الثلاثين "المصير"

6.6K 257 5
                                    

الفصل" الثلاثين "
" المصــــــــــــــــير "
في اليوم التالي وفي تمام الساعة الثانية عشره ظهرا ، خرج جميع الموظفون من قاعة الاجتماعات بشركة شهاب الدين القابضة للمقولات ولم يتبقى بالغرفة سوي السيد شهاب وأحمد وعبد الرحمن وسارة , كانت سارة أخرجت هاتفها لتشاهد الصور التي ارسلها لها محمد عن الرحلة له ولأية وكذلك حسام و أمل .
كانت معظم صور أية ومحمد بالمياه إما اثناء السباحة او تحت الاعماق ببذل الغوص وهم يمسكون بأيديهم معا وصوره مجنونه وهم " بالباراشوت " وأخري وأية تقود دراجة نارية بالجبل ومحمد خلفها بدا المرح والسعادة علي وجوههم والفرح يملئ عيونهم وكذلك صور حسام وأمل التي بالطبع كانت أهدي وأعقل بكثير من جنان محمد وأية .... .
تنهدت سارة وناولت عبد الرحمن الهاتف " شوفت يا أبيه المجانين دول " ضحك عبد الرحمن بشدة وهو يشاهد الصور ثم أعطي الهاتف لوالده , أما عن سارة فأخذت توصف لأحمد ما رأته بالصور للتو , أعطها السيد شهاب الصور وهو يضحك " بعد أذنك يا عمي أحنا عندنا معاد دلوقتي عند الدكتور واحتمال نتأخر شويا " ضرب عبد الرحمن كفه برأسه " أخخخخ ده أنا نسيت خالص ونظر الي ساعته , ثم اردف " يالا بسرعة يا أحمد انا اللي هسوق عشان السلحفة دي هتضيع المعاد عليك " .
وفي السادسة مساءا كان الثلاثة بالمركز التجاري وكانت سارة انتهت من شراء اغراض ومستلزمات المنزل وصعدوا لشرب شيء بارد , استأذنت وتركتهم وهي هائمة علي وجهها منذ أن أخبر الطبيب أحمد بأنه يستطيع أجراء العملية بعد شهرين من الآن تضاربت ثلاثة أشياء بداخلها , فرحه لان أحمد سوف يري مرة أخرى , خوف عليه من العملية ونتيجتها , والثالث رعبها القديم الذي عاد للحياة مرة أخرى تري هل سوف يعجبه شكلي؟ هل ستستمر هذه الزيجة؟! لم تنتبه أثناء تفكيرها هذا واصطدمت بفتاة , اعتذرت بسرعة منها " آسفة بجد " أزاحت الفتاة شعرها الحريري الي الخلف " ولا يهمك " ومضت في طريقها ولكن عيون سارة تتبعتها وتمتمت لنفسها " ليتني كنت أملك نصف جمالها حتي " كانت الفتاة طويلة لها شعر اسود طويل لامع وشديدة البياض وبشرتها رائعة وترتدي ملابس انيقة للغاية وحذاء عالي .
نظرت سارة لنفسها بزجاج احدي المحلات ورات وجهها الشاحب وملابسها الباهتة والي حذائها الخفيف كي تستطيع التحرك بسرعة في المكتب , " علي فعل شيء ما! " .
قررت العودة الي أحمد وعبد الرحمن فهي مشتتة وقررت انتظار أية وأمل كي يختاروا معها الملابس وأدوات التجميل فهي نسيت كيف تزين نفسها فكل زينتها ل أحمد كانت تعتمد علي العطور وملمع شفاه بطعم الفراولة !! .
وعندما عادت الي طاولتهم تسمرت بمكانها , إذا بالفتاة رائعة الجمال تقف مع زوجها وعبد الرحمن , تلاحقت أنفاسها بشدة وذهبت وهي واهنة , قال عبد الرحمن بصوت عالي كي يقطع الحديث الدائر بين أحمد والفتاة والتي لم تسمع سارة منه أي شيء بسب صوت ضربات قلبها العالي " خلصتي شرا يا سارة؟ " هزت رأسها بوهن ," تعالي يا سارة " قالها لها أحمد بحزم وهو يمد يده , ذهبت سارة له وهي واهنة ضمها أسفل ذراعه وقال " سارة مراتي " ثم أنخفض نحوها " اعرفك علي مروة " انسحبت الدماء من عروقها ومدت يدها بوهن وانكمشت اسفل ذراع أحمد وتمنت لو تختفي من علي وجه الارض .... .
بطريق العودة لم يتحدث ثلاثتهم كانوا صامتون للغاية وعبد الرحمن كان يتابع سارة الجالسة خلفه من المرآة ورآها ودموعها تسقط بهدوء وهو يعلم كل العلم ما تشعر به .
_ دقت الساعة العاشرة فناولته كوب المياه والدواء وأسندت رأسه بخفة علي الوسادة وقطرت له في عينة الدواء لقد بدأ منذ اليوم بالتحضير وتناول المضادات , لم يتحدث أي منهم بالكثير منذ أن عادوا من الخارج , ورغم عنها وهي تقبل رأسه بعد أن وضعت له الدواء سقطت دمعه فارة منها علي وجهه , رفع يده سريعا علي وجهها وارتسم الآسي علي وجهه " يالا يا سارة عشان تنامي " " حاضر " ردت بخفوت شديد .
أطفأت النور ودخلت الي جواره وخجلت من توسد صدره مثلما اعتادت , أيعقل أن ينظر لي بعد أن كان يخطب ملكة الجمال هذه؟! كيف حلمت أنا بهذا ؟ كيف سمحت لهذا بأن يحدث شاب رائع بوسامته هذه بالطبع تليق به تلك الفتاة , أما أنا فبدوت أمامها ....  لا أعلم لا شيء .
لم تكن سارة قبيحة بل هي فتاة رقيقة ذو ملامح بريئة ووجه طفولي وجسد صغير ونحيل .
أنقبض قلبها وشعرت بمعاناتها السابقة تعود مرة أخري , قطع تأملها وضمها اليه ووضع رأسها علي صدره ثم تمتم " أنا ساكت بس مش عشان اللي في بالك , أنا ساكت عشان افتكرت حاجات وحشه مكنتش عاوز أفتكرها " هزت رأسها بوهن وحاولت أن تغمض عيناها وهي تشعر بأن الآتي لن يكون مثل السابق أبدا .... , وتذكرت كلمه والدتها " علي عمرة ما شافك عشان عينه قفلت علي واحدة تانيه " يا تري يا أحمد أنت كمان عينك قفلت علي مروة الخمس سنين دول ولما تفتح مش هتشوف غيرها ولا ..... !! .
_ عادت كل من أية وأمل وسعدت سارة كثيرا لأنها كانت بوحدة وصمت مع أحمد لعدة أيام , كل منهم صامت , فأحمد تضاربت به الافكار هناك أشياء كثيرة علي المحك وكل ذلك في أقل من شهرين فقط .
أما سارة حالما رأت فرحة أخوتها التي لم ترها من قبل وقد بدا علي الاربعة فعلا أنهم عائدون من شهر العسل , كتمت مخاوفها هذه وأكتفت بالدردشة اليومية مع والدتها علي الهاتف والتي كانت تشعر ب سارة دون أن تتكلم وكانت كل مرة تطمئنها ولكن كلامها كان كحبة المسكن تُذهب الألم قليلا ولكنها لا تمحوه .
***
أصبح المنزل اكثر صخبا من الأول ب ألاف المرات فبعد عودة أية ومحمد ظلوا لأسبوع كامــــــــل !!! والله علي ما أقول شهيد !! , " وأتحمل المسؤولية كاملة علي كلامي هذا " , في حالة هيام وحب وعشق حتى أنه في ذات يوم جلست السيدة نور وأمل وسارة ينظرون نحوهم بدهشة , همست أمل " الموضوع بوخ أوي كده مش ملاحظين أنهم طولوا " هزت السيدة نور رأسها " البيت أسكت هس فعلا ده صوت صريخهم كان بيجيب لأخر البيت كل يوم ده غير الكوبيات والأطباق اللي بتتكسر! " " أنا مش فارسني غير أنهم محتلين الكنبة بتاعتي أنا وأحمد أنا عاوزة أتمرجح بقي! " .
ولكن الحمد لله أرتاح الجميع! فبعد أسبوع واحد بدأ محمد وأية بالصياح والمشاكسة ولكنهم لم يكونوا يتشاجروا , إنما هي حرب المقالب التي اشتعلت بين الأثنين , حيث بدأها محمد ولم تستطع أية فعل شيء غير أنها ترد له الصاع صاعين فامتلاء المنزل بالصياح والصراخ والتكسير والركض وأطمئن قلب الجميع مرة أخري!!! .                  " عيلة مؤذية ! "
_ ركضت أيه علي السلم ونزلت لتحتمي في منزل السيدة نور التي سالتها بقلق " مالك يا أيه بتنهجي كده ليه؟ " وذهبت لتنظر علي السلم ولكن أية هجمت عليها وكأنها تحميها من قنبلة ما ثم وفجاءة   ، طرااااخ , بــــــووووووم , " أأأأأأأأأه  والله ما هسكت المرة دي! " جاء صوت محمد يصرخ من أعلي السلم بعد أن أنفجر بجواره أحدي صواريخ أية .... .
وبعدها بعدة أيام كانت العائلة تتناول الفطور معا عدي أية ومحمد ارسلت أية عدة صور الي سارة جعلتها تنفجر ضاحكه ثم نظرت الي حسام " قوم معايا أما نكمل المقلب دة " ودلفوا الي مكتب السيد شهاب واستخدموا الطابعة لطباعة عدة صور وهم يسعلون من كثرة الضحك , لقد وضعت أية مساحيق تجميل علي وجه محمد ولون أزرق غريب علي جفونه المغمضة , واحمر خدود لابأس به , وركبت عدة مشابك للشعر ملونة بشعرة وأخذت عدة صور له وهو يتمطى ويتحرك دون أي وعي منه لما يحدث .
بعد أن طبعت سارة وحسام الصور خرجوا للعائلة التي انفجرت بالضحك لمنظر محمد الذي أصبح يشبه المهرج الي حد كبير وعلقوا الصور بكل مكان من أول السلم الي داخل الشقة , وحالما رأها محمد أخذ يزيحها ويكورها ويلعن ويتوعد الجميع بمقلب يحرمهم المزاح معه مرة أخري .
رغم سعادة أية البالغة بمحمد ورغم أنه لا يتركها إلا للعمل فقط إلا أنها استطاعت الشعور بأنه مكسور نوعا ما , وكلما ابتعدت عنه كان يسكن الهم والحزن قلبه بسب عدم أنجابه لذلك طورت حرب المقالب هذه كي تبقيه مشغول بشيء ما وتقلل من حزنه الداخلي , أما هو فكان راضي بقضاء الله التام ولكن خوفه من المستقبل استطاع التملك منه خاصة بعد ان تصالح مع أية وشعر بالخوف بأن تتركه في المستقبل لعدم تمكنه من الانجاب ..... .
أما عن أمل وحسام فقد بذل حسام كل جهده كي يعوض أمل عما فعله بها , الي ان اصبح الاثنين يشعرون بخير معا مرة أخرى وعندما عرضت عليه الذهاب الي الطبيب كي تبدأ أمل برحله العلاج , رفض تماما وأمسك وجهها " أمل مفيش دكاترة ومفيش قلق عشان الموضوع ده خالص ماشي , احنا لسه صغيرين خالينا نتبسط ونتعرف علي بعض أكتر ونعيش شببنا وبعد كدة نبقي نشوف الموضوع ده واللي عاوزة ربنا هو اللي هيكون " ثم ضمها الي صدرة كي يخفي الندم الذي يشعر به نحوها , فبعد أن عادوا من السفر أخبرهم عبد الرحمن بكل شيء وكيف أن صافي كانت تريد أن تشيع أن هناك علاقة بينه وبين سارة , وأنها هي من خطف أمل بدلا من سارة وهي من دس السم لسارة, صاح حسام ونهر أخيه علي أنه ساعدها فهي مكانها بالسجن مع المجرمين , ولكن عبد الرحمن أكد أنها بمكان تحت ناظريه وأنه لو زج بها في السجن وتفوهت بهذا الهراء سوف ينهار أحمد وكذلك سمعة العائلة سوف تتعرض للخطر وأنه أرعبها بما فيه الكفاية , ويكفي البؤس التي تعيشه الأن فأسوء كوابيسها هو العمل من أجل لقمة العيش وها هي تعيشه بكل معني للكلمة .
لذلك حسام كان يشعر بالذنب نحو أمل فهو السبب بإيذائها هكذا فلولا صافي لكانت أمل بانتظار مولدوها الآن أو علي الأقل لكان بإمكانها الإنجاب .
***
أصبحت رعشة يدها ملحوظة للجميع ولكن لم يتكلم أحد وأدعوا ان كل شيء بخير حتي لا يعلم أحمد بذلك , ولكنهم كانوا مخطئين تماما فهو إن لم يري رعشتها فهو يشعر بها فهي من يفعل له كل شيء .
_حاولت رسم الخط الدقيق الذي يعلو الجفن ولكن يدها المرتعشة جعلت الخط كارثي ، رمت القلم من يدها وصاحت " خلاص معتش فاكره حاجه انا مش عارفه أحط أي لاينر أو أي شادو أنا نسيت بقالي سنين مبحطش " وهوت علي السرير ودموعها تتساقط .
ربتت أية و أمل كل منهم عليها " سارة أنتِ قلقانة أوى كده ليه والله أحمد بيحبك " , بينما أية علمت أن كلام أمل لن يفيد بأي شيء  فسارة لا تثق بنفسها البتة ومهما قالت لها أمل لن يفيد سارة بشيء " قومي يا سارة البسي " " لأ " ومسحت دموعها , " قومي يا  بنتي في مركز تجميل هايل أصحابي بيحكوا عليه هنروح ناخد معاد الوقتي " " أنتِ بتقولي إيه يا أية ؟ هي حصلت هغير في خلقه ربنا! " ضحكت أيه مقهقه " يا هبله هو أنا هنفوخ لك شفايفك , احنا هنروح للدكتور تعملي شعرك علاج كويس عشان يرجع يلمع تاني , ونعمل سنفرة لوشك الباهت ده , وتعلجي الهالات , نلمع سنانك الي باظت من كتر القهوة والشاي , كده يعني وشوفي بعدها هتبقي عامله أزاي " " بجد! " اعتدلت سارة في جلستها , " ايوة قومي البسي يالا " وشعرت بعدها سارة بالقليل من التحسن بعد أن اختفت تلك العيوب ولكن بعد عدة أيام ذهب كل ذلك ليحل محله شيء واحد فقط  الندم , الندم الشديد من نفسها ومما تفعله وعن الخواطر والظنون التي تعبث بعقلها ..... .
_ سقطت الحقنة من يدها وحمدت الله أن الأنبوب لم ينكسر ، " خلاص يا سارة ماما اللي هتديها ليا " دمعت عيناها فهذه هي الابرة الثانية التي تفسدها بسبب رعشة يدها .
لم يعد علي أجراء العملية سوي خمسة أيام وقد بلغ التوتر منها مبلغة , أوصلته للسيدة نور وركضت الي الاسفل ودخلت الصالة الرياضية وهي تبكي راها كل من محمد وعبد الرحمن وهم بالسيارة ودلفوا خلفها بهدوء وسمعوا بكائها ونحيبها وشهقاتها المتتالية , حاولت ضم ساقيها بشدة اليها حتي تتوقف تلك الرعشة اللعينة التي أصبحت تصيبها كثيرا من فرط التوتر ولكن هيهات لم تذهب رعشتها , عضت علي شفتها السفلي وتمتمت تسب نفسها " أنا كلبه وحيوانه " ودفنت رأسها في ركبتها وأخذت تتمتم بهذه الكلمات دون توقف .
كانت جالسه علي الارض ولأن صوت بكاؤها عالي لم تسمع عبد الرحمن ومحمد وهم يدلفون الي القاعة , كان عبد الرحمن يعلم تمام العلم أنها خائفة من أن يتركها أحمد بعد أجراء العملية , وتسأل هل هذا ممكن؟ أيمكن أن يترك سارة بعد أن يراها؟ فهو كان يعشق خطيبته السابقة وبمقاييس الجمال لدي أحمد حسنا سارة!! .... لا يوجد بها أي شيء منها , أيعقل أن يتركها؟!! صدمته الفكرة والجمته عن الكلام , ظل محمد ينظر له وعندما لم يتحرك دفعة بيده كي يذهب ويحدثها ولكن عبد الرحمن أشار بيده رافضا , بحث محمد في جيوبه عن منديل ولكنه لم يجد فذهب وجلب أحدي المناشف من الخزانة وجلس الي جوارها علي الارض.
" سارة بطلي تشتمي نفسك , أستغفري ربنا " فزعت عندما سمعت صوت محمد وغطت وجهها وبكت أكثر " خلاص بقي يا سارة أمسحي وشك بقي يالا خودي " وأعطاها المنشفة فلاح علي فمها شبح ابتسامه فقال مازحا " هو ده المنيل اللي يكفيكي يادوب علي قدك " بعد ان مسحت وجهها قال بهدوء " بتشتمي نفسك كده ليه؟ " تمتمت من بين شفتاها   " عشان أنا كده " قال مازحا " أنتِ أوزعة , وحشرية , ولسانك طويل , بس مش كلبه وحيوانه أشتمي صح من فضلك " لم يصدر عنها رد فعل سوي تساقط دموعها , " في إيه يا سارة؟ " سال بقلق  " احنا عارفين انك قلقانة علي أحمد بس ليه تعملي في نفسك كده؟ " تعالت شهقاتها رغم عنها وحاولت كتمها بيدها " انا قلقانه الوقتي علي أحمد بس قبل كده كنت قلقانه علي نفسي عشان كده بقولك انا كلبه وحيوانه " واستمرت ببكائها .
لمس محمد مخاوف سارة وحاول طمأنتها وهو غير مقتنع فهو لديه نفس المخاوف نحو أية " بس أحمد بيحبك قوى أنتِ خايفه يسيبك لما يفتح يا سارة؟ " , هزت رأسها وقالت من وراء دموعها " بس انا مش بعيط عشان كده ,أنا بعيط عشان أنا مقرفة وأنانيه " وازداد بكائها .
" استغفر الله العظيم يا رب يا سارة حرام كده , استهدي بالله وبطلي عايط! " جاء عبد الرحمن وجلس الي جوارها هو الأخر علي الأرض وقال بوهن " أنتِ بتلومي نفسك علي أفكارك يا سارة؟! " رفعت رأسها بسرعة نحوه , "كيف علم ما بداخلي؟ كيف يفعل ذلك دائما ؟!" وأشاحت بنظرها بعيدا عنه " مكنش المفروض افكر كده , كان المفروض افكر في ان أحمد يبقي كويس وربنا يقومه بالسلامة , بس أنا فكرت في نفسي الاول , انا ندمانة قوى والله أنا مش عاوزة حاجه غير انو يبقي كويس , حتي لو سابني مش هبقي زعلانه , أحمد ادالي احلي تلات سنين في عمري ولو متقبلش شكلي من حقه لأنه مشفنيش قبل كده , أنا ندمانة قوي وحاسة أني مقرفة " .
لو أتي احدهم بسيخ حديد ساخن وغرسه في قلب عبد الرحمن لما شعر بذلك الألم وتلك الغصة التي اتت له بعد أن سمع سارة " هل تسميهم أحلي ثلاث سنوات بعمرها؟ بعد كل تلك الاهانات التي اهانها لها أحمد , وكم من مرة تخلي عنها , وبعد أنانية معها وتحميلها كل همومه , بعد ان عاشت له هو وحده فقط لثلاث سنوات كامله تهتم به وترعاه في كل دقيقة تقريبا , ثلاث سنوات من العمل الشاق وكل ما تخبرهم به الآن إنها أسعد ثلاث سنوات , أيمكن لأحد أن يعشق أحد هكذا؟! .
ثم أردفت " أنا خايفه قوى ومش عارفة اعمل إيه! " قال محمد محاولا جلب الهدوء لها " الأول يا سارة شيلي كل ده من دماغك , وفكري في انك المفروض تكوني جنب أحمد هو قلقان وأنتِ كمان ومحدش هيطمنه غيرك ومحدش هيطمنك أنتِ غيرة " نظرت له وتذكرت بأنها بالفعل أصبحت تتجنبه في الفترة الماضية , أصبحت تشعر بالخجل من الجلوس الي جواره أو توسد صدره مثل عادتها , هزت رأسها موافقة .
" ثانيا بقي وده الأهم أدعي ربنا يا سارة أنو يقوم بالسلامة محدش عارف إيه النتيجة , أو إيه اللي في المستقبل بس لازم تكوني واثقة أن مفيش حاجه هتحصل غير إرادة ربنا وربنا عمرة ما هيضيعك مش كده؟ " هزت رأسها موافقة وكفت عن البكاء " وبعدين المفروض أما تخافي كده تدعي ربنا يا سارة صلي وأدعي ربنا عشان أحمد يقوم بالسلامة , وانا متأكد ان أحمد عمرة ما فكر يسيبك أو انو هيسيبك لما يشوفك " نظرت له بشك , فابتسم لها " فاكره لما رحتوا كلكوا عند ماما عشان أمل " هزت رأسها " عارفة أحمد كان بيعمل إيه طول ما هو قاعد معانا "  " تؤ "  " كان بيقرأ القصيدة بتاعتك اللي أنتِ كاتباها ليه , عارفه كمان قالنا إيه " " لاء "  " ربنا خد مني نظري وادالي سارة وكان بيقولها وهو مبسوط ومرتاح "  " بجد! " قالتها بلهفه ومسحت دموعها واعتدلت في جلستها , هز رأسه موافق ثم قال " وقال كمان أنو زعلان أوي عشان حاسس ان في شرخ بنكو من ساعة الإجهاض بتاعك وكان ندمان اوي وقال لينا ساعتها أنو ابنك " تراقص قلب سارة ونزلت دموعها ولكنها دموع فرح , أردف محمد " وانو نفسه يعمل العملية عشان يشيلك زي ما أنتِ شيلتية السنين اللي فاتت وانو كان عبئ عليكي وأنو عاوز يعوضك " بكت سارة بشدة من فرحتها ثم عضت شفتاها وهزت رأسها غير مصدقة " انت بتضحك عليا " نظر لأخيه " عبد الرحمن كان قاعد معانا وهضحك عليكي ليه يعن ؟ " وقال بتكهن " غاوي كدب أنا! " نظرت لعبد الرحمن " فعلا يا سارة والله أحمد قال كده " ضحكت كثيرا وأخذت تمسح دموعها صاح محمد بها " أنجري علي شقتك يالا أحسن هقلبك انا وعبد الرحمن في حمام السباحة ده وبطلي الهبل اللي في دماغك , فاهمه ولا  لاء ؟ " كان يشير لها محذرا , هزت رأسه موافقة بشدة وشكرته وركضت الي الأعلى وأول شيء فعلته هي انها ذهبت وضمت أحمد لها بشدة وضمها هو الآخر وقبل رأسها وبالفعل أرتاح كل منهم وشعروا بالأمان مرة أخري .

***
انتظرت آخر واحدة كالعادة كي تودعه , كان الجميع يودعوه والدموع ملئ عيونهم، كانت أية آخر واحده " ربنا يقومك بالسلامة ان شاء الله يا أحمد " " شكرا يا أية " , انخفضت نحوه وقبلت رأسه وتمتمت بأذنه " أستودعك الله الذي لا تضيع ودائعه أبدا " مسح دموعها وقبل يدها وأنطلق به الممرض نحو غرفة العمليات حالما أختفي كرسي أحمد المتحرك , أنهار الجميع بالبكاء والقلق والدعاء , كان محمد ينظر الي الحائط ويسند رأسه عليه بتعب ثم فجاءه صاح بأية " اختك فين عشان .... " وسمعوا صوت ارتطام , نظر نحوها واكمل بآسي " بيغمي عليها " , حملها عبد الرحمن وكالعادة انخفض ضغطها فجاءه وحين استيقظت ظلت بحضن والدتها التي تحاول تهدئتها بينما سارة ظلت تتمتم " يا رب انا عاوزاه كويس ومش عاوزة حاجه تانيه , يا رب قومه بالسلامة " .
رغم قلق الجميع إلا أن السيدة نور كانت أكثرهم توتر وتوسل الي الله , أن يعيد لها ابنها سالما لطالما كان غالي علي قلبها فهو كان أكثرهم حنية عليها قبل الحادث وكلامه المعسول لها كان لا ينتهي ولظروفه الصعبة انشطر قلبها حزنا عليه , تمنت لو يأخذوا عيناها ويعطوها له كي يري من جديد , وعبد الرحمن توتر بشدة فأعز الناس علي قلبه يجري عمليه خطيرة بالداخل ظل يدعوا ويبتهل الي الله بأن يخرج أخوه سالما لهم وكل من أية أمل دفنت رأسها بصدر زوجها تبكي من القلق .
- خرج أحمد بعد عده ساعات ولم تنزل عين سارة من عليه وتمزق قلبها أربا وهي تراه نائم هكذا لا حول له ولا قوة , طمأنها الطبيب وذهب لم تفارق الكرسي الموجود بجواره وظلت بجانبه طوال الليل تدعو الله له كي يصبح بخير وجلس عبد الرحمن قبالتها وهو يقرأ في كتاب الله وظل هكذا طوال الليل , الي أن أستيقظ أحمد أخيرا في الثامنة صباحا لم يكن عبد الرحمن أو سارة أغمض لهم جفن ولم يتحدث أي منهم للأخر ولو بكلمة حتى , فقط يتمتمون بالدعاء والابتهال الي الله أن يري أحمد مرة أخرى .
" أ ه ه ه  " قالها بوهن شديد وبحة مؤلمة لقلب سارة وعبد الرحمن هرع الاثنان عليه " أحمد أنت كويس يا حبيبي إن شاء الله ربنا هيوقف معانا , حاسس ب إيه يا قلبي " "سارة " قالها بوهن شديد قبلت يده " متتكلمش يا ياقلبي لو مش قادر " , تمتم بوهن " عبد الرحمن فين؟ " أمسك عبد الرحمن بيد أخوة وقبلها هو الأخر " أنا هنا يا أحمد متقلقش يا بطل أنت كويس شد حيلك يالا " قالها بعد أن مسح دمعه فارة من عينه , " سارة أنا هعرف الدكتور " هزت رأسها ونظرت الي أحمد مرة أخري تضم يده الي صدرها وتقبلها وتحمد الله علي انه أستيقظ بخير.
خرج عبد الرحمن وأغلق الباب وأسند رأسه الي الحائط وتمتم وهو يشعر بكل معني للكلمة " اللهم لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك " وهدأت أخيرا ضربات قلبه وتذكر ما حدث قبل أجراء العملية بيوم واحد عندما طلب أحمد الانفراد به .
" خير يا أحمد ؟ " " احنا لوحدنا مش كده؟ " " اها " " نقلت الفلوس في الحساب زي ما قولت لك وكتبت الشقة باسمها؟ " " ايوة يا أحمد متقلقش " " عبد الرحمن أنت طول عمرك شايلني وانا مش عارف اقولك ايه بصراحة , بس صدقني ده أخر طلب هطلبه منك " ربت عبد الرحمن علي كتف أخوة يطمئنه "  سارة " فزع عبد الرحمن وهرب الدم من وجهه " مالها؟ " سأله بوهن " سارة يا عبد الرحمن اوعدني انك متسبهاش لو جرالي حاجه " دمعت عين عبد الرحمن بشدة , " أحمد ان شاء الله هتب....." " عبد الرحمن الاعمار بيد الله , انا مش خايف علي نفسي ده أخر طلب هطلبه منك سارة يا عبد الرحمن متسبهاش لو جرالي حاجه انا كتبت الشقة باسمها عشان تفضل مع اخوتها والفلوس دي من حقها انا تعبتها معايا قوى قوى خليك جنبها متسبهاش خليك في ضهرها زي ما كنت في ضهري اوعدني يا عبد الرحمن " , أغمض عينية وازدرد لعابه بصعوبة وكتم دموعه بشدة ورد بوهن "أوعدك يا أحمد".
***
مر اسبوعان كانت سارة لا تترك فيهم أحمد دقيقة واحدة كانت معه بكل خطوة تحاول قدر الإمكان أن تخفف عنه توتره من النتيجة يوم أن ينزع الشاش عن عينه , حتي أتت اللحظة الحاسمة اللحظة التي خطفت أنظار الجميع وجعلتهم يكتمون أنفسهم بشدة منتظرين بترقب ما هو مصير أحمد .
عندما رفع الطبيب الشاش عن عينه كان الجميع ينظر له بشدة عدي هي لم تستطع تمالك نفسها أبدا أنسلت بظهرها بهدوء وخرجت من باب الغرفة وركضت بكل قوة لديها.
" تقدر تفتح عينك يا بش مهندس الوقتي " كان صوت الطبيب هادئ وعملي الي أبعد حد , فقال تلك الجملة ولا يعلم ما هو تأثيرها علي الموجودين خلفه , فتح أحمد عينه ولكن لم يبدوا عليه أي رده فعل لا شيء علي الاطلاق كاد ان يغشي علي السيدة نور من شدة القلق .

_  بدأ يحرك جفونه عدة مرات كي يزيح ذلك الضباب الذي يغلف عيونه , " ث مهلا ما هذا أنه ضوء يا الهي هل سوف أري الضوء مرة أخرى!" , كان الضوء ابيض وذلك الوجه الضبابي؟ ضيق بين حاجبيه كي يراه بوضوح ثم رأي أنه رجل أخذ هذا الرجل يشير بإصبعه الي اليمين والي اليسار وجعل عين أحمد تذهب معه وتجيء , ليشهق الجميع غير مصدقين , أراد الطبيب أن يفحصه ولكنه ازاح الطبيب من أمامه بذراعه مرة واحدة ونظر نحو صوت أمه الباكية وأخذ يحاول تجميع الصورة جيدا الي ان راها حق الرؤية هرع اليها وأخذ يضمها بشدة ويقبلها ويقبل يدها وهي الأخرى تقبله وهي غير مصدقة أمسك بوجهها جيدا بين كفيه يا الهي كم أشتاق لها؟! , بحث بعينه وسط أصوات الضحك والبكاء عن اخيه الحبيب وهتف حالما راه " عبد الرحمن " ضم الأثنين بعضهم الي بعض بقوة رهيبة وبكي عبد الرحمن بشدة وأمسك أحمد كذلك بوجه أخيه الحبيب وأخذ يتذكره وهو غير مصدق أنه راه أخيرا وأخيرا رأي لون أخر غير الأسود كان قلبه يزقزق فرحا .
ضم والدة واخوته وفعل معهم نفس الشيء ونظر نحو أمل وأية وهم يبكون ثم قال بعد برهة " أنتِ أمل وأنتِ أية " هزوا رؤوسهم موافقين وهم يضحكون له من بين دموعهم " حمد الله علي السلامة يا أحمد " توجه نحو حماته وقبل رأسها ويدها فهي دائما كانت حنونة معه وكذلك قبل السيد شهاب وسأل أخيرا وهو يبحث بعينة في الغرفة " أمال سارة فين؟ " نظر الجميع الي بعضهم البعض , لابد وانها أنسلت من بينهم ولم يشعروا بها لشدة ترقبهم , قال عبد الرحمن وهو فرح " تعالي لما ندور عليها " أوقفه أحمد وقال بسعادة بالغه " لأ خليك أنا هعرفها لوحدي " ذهب وتركهم وهو في غاية السعادة لسببين لأول مرة يمشي ويركض بحريه منذ سنوات والثاني لأنه أخيرا سوف يراها , وكل ذلك وسط تذمر الطبيب الذي لم يكمل الكشف علي أحمد بعد! .
ظل يبحث بنظرة في كل مكان ثم سمع صوت بكاء وتوجه نحوه , ولم يستطع الشباب أو البنات البقاء في الغرفة وأرادوا أن يشاهدوا اول انطباع لأحمد عن سارة عند أول مرة يراها فيها , توجه أحمد نحو الباكية التي تجلس علي الأرض وتضم ساقيها لها وتدفن رأسها بركبتيها , أغمض عينيه وتأكد من أن هذا هو صوت بكاؤها وتوجه نحوها بحذر وببطء وقلبه يدق بصعوبة رهيبة وجدهم عبد الرحمن والشباب وظلوا يراقبوهم بصمت وترقب .
" سارة " ضمت ساقيها بشدة إليها حالما همس باسمها وأزداد بكاؤها بشدة لم يسمعها تبكي هكذا من قبل , أوقفها رغم عنها ولكنها أخفت وجهها بشدة بين كفيها كان يضحك بشدة من خجلها هذا " خلاص يا سارة بقي انا هموت و أشوفك وحشاني قوي " توسلها أحمد بينما هي قالت من بين شهقاتها  " بلاش تشوفني ربنا يخليك " حاول أزاحه كفيها عن وجهها ولكنها رفضت بشدة فضمها له بقوة وأخذ يربت عليها كي تهدأ ويقبل رأسها وقد حزن كثيرا لأنه مرعوبة وترتعش هكذا, أيعقل أن تكون قبيحة؟ ألهذه الدرجة خائفة من ردة فعلي؟! .
هدأت قليلا عن البكاء وتمتم هو لها " والله يا سارة أنا بحبك قوي ومتأكد أني هحبك أكتر لما أشوفك " وأزاح كفها عن وجهها برفق ورفع رأسها التي أخفضتها بشدة في الارض ،أغمضت عيناها , خشيت أن تري الصدمة في عينيه عندما يراها لأول مرة , ولكن دموعها ظلت تنهمر وعضت علي شفتيها بشدة , ضحك قائلا لها " يا شيخه وقعتي قلبي أنا قولت أنك وحشه ما أنتِ طلعتي قمر أهه " فتحت عيناها من الدهشة وحالما نظرت الي عينية التي تراها لأول مره تراها وتراه صمت كل منهم وظلوا هكذا مده لا بأس بها قلوبهم تخفق بشدة وبسرعة رهيبة , فاذا كانت هذه أول مره لأحمد يري فيها سارة وينظر لعيناها هي الأخرى اول مرة تري أحمد ينظر لها وشعرت بأن الشخص الواقف أمامها هو واحد آخر تماما حتي أنها خجلت لأنها بين ذراعيه وغزا الاحمرار وجهها , مسح وجهها برفق وقبل جبينها بعد أن نزع نفسه من دهشته ومن الغرق الذي شعر به حالما وقعت عينه علي عيناها الباكية البريئة .
ضمها بشدة وكذلك هي ولأول مرة منذ سنوات شعر كل منهم بالأخر علي نحو مختلف تماما فهو يريد أن يحميها أن تتمسك به لا يتمسك بها , وهي تريد الغرق في بحور قوته وتشتاق لأن يلفها بذراعيه وهو يراها كما ينظر لها الآن , لقد وقع كل منهم بالغرام مرة أخري ولكن هذه المرة كان حب من أول نظرة .
أطلق محمد وأية الصفير وجعلهم ذلك يضحكون بشدة ولكن دموع سارة لم تتوقف أبدا عن النزول وأن كانت الأن دموع فرح ... .
ضمها أسفل ذراعه واخذها ورجعوا جميعا الي الغرفة مرة أخري وحالما دخل كان الجميع ينظر له بعيون فرحة دامعة , أزاح سارة عنه بسرعة وقال باستنكار مصطنع " مين المكعبرة الاوزعة اللي جوزتوها ليا دي؟! "ضحك الجميع علية بشدة واخفت سارة وجهها بيدها , فأخذ يغيظها " أنتِ ضحكتي عليا وقولت لي انك شقرا وعينك زرقا " شهقت سارة " أنا قولت كده!! " ومازح حماته " أنا أضحك عليا بدليها ليا يا طنط لو سمحتي " ضحك الجميع مرة أخرى وقالت السيدة نور " الله يرحم ده أنت كنت هتموت من القلق لما كنت مستني الرد بتاع الموافقة " , وربت عليه عبد الرحمن " ولا فاكر لما ضحكت عليك وقولت ليك أن عم شاكر مش موافق كان هيغمي عليك وكنت هتعيط ولما عرفت أني بضحك عليك أعدت تتنطط وتبوس وتحضن فيا " كتم فم أخيه " هوووش خلاص إيه ؟أنت أتفتحت! " أكمل محمد " ولا لما كنتوا تتخانقوا تحبس نفسك ومتكلمش حد ولو كلمتك بس ترجع للدنيا تاني " " يا دي الفضايح!! " كان الجميع يضحك عليه بشدة " تعالي خلاص هحن عليكي أعمل إيه قلبي كبير " وضم سارة الخجلة إليه وهي تنظر في الأرض من الخجل , فأحمد الذي يمازح الجميع الآن وينظر بثقة وحب للجميع شخص آخر يشعرها بالخجل بشكل رهيب .
تنحنح الطبيب بحرج " معلش يا بش مهندس بس لازم نكمل الكشف " أنتبه أحمد له أخيرا " أسف يا دكتور والله " وجلس علي السرير مرة أخري وأخرج الطبيب أضاءه صغيرة واراد فحص أحمد وقبل أن يمسك برأس أحمد , نظر لسارة وارسل لها غمزة جعلت أنفاسها تنحبس من شدة الخجل والسعادة فهذه أول غمزة لها علي الأطلاق وضحك الجميع عليهم بشدة.
وأثناء رحلة العودة كل من العائلتين كانوا فرحين بشدة وأخبرهم عبد الرحمن بأنهم سوف يتناولون الغداء معا احتفالا بهذه المناسبة وأخذهم الي مطعم جديد يشيد به الجميع .
ركب أحمد بالخلف وجلس وسط سارة ووالدته وكل منهن تبكي غير مصدقة أن أحمد ينظر لها اخيرا ووالده الجالس الي جوار عبد الرحمن ينظر له ودموع الفرح تسقط منه رغما عنه فرحا بابنه الشاب الذي أخير أطمئن عليه فهو لن يحتاج الي أحد الآن بإمكانه أن يعتمد علي نفسه كل الاعتماد , كان أحمد يضم كل من والدته وسارة ويقبل رأس والدته ثم يقبل رأس سارة ويخبرهم بأن يكفوا عن البكاء .
وفي المطعم أثناء تناولهم للطعام أمسك أحمد بالسكين والشوكة بحماس وهو فرح من أنه يتناول طعامه بحريه وتمكن والكل فرح ويأكل عدي سارة والسيدة نور يتأملوه بغبطة وهو يطعم نفسه , قال عبد الرحمن فجاءة وبصوت عالي " ســـارة " انتفضت وضحك الجميع عليها " ربنا يسمحك خضتني! " قال مازحا وهو يشير بسكينه " الأكل هيبرد أبقي أتفرجي عليه براحتك في البيت " ليضحك الجميع بشدة عليها .
غرزت السكين والشوكة بقطعه اللحم ولم تستطع تناولها , نظرت الي أحمد ورفعتها الي فمه ابتسم لها بشدة وأكلها فهمست له " خلاص معتدش هأكلك؟ " أنخفض نحوها وقال بهمس ناعم " تؤ , من هنا ورايح أنا اللي هأكلك " واخذ يطعمها في فمها , زمجر محمد " هي قصة الحب الملتهبة دي مش هتنتهي ولا إيه؟ " وقالت أيه بدرامية " أحمد وسارة معا للنهاية " , نظرت سارة نحوهم ورفعت حاجبها " صدق اللي قال ما جمع إلا ما وفق " ضم محمد أية إليه بغبطة , فأردفت سارة وهي تشير نحوهم " سوسه وحنتوسه " ضحك الجميع بشدة بعد أن أغاظتهم سارة , فغمزها محمد بمكر " مسيرك تيجي تحت أدينا " , أحاطها أحمد بذراعه وقال محذرا " سارة خلاص محدش يقدر يجي جنبها وإن كنت ناسي أفكرك " بلع محمد الطعام بعصبيه " لا لا فاكر " وقال لأية بهلع " روحي بوسي أيد ستك سارة وأستسمحيها بسرعة مقالب أحمد مفهاش هذار " استنكرت أية " يا سلااام أكتر منك! " " يا بنتي هو اللي معلمني أصلا !! " .
ضحكت العائلة بشدة وفرح وشعر الجميع أخير أن الأمور عادت الي نصابها وشكروا الله كثيرا علي أن أحمد أصبح يري مرة أخري وفرحه كل من السيدة وفاء والسيد شاكر لم تقل أبدا عن السيدة نور والسيد شهاب لأن أحمد كان بمثابة أبن لهم كما انهم أصبح بإمكانهم الآن الاطمئنان علي سارة وعلموا بانها الآن لا ينقصها شيء .
دمعت عين السيدة وفاء بشدة " خلاص بقي يا ماما " رجتها أمل " غصب عني والله يا أمل شكله كده بقي زي القمر ربنا يحميه ويحرصه من العين يا رب " كان الجميع فرح ورغم ذلك لم يستطع أحد منهم الإمساك بدموعه أبدا .
***
في العاشرة مساءا تزينت برقة وأسدلت شعرها وارتدت ملابس النوم ورغم أنها ارتدت تلك الملابس من قبل ذلك أكثر من مرة أمام أحمد إلا إنها كانت تشعر بتوتر وعصبيه شديدة , جلست علي الكرسي تفرك يدها هي حتي خجلت من عرض المساعدة عليه وهو يرتدي ملابسه , غريب ذلك الشعور فهو زوجها منذ عامين وأكثر وتخجل منه الآن كل ذلك الخجل لم يبدو الأمر منطقي ولكنها تشعر وكأنه شخص آخر كلما نظر الي عينيها أيعقل أن تفعل نظرة بها كل هذه الأفعال؟! .
خرج هو من الحمام وتأملها وهي خجلة بملابس نومها الأنيقة هذه وتفرك يدها بعصبية بالغة , أبتسم بشدة وذهب نحوها وانخفض علي الأرض ورفع وجهها برقة بأصبعه وتأملها بزينتها الرقيقة وتسريحة شعرها الذي يراه لأول مرة وأبتسم لها كي يزيح الذي تشعر به , ووقف واوقفها وأخذ يتأملها ويجول بعينه عليها ثم وقف بعيدا عنها يقيمها بعينيه وهو واضع كلتا يديه بخاصرته , بينما أخفضت هي رأسها بشدة وأرادات البكاء , ضحك مقهقها عليها ولكنها لم تعد تحتمل أي من هذا غطت وجهها وقالت " حرام عليك والله يا أحمد اللي بتعمله فيا ده " أنها تشعر بخجل رهيب منه وهو يزيد الطين بله بفعلته هذه .
تنهد أحمد وهو يعلم انه لوكان بنظرة لما اختار سارة ابدا كزوجه له فلا يوجد بها أي شيء مما كان يستهويه بالفتيات , ولكنه بعد أن عرفها تغير وتغيرت نظرته للفتيات وأستغرب كثيرا من نفسه لأنها بعينه جميلة الجميلات ولم يشعر بأي نفور أو صدمه مثلما توقعت سارة .
ذهب نحوها مرة أخرى واخفض رأسه يقبلها ليرتعش كل منهم وكأن هذه هي أول قبله لكل منهم علي الإطلاق ...... .
***
أرسل عبد الرحمن رساله نصية الي محمد تفيد بأن يرسل له الصور التي ألتقطها اليوم للعائلة وبعد دقائق ارسل له محمد أكثر من سبعون صورة أغلبهم كان لأحمد , أوقف أحد الصور التي ينظر فيها أحمد للكاميرا بحريه وتأمله لمده طويلة وهو فرح بأخيه كان يشاهد الصور وهو نائم علي السرير , تنهد وحمد الله كثيرا أن أخيه بخير الآن ولا داعي للخوف عليه ابدا .
" وهي كمان معتش ينفع تخاف عليها بردوا؟! " تحدث إليه ذلك الصوت اللعين " قصدك إيه ؟! "  " يعني أحمد دلوقتي يقدر يحميها وياخد باله منها معتش ليك لازمه في حياتهم هما الاتنين , ولا ااا تفتكر أحمد هيسبها! " أنتفض وأغلق الهاتف ونهره " أحمد بيحبها أنت اعمي! مشوفتش عمل ايه أنهاردة " " خلاص أنت كمان معتش ليك مكان بنهم هما الاتنين " ثم أردف بصوت فحيح الثعبان "سارة خلاص معدتش هتحتاج حاجه منك تاني عندها أحمد " , أزدرد عبد الرحمن لعابه " كويس انا كده اطمنت عليهم هما الاتنين "
" ههاهاهاهاها " كان صوت القهقهة عال بداخله " فعلا واضح أنك مطمن قوى اهه حتي باين علي وشك اللي أصفر فجاءه ده " , " أنا هتجوز " " بتقول إيه؟!! " " بقول اللي سمعته هتجوز وهعيش " " وسارة هتسبها؟ " رد من بين أسنانه " انا مليش دعوة بيها أصلا " " فعلا !! وهتتجوز مين بقي يا أستاذ هتجوز واحده وخلاص وتنكد عليها مش كده ؟ عمرك ما هتحب " " لا هتجوز وهحب اللي هتجوزها مش بمزاجك وابعد عني انت فاهم مش عاوز اسمع صوتك تاني خـــــالص , حل عني يا أخي " " بقي كده! طيب أنا هقف وهتفرج وهسيبك تغرق ومش هجيلك تاني إلا إذا اعترفت بكل حاجه "  .
وتكهن الصوت بشدة " ســــــلام يا عُبد " ......... .














نهاية الفصل.

مذكرات حائر الجزء الأول "الحلم المستحيل" بقلم هالة الشاعر Where stories live. Discover now