الفصل الخامس "وعادت للحياة"

9.4K 361 19
                                    


الفصل الخــــــــامس
" وعادت للحيـــــــاة "

اتصل السيد شهاب بالسيد شاكر والد سارة وحدد معه موعد, لطلب يد سارة لابنه أحمد.
رحب السيد شاكر والد سارة بالفكرة رغم انه لا يعلم من هو هذا الولد, ولكنه رحب لأنه لمس من السيد شهاب أن ابنه وابنته متفقين.
عاد السيد شاكر واخبر الوالدة التي سعدت للغاية وبدأت التحضيرات علي قدم وساق وسرعه من الثلاث بنات لتنظيف المنزل وترتيبه, رغم انه مرتب ومنظف!! .
وقام السيد شاكر بإحضار طلبات الوالدة المعروفة لمثل هذه المناسبات وفي الساعة الثامنة كانت سارة جاهزة وأخذت أمل وأية يراقبن الطريق من خلف الشباك حتى يروا قدوم العريس .... .
رحب السيد شاكر بالسيد شهاب كثيرا, وظهر الحزن في عينيه وهو يرحب ب أحمد الشاب الوسيم فاقد البصر, وأعجب كثيرا بعبد الرحمن الذي كان سند لأخيه في كل خطوة قاموا بها.
قدمت سارة لهم العصير, كان عبد الرحمن خفيض الرأس لم يعد ينظر لها منذ أن وافق أخيه علي خطبتها, رحبت والده سارة بالسيدة نور خير الترحاب , ولكن السيدة نور لم تكن لتوافق علي سارة لولا الظروف  التي يمر بها أحمد ومع ذلك حأولت ألا تظهر ذلك.
بعد ذهابهم والاتفاق علي فرصه للتفكير, كان سؤال السيد شاكر لابنته واضح "سارة دي مسؤولية كبيره هتقدري تحمليها؟" هزت سارة رأسها  بخجل.
"أنا علي العموم شايف في عينك فرحه مشوفتهاش قبل كده وأنا عارف إني أثرت عليكي أنا وماما عشان توفقي علي "علي" لكن انهارده الموافقة جايه من عندك أنتِ ربنا يتمم ليكي بخير" ثم أردف بعد أن قبل رأسها "أحمد عأوز الخطوبة مع كتب الكتاب موافقة" . ابتسمت بحياء "اللي تشوفه يا بابا", غمز لها مشاكس " اللي أشوفه بردو؟! ماشي علي العموم متروحيش الشغل تاني خلاص" رفعت رأسها بسرعة وقالت بآسي "ليه يا بابا؟" " اليومين دول علي الأقل علي ما اسأل عليهم يا بنتي , أنا عارف أبوهم صحيح لكن ده من زمن وأنا مش عأوز أغلط تاني , هما شباب زي الورد بس لازم نحطاط بردو عشان منرجعش نندم ".
هزت رأسها موافقة "حاضر يا بابا" "واقفلي تليفونك أنا اللي هرد عليهم, لازم تبقي غالية عليه ويكون في علمك الفرح مش الوقتي خالص" ابتسمت سارة بحب شديد لوالدها لحرصه كل الحرص علي سعادتها واحتضنته بقوة "ربنا ما يحرمني منك أبدا يا بابا" .
***
أخرجت أمل الرسالة المطوية بعناية من أسفل وسادتها وفتحتها للمرة المائة تقرأ كلماتها من جديد وتتأمل بأن تري صاحبها وتسألت لما لم يحضر اليوم؟ هل هو غير راضي عن هذه الزيجة؟! , بعد أن رأتهم أمل اليوم تفهمت مخأوف سارة, فعائله أحمد في مستوي اجتماعي مختلف عنهم تماما, مسكينة سارة!!.
تنهدت وطوت الرسالة أسفل وسادتها ونظرت ناحية أختها في السرير المقابل لها التي يبدو أنها تراسل أحد ما "أية بتكلمي مين؟" ردت باقتضاب "مصطفي", "طيب أنا كنت عأوزة أتكلم معاكي شويا " تأففت أية وزفرت زفره معذبه "أنا أصلا خلصت يا أمل" .
أغلقت الهاتف والتفتت ناحية أختها فتحدثت أمل بشجن "تعرفي اني بدأت اقلق" سألت أيه بآسي "من إيه؟" "يعني بعد ما شوفت مستواهم والورد والهدايا شكلهم من عالم تاني" "طب ودي حاجه وحشه دي حاجه كويسه جدا!" "ايوة يا أية بس أنا شايفه إن العريس لو في مستويا أو حتى اقل مني شويا يبقي أحسن, وسارة كمان كده لأن لو حد جرحني في يوم من الأيام ممكن أروح فيها إلا كرامتي" .
مططت أية شفتاها وبنبرة ملل ساخرة سألت "عأوزة إيه يا أمل ؟ "
درت أمل بسرعة "سارة كان معاها حق" وتنهدت  مطولا "بصراحة بعد ما شوفته معتقدش انو كان ممكن يتقدم ليها لو كان بنظره, وكمان في ظروف طلاقها وهو مش متجوز قبل كده".
التفتت آية ونظرت للسقف تتأمله وتمتمت بعد أن فكرت برهة "طيب ما أنتِ وهي اتجوزتوا من نفس المستوي تقريبا, وكان إيه اللي حصل يعني يا أمل, وأنا كمان عندك اهه يوم كويسين وعشره لاء ".
نظرت أمل بحده نحوها "أنتِ بتضيعي نفسك يا آية علي فكره, أنتِ لسه صغيره متستعجليش علي الجواز علي الأقل لما تخلصي الجامعة "  استنكرت أختها " يا سلام والله طب ما أنتِ اتجوزتي في الجامعة ... " قاطعتها أمل بمرارة "والنتيجة أني عشت أسوء 6 شهور في عمري ورجعت بيت أهلي مضروبة".
"مصطفي مش زي الحيوان الانوي مصطفي بيحبني" , "والله أخر مره وقف معاكي أمتي يا ست آية " نفخت آية أنفاسها بهجوميه " أمل دي مامته ولازم يدافع عنها" , "بوصي يا آية هي مامته وفعلا لازم ميزعلهاش لكن علي الأقل لما تبقوا لوحدكوا, لازم يعترف ويقول الحق, وهي لما تدخل في كل شيء في حياتكو كده حياتك هتخرب, إذا كان أنتِ في الخطوبة وتعيسة وكل يوم بتنامي معيطه" , أختنق صوتها "حرام عليكي يا أمل كفاية مصطفي عليا!" .
بكت آية وذهبت أمل إلي سرير أختها واحتضنتها "حصل إيه تاني؟", "مفيش بس كنت بحكي له عن العريس بتاع سارة, واعد يسال اسأله غريبة كده وبيقول أزاي دخل البيت وهو مش موجود وزعلان من بابا وشكله غيران عشان أحمد أغني منه"  اغتاظت أمل بشدة "وهو ماله مش من حقة يدخل يا آية!" ربتت عليها ومسدت رأسها بحنان "بوصي يا آية أنا هقول لك اللي حاساه وأنتِ حرة مصطفي مش بيحبك مصطفي مبسوط انو خطب واحده جميلة زيك عشان يبقي مبسوط وسط أصحابه وعيلته لكن عمري ما حسيت انو بيحبك ".
بكت آية "بس أنا بحبه يا أمل" زفرت أمل بقوة "استغفر الله العظيم, بوصي يا آية قبل ما الوقت يفوت راقبي مصطفي وشوفيه بيحبك ولا لاء, هتلاقي انك أنتِ اللي بتتنزلي عن كل حاجه, وهو ولا فكر يعمل حاجه عشانك, ده مش حب ده تملك واستغلال واللي زي ده  هيتعبك أوي بعدين, اسمعي مني يا حببتي أنا شوفت وجربت وبقولك قبل فوات الأوان, بوصي " وأمسكت يدها وكأنها وجدت فكره لامعه "خلي الفرح بعد الجامعة مش الصيف الجاي وشوفي لو قدرتي تكملي يبقي خلاص" "بس أنا كده هطول المدة سنتين" ، "وماله أحسن ما تندمي زي أنا وسارة بعدين".
نهضت أمل وتمشت في الغرفة قليلا ثم قالت "عارفه مشكلتنا إحنا التلاته إيه, مشكلتنا إننا عمرنا ما كلمنا ولاد في حياتنا أو أتعرفنا علي حد, عشان كده أول عريس بيدخل بنتخيل إننا بنحبه, لأننا عأوزين نحب وخلاص ومعندناش خبره نعرف الكذاب من الصادق أو اللي عنده دين وأخلاق ولا لاء, أنا ندمانه أوي يا آية لو كنت فكرت كويس قبل ما أتجوز بس يالا مفيش لو، وحالي وأنا متعلقة كده صعب ومحسسني اني مخنوقة أوي ومش عاوزاكي تبقي زي فكري كويس" .
هزت آية رأسها بهدوء, ثم أردفت أمل "تفتكري سارة نامت؟" "مش عارفه"  ابتسمت لها بعبث "ماتيجي نشوف؟" , أخذت أمل يد آية وتسحبوا سويا نحو غرفه سارة وفتحوا الباب وجدوها تجلس علي السرير وقد فتحت النافذة وتتأمل شيء ما و ممسكه بالورود تتنفس منها الرائحة العبقة وابتسمت بشدة عندما رأتهم "لسه صاحين يا قرود؟"  ضحكت الفتاتان علي منظر سارة ودخلوا مسرعين قبل أن تسمعهم أمهم، مرت آية علي الهدايا الموضوعة وفتحت علبه الشوكولا وناولت أمل واحده هي الأخرى .
أكلت آية بتلذذ بالغ "الشكولاتة دي رهيبة زوقهم فوق الفظيع بجد!" , ابتسمت سارة وهزت برأسها موافقة, بدت كالحالمة ليست هذه سارة التي اعتدوا رؤيتها مؤخرا تسلقت الأختين السرير ونظرت كل منهم إلي النافذة لكي يروا ما الذي تتأمله أختهم .
سالت آية بسخف "بتبوصي علي إيه يا سارة؟ " همست بابتسامه حالمة
"القمر" أغلقت أمل النافذة وسألتها "الورد ده حلو أوي ممكن ورده" هزت سارة رأسها موافقة, أخذت أمل ورده حمراء عملاقه و قالت آية بعد أن أخذت ورده هي الأخرى "تصدقوا ده أول بوكيه ورد محترم يدخل بتنا" , قالت سارة بهدوء رصين وكأنها من عالم أخر "ده أول ورد يجيلي في حياتي كلها " .
نظرت آية وأمل كل منهم لبعض غير مصدقين حاله سارة الهائمة, وبترت أمل كلامها فهي لم ترى أختها سعيدة هكذا من قبل .
"ربنا يتمم ليكي بخير يا سارة أنتِ تستهلي كل خير "وسالت آية بهلفه "كلمك يا سارة؟ ", تأسفت سارة وعضت شفتيها بآسي "لأ"
"ليه؟" سال الاثنان معا بلهفه , " بابا قالي اقفل التليفون ", رمت آية بيدها إشارة علي الخسارة وتمتمت بحسرة مصطنعة "ابوكي هيطيرة" ضحكت كل من أمل وسارة, وجلست آية وأمل يتأملن الورود ويستمعن إلي سيره الحب لام كلثوم  , وكل واحده تحلم بعالمها الخاص .
إلا عيونك أنت .. دول بس اللي خدوني خدوني
وفي حبك أمروني
***
بعد عده أيام كان أحمد يجلس في غرفته ويشعر بتوتر رهيب, منذ لقاء سارة في منزلها فهاتفها مغلق ولم يأتي رد والدها إلي الآن.
دخل عبد الرحمن إلي غرفه أخيه وقال باقتضاب بالغ "عم شاكر والد سارة اتصل" وقف أحمد سريعا فور سماعه الاسم وأخذ صدره يعلو ويهبط في اضطراب وصاح بعصبية "ها يا عبد الرحمن مش قادر استحمل كمل وافق ولا لأ؟" , " معلش يا أحمد كل شيء قسمه ونصيب" جلس أحمد هاويا إلي كرسيه ولم يعد يعلم ما هو الأسوأ ما سمعه أم الظلمة التي تلفه, وقال باقتضاب حزين " أكيد أهلها موفقوش عليا" .
شعر عبد الرحمن بمدي تعلق أخيه بسارة وندم علي فعلته هذه وجلس إلي جانب أخيه "مش عشان اللي ف بالك هو سال عليك وعرف مغامراتك زمان فخاف علي بنته" تنهد أحمد بآسي وفسر موقفه بلهفة "بس ... بس يا عبد الرحمن أنا أتغيرت والله " أكمل أخيه وهو يربت علي قدمه " وقال لازم تعودوا مع بعض سنه علي الأقل عشان يتأكد منك"، صاح أحمد بغباء "مش فاهم يعني إيه؟ .. وافق!".
ضحك أخيه "مبروك يا قرد هتبقي عريس" قفز أحمد فوق أخيه علي السرير يقبله و يحتضنه, نفضه عبد الرحمن عنه "حيلك يا عم روميو أنت فاكرني مين عشان البوس ده كله !!" ,  تنهد أحمد بكبت واضح "اه يا عبد الرحمن أنت متعرفش اللي جوايا, كويس إن سارة مش قدامي مكنتش هقدر امسك نفسي"  ربت عبد الرحمن علي وجنه أخيه يحذره "بقولك إيه أنت اخويا وحبيبي بس مش عاوز أشوف وشك في أوضتي تاني، وانسي انك تنام معايا في أوضه واحده خااالص".
ضحك الأخوان كثيرا وسال أحمد بلهفه "طب هشوفها أمتي" " بكره هنجيب الشبكة والخميس الجاي كتب الكتاب و الخطوبة " عصر ذراع أخيه من الحماسة "بجد! أنا مش مصدق حبيبي يا بابا أنا لازم اشوفه عاوز أبوسه واشكره" , سال عبد الرحمن مستنكرا رافع حاجبه الايمن
"تبوسه؟! لاااا ده أنت حالتك صعبه ميتسكتش عليها!" .

وفي اليوم التالي تقابلت العائلتان عند الصائغ المتفق عليه, وقف أحمد وهو مستند إلي عصاه فور دخول سارة مع إخوتها وكأنه شعر بوجودها, جرتها أختها أمل من يدها هي الأخرى جمدت مكانها عندما رأته, انه يخطف أنفاسها في كل مره وتشعر بقلبها يرقص بحده بين ضلوعها!.
سلمت علي والدته في البداية ووالده وألقت التحية علي عبد الرحمن ولم تجرأ علي مكالمته فتذمر بشقاوة من خلف نظارته الأنيقة " اشمعني أنا بقي هي تفرقه عنصريه ولا إيه؟" , همست بخفوت شديد "أزيك يا أحمد" , لم تشعر في حياتها بمثل ذلك الحرج والكسوف يكاد قلبها أن يتوقف من شدة ضرباته.
"أزيك يا عريس" قالت آية بصوت عابث ثم التقطت يده  الممدودة في الهواء وسلمت عليه "أنا آية أخت سارة الصغيرة" رحب باسما "أهلا يا آية" وقالت أمل بمرح "وأنا أمل أخت سارة الصغيرة بس اكبر من آية" سلم عليها هي الأخرى وهو يضحك "أتشرفت بمعرفتك يا آنسه أمل".
تجمدت أمل دون وعي منها وتذمرت "آنسه!! لازم تجيلي علي الجرح؟!" , ضربتها آية في يدها وسالت عبد الرحمن كي تمحو ما فعلته أمل
"وحضرتك بقي مين؟"  "أنا عبد الرحمن اخو أحمد الكبير" قالها وهو يضحك علي عبثهم معا, وربت علي ظهر أخوه" بقي عندك أختين زي القمر يا سيدي" , احمرت كل منهم وتراجعوا للوراء .
ضحك عبد الرحمن كثيرا ثم همس أحمد له "عاوز اعد مع سارة شويا" نظر عبد الرحمن في المحل ووجد مكان هادئ نسبيا وأشار لسارة
"تعالي يا سارة هناك شويا علي ما عم جرجس يطلع المجوهرات" ذهبت وراءه هو وأحمد وهي تنظر نحو إخوتها بحرج شديد بعد برهة أخذت كل من آية وأمل تبحث وتشاهد كل شيء غير عابئين بأنها أوصتهم بالا يتركوها وحدها مع أحمد!.
اجلس عبد الرحمن أخيه وربت علي كتفه "لما تعوزني شاور بالعصاية أنا قدامك" وأشار إلي سارة بالجلوس إلي جواره "أتفضلي يا سارة", جلست إلي جانب أحمد وهي تشعر بخجل شديد, مال أحمد نحوها وقال معاتبا "كده قافلة تليفونك كل ده وسيباني علي نار".
عضت شفتها السفلي بشدة تبا لما الكلمات لا تخرج من فمها تشعر بخجل رهيب منه "صدقني غصب عني" قالتها بخفوت شديد, "متتكررش تاني يا سارة أنا بقلق عليكي"  ابتسمت كثيرا لكلماته التي تسمعها لأول مرة وقالت بغبطة وهي تهز رأسها "حاضر" "مش مصدق أمتي الخميس يجي" تنهدت سارة وتمتمت باسمه "اشمعني؟" همس لها "عشان هتبقي مراتي" سعدت سارة كثيرا به وبرغبته فيها شعور جميل لم تعده من قبل.
همست بخجل مرة أخري "بس ده كتب كتاب يعني زي الخطوبة" , نفي بقوة " لا مش زي الخطوبة كتب كتاب يعني بقيتي بتاعتي ومحدش يقدر يبوص عليكي".
تنهدت سارة بفرح تحاول كبت ابتسامة خرقاء "مش نروح بقي ليهم أتأخرنا كده" هز رأسه يعرف محاولتها كي لا تبقي معه وحدهم "ماشي يا سارة بس بعد يوم الخميس مش هتعرفي تهربي من تاني " كان أحمد واثقا من نفسه جدا مما زاد جاذبيته في عين سارة وعندما وقفوا جاء عبد الرحمن وامسك بيد أخيه فقال أحمد له وهو يلتفت ناحية سارة " معلش يا عبد الرحمن أنا عارف اني تعبك معايا بس من يوم الخميس سارة هي اللي هتمسك أيدي " قال عبد الرحمن يمازح أخيه "ماشي يا سيدي مين قدك".
حرجت سارة واستأذنت وذهبت نحو أمل وآية وقرصت يد أمل معاتبه
"هو ده اللي أتنفقنا عليه؟ مش قولت متسبونيش!" " معلش يا سارة المحل ده يهبل مقدرتش امسك نفسي أنا حاسة إن عيني أتحولت!, في طقم عجبنا أوي تعالي شوفيه" .
_"عبد الرحمن سارة مبسوطة؟" ربت عبد الرحمن علي كتف أخيه
" بتضحك ومبسوطة اهه وبتنقي مع أخوتها" "طب وهي قاعدة معايا كانت مبسوطة؟" , تنهد عبد الرحمن فهو لم يرها بمثل هذه السعادة, وجهها مشرق وعينها تشع بالحب والحياة وكأنها واحده أخري غير التي رآها, لقد أصبحت سارة أجمل وأكثر جاذبيه مما مضي.
"ها يا عبد الرحمن مش بترد ليه؟"  حاول محو المرارة من صوته قدر استطاعته "أقول إيه يا سيدي كل ما تقولها حاجه وشها يحمر ويبقي شبه الطماطم" وأردف بآسي" وعمري ما شوفتها بتضحك كده زي ما يكون وشها كله نور من جديد" .
فرح أحمد كثيرا وامسك بيد أخيه "وإيه كمان" اطرق  رأسه وتحدث بصعوبة بالغة "شكلها بتحبك أوي يا أحمد, تعالي بقي أصل شكلهم مطولين" واجلس أخيه، "أمال حسام ومحمد فين؟" سال أحمد, تلفت عبد الرحمن يبحث أن أخوته " مش عارف بس حسام قال إنه جاي ".
تركت أمل وآية سارة تختار وأشارت أمل علي آية "تعالي نشوف المعروض برا", وأمسكت بيدها وأثناء خروجهم من الباب فتحه شاب طويل وسيم ذو شعر اسود فاحم يرتدي بذله غاية في الأناقة, لم يدخل وأشار لهم بالخروج أولا خرجت الفتاتان وعلقت آية عليه " لسه في ناس عندها ذوق", وأخذت تتأمل الأساور بينما أمل تعلقت عيناها علي الشاب الذي دلف لتوه وتوقف قبلها تماما عندما رأته يتكلم مع عبد الرحمن وأحمد شهقت تهمس لنفسها "معقول يكون هو!!".
"بتقولي إيه؟" سالت أيه وهي تطالع الأساور بشغف, شدت أمل علي يدها "تعالي ندخل يا آية أحسن" "بصي الأسورة دي تحفه خلي سارة تشوفها!" , جرتها أمل ودخلوا المحل مره أخري وقلبها يطرق الطبول, وعندما دخلوا سالت آية بمرح كعادتها "كل ده يا سارة بتخترعي الذرة؟" , فنظر حسام نحوهم وارتبكت أمل كثيرا.
قال أحمد "ساعديها بقي يا آية خليها تاخد قرار" نظر حسام لعبد الرحمن مستفهم من هؤلاء فأخذه عبد الرحمن وعرفه بهم "دي يا سيدي آية أخت سارة الصغيرة ودي أمل الأكبر منها", سلم عليهم حسام وعلي محياه ابتسامه مهذبه , سلمت آية بعفويه أما أمل فقد كانت مرتبكة تماما وأزاحت وجهها سريعا, التفت حسام وهو واضع يده في جيبه للتحدث مع أحمد .
لقد تسألت منذ عده أشهر عن شكل صاحب الرسالة وها هي تقف إلي جواره أحست بسعادة عارمة تغمرها, ولكنها تذكرت أنها لا تزال معلقه صحيح إنها لم تري " الحيوان الانوي " منذ عشره أشهر لكن هذا لا يمنع إنه لا يحق لها أن يدق قلبها لأي كان حتى لو كان هذا الشخص صاحب الرسالة.
تقرر الإجماع علي ثلاثة أطقم مميزة اختارت سارة أبسطهم وأكثرهم رقه وأخذت اثنين وتوجهت نحو والده أحمد ووالدتها, وقالت لهم الاختيار لكم الآن.
أشارت الوالدتان علي نفس الطقم وضحكوا كثيرا وقالت سارة "خلاص هو ده " "بس كده!" سالت والده أحمد "في حاجات تانيه كتير نقي يا حبيتي براحتك" , شعرت سارة بالإحراج لما يصرون عليها بأخذ المزيد!.
ذهبت إلي أحمد وأخذت معها الطقم المختار "أنا خلاص اخترت بس عاوزة رأيك بردوا" شعر أحمد بالحرج ولكنها وضعته تحت يده مباشرة, اخذ يتحسس الطقم وابتسم "بس كده!" "ها إيه رأيك؟" "بسيط وجميل زيك" سعدت كثيرا "شكرا يعني موافق عليه؟" " أنا معدنيش مانع بس ماما أكيد عندها نقي حاجه كمان أحسن " همست له "ممكن لحظه" وابتعد معها خطوتين .
"أنا خلاص اخترت والشبكة كويسه جدا ومش هبقي مرتاحة لو خدت حاجه كمان" "ليه بس!" "معلش يا أحمد سبني علي راحتي" "خلاص براحتك, عبد الرحمن تعالي من فضلك" .
ذهب عبد الرحمن له "خلاص سارة اختارت الطقم ده خلص مع عم جرجس" , فتح عبد الرحمن العلبة ليراه "بس كده مش عاوزة حاجه تانيه" , " لا إيه رأيك يا بشمهندس عبد الرحمن" سالت سارة " بشمهندس إيه بقي! إحنا خلاص بقينا عيله" , أقر أحمد "عبد الرحمن اخوكي الكبير من هنا ورايح " ابتسمت سارة له " طيب إيه رأيك يا أبيه؟" ، ضحك عبد الرحمن علي اللقب الذي حصل عليه " مفيش فايده فيكي , جميل وبسيط زيك مبروك يا سارة".
اطل حسام برأسه وقال مازحا "أتفرج معاكو" فتح له عبد الرحمن العلبة ونظر نحوه والقي نظره سريعة علي سارة وقال باقتضاب "جميل أوي" ابتسمت له سارة ثم أردف "ممكن لحظه يا سارة" وبعد خطوتين منهم
"ألف مبروك" ردت بخفوت وهي تنظر إلي الأرض "الله يبارك فيك" " سارة أنا عارف أني أحرجتك جامد وإحنا هنبقي عيله واحده خلاص لو زعلانه مني لسه ياريت تقولي " هزت سارة رأسها نافيه , ابتسم بشدة وأنحني يشاكسها
"صافي يا لبن" ضحكت له "حليب يا قشطه" "طب يالا قبل ما أحمد يتجنن" ضحكت سارة له ورجعوا إلي أحمد وعبد الرحمن .
تذمر اخية منه "واخد خطيبتي وعاوز منها إيه؟" "شوفتي مش قولت لك" ضحكت سارة لأنه يعرف أخيه جيدا .... .
كانت أمل تراقب الوضع ورأت حسام وهو يتحدث مع سارة بعيدا عنهم وتمنت معرفه ما يحدث بينهم, بينما كان السيد شهاب والسيد شاكر يتحدثون مع بعضهم البعض يستعيدون ذكري أيام شبابهم معا وفرحين بالتقارب الذي يحدث بينهم الآن ... .
***
جاء يوم الخطبة وعقد القران والبيت عند سارة يقف علي قدم وساق والتحضيرات جعلت الكل يركض بالبيت يريدون الظهور بأبهى صوره, لم يكن هنا الكثير من الحضور فهذه هي الزيجة الثانية لسارة ولم تكن تريد أي مظهر من مظاهر الاحتفال وأن يكون في ابسط صوره لكن والدها ووالدتها لم يوافقوا علي هذا أبدا.
كانت سارة تتحدث مع أحمد كل يوم علي الهاتف طوال الليل تقريبا, وازداد كل منهم تعلق بالأخر, كانت سعيدة للغاية بهذا الحدث الجديد الذي يرد في حياتها فهي لم تتحدث مع الرجل الذي تزوجته لمده عامين وخطبت له لمده عام مثلما تحدثت مع أحمد وتكلموا بكل شيء وعن أي شيء, وكان هو كل ليله الذي لا يريد أن يتركها قلبها كان يفيض حبا وفرحا, لم تعرف للسعادة معني مثلما عرفته الآن وأحمد هو الآخر كان لا يكتفي من صوتها والكلام معها والسماع إلي صوتها وأحلامها وكل شيء تقوله أو يتعلق بها كان يطبع في ذاكرته.
حل المساء وذهبت عائله السيد شهاب إلي منزل السيد شاكر وأحمد كله فرحه وأمل , يمسك بالورود وكأنها اغلي شيء في الوجود, وكان متأنق ببذلته التي اشتراها بمساعده أخيه الأكبر والعائلة سعيدة وفرحه وعن اعتراض الأم بسبب صغر الشبكة قرر عبد الرحمن حل النزاع وشراء هو وأمه ووالده هدايا للعروس, وقد ارتاحت الوالدة إلي هذه الفكرة فالمهم عندها أن تظهر عائلة السيد شهاب في أبهي وافخر حله ومنزله.
تجهزت الفتيات وارتدين فساتين سهره رائعة وتزين بأفضل زينه لهن بعد أن ساعدن الوالدة بترتيب المنزل.
صعدت عائلة العريس وبدأت الزغاريد تنشر في الشقة وقد اضطرب قلب سارة فرحا, وأخذت تروح عن نفسها بورقه كي تأتي لها ببعض الهواء, كانت أمل هي الأخرى مضطربة للغاية لأنها سوف تري حسام مره أخري ولكن تأنيب الضمير يمزقها إربا, أما آية فقد خرجت لتقابل خطيبها.
بعد مده من جلوس الأهل بالخارج دخل والد سارة إلي الغرفة "جاهزة يا سارة" تنهدت بشدة وأمسكت قلبها "حاسة إن قلبي هيوقف يا بابا", ابتسم الوالد لابنته كثيرا "نلغي ولا إيه؟" "لا" هتفت سريعا ثم ترددت "مش عارفه أنت حاسس ب إيه يا بابا" "أنا حاسس انك غرقانه علي الآخر " ابتسمت سارة لوالدها واحتضنها وهنئها ثم ربت علي ظهرها " يالا بقي أحسن أحمد يفتكر انك غيرتي رأيك " .
خرجت مع والدها وتبعتها أمل وازدادت الزغاريد والمباركات لها وجلست إلي جوار زوج المستقبل, أتي المأذون واستأذن أحمد السيد شاكر "بعد إذنك يا عمي ممكن عبد الرحمن يبقي شاهد علي كتب الكتاب" "طبعا يا أحمد عقبال كتب كتابك يا عبد الرحمن يا ابني" ابتسم عبد الرحمن والغصة تملئ قبله هاهي حوريه قلبه بكامل زينتها مره أخري ولكن ليس من أجله ومن سخريه الظروف منه جعلته هو الشاهد علي عقد قرانها, انتهت الإجراءات ووقعت سارة إلي جوار أحمد وأصبحت رسميا عروسه و زوجته.
انهالت عليهم المباركات والتهاني وبكت كل من آية وأمل , ومازحهم حسام عندما رأي دموعهم "متخفوش يا جماعه إحنا مش هناخد سارة  معانا انهاردة"  مسحت أمل دموعها وقالت "كويس بردو" .
كان محمد أخو أحمد يقف عابثا مع أقربائه عندما وقعت عيناه علي آية تبعها بعينه إلي كل مكان تذهب له أو تتحرك فيه, أعجب كثيرا بجمالها وعندما رآها تقترب من العروس أكثر من مره, ذهب وهنئ أخوة وهنئ سارة وظل إلي جوارهم.
وبالفعل أتت فتاته ولكنها كانت ممسكه بيد شاب غابت البسمة عن وجهه وهو يراها تعرفه إلي الجميع علي إنه خطيبها. لم يبدو علي مصطفي السرور فقد بارك لهم وعاد إلي مكانه مره أخري.
أما سارة فقد طلبت من السيدة نور "ممكن حضرتك اللي تلبسيني الشبكة " نظرت الأم إلي أحمد بقلق فسألتها سارة " هو أحمد ممكن يزعل؟ أنا بس مش عوزاه يضايق" لم ترد أن تسبب الإحراج لأحمد, ربتت السيدة نور علي كتف سارة "متقلقيش روحي أنتِ اعدي جنبه" ابتسمت لها سارة وعادت إلي جوار أحمد.
_ تأففت أمل تحاول رؤية أختها بين الحضور تحاول الوقوف علي أطراف أصابعها قدر استطاعتها ومعرفه إذا كان موعد ارتداء الشبكة حان أم لا, "بتبوصي علي إيه كده؟" جاءها صوت حسام سألا, غمرها الاحمرار وردت بخفوت
"أصل عاوزة اعرف هيلبسوا الشبكة أمتي عشان أحط أغنيه الخطوبة" ضحك مقهقها "هو في أغنيه للخطوبة" اتسعت عيناها دهشة منه لجهله بمثل هذا الشيء؟! وتمتمت سريعا" يا دبله الخطوبة عقبلنا كلنا معقول مش عارفها!" ضحك أكثر من الأول كان جذاب للغاية ويديه بجيب سرواله كان واثق ومعتد بنفسه لأقصي درجه.
"لازم الأغنية دي يعني؟" سال حسام , أجبته سريعا ببديهيه " طبعا دي أهم من الشبكة نفسها!" وسألته بعد أن التفتت مرة أخري " أنت شايفهم من عندك؟" , "ايوة يا سيتي بس مفيش حد بيلبس دبله ولا حاجه" تنهدت براحه بعد أن وضعت يدها علي صدرها "الحمد لله" "لو الموضوع مهم جدا كده روحي أنتِ وأنا هقف هنا اشغل الأغنية المصيرية دي"
" بجد! متشكرة أوي, هتعرف تشغله؟" سألته بسذاجة . زم شفتيه وقال لها "خدنها في تالته أول" أخفضت رأسها واحمرت خجلا "طيب بعد إذنك" انحني لها وقال ضاحكا "أتفضلي" .
ذهبت أمل لتقف بجوار سارة وعندما نظرت خلفها وجدت حسام في الخلف إلي جانب جهاز الكمبيوتر وأشار لها بأصابعه نحو عينه أي إنه يراقب الوضع جيدا, اخفت وجها ونظرت نحو سارة مره أخري.
أخرجت والده أحمد الشبكة وسألته بمرح "تحب البسها أنا الشبكة" , قال أحمد مازحا "وأنا روحت فين؟ دا أنا بحلم بالشبكة دي من أمبارح" ’ ضحكت والدته وربتت عليه ونظرت نحو سارة نظره ذات معني .
ناولته والدته الدبلة وخاتم الزواج, وامسك أحمد بيد سارة والسعادة بادية علي وجهه وهو يلبسها كل شيء ببطء شديد ويتلمس يدها بكل حرص وعندما حان الوقت كي ترتدي العقد حول رقبتها ظل يلبسه لها أطول وقت ممكن, همست له بحرج بالغ "أحمد خلاص سيبه مش مشكله" , همس في أذنها بعبث "ليه هو أنا مجنون!" وعندما انتهي طبع قبله رقيقه علي وجنتها ثم امسك وجهها وطبع قبله علي جبينها وسط صيحات الشباب وتصفيق أخواتها الحماسية ثم امسك بيدها ولم يتركها أبدا، كانت سارة تشعر بأن قلبها طار من صدرها وحط علي القمر.
جاء حسام من خلف أمل وانحني نحوها" أنقذت الشبكة والخطوبة إيه رأيك علي المعاد بالظبط" ابتسمت أمل وتمتمت بخفوت "متشكرة أوي" .
كانت العائلة سعيدة وفرحه بهذا القران ولكن بعد مده من المباركات والتهنئة ذهب المدعون إلي منازلهم ولم يبقي سوي عائلة السيد شهاب فقط الذي أصر عليهم السيد شاكر كي يظلوا لتناول العشاء معا كعائله واحده.
أصبح أحمد وسارة وحدهم أخيرا, رفع يدها إلي فمه وقبلها قبله طويلة, ارتعشت سارة وذهبت أنفاسها من شدة رقته لم تختبر شيء مثل هذا علي الإطلاق من قبل.
"سارة" بدل من الرد عليه لمست يده الممسكة بها, فأطبق عليها هي الأخرى وأصبحت كلتا يديها في قبضته, كانت تنظر له والبسمة لا تفارق وجهها, سحبت يدها بهدوء وأشاحت النظارة من علي وجهه نظر نحوها وبعد لحظات تلاقت أعينهم ببعضهم البعض, فهمست سريعا "خليك باصص كده" ظل ممسكا بنظراته ومرت فترة وكأنه الدهر كله يمر من أمام تلاقي عيونهم وقلوبهم أحست سارة بضربات قلبها تزداد بسرعة جنونية وتمنت لو يتمكن حينها من أن يراها كما تراه.
"مش مصدق أمتي اعمل العملية " قالها وعينيه التي لا ترها ملئ بالشغف ، "مش جايز لما تعملها تغير رأيك فيا" سألته بهدوء وقلبها مضطرب بشدة أجابها بثقة "مش ممكن ده يحصل" سألته بلهفة "ليه؟"  مسد يديها بحنا ومن ثم قبلها مرة أخري برقة " لأني شوفتك بقلبي من أول يوم" واقترب وهمس لها " فاكره لما وقعتيني " تذمرت بطفوليه " حرام بقي يا أحمد أنا بحس بالذنب كل ما افتكر!"،  رفع حاجبه في الهواء وسألها " ليه ده أنا بتبسط أوي أول ما افتكر وندمان أني سبتك من أيدي في اليوم ده" ضحكت سارة بخفه وحذرته "لو كنت عملت كده كنت هتلاقي قلم نزل علي خدك"  , وضع يده بسرعة علي وجهه وضم شفتيه بآسي " واهون عليكي بردو " , عضت شفتيها بخجل وهمست " تؤ" .
" طيب ممكن أشوفك بقي أنا أول واحد يتجوز عروسه مشفهاش خالص " , ذهبت البسمة من علي وجهها واستغربت كثيرا  "مش فاهمه أزاي تقدر تشوفني؟!" جاءها الرد سريعا "المس وشك واعرف تفاصيله وأتخيلها" ارتبكت سارة كثيرا, ولكنها لم ترد بأن يشعر بخوفها هذا فقالت مفتعله المزاح "كويس إننا كتبنا الكتاب عشان متغيرش رأيك".
رفع أحمد يده إلي وجهها وجعل أصابعه تتلمس وجه سارة بهدوء ورقه, وأغمضت سارة عيناها واستسلمت للمساته الحالمة وأصابعه التي تنزلق من عيناها إلي وجنتها إلي انفها إلي فمها, وقد فعلت تلك الحركة بها الأفاعيل فأصابعه كانت تذهب وتجئ برقه شديدة علي شفتاها ثم انزلقت أخيرا إلي ذقنها وبعدها تركها, ذهب الدفء والحنان وتركها خاوية.
فتحت عيناها بهدوء تري هل يمكن أن يراها فعلا هكذا؟ كانت خائفة من معرفه رأيه بها ولكنها جازفت ونظرت نحوه, وجدت وجهه صامت وهادئ غاص قلبها بصدرها وسألته والرعب ملئ صوتها " أحمد أنت كويس؟ أنا عارفه إني مش جميله بس والله ما كنت اعرف انك ممكن تشوفني " , تملك منها الرعب أمام صمته الرهيب هذا .
تكلم بهدوء شديد "أنا عارف انك مش هتصدقي, بس  .. أنتِ زي ما تخيلتك بالظبط " نزلت دموعها كالبحر غير مصدقه, وقالت من بين شهقاتها "بجد يا أحمد ولا بتقول كده عشان مزعلش" مسح دموعها برقه شديدة وقال لها "مش ممكن اكذب في حاجه زي دي" , أمسكت بكفه وأسندت خدها عليه وشعرت براحه وأمان بعد أن علمت بأنه راضي عنها وعن شكلها حتى ولو لم يكن إلي درجه كبيرة إلا أن جزء من شكوكها قد انتهي .
جاءت أمل وقالت لهم بمرح "العشا جاهز" تنحنحت كي تخفي بكاءها
" حاضر يا أمل هنيجي الوقتي.. يالا " سألته برقه , فأجابها "تحت أمرك" .
اقتادته سارة إلي حيث جهزت لها أمها طاولة صغيره بعيده نسبيا عن سفره الطعام التي تجمع حولها الجميع, صاح محمد بأخيه وهو يجلس مع سارة "ماشيه معاك يا عم" فضحك الجميع علي مشاكسته عدي آية التي بدت حزينة ولكنها تحاول رسم الابتسامة بعد أن غضب منها خطيبها وذهب.
جلست سارة إلي جانبه وقالت له بمرح "أنا اللي هأكلك عندك مانع؟" ليشاكسها بدلال "أنا اقدر؟ أنا من أيدك دي ل أيدك دي " " طيب قولي بتحب إيه الأول؟" , اقترب منها وهمس "بحبك أنتِ" ردت بشقاوة "بس أنا غير صالحه للأكل" "لا أنا متأكد انك صالحه للآكل" وابتسم لها بمكر ...  .
أما علي الطاولة الكبيرة جلس الجميع يتحدثون بود ومحبه ويتعرفون إلي بعضهم البعض فالسيد شاكر والسيد شهاب كونوا ثنائيا والسيدة وفاء والسيدة نور أيضا, وعبد الرحمن وفارس كانوا يضحكون بشدة ويمرحون حول فيلم ما , وتبقي علي الطاولة كل من حسام ومحمد وأمل وآية .
نظر محمد إلي آية الجالسة إلي جواره, ولكنها لم تكن لتشجعه علي الحديث أبدا فقد بدت متهجمة كثيرا كي يحدثها.
قال حسام ليقطع الصمت سألا أمل "أنتِ لسه بتدرسي؟" "ايوة إن شاء الله دي أخر سنه" " كليه إيه بقي؟" ابتسمت بخجل "تجارة" .
كان يسألها وكأنها طفله صغيره وهي بسذاجتها كانت ترد دون معرفه منها , ثم نظر نحو آية " وآنسه آية في كليه إيه؟" خرجت من شرودها " ها ا , أسفه مكنتش منتبه بتقول حاجه؟", رد محمد بتهكن "واضح إن الآنسة آية دماغها في حته تانيه خالص", نظرت نحوه وكأنها تراه لأول مره ثم سالت أمل بعدم اهتمام وهي تشير بإصبعها غير عابئة بأنه يجلس إلي جوارها "مين ده؟!", ضحك كل من حسام وأمل بشدة ثم قالت أمل بخجل
"ده الأستاذ محمد اخو الأستاذ حسام والباش مهندس عبد الرحمن" ثم نظرت نحو حسام وضحكوا معا مره أخري.
انتبه السيد شهاب والسيد شاكر لهم, نظرت آية إلي محمد شزرا وقالت بقرف واضح "أهلا وسهلا" واستأذنت لكي تأتي بأكواب لا تحتاجها السفرة, قال السيد شهاب "طيب ضحكونا معاكو" تنحنح حسام وقال لوالده "مفيش يا بابا أصل محمد كان بيقول لينا نكته" ونظر بمكر نحو أخوة.
سالت السيدة نور "وفرح آية أمتي إن شاء الله" قالت الوالدة بصدر رحب
"في الصيف إن شاء الله" "بس دي كده هتبقي لسه في الدراسة؟" سالت السيدة نور , قال السيد شاكر " فرح أيه أتأجل إن شاء الله بعد ما تخلص " لم يبدو علي آية الصدمة وواضح أن هذا هو سبب خلافها مع مصطفي .
تجنب محمد النظر نحوها طيلة السهرة وبعد فتره من الضحك والسمر استأذن السيد شهاب وودع الأسرة وسال أحمد بصوت عالي "مش كفاية كده يا أحمد, سارة زمانها تعبانة وعاوزة ترتاح " قال باقتضاب "أنا لسه مخلصتش أكل يا بابا " ضحك الجميع لهذا الرد الذي أتي سريعا وضحك السيد شهاب كثيرا وقال "طيب يا لمض أنا همشي أنا وماما وعبد الرحمن هيستني عشان يوصلك مش عاوز حاجه؟" رد سريعا "سلامتك والله يا بابا"  ضحكوا مره أخري وودعهم الجميع وقد أحس كل من العائلتين بأنهم أصبحوا عائلة واحده .
بعد نصف ساعة ترك أحمد سارة علي مضض ظل ممسك بيدها إلي أن امسك به عبد الرحمن وما إن وصل إلي منزلة وصعد إلي غرفته حتى امسك بالهاتف واتصل بها سريعا إلا إنها لم تجب .... .
كانت فرحه سارة كبيره وأخذت تتأمل الشبكة بيدها, وتتذكر اللمسات الحالمة التي لمسها لها أحمد, لم تشعر هكذا من قبل وتولد بداخلها فرح كبير يكفي ويفيض العالم كله , جرت أمل وآية نحوها وجذباها إلي غرفتها وسط ضحكات الأب وغضب الأم لأنهم لم يساعدوا بتوضيب الأغراض! .
أغلقوا الباب واخذوا يتأملون الهدايا الجميلة التي أتي بها عبد الرحمن والسيد شهاب والسيدة نور , قالت آية "أسوره عبد الرحمن اكتر حاجه عجبتني" وأخذت تقيسها بيدها , وأمل ارتدت عقد السيدة نور وهي فرحه وتظن بأنه الأجمل أما سارة فقد أسندت جسدها علي السرير وأرادت أن تحتفظ في عقلها بكل كلمه ولمسه من أحمد .
وبعد مده من المحاورات والمناقشات وتفسير ردود الأفعال والكلام بسيره كل الموجودين !! انتبهوا إلي تأخر الوقت وساعدوا بعضهم البعض علي خلع الفساتين وأزاله الماكياج, وبعدها انتبهت سارة إلي أن هاتفها غير موجود, أخذت تبحث عنه فإذا به بغرفه أمل وآية ملقي بإهمال علي السرير أمسكته بسرعة ووجدت أحمد اتصل بها خمسه مرات منذ أكثر من ساعة ونصف, شهقت ولم تعرف ما العمل هرعت نحو إخوتها وأخبرتهم , اقترحت آية " زمانو نام خلاص كلميه بكره"، أما أمل "بوصي جربي رني عليه رنة صغيره عشان لو نايم ميصحاش ولو صاحي هيرد" , ضربت الأرض بقدمها " طيب يالا اطلعوا برا انتو السبب أصلا!" .
عضت سارة شفتاها وهي ترن الهاتف رن مره, اثنان , وأوشكت علي إنهاء المكالمة لكنه رد قبل الثالثة "سارة!" قالها بلهفه "أنا أسفه لو صحيتك " " لا أبدا أنا صاحي , كده يا سارة تخلفي بأول طلب اطلبوه منك مش أنا قولت لك بقلق عليكي" "أنا أسفه صدقني مش قصدي" وقصت له ما حدث ,"وهما فين الوقتي؟" سألها ضاحكا , قالت وهي فرحه بأنه سامحها "لا خلاص طردتهم" "يعني إحنا لوحدنا الوقتي؟" ضحكت سارة "تقريبا".
"وحشتيني أوي يا سارة"  لم تعتد سارة هذا الدلال أبدا" بسرعة كده ! " " طبعا مش أنتِ مراتي وأنا دلوقتي جوزك " ثم سألها بجدية " سارة أنتِ ليه لسه مقولتيش اني جوزك!" ضحكت سارة " إحنا لسه متجوزين من كام ساعة " بصوت عسكري "ولو اسمعها بردو" تنحنحت سارة وقالت بمرح " الأستاذ أحمد شهاب الدين جوزي والله علي ما أقول شهيد " .
ظلوا يتحدثوا مطولا إلي أن أذن الفجر وقالت له سارة "يالا بقي عشان نصلي" "هكلمك بعد ما أصلي" , "لا بعد ما تصلي هترتاح وتنام عشان تلحق صلاه الجمعة فاهم ولا لاء؟" قال بخضوع " تحت أمرك يا فندم, سارة" "ايوة " " تصبحي علي خير يا مراتي " خفق قلبها سريعا فسحبت نفس عميق وهمست برقه "تصبح علي خير يا جوزي" وقبلت الهاتف وقلبها يزقزق مثل العصافير .






نهاية الفصل

Please vote if you like it 😊

مذكرات حائر الجزء الأول "الحلم المستحيل" بقلم هالة الشاعر حيث تعيش القصص. اكتشف الآن