الفصل السادس "جراح الماضي"

9.3K 397 24
                                    

الفصل الســــــادس
" جراح المـــــــاضي "

استيقظت سارة متأخرة عن موعدها المعتاد تفرك عيونها بصعوبة كي تفيق وتمشي بثقل إلي أن اصطدمت بوالدها "عمك شهاب وطنط نور اتصلوا وعزموكي علي الغدا وبعد نص ساعة أحمد هيعدي يخدك, أجهزي يالا " كانت سارة مشعه المنظر والهيئة وتنظر لوالدها بعين مفتوحة والأخرى لم تستيقظ بعد, نظرت إلي نفسها في المرآة وصرخت وهي تركض نحو الحمام "مش هلحق اخلص في نص ساعــــــة!!" .
أخذت حمام سريع وسرحت شعرها الأشعث وأخذت تصرخ بهلع بكل من أمل وآية بعد أن ركضت لغرفتهم بعده ملابس "مش عارفه البس إيـــه! البس إيـــــه!!!" , دخلت الأختان وساعدن سارة علي اختيار طقم مناسب, تأففت آية "لازم بكره ننزل نجيب ليكي كام طقم" ردت بسرعة وهي ترتدي ملابسها بأسرع ما يمكنها "أكيد أكيد" انتهت من لف الطرحة وأداء صلاة الظهر ووجدت هاتفها يرن واسم أحمد علي الشاشة "جاهزة يا سارة" "خمس دقايق بالظبط"  أكملت زينتها وارتدت حذائها وجرت إلي الأسفل صارخة بأمها " ســـــــلام يا مامـــــا".
وقفت آية مشدوهة وضربت كف بالآخر وقالت لوالدها "سارة أتجننت علي الآخر! " ضحك الوالد والوالدة كثيرا .
نزلت سارة إلي الأسفل بسرعة وحالما خرجت من العمارة وجدت أحمد وعبد الرحمن ينتظروها أمام السيارة توجهت نحو أحمد
"السلام عليكم" "وعليكم السلام أزيك يا سارة" "الحمد لله" وعلي ثغر كل منهم بسمه رقيقة جميلة.
رفعت يدها ولوحت بمرح "أزيك يا أبيه" هز رأسه وحاول رسم بسمه مهذبه مبتلع الغصة لرؤيتها بمثل تلك الفرحة والسعادة لأول مره "الحمد لله أزيك يا سارة؟" هزت رأسها بمرح طفولي "الحمد لله", تحسس أحمد طريقه وفتح لها باب السيارة كي تصعد شكرته وصعدت, ثم تلمس طريقه بهدوء وجلس إلي جانب عبد الرحمن مره أخري وهو يطوي العصا خاصته.
انطلق عبد الرحمن بهم وسألها أحمد وهو يحاول الالتفات لها "عامله إيه يا سارة؟" "الحمد لله" "نمتي كويس " " اها "  "ها تجربي أكل ماما انهارده ولا تحبي نتغدي برا؟", ترددت قليلا تعض علي شفتها السفلي "لا مفيش داعي نتغدي برا".
وصلت السيارة إلي مدخل كبير ودلفت منه إلي حديقة جميلة أوقف عبد الرحمن السيارة في الحديقة نزل أحمد وتحسس بيده إلي أن فتح لها الباب امسك يدها أثناء نزولها من السيارة وظل محتفظ بها, غاص عبد الرحمن بالسيارة وتأملت هي الحديقة الجميلة حيث يوجد مكان كبير مغطي وأسفله طاوله طعام وأرجوحة كبيرة علي شكل أريكة وباقي الحديقة مزروعة بورود جميلة, قال لها أحمد "أهلا بيكي في بيتك" ابتسمت سارة بسعادة ورفعت رأسها له "الحديقة جميله أوي يا أحمد" اقترب منها وهمس سألا "حبتيها؟" " أوي أوي "  تنهد أحمد "يا بختها" .
عاد عبد الرحمن بعد أن ركن السيارة ووجدهم لازالوا بنفس المكان
"انتو لسه واقفين هنا بابا مستنيكوا جوا" , واتجه ثلاثتهم نحو المظلة حيث السيد شهاب والسيدة نور.
رحب السيد شهاب كثيرا بسارة وكذلك والده أحمد وقدمت لهم العصير وجلس أحمد إلي جوار سارة وظل ممسكا بيدها رافض كل المحاولات لتركها "نورتينا يا سارة" ابتسمت بخجل "نور حضرتك يا عمي" وبعد أن تحدثوا إلي بعض الوقت جاء حسام ومحمد من الأعلى وهتف محمد بشقاوة "العروسة بنفسها هنا!" ورحب حسام بها وبعد قليل استأذنت السيدة نور لتحضير الطعام.
جلست سارة قليلا معهم ثم همست إلي أحمد "ممكن أروح لطنط" "عاوزة حاجه؟" "لا بس كنت عاوزة أساعدها" "مفيش داعي تتعبي نفسك" "لا مفيش تعب أنا هبقي مرتاحة كده"  ابتسم أحمد لها "ماشي بس ما تتأخريش" "بس أنا مش عارفه المكان أروح ازاي؟".
ضحك أحمد لبرأتها في الكلام, "عبد الرحمن ممكن تاخد سارة لماما عشان عاوزة تساعدها" وقفت سارة وقال السيد شهاب " متتعبيش نفسك يا سارة" "لا أبدا يا عمي مفيش أي تعب" وسارت بهدوء مع عبد الرحمن.
قال حسام بمرارة وهو يراقب سارة تذهب من أمامهم "مشاء الله علي مراتك يا أحمد, اعرف واحده عمرها ما فكرت تساعد ماما ولما كانت بتجيب شبكتها كان نفسها تشيل الحيطان وهي ماشيه" "إن شاء الله هتلاقي بنت الحلال يا حسام" قالها السيد شهاب ثم ربت علي يد أحمد بحنان أبوي "ها يا أحمد عامل إيه الوقتي؟" امسك بيد والده وقبلها وقال بغبطة "الحمد لله يا بابا ربنا ما يحرمني منك أبدا".
أشار عبد الرحمن إلي سارة بأن تتقدمه وصعدت عده سلالم ودخلت العمارة وفتح لها المصعد كي تدخل عضت شفتاها وسالت بذعر "هو الدور بعيد؟" ضحك عبد الرحمن "لاء أبدا الدور الأول" "طيب ممكن نطلع أحسن من غير البتاع ده" "أتفضلي" أشار نحو السلم وأغلق باب المصعد.
"عشان كده كنتي ماسكه قلبك أول يوم في الشغل؟" التفتت له بدهشة
"حضرتك شوفتني!" هز رأسه "أنا كنت راكب معاكي بس أنتِ مأخدتيش بالك مني"، وحدثته نفسه بآسي "عمرك ما خدتي بالك مني يا سارة" .
وصلوا وفتح بابا الشقة وأشار لها بالدخول, شعرت بحرج شديد ولم ترغب في التقدم بالشقة أكثر "ممكن تقول لطنط الأول أن أنا هنا؟" , تأملها قليلا دون أن يعي كلما تحدث معها او رآها ازداد إعجابه بها أكثر وأكثر.
لوحت بيدها أمامه "أبيه حضرتك كويس؟" "هاا؟!" أشاح بنظره بعيدا وأزدرد لعابة بتوتر "معلش يا سارة أصل في موضوع شاغل بالي, بوصي ده الصالون ودي السفرة وده الأنترية و وراه المطبخ والدور اللي فوق كله نوم, أنا هبلغ ماما " ودخل إلي والدته المطبخ وأنحني لها هامسا "ماما سارة هنا عاوزة تساعدك" "هي فين؟" وبحثت بعينها "واقفة برا مش راضيه تدخل إلا لما حضرتك تعرفي".
رفعت حاجبها وزمت شفتاها ثم خرجت لها "أهلا يا سارة مفيش لزوم تتعبي نفسك يا حبيبتي"  بحرج وهي تفرك يدها" أبدا مفيش أي تعب يا طنط " , استأذن عبد الرحمن "طيب بعد اذنكوا أنا طالع فوق لو احتجتوا حاجه اندهولي " وصعد راكضا وذهب إلي الحمام لكي يغسل وجهه ويفكر بحل للمشكلة التي أوقعه الزمن بها, لابد وان يذهب بعيدا عن هنا كي لا يراها أمامه طوال الوقت هكذا قرر.
وقفت سارة في المطبخ مع السيدة نور والخادمة تُعد الأطباق, نظرت سارة حولها وجدت أن كل شيء معد "تحبي اعمل مع حضرتك إيه يا طنط؟" " لو مصممه حاجه السلطة هناك".
علي الفور بدأت سارة بإعداد السلطة وتقطيع مكوناتها ولكن السيدة نور وجدتها فرصه مناسبة أكثر للحديث "سارة كفاية كده يا حبيبتي وفاطمة هتكملها, تعالي نتكلم برا شويا" امتثلت سارة لأوامرها وغسلت يدها وجففتها وتبعتها للخارج.
جلست السيدة نور وهي تضع قدم فوق الأخرى وجلست سارة إلي قبالتها وهي تشعر بتوتر شديد لتغير ملامح السيدة نور "سارة أنتِ كنتي متجوزة قبل كده" توترت سارة كثيرا وغاص قلبها بصدرها وهزت رأسها موافقة , "متفهمنيش غلط بس أنا عاوزة اطمأن علي أحمد ويهمني اعرف انفصلتي ليه عشان نتجنب أي مشاكل في المستقبل" .
ازدردت لعابها وشعرت بحنق شديد وشعور غمرها بأن سعادتها مع أحمد ولت وانتهت, أغمضت عيناها ولم تعرف من أين تبدأ؟.
"مش عارفه أقول لحضرتك إيه مش عارفه ابدأ منين؟" "قدامنا وقت كبير يا ريت تبدأي من الأول خالص يا سارة" ازدردت لعابها وجمعت شجاعتها :
"من 3 سنين والدة علي زوجي السابق شافتني كنت فأول سنه رابعة من الكلية وهي أعجبت بيا وبعدها بفترة جه هو ووالدته وطلبوا إيدي، كانت أول مره ليا عمري ما أعدت مع حد او أتعرفت علي ولد قبل كده, ومكنتش فاهمه أي حاجه خطبني وبعدها بأسبوعين سافر سنه علي ما اخلص دراستي ورجع تاني علي معاد الفرح, مكنش بيتصل بيا او بيتكلم معايا وف نفس الوقت والدته كانت بتتصل بيا كل يوم تطمن عليا  وتفهمني قد إيه ظروف الاتصال هناك صعبه" وصدرت عنها ضحكه سخريه رغم عنها "رغم أني لما روحت هناك عرفت إن مفيش أي مشاكل في الاتصال , وبعدها بكام شهر بدأ يكلمني كل فتره يطمن عليا ويقفل وأنا طبعا كنت فاكره إن ده قمة الحب" .
ضمت شفتيها وأزداد فرك يدها من التوتر والألم لتذكر تلك الفترة من حياتها
"بعد ما أتجوزنا بأسبوع واحد بس عرفت قد إيه أنا عاديه بالنسبة ليه, وانو مش خجول أوي زي ما كنت فاكره أو كتوم بالعكس ده مرح مع الناس كلها إلا أنا مكنش بيتكلم معايا إلا في أضيق الحدود وسافر بعد الفرح بشهر, وبعدها بكام شهر بضغط من والدته سافرت الإمارات.
طول اليوم شغل وبالليل مع أصحابه كان ممكن نعد بالأسبوع منتكلمش نهائي وبدون أي سبب وعلي أتفه الأسباب بنتخانق وحاولت معاه بكل الطرق أني أشده ليا لكن مكنش ممكن أبدا" .
"ليه يا سارة؟" سالت السيدة نور، سحبت نفس عميق مؤلم وبصوت مهزوز "لأنه كان بيحب واحده من أيام الجامعة وهي سابته واتجوزت بس هو فضل يحبها واتجوزني بس تحت ضغط والدته, طبعا معرفتش ده غير في الأخر شوفت كلامهم مع بعض بالصدفة كنت عشت معاه تقريبا سنتين وملقتش أي تغير بالعكس كل يوم كان بيبعد فيه اكتر من اللي قبله ولما شوفت الحوار اللي بنهم معرفتش اعمل إيه مكلمتوش ولا عرفته بس طلبت منه ينزلني مصر, مكنتش قادرة اعد معاه خلاص اكتر من كده ولما نزلت مصر بعدها بأسبوع اتصل بيا وبدون أي مقدمات طلقني وقالي ورقتك هتوصلك في أسرع وقت ".
ثم أردفت بمرارة "طبعا هو عمل كده عشان كان متفق مع حبيبته انو هيسبني ويرجع لها وهي كمان تسيب جوزها", لم تعد دموع سارة تستطيع الصمود وسقطت بهدوء.
رق صوت السيدة نور "ومحملتيش خالص في المدة دي؟" قالت سارة بمرارة "لا حملت تلات مرات بس كلهم نزلوا قبل الشهر التاني ما يخلص" "وإيه السبب؟" "إرهاق, زعل, وسعات من غير سبب "  " وأحمد يا سارة؟" ابتسمت سارة من بين دموعها "أحمد أول واحد يقولي انو بيحبني, حتي لما كنت بطلب من علي انو يقولي بحبك كان بيتهرب مني وعمره ما قالها ليا" .
"يعني أنتِ بتحبيه بجد؟!" "عمري ما كنت مبسوطة زي ما أنا ببقي مبسوطة وأنا معاه , بحس أني واحده تانيه عمري ما شوفتها قبل كدة " .
اقتربت السيدة نور من سارة كثيرا وأمسكت  بكلتا يداها وبنبرة أقرب للتوسل "سارة أحمد أتعذب كتير بعد ما خطيبته أتخلت عنه بعد ما بقي كفيف وأنا خايفه عليه لو قلبه انكسر تاني مش هيستحمل المرة دي " نفت سارة بسرعة "وأنا عمري ما هسيبه لأني بحبه بجد لأنه الوحيد اللي حبني من قلبه  .. من غير حتى ما ييشوفني! " .
كانت سارة تتكلم من وراء دموعها, مسحت السيدة نور دموع سارة برقه وقبلتها "أنتِ وأحمد هتعوضوا بعض عن اللي حصل في حياتكو قبل كده اهم حاجه متتخلوش عن بعض ماشي يا سارة " .
هزت سارة رأسها موافقة بشدة علي كلام السيدة نور، " يالا زمانهم جاعوا أوي وممكن ينقضوا علينا في أي لحظه , روحي اغسلي وشك وتعالي"  ضحكت سارة وذهبت لغسل وجهها وهي سعيدة بالحديث مع السيدة نور لأنها رأت تلك التساؤلات بعينها منذ أول يوم وسرها أن تتفاهم معها جيدا .
ومن جانب أخر وقف عبد الرحمن وهو يسند رأسه للحائط بآسي بعد أن سمع كل شيء حدث لسارة وهي تأسره بحزنها أكثر وأكثر, وشعر بنفسه يغرق يريد أن يذهب لها ويمسك يدها ويضمها ويخبرها بأنه موجود وانه لن يخذلها أبدا , ولكن ليس من حقه فعل هذا.
نزلت سارة والسيدة نور بعد أن صاروا أصدقاء ومصارحة كل منهم للأخرى.
"إيه يا ماما كل ده؟ جوعنا أوي" سال حسام بعذاب لشدة جوعه , " الأكل نازل الوقتي بطل لاماضه " " وديتي مراتي فين يا نور؟" " بقي كده نور حاف! طب مش هقعدها جمبك, خليك لوحدك سارة هتعد جمبي" زعر أحمد بهزليه " نعم نعم !! ما تقولي حاجه يا سارة " ابتسمت سارة ونظرت نحو حماتها "أنا هسمع كلام طنط نور" .
ضحك السيد شهاب "مامتك بقالها سنين لوحدها مع خمس رجاله, وبقي معاها سارة الوقتي هيكونوا قوة مزدوجة أنصحك تسحب ناعم يا أحمد " تنحنح بانهزام " خلاص يا ست الحبايب والله ما نقدر علي زعلك هاتيلي مراتي بقي" ومد يده في الهواء وكأنها سوف تعطيه شيء صغير بيده!
" خلاص يا سارة روحي جنبه هسامحه عشان خاطرك ".
ذهبت سارة إلي الجلوس بجانب أحمد الذي امسك بيدها فور أن جلست إلي جواره وقال لها محذرا مدعي الغضب "مسمعكيش تاني بتقولي عاوزة أساعد طنط فاهمه؟" ضحك الجميع ونزل علي صوت ضحكهم عبد الرحمن.
قال حسام مازحا "تعالي يا عبد الرحمن ماما وسارة اتفقوا علينا خلاص" , نظر عبد الرحمن مطولا نحو سارة ورفع يده مستسلما "وأنا مش ناوي أعارضهم أو أقف قدامهم".
_ أصبحت السفرة جاهزة وبدأ الجميع بتناول الطعام, كانت هذه أول مره لسارة تري فيها أحمد يأكل أمامها وأحست باضطراب غريب وحزن شديد وهي تراه يتخبط في طبقه ويأكل بصعوبة لم تعرف ما أصابها ولكنها سعدت كثيرا لأنها رفضت تناول الطعام بالخارج فهي لا تريد لأي احد أن يراه هكذا حتى لو كانوا عائلته .
نكزها حسام برقه, فنظرت له وهي واجمة أشار برأسه نحو طبقها كي تأكل قبل أن يشعر أحمد بشيء تنهدت بحزن وهزت رأسها موافقة وبدأت بوضع أي شيء في فمها, أحس الجميع بحزنها فكلهم مروا بهذه المرحلة سابقا لكنهم الآن تعودوا علي رؤية أحمد يتحسس طعامه.
قال عبد الرحمن كي يكسر هذا الحزن "إيه رأيك في أكل ماما يا سارة؟" " جميل بجد تسلم أيدك يا طنط " ردت بوهن, وأردف حسام " لازم تدوقي محشي ورق العنب منها جبــــار ملوش حل" ابتسمت له "أحمد قالي انو بيحبوا أوي" ثم نظرت نحو حماتها "إن شاء الله أتعلمه من حضرتك" " طبعا يا حببتي" , نظرت إلي أحمد مره أخري وقلبها مفطور"ممكن أكلك بقي شويا؟" ابتسم أحمد "يا سلام طبعا ممكن" , أحست سارة بسعادة بالغة وهي تقطع بشوكتها الطعام وتطعمه لأحمد وأخذت تطعمه كل الأصناف من علي  السفرة إلي أن امتلئ تماما حتى التخمة .
"يا بختك يا عم .. مين قدك يا سيدي" قالها عبد الرحمن بحسد يشاكسهم "بقولك إيه يا سارة إحنا بعد كده ناكل لوحدنا عشان العيال دي أنا عارفها حسودة وعينها مدورة" ضحكت سارة كثيرا من طريقه أحمد الطفوليه الساخرة وضحك الجميع عليهم .
قال السيد شهاب "لااا بقي لو كده أنتِ لازم تاكلي معأنا كل يوم عشان نضحك كده ونتبسط" "ربنا يخليك يا عمي", بعد تناول الطعام شرب السيد شهاب القهوة وطلب الشباب الشاي واكتفت سارة والسيدة نور بالعصير.
همست سارة لأحمد "عاوزة أصلي العصر" ربت علي يدها ثم قال لوالدته "ماما ممكن تاخدي سارة عشان تصلي" "طبعا تعالي يا حبيبتي وأنا كمان هصلي بالمرة" ذهبت مع السيدة نور وقالت لها أثناء صعودهم "أنا مش هركب البتاع ده معاكي يا طنط أنا هسبقك علي السلم" , وركضت سارة نحو الأعلى وفتحت باب المصعد للسيدة نور التي ضحكت كثيرا لفعلتها.
توضأت سارة وبعد ذلك أخذتها السيدة نور إلي غرفتها وأعطتها جلباب الصلاة وتركتها لتصلي وبعد الصلاة رتبت نفسها من جديد ونزلت لأحمد بالأسفل وانتظرت بالصالون, بعد انتهاء عبد الرحمن وأحمد من أداء الصلاة خرجوا لها وجلس أحمد إلي جوارها  مستحضر صوت ضخم
" تقبل الله " " منا ومنك يا شيخ أحمد " وضحكوا سويا.
"إيه رأيك في بتنا" " جميل أوي زوق طنط يجنن " " يا بخت طنط يا ستي " ثم همس بالقرب منها " مش عاوزة تتفرجي علي اوضتي "، سألت بمكر "اشمعني!" .
" مش قصدي حاجه والله أوعي تفهميني صح , أنا بس بقول جايز نتكعبل في السجادة ولا حاجه" ضحكت ثم قرصته في يده، تأوه وهو يفرك ذراعه" أي أي حرمت خلاص"  تمتمت بانتصار" ايوة كده, أحمد ممكن ننزل تحت " " طبعا ممكن " هم بالوقوف وتحرك قليلا فسأله عبد الرحمن "علي فين كده من غيري" "ما تقلقش يا أبيه أنا معاه" " طيب أوصله أنا بدل ما تركبي الاسانسير " "لا مش مشكله.. هركبه عشان خاطر أحمد " .
خرج أحمد وسارة وفتحت المصعد ودخلا سويا "أنتِ مش بتحبيه ولا إيه؟" بأسي طفولي " بكرهه أوي, مبحبوش خاالص, بخاف منه" امسك يدها وقال برقه "تخافي وأنا معاكي" " هنجرب ده أول تست ليك لما نشوف هخاف ولا لأ " ضغطت الزر ولم تشعر بأي شيء سوي بيد أحمد الممسكة بها وتدفئها وهبط المصعد "ها حسيتي بحاجه؟" "تؤ" ضحك أحمد يعني نجحت في أول امتحان , يا اما أنت كريم يا رب عقبال الباقي " .

أمسكت سارة بذراع أحمد وساعدته علي النزول, كان الجو بالحديقة جميل والهواء عليل ورائحة الورود رائعة.
"أحمد ممكن نعد علي المرجيحة؟" "زي ما تحبي" جلسوا سويا وقد التصق بها تقريبا وظل ممسكا بيدها هزت قدمها بآسي "دا أنا قصيرة أوي مش طايله الأرض برجلي!" "ولايهمك أنا همرجحك" واخذ أحمد يهز الكنبة ويتحدث مع سارة بحب شديد .
"قولي لي بقي البيت عجبك؟" "جميل جدا, واحلي حاجه عجباني الحديقة وبالأخص المرجيحة" ضحكوا كثيرا, " بس كده هعملك في البلكونه بتعتنا واحده زيها عشان تعدي براحتك فيها"  ربتت علي ذراعه بفرح بالغ "ربنا يخليك ليا يا أحمد", صمت أحمد قليلا ثم قال  بصوت هادئ "سارة أنا عارف أني هكون صعب في حياتك يعني مش هتعرفي تعملي كل حاجه زي البنات اللي زيك مع أجوازهم , وكمان أنا مسئوليه كبيره عليكي مش عاوزك تيجي علي نفسك أبدا وتصارحيني أول بأول بكل حاجه ولو حسيتي انك مش هتقدري تقولي ليا أنا أول واحد, أنا مش عاوز غير سعادتك بس اوعديني يا سارة من فضلك".
كان أحمد ممسك بيدها وينظر نحوها, قالت سارة من بين دموعها "أنا مستحيل اسيبك يا أحمد" سأل بلهفه " ليه يا سارة إيه اللي يمنعك لو عاوزة " عضت شفتها السفلي وهمست بألم " لأني .. بحبك أوي يا أحمد" , امسك بوجهها ومسح دموعها وابتسم بخبث "ايوة كده يا شيخه أتكلمي بقي نشفتي ريقي" .
فطنت سارة إلي ما فعله أحمد سحبت يدها من يده وكورتها وضربته عده ضربات علي كتفه وابتعدت عنه في الجلسة وهي تبكي "سارة, سارة خلاص والله أنا أسف مش هعمل كده تاني" واخذ يبحث بيده عنها إلي أن وجدها وامسك بها بشدة مره أخري، من بين شهقاتها "خلاص سبني من فضلك " كانت سارة تبكي بشدة, أحس بشيء يحرق في قلبه من بكاؤها وقال بكل جديه" والله يا سارة أنا أسف بس كنت عاوز اسمع منك انك بتحبيني ومكنش قصدي ازعلك أبدا", ضمها إلي صدره وأسندت رأسها إليه وظل ممسكا بها هكذا ويمسح دموعها.
كان السيد شهاب والسيدة نور يراقبان الوضع من شرفه غرفتهم ويضحكون لما فعله أحمد, وحسام كان يشاهدهم هو الآخر من نافذته وهو يتذكر أيامه مع صافي, إلا انه أحس بأن حب أحمد هو أعمق وانقي من حبه ل صافي, لان أحمد لم يختار سارة علي أساس الجمال مثلما فعل هو , وإنما اختارها لروحها الطيبة السمحة.
أما محمد فكان إلي جوار عبد الرحمن الذي تصارع بداخله ثلاثة أشياء ولم يخرج أي منهم منتصر, الأول فرحته بأخيه وهو يراه سعيدا وفرح بعد ما مر به من صعاب, والثاني سعادة سارة وحبها لأحمد بعد شقائها مع زوجها الأول, والثالث غصة قلبه وهو يراها بعيده عنه كل البعد ولا يعلم لما كتب عليه القدر أن يعشق من لن يكون له!.
غفت سارة علي كتف أحمد وهو يربت علي كتفاها كي تهدأ بعد أن بكت بشده, واستيقظت بعد مده وجدت أن الجو أصبح ليلا, واعتدلت في جلستها بسرعة وقد أفاق أحمد إلي تلك الحركة "صباح الخير" قالها أحمد وهو يفرك وجهه, كانت سارة مفزوعة " يا خبر يا أحمد أنا أتأخرت أوي لازم امشي الوقتي" "اهدي بس إحنا المغرب ولا حاجه " , " أنا أزاي نمت كده !" ضحك أحمد "نمتي زي الأطفال وبعدين أنا سندت راسي عليكي ومحستش بالدنيا " .
امسك بالهاتف واتصل بأخيه " ايوة يا عبد الرحمن معلش تيجي عشان سارة عاوزة تمشي " .
ابتسمت سارة "أنت كل حاجه عبد الرحمن واضح انك بتحبه أوي " " جدا يا سارة قبل الحادثة كنا اكتر من الأخوات اعز أصحاب وبنعمل كل حاجه مع بعض ومبنتفرقش أبدا ولو كان عنده أي سفريه كنت ببقي مضايق أوي وهو كمان بعد الحادثة لما فقدت بصري, مسبنيش لحظه لوحدي حتى شغلي بقي بيعمله ليا وأخد توكيل مني بأسهمي ونصيبي في الشركة وكبره في سنتين بس لأربع أضعاف ما كان وحلف انو عمري ما هيسبني طول ما هو عايش وفيه نفس وفعلا هو في ضهري من يوميها وبيزعل أوي لو طلبت حاجه من حسام أو محمد وهو موجود" "مشاء الله عليكو ربنا يخليكو لبعض" .
جاء عبد الرحمن "لسه بدري يا سارة عاوزة تروحي علي طول ولا تحبي تخرجوا في حته بره شويا " " لا يا أبيه معلش أنا عاوزة أروح علي طول , مفيش داعي تتعبوا نفسكوا أنا هعرف أروح لوحدي " رفض أحمد قاطعا "لا طبعا مينفعش", اخذ منها عبد الرحمن هاتفها وسجل رقمه "ده رقمي لما تعوزي أي حاجه تكلميني علي طول" ابتسمت سارة وشكرته, امسك أحمد يدها وقال بجديه " عبد الرحمن مسئول عنك الوقتي أنتي بقيتي أخته واكتر شويا كمان متتكسفيش وتطلبي منه اللي أنتي عاوزاه اتفقنا يا سارة " ابتسمت برقة " ربنا يخليكو لبعض ".
" طيب استنو هنا لحد ما اطلع العربية دقيقه مش هتأخر " ومضي عبد الرحمن, تمشت سارة مع أحمد قليلا بالحديقة ثم أوقفها أحمد " بكره هعدي عليكي عشان نروح الشغل سوا " احتارت قليلا " اممم مش عارفه لسه بابا هيقول إيه, وبعدين أنت بتروح متأخر وأنا بروح في معادي ولا عاوز اللي في الشركة يقولو كوسا بقي وكده " ضحك كثيرا وامسك بوجهها بين كفيه " هكلمك بدري ومش هتأخر من هنا ورايح رجلي علي رجلك في أي مكان فاهمه ولا لاء؟" " تمام يا فندم " ابتسم واقترب منها ليضع قبله علي جبينها , إلا أن صوت البوق لسيارة عبد الرحمن افزع سارة وجعلها ترجع إلي الوراء بسرعة, تأفف أحمد بغيظ " بس لما أمسكك  يا عبد الرحمن " ..... .
بعد أن أوصلها كل من أحمد وعبد الرحمن رجع أحمد مع أخيه إلي المنزل وأوصله عبد الرحمن إلي غرفته وهم بالذهاب ولكن أحمد استوقفه "إيه النداله دي؟ أنت رايح فين؟ مش هتسألني عملت إيه؟!" " معلش يا أحمد أصلي تعبان شويا وعاوز أنام" كان صوت عبد الرحمن مرهق للغاية من كثره الصراعات التي تدور بداخله.
"تعالي بس يا عُبد , بوص نام علي السرير وأنا هعد علي الكرسي ونتكلم ولو نمت مش هصحيك", دخل عبد الرحمن علي مضض أمام إلحاح أخيه وجلس علي السرير بتعب وتحسس أحمد طريقه وجلس علي الكرسي واسند رأسه وقال وهو حالم "سارة قالت لي إنها بتحبني " ضحك ثم قال " طبعا مقلتش كده علي طول ده أنا أعدت ادحلب ليها لحد ما اعترفت بس صعبت عليا أوي لما عيطت, مش عارف سعات بحس إنها عمرها ما كلمت حد أبدا ساذجة أوي وبتصدق أي حاجه وطيبه ملهاش أي طلبات, مش زي أي واحده عرفتها قبل كده, واقل حاجه بتخليها سعيدة ومبسوطة" ثم تنهد بحيرة "مش عارف هي كانت متجوزة أزاي؟ أكيد كان واحد بقف بحسها بتضايق لما أفكرها بأنها كانت متجوزة, عشان كده لسه معرفتش كل حاجه" ثم سال "ساكت ليه؟ أوعي تكون نمت!" "فعلا جوزها بقف" تمتم عبد الرحمن من بين أسنانه, " تفتكر أسالها ولا اسيبها تتكلم لوحدها " .
"متستعجلش الأمور معاها وهي لما تبقي مستعدة هتتكلم من نفسها بلاش تضغط عليها" , ضحك أحمد "معاك حق ربنا يخليك يا عبد, ممكن خدمه كمان معلش أنا تقلت عليك, ممكن تدخل الفيس بتاعها وتجبلي عنها شويا معلومات كده" "ليه!" "يا سيدي عاوز اعمل لها مفاجئة يعني تلاقيني بحب نفس الأغنية بتاعتها والكتاب والحركات دي بقي" "ماشي يا سيدي أنت عارفه" "هو إيه!" "الفيس بتاعها يا أحمد" قال عبد الرحمن بنفاذ صبر , " اه اه هي كانت ضافتني تقريبا" وأعطي الهاتف إلي أخيه, دخل عبد الرحمن علي صفحتها الشخصية وجدها رقيقه هادئة مثلها, لم تكن من الذين يدخلون كل يوم وذكر كل شيء حدث لهم علي العلن.
"ها يا عبد الرحمن لقيت إيه" "مفيش حاجه يا أحمد مدخلتش من زمان شكلها" , "طيب شوف الأغاني والكتب والحاجات دي" دخل عبد الرحمن علي الكتب ووجد الكتاب الأول القران الكريم وألف ليله وليله و سلسله الشفق و...... واخذ يذكر عده كتب كثيرة.
تذمر أحمد " إيه الحوسه دي بقي؟ أجنبي وشكسبير وعربي اووف دي طلعت مثقفه طب والعمل يا عُبد دا أنا أخر حاجه قرأتها كانت ميكي وسمير!!" "اشرب يا معلم" ضحك عبد الرحمن بشده علي أخيه .
"طيب حود علي الأغاني أحسن" " اسمع يا سيدي , ام كلثوم"
" الله " رد أحمد , "فيروز" " وماله " " عبد الحليم حافظ " " جميل "
" Enrique Iglesias  " " مين ده برتغالي ده ولا إيه؟!" أحتار عبد الرحمن "لا ده مغني معرفش!, واكتر أغنيهsome body  " , واخذ يعد له قائمه أغانيها "وتفضل القران الكريم بصوت الشيخ "مشاري العفاسي" "اه فعلا صوته حلو جدا, طيب يا عبد الرحمن هات الأغنية دي بقي وحملها والأغاني اللي بتحبها كلها ماشي" وأعطي أخيه الجهاز اللوحي, وجد عبد الرحمن  الأغنية وأدارها واستكان إلي السرير يستمع إلي كلماتها .
بدأت الأغنية بضربات هادئة حالمة علي الجيتار وبدأ الحبيب يسال حبيبه إذا كانت لا تزال تذكره ويخبرها بأنه يذكرها ويخبرها بأنه امضي عمره يبحث في عقله عن هذه الذكريات,
لأنه يتجول في الشوارع وحيدا وهو يكره عزلته, والجميع يروا بأنه سقط وانه سوف يفقد عقله, لأنه يفكر بها مع شخص أخر.
وبدأ يتسارع الضرب علي الجيتار مع زيادة أمل المغني بأن تري محبوبته انه هو الشخص المناسب ويخبرها بان هناك شخص يريدها ويحتاج لها وانه يحلم بها كل ليله وانه لا يستطيع التنفس عندما لا تكون إلي جانبه وانه يأمل في يوم من الأيام أن تري أن هذا الشخص "هو" .
ويخبرها بأنه يبكي ويصلي في الليالي من اجل أن تتقاطع طرقهم مره أخري ويجتمع بها ويعوض ما ضاع منهم ثم يعود ويخبرها بأن هناك من يريدها ويحلم بها كل ليله ويأمل فقط بأن تري ذات يوم انه هو الشخص المناسب.
كان عبد الرحمن وأحمد يستمعون إلي كلمات الأغنية بإنصات شديد وعندما انتهت تنهد أحمد وقال " أغنيه جامدة فعلا دي طلعت دماغها عاليا أوي, بس انا بتهيألي سمعتها قبل كده " .
مسح عبد الرحمن دمعه سقطت عن وجهه دون إرادة منه, عندما سمع كلمات الأغنية تأثر كثيرا, وقال بصوت حاول أن يكون هادئ "أه كانت بتيجي في الراديو زمان, أنا هقوم يا أحمد تصبح علي خير " وترك أخاه وذهب إلي غرفته وارتمي علي سريره وقد حطمت تلك الأغنية كل دفاعاته .
أدارها مره أخري واستكان الي صوت المغني , لقد كان يسمع هذه الأغنية قديما منذ سنوات عديدة قبل ان يعرف بوجود سارة من قبل وكانت تأسره بشكل ما كل مره يسمعها ولكنه لم يعتقد في يوم من الأيام انه سوف يكون هذا الشخص الذي تتحدث عنه الأغنية , وان تكون الأغنية التي تصف مأساته بشكل تفصيلي هي أغنيتهاالمفضلة !! .
وفي أخر الأغنية كان يستمع الي تمني المغني بأن تشعر بوجوده وان تعلم بأنه هو الشخص المطلوب , أما عبد الرحمن فكان يعلم انه لا يوجد لديه أي فرصه مماثله كي يأمل بها مع سارة فحتي وان حدث شيء ما وتركت أخيهلأي سبب , لن يستطيع خسارةأخيه وتزوجها لقد خسرها الي الأبد .
أخذت الأغنية تدور وتعيد نفسها ولم يستطع عبد الرحمن انتشال نفسه من ذلك الشعور المحبط الذي يشعر به .
وفي الصباح كان وجهه لا يفسر عليه بدفن نفسه في العمل والسفر بعيدا عن هنا ولو لفترة، هذا هو أفضل حل كي يتخلص من عذابه .
مر بأخيهوأخذه في طريقه ومرا بسارة التي كانت بانتظارهم بالأسفلوكلها نشاط وإشراق وصعد ثلاثتهم الي الشركة , كانت سارة خجله للغاية وحاولت سحب يدها من أحمد ولكنه رفض وترك يد عبد الرحمن وتركها هي تقوده الي المكتب , أخفضترأسها فهي تشعر بنظرات الموظفين سهام حارقه تخترقها ودلفت الي المكتب معهم , دخل أحمد وقد وعد سارة بأن يعمل بكل جد وإلا لن تعمل بالشركة كلها مره أخري , استأذنت سارة لتأتي بعده ملفات وعندما عادت وجدت أحمد يستمع الي أغنيتهاالمفضلة سعدت كثيرا " الله أنت بتحب انريكي ايغليساس " " إيه ! اه طبعا يا بنتي من زمان جدا !!! " " وأنا بموت فيه " بتموتي في مين بقي ان شاء الله ؟" كان غاضبا ,  " قصدي أغانيه يعني , وبعدين معاك ! غلطه كمان  والله هسيب الشغل أنت حر " " خلاص ابدئي وحسابي معاكي بعدين , انريكي قال ! " .
تركهم عبد الرحمن وقد سره وجه سارة وهي سعيدة بالأغنية الا انه نفضها سريعا من عقله وتوجه لمكتب والده لإنهاء عده معاملات , خرجت سارة لجلب عده ملفات وكانت معامله فتيات المكتب معها باردةللغاية وهتفت واحده بحقد " طب كنتي اعزمينا ولا خايفه من الحسد ؟" , لم تكن سارة صادقت أي منهن او تحدثت معهم حتي بأي شيء لا يخص العمل " معلش أصلها كانت علي الضيق " .
كان عبد الرحمن وحسام يراقبان الوضع من بعيد و شاهدوا وجه سارة وهموا بالذهاب لكي يروا سبب تكهن الفتيات عليها , دخلت سارة مسرعة عائده الي المكتب , هم حسام بالتوجه نحوهم ولكن عبد الرحمن منعه بحركة من يده وتسلل خلفهم دون ان يشعروا , كانت  " علا " تتكلم بمرارة مع الفتيات " تعبان مايه من تحت تبن , في الأول لفت علي حسام ولما منفعش راحت للكبير وفي طريقها سلكت أحمد الغلبان ده كمان لحد ما وقعته وخلته يكتب كتابها علي طول , لأ وعامله فيها مؤدبه ومبتروحش في حته وتقضي الاستراحة بتصلي وتشتغل سهوكه وكهن بنات لا ومكفهاش ووقعت الأخوات في بعض فاكرين الخناقة في مكتب حسام " .
سمعت صوت ضربه علي المكتب مدوية كانت ليد عبد الرحمن الذي صاح بها " أنتي اللي فاكره نفسك فين بالظبط ؟! " , انتفضت الثلاث فتيات وارتعبن واطرقن رأسهن الي الأرض , همس بحنق شديد لهن " لو سمعت نفس عنها او عن أي شيءتاني مش يخص الشغل صاحبه الكلام هتندم , كلكو خصم تلات ايام يالا علي شغلكوا " .
جلست الفتيات مرتعبات ودخل عبد الرحمن مكتب حسام وامسك برأسه من الآم , مرحسام من بعد أخيه ورمي نظره احتقار عليهن .
لقد شعر بالدم يغلي في عروقه عندما سمع حديثهم المقزز عن سارة وعن محاولاتها لاجتذاب أي رجل نحوها لكنه يعلم بأن هذا لم يحدث أبدا , صحيح انها لم تكن مديره مكتبه سوي يوم إلا انه لن يكذب إحساسهأبدا.
ربت حسام علي كتفه " مالك يا عبد الرحمن هما قالواإيه؟ " " شويه زباله " رد عبد الرحمن " انطق يا عبد الرحمن مالك هما قالواإيه ؟" لقد شعر بخيبة امل في سارة عندما سمع هذا الكلام ولم يرد لحسام ان يسمعه , ماذا لو كان صحيح ؟ قص عليه ما سمعه , اشمئز حسام كثيرا " إيه القرف ده يا أخي المفروض كلهم يمشوا من هنا " ارتاح عبد الرحمن لرد حسام وندم علي شكه هذا لو كان هناك شيء علي سارة لما وافق حسام علي الزيجة لن يفعل هذا بأخيه .
قال وهو خاو القوي " تعالي زمان أحمد سمع الزعيق بتاعي " وقد كان عندما دخلوا المكتب كانت سارة تبكي وتلملم بأغراضها وأحمد يقف ولا يعلم سبب بكاؤها , كان باب المكتب مفتوح وهكذا تركه حسام وعبد الرحمن عندما دلفوا .
" اهدي يا سارة أناخدتلك حقك خلاص " " لو سمحت يا أبيه أنا مش عاوزة اشتغل تاني أنا مش محتاجه الشغل " زمجر حسام غاضبا " يعني أنتي كمان اللي عاوزة تمشي " ثم أشار بيده خارجا وصاح " ما اللي مش عاجبه يغور في داهية " " حسام أرجوك أنا مش عاوزة مشاكل من فضلك أنا مش زعلانه والله وبعدين أنا مش محتاجه اشتغل وهما ربنا العالم بظروفهم سيبوني امشي أحسن , ده أحسن حل عشان مش هستحمل حد يجيب في سيرتي "  , كانت سارة تبكي بمرارة وتمسك بحقيبتها .
"حد يفهمني في إيه ولا هفضل واقف كده ! " صاح أحمد بهم جميعا , حاول عبد الرحمن ان يهدئ عصبيه أحمد , لم تره سارة غاضبا هكذا أبدا ...
" مفيش يا أحمد شويا بنات ضايقوا سارة بالكلام وإحنا عملنا اللازم ولو مش مرتاح يمشوا خالص " هتفت سارة " لا يا أبيه حرام " , كسر أحمد عصاه من غضبه وتحول الي شخص أخر , هجم حسام عليه قبل ان تراه سارة وهو غاضب هكذا وأجلسه وهدأه " صلي علي النبي يا أحمد الموضوع خلص صدقني وخدنا حقها وزياده " " وأنا مخدش حقها ليه ولا أنا هفضل كده زي الأطرش في الزفة عشان اعمي ؟ " كان يصيح بغضب قاتل .
همس حسام في أذنه " حاول تهدي شويا سارة واقفه مرعوبة منك "  كشر عن أسنانه وعض شفتيه بقوة وحاول ان يهدأ من أنفاسهالمتلاحقة غضبا , اخذ عبد الرحمن يربت عليه ويتمتم ببعض الكلمات له .
جلست سارة في كرسي وثير وهي منكمشة علي نفسها ومرعوبة من الوحش الذي خرج أمامها , ظلت ممسكه بالحقيبة وهي ترتعش انحني حسام أمامها وهمس لها " حاولي تهدي يا سارة من فضلك ما تخفيش أحمد بس من ساعةالحادثة وبتجيلو ساعات نوبات غضب كده , بس هو زعلان عشانك والله "  لم تستطع التكلم وهزت رأسها ببطء ورعب شديد .
أشفق حسام علي حال سارة التي أصيبتبالصدمة , وفطن عبد الرحمن أيضا حالما رآها  نظر عبد الرحمن الي أخيه وقال لها هامسا هو الأخر" سارة من فضلك حاولي تغيري قرارك عشان الشغل عشان أحمد أضايق وحاسس انو عاجز لو كلمتيه هيهدا شويا " .نظرت نحو أحمد الذي خلع نظاراته بعنف ورماها أرضا ووضع رأسه بين كفيه في آسي , نظرت نحو عبد الرحمن تتوسل لهبعيناهاألا يتركها وحدها معه إلاأن عبد الرحمن نظر لها وأغمض عينيه إشارة منه علي أنها يجب ان تطمئن .
خرج عبد الرحمن الي مكتب حسام وحين جلسوا قال حسام " قولي إيه اللي ميخلهاش تفسخ معاه ,لو شافته مرتين كده الموضوع ده مش هيكمل " " لازم تبقي جنبه علي طول يا حسام ومتسبوش لوحده مش عاوزين حد ياخد باله خصوصا سارة وأهلها " هز حسام رأسه موافقا.
" بتتكلم كده كأنك مش هتبقي موجود "  " أنا فعلا مش هبقي موجود الفترة الجايه هنا عندي مشروع في شرم وكنت مأجله عشان أحمد والوقتي أنت فاضي وتقدر تاخد بالك منه , وكمان هشغل فلوس أحمد فيه "  , هز حسام رأسه بآسي " ربنا معاك يا عبد الرحمن علي الأقلأنت وأحمد كسبتو شغلكوا مش أنا خسرت كل حاجه " " شيد حيلك واقف علي رجليك وأبوك هيرجع كل حاجه لأحسن من الأول و هعلمك تشغل فلوسك برا الشركةأزاي " ابتسم حسام " ربنا يخليك لينا يا عُبد " كان يشعر بالامتنان لأن عبد الرحمن عطوف معطاء فكل ما وصلوا إليه الي الآن بفضله هو .
تحركت سارة ببطء شديد وقد أحس أحمد بها " سارة تعالي هنا " " ممكن اطلب حاجه من عم إبراهيمالأول " كان صوتها مرتعب , طلبت العصير بالهاتف وذهبت لتلملم الأغراضالمبعثرة وهو يشعر بها في كل حركه وبعدها جلست الي جواره ساكنه , التفت لها بغضب  "مقولتيش ليا ليه ؟" عندما لم ترد سارة امسك بكلتا ذراعيها بعصبيه شديدة, تأوهت ولم ينتبه لها وصاح بها " عشان اعمي مش كده مفيش مني فايده " وتركها من يده , وبعد فتره كان اهدأ سألها " أنتي كويسه ؟" كان وجهه غاضب للغاية " اها " , امسك بيدها إلاأنها كانت ترتعش بشده ضغط عليها إليأناوقفت رعشتها " معلش يا سارة أنا مش قصدي أخوفك بس مستحملتش حد يضايقك وكمان أنا مش قادر اعرف في إيه " , دخل العصير ووضعه عم إبراهيم ومضي في طريقه .
"ممكن تشرب العصير الأول " سألته بخفوت  , رد بنفاذ صبر " ماشي يا سارة " ناولته الكوب كي يشرب وبعد فتره كان قد هدأ قليلا " سارة أنتي لسه خايفه ؟ " ازدردت لعابها " أحمد ممكن نبدأ في الشغل أنا مش عاوزة أتكلم الوقتي "  , رد بعصبيه " ماشي يا سارة براحتك " .
بصوت مرتعش كانت تقرأ الملفات وعلي مضض كان يرد عليها ويجعلها تكتب الملاحظات , بعد عده ساعات من العمل هدأ الوضع قليلا واقترب موعد الراحة , ارجع رأسه الي الوراء وتنهد " لسه كتير " " لأ ده أخر واحد لسه علي الراحة عشر دقايق ومش هنلحق نخلص اللي بعده ".
جاء كل من حسام وعبد الرحمن الي المكتب قال حسام محاولا ان يلطف الجو " ها هتغدوني ايه ؟ " , وقال عبد الرحمن " في مطعم قريب من هنا حلو أوي أنا عازمكو " , " بعد اذنكو " قالت سارة وهي مطرقة الرأس , سال حسام " إيهراحة فين كده ؟ "  " هصلي " " طيب متتاخريش عشان هتيجي معأنا " " شكرا يا أبيه بس أنا مش جعانه روحو انتو " , قال أحمد بغضب " سارة روحي صلي ومتتأخريش " ذهبت دامعة العينين .
" في إيه يا أحمد مش كده يا اخي " " معرفش بقي يا عبد الرحمن اهو اللي حصل " وامسك برأسه " مرديتش تتكلم معايا ومن ساعتها بترتعش "، امسك حسام كميه الملفات المنجزةأمامه وقال بتهكم " كل ده خلصتو ومش بتكلمك ! " " مرضتش تسمعني وبدأت في الشغل علي طول " , قال عبد الرحمن محذرا " مش إحنا منبهين عليك يا أحمد بلاش عصبيه خصوصا قدام سارة " " اهو اللي حصل بقي يا عبد الرحمن معرفتش امسك نفسي "  " حصل خير المهم الوقتي متتكلمش بقي معاها كده وهي هتنسي والموضوع يعدي ماشي يا أحمد " " حاضر يا حسام " .
ربت عبد الرحمن علي ظهر أخيه" قوم نصلي عشان تهدي شويا ", وذهب الإخوةللصلاة وعندما عادوا كانت سارة في المكتب تكتب بعض الملاحظات , قال حسام بحسد " طبعا ماهو جوزك لازم تخافي علي شغله وماشيه حاجته زي النار , بقولك إيه تعالي معايا وأنا هنصص معاكي إيهرأيك " , ابتسمت سارة رغم عنها لطريقه حسام المازحة , وقال أحمد برقه " مهونش عليها تسبني مش كده يا سارة ؟ "  قالت بعبث " هفكر في عرضك يا حسام " .
قال أحمد غير مصدق " الواد ده لا هو اخويا ولا أنا اعرفه " ضحكت سارة ولملمت أغراضها وعندما حاول عبد الرحمن مساعدته لكي يذهبوا رفض " محدش هيمسكني غير سارة " وقفت سارة الي جانبه لمساعدته فامسك بيدها يحتضنها بدفء وكأنه يعتذر منها علي ما بدر منه وما كان منها إلا ان سامحته وسارت معه وخلفها عبد الرحمن وحسام ينظرون بحده لكل المكتب وقد وصلت الرسالة جيدا :

" سارة ملكيه خاصة بعائله شهاب  الدينولا يسمح لأحدبالمساس بها " .

نهاية الفصل
Please vote if you like it 😊 😍

مذكرات حائر الجزء الأول "الحلم المستحيل" بقلم هالة الشاعر حيث تعيش القصص. اكتشف الآن