكوا هتبقوا كده مكنتش رجعت علي فكره" , "حمد الله علي السلامة يا محمد وحشتنا والله " قال السيد شهاب ثم أردف  "الأمور تمام يا عبد الرحمن في الشغل " و أشار برأسه نحو أحمد.
"الحمد لله يا بابا" رد عبد الرحمن وهو لا يفهم أي شيء لكنه يشعر بوجود شيء ما بين أحمد وسارة وعاد يعبث بطعامه وقال دون مبالاة مصطنعة "أحمد خلص بدري عشان سارة استأذنت ومشيت" , ثم نظر نحو أحمد "شكلها كان معيط" .
نظر الجميع إلي أحمد وسال السيد شهاب "حصل حاجه يا أحمد؟", كان أحمد صامت بشكل رهيب ضغط فكيه وامسك بالعصا وقال بدون أي مقدمات "أنا أتقدمت لسارة انهارده" .
"إيه!!" هتفت السيدة نور بحده وحسام تنهد وترك طبقه ورجع للخلف غير راضي عن ما سمع, والسيد شهاب ظل ينظر بحده نحوه, أما عبد الرحمن فكظم غيظه رغم عنه ولكنه لم ينتبه إلي نفسه وهو يلوي الملعقة إلي نصفين من شده آلمه ها هي تضيع من يديه مره أخري, وقف عبد الرحمن وقال بحنق بعد أن سمع السكون يغلف الجميع "أنا مش موافق" وصعد راكضا نحو غرفته.
"أزاي تعمل كده يا أحمد من غير ما ترجع لينا؟" عاتبه والده, استأذن حسام "أنا طالع اوضتي بعد اذنكو" وصعد هو الأخر.
ترك محمد الطعام وقال بدهشة "في إيه؟ ومين سارة دي اللي انتو بتتكلموا عليها؟!" .
"بابا ماما من فضلكوا أنا ارتحت معاها وفتحتها في الموضوع انهارده وبعدين متقلقوش أووي كده مش أكيد أنها هتوافق علي واحد زي"  تألمت السيدة نور بشدة لحاله "استني بس يا أحمد بابا مش قصده حاجه يا حبيبي وبعدين أنت أي حد يتمناك, بابا يقصد إن الحاجات دي ليها أصول تتعمل الأول", بنفاذ صبر تمتم "وأنا مروحتش اتجوزتها يا ماما, أنا لسه مفتحها في الموضوع انهاردة وواضح أنه مفيش لزوم أقول حاجه بعد ما عبد الرحمن قال انو شافها بتعيط وكمان سابت الشغل", وتحرك نحو الأعلى ولكنه لم يصعد إلي غرفته بل إلي غرفه عبد الرحمن ودخل دون أن يطرق الباب يلوح بعصاه بعصبية كي يجد أتجاهه.
كان عبد الرحمن جالس علي حافة سريره واضعا رأسه بين كفيه, غير مصدق ما يحدث معه, ها هي تذهب من أمامه بغير رجعه ومن يأخذها؟ أحب الناس إلي قلبه, لن يستطيع فعل أي شيء علي الإطلاق! .
"عاوز اعرف أنت مش موافق ليه؟" سال أحمد بحده, "سبني الوقتي يا أحمد"  "أنت شوفت عليها حاجه أتكلم مش موافق ليه؟"همس له الشيطان بأن يؤكد كلام أخيه ولكنه لم يفلح معه.
"استغفر الله العظيم بلاش كده يا أحمد أنا قولت رأي وأنت حر" , "أنا عاوز أعرف في إيه؟ أنت علي طول بتكلمها بطريقه جامدة قدامي هي أخلاقها مش كويسه؟", صاح عبد الرحمن فيه بشدة بالغه "بطل تتكلم في سيره الناس".
نهض حسام من سريره بآسي وعض شفتيه لم يكن يريد التدخل لكن من الواضح انه مضطر.
صاح أحمد "مش أنت عنيا يا عبد الرحمن؟" كان عبد الرحمن يبحث عن شيء يحطمه ولكنه لم يجد فصاح بعصبيه " إلا دي يا أحمد إلا دي! " ,صاح أحمد هو الآخر" فهمني في إيه مالك؟ مش أنت وعدتني تبقي في ضهري أنا افتكرتك أول واحد هيفرح" دخل حسام الغرفة وامسك عبد الرحمن برأسه الذي يكاد ينفجر منه.
"كفاية يا أحمد أبوس أيدك" " لحقت تزهق مني يا عبد الرحمن ومن مسؤوليتي خلاص" قالها أحمد بآسي شديد, صعد كل من الأم والأب والأخ العائد من السفر قلقين من صوت الصياح بغرفه ولدهم الأكبر.
كان التحمل والضغط فوق كل طاقه عبد الرحمن, عليه أن يقرر حالا هل يبوح للجميع بما في قلبه أم يخذل قلبه نظر للجميع بعين غاضبه, ورأي الدموع في عين والدته والدهشة والترقب في أعين باقي أفراد عائلته, فليكن إذا حسم الأمر .
كانت الأم خائفة وتبكي لخلاف أولادها والأب لم يجد بديل عن الصمت  يريد ان يعرف كيف سوف يتصرف أولاده من بعده.
لم يستطع عبد الرحمن رؤية وجه أخيه الحزين ذهب نحوه وضمه بكل قوته واخذ يربت عليه بشدة بحيث أصدرت ضرباته صوت عالي وألم في ظهر أحمد ولكنه الم لذيذ, أنه الم بطعم الأمان .
بكي أحمد بشدة وقال لعبد الرحمن "خوفتني يا عبد الرحمن افتكرت انك هتسبني خلاص أوعي تسبني أو تتخلي عني يا عبد الرحمن أوعي" كان هو الآخر يضم أخوة بشدة كي يشعر بقوته وأمنه, همس عبد الرحمن بتعب بالغ "مبروك يا أحمد .. مبروك .. ربنا يسعدك إن شاء الله".
ضحكت الوالدة بعد بكاؤها الشديد وذهبت لاحتضان أحمد وتهنئته وربت الأب علي كتف ابنه "جدع يا عبد الرحمن ايوة كده أنت الكبير ولازم أخواتك يفضلوا تحت جناحك" انحني عبد الرحمن وقبل يد والده وتمتم بمرارة لم يلحظها أحد "ربنا يخليك لينا يا بابا", مسح أحمد وجهه وبحث عن السرير وجلس يستريح بعد هذه العاصفة التي مرت به ودخل الجميع إلي الغرفة.
قال أحمد بتردد "بس .. تفتكروا هي هتوافق يعني إيه اللي يجبرها عليا بظروفي؟" ربت عبد الرحمن علي كتفه يطمئنه "هتوافق متقلقش" كان الحزم هو البادي علي عبد الرحمن ولا شيء أخر وظل وجهه هكذا منذ تلك اللحظة التي قرر فيها التخلي عن سارة.
سالت الأم بحذر "الأفضل كنت تستني لما يعدي فتره مناسبة علي طلاقها يا أحمد", قال محمد مستنكرا بشدة "هي مطلقه!".
وقف أحمد بسرعة فور سماع والدته, وكان هذا ما توقعته الأم إنه لا يعلم عنها أي شيء فأردفت بهدوء حذر "أنت مكنتش تعرف يا أحمد ولا إيه؟" هز رأسه نافيا وتمتم بثقل بالغ "لا عمرنا ما أتكلمنا غير في الشغل وبس" ثم نظر ناحية والدته بره, وعاد الأمل إلي عبد الرحمن وصاح كل جزء بجسده "هيا اتركها تخلي عنها, دعها وشأنها" 
" بس حتى لو كده أنا لسه مصمم عليها يا ماما " اقتربت منه وربتت علي كتفه "ده قرارك لوحدك يا حبيبي اعمل اللي تشوفه صح لحياتك" .
***

في اليوم التالي دخل عبد الرحمن الشركة باكرا لقد وعد أحمد بأن يظل إلي جواره وسوف يساعده علي الزواج من الفتاة التي يحب أيا كانت هذه الفتاة , كان يشعر بقلق رهيب ألا تأتي مجددا وألا يراها مره أخري.
ظهرت علي الموعد تماما ودخلت من باب الشركة استدعاها بإشارة من يده حالما رآها, "أتفضلي اعدي" وأشار لها بالجلوس وأغلق الباب رغم أنه يعلم كرهها لهذه الحركة, فنظر نحوها وقال بسرعة "معلش هما خمس دقايق مش أكتر", جلس أمامها وتنهد مطولا فالأمر ليس سهل كما تخيل.
"فكرتي في اللي أحمد قاله أمبارح" وقفت بسرعة حالما سمعت منه هذا الكلام, وقف هو الآخر ورجاها بشدة " سارة من فضلك مفيش وقت قبل ما أحمد يجي, هو حكا ليا انو طلب ايدك وقد إيه هو معجب بيكي و...و هو شكله بيحبك أوي أنتِ متعرفيش أحمد كان عازل نفسه لأكتر من سنتين ومتكلمش ولا رجع للدنيا تاني, إلا من أول يوم شافك فيه يوم ما وقعتوا مع بعض علي الأرض".
احمرت بشدة عندما ذكر هذا, ثم أردف بعد تردد "دي حياتك وأنا مش بحاول اقصر عليكي أو علي قرارك بس صدقيني أحمد هيسعدك ويحبك بجد فكري كويس قبل ما تردي عليه " .
سالت بهدوء بنبرة طفله صغيرة لم يسمعها منذ زمن "قد كده بتحبه؟"
"لا يا سارة" ثم أردف "اكتر بكتير ده أغلي واحد في الدنيا علي قلبي" .
همست بخفوت "ربنا يخليكو لبعض" , "أنا هسيب المكتب عشان تتكلموا براحتكوا " وخرج بهدوء وتركها تزداد في حيرتها.
طُرق الباب بعد خمس دقائق ودخل أحمد فوقفت سارة قائله بخفوت
"صباح الخير" ابتسم بشدة حين سمع صوتها "سارة!" ثم أردف بسرعة "صباح الخير يا سارة عامله ايه؟ " "الحمد لله" , مد عصاه يمينا ويسارا بحركة متوترة يستكشف طريقة ولم يستطع كبح لجام لسانه "يا تري فكرتي أنا عارف المدة قليلة أوي عشان تفكري بس أنتِ أكيد حاسة بيا من فترة".
"فكرت" قالتها بخفوت شديد, اقترب منها كثيرا وقال لها بتوسل هامس أصابها بالقشعريرة "قبل ما اعرف رأيك مفيش أي فرصه نتكعبل ونقع علي الأرض تاني ولو لدقيقه واحده ", لم تستطع منع نفسها عن الضحك.
همس بالقرب منها "موافقة يا سارة؟" يفترض به أن يكون سؤال ولكنه خرج من فمه وكأنه يخبرها بالإجابة مسبقا!، وجدت نفسها مشدودة له بشدة وكأنه سحر فهزت رأسها ولم تعرف الكلمات كيف تخرج منها, أحس بحركة رأسها ولكنه لم يعرف في أي اتجاه توسل قائلا ببؤس
"أبوس أيدك يا سارة أنا عارف انك بتهزي راسك بس مش قادر اعرف في أي اتجاه ردي عليا!" سمعها بالكاد "موافقة".
مد يده وحاول الإمساك بها من شده فرحته ولكنها منعته "في إيه! والله هخطبك انهارده" , "حتى لو كده مينفعش تمسك أيدي وإحنا مخطوبين بردو" كان صوتها رقيق وعذب وفرح جعل قلبه يرقص فرحا, ثم همست بصوت أذابه عذابا وشوقا "أحمد" رد بهيام "قلب أحمد من جوا" "أنا مضايقه اوي " "ليه يا سارة في إيه!" قلق بشدة.
"أول مره اخبي حاجه علي بابا" , "متقلقيش انهارده بابا هيعرف"
"متشكرة قوي" "متشكرنيش يا سارة أنا اللي المفروض أشكرك".
ازدادت ضربات قلبها بشدة وبعنف فهي لم تستطع استيعاب أن هناك من يحتاجها ويريدها بهذه الشدة والقوة في حياته.














نهاية الفصل






من الجيد ألا تظل تختلط بنفس النوعية من البشر وان تحاول الاندماج مع آخرون من طبقات وثقافات وبلاد آخري .
حسنا انه ليس شيء جيد فقط, بل انه ضروري بعد تجربتي الخاصة اعتقد انه لكان فرق كل الفرق في حياتي لو أنني علمت هذا باكرا قبل فوات الأوان.
لأنني عندما كرهت, كرهت الكل وعندما أحببت, أيضا أحببت الكل.
قال تعالي :
"يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا "
صدق الله العظيم
لو علمت معناها جيدا لعشت سعيدا بعيدا عن شقائي ووحدتي التي تغلف قلبي رغم وجود الجميع حولي تقريبا, لكن لا يوجد أي معني لكلمه " لو " فانا أري أنها لا تفيد أي شيء, أو أي إنسان.
إنما هي مرادف لمعني الحسرة والندم ولا لشيء أخر, هذا هو رأي الخاص.



"حائر"

Please vote if you like it

مذكرات حائر الجزء الأول "الحلم المستحيل" بقلم هالة الشاعر Donde viven las historias. Descúbrelo ahora