الثالث عشر "خائنه"

6.9K 281 22
                                    

الفصل الثــــالث عشر
"خائنـــــــــــــــــــة"

" علي " كان صوت بكاء هند واضح للغاية "مالك يا هند في إيه؟ " سألها بلهفه .
من بين شهقاتها " أنا اتخنقت مع جوزى .. وسبت البيت .. ومش عارفه اعمل إيه او اروح فين ؟ أنا مليش حد هنا خالص! " " طيب اهدي بس شويا أنتِ فين؟ "
" أنا في المول اللي اتقبلنا فيه قبل كده " تحدث سريعا " طيب ربع ساعة واكون عندك متتحركيش " .
دخل سريعا الي المول يبحث عنها عرفها من عربة طفلتها شذي كانت تبكي ووجهها محمر للغاية ، اراد ان يضمها الية بشدة " مالك يا هند إيه اللي حصل؟"  " مبقتش قادرة خلاص سنين وأنا مستحمله قرفه فاض بيا يا علي مش طايقة أشوفه او المسه واو اسمع صوته حتي ، أنا خلاص مش هرجع تاني لو ايه اللي حصل أنا هطلق " نظرت حولها جيدا وسألت " امال فين وليد؟" " ماخدتوش معايا لأني معرفش هعد فين او هعمل إيه! عاوزة احجز فندق او اشوف شقه بس مش قادرة اتحرك بشذي " " طيب حاولي بس تهدي " .
بدأت الطفلة في البكاء " مالها يا هند ؟ " تحدثت بتعب بالغ " عاوزة تغير وتاكل وتنام وأنا مش عارفه اعمل أي حاجه ليها " ، وبكت هند مرة آخري " طيب اهدي بس اهدي " ، تردد في طلبه هذا " طيب ممكن تيجي تريحي عندي شويا لحد ما اشوف سكن ليكي " مسحت هند دموعها وقالت له " أنا متشكرة اوي يا علي مش عارفه اقولك إيه، بس انت الوحيد اللي ممكن الجأ له وأنا مطمئنه علي نفسي معاه" .
***
_ساعدها بحمل حقيبتها وجر عربة الطفلة وانطلق بها الي الاستوديو ، حمد الله وهو يفتح الباب لأنه قام بتوظيف عامل يأتي كل أسبوع كي ينظف الشقة فهي نوعا ما تبدو جيدة ، ادخل اغراضها واشار لها ناحية الحمام كي تغسل وجهها وتحمم الصغيرة، لم يكن هناك شيء يذكر بالثلاجة ولكنه حمد الله علي وجود عصير بها.
حممت الصغيرة الباكية ، كان علي معجب كثيرا بها فهي تشبه والدتها ولكنها انقي واطهر كان ينظر للطفلة بمحبه واضحة ، جففتها ونظرت له وعلمت بحبه لتلك الصغيرة وقررت اللعب علي ذلك الوتر "علي ممكن تشلها ؟ عاوزة اسخن ليها ماية"، حملها علي وشعر بشيء غريب تجاه هذه الطفلة يبدو انه وقع في غرامها هي الآخرى.. هل أحبها لأنها تشبة هند؟ أم لأنه مشتاق لأن يكون أب؟!، هو نفسه لم يعلم السبب.
كانت الصغيرة ملفوفه جيدا بمنشفه صغيرة وحضرت لها هند وجبتها واعطت زجاجه الحليب الي علي وسألته برقة " تحب تأكلها انت ؟ " جلس مدهوش من المشاعر التي تجتاحه وهو يطعم الصغيرة التي كانت جائعه للغاية فلم تهتم لذلك الغريب الذي يطعمها وتناولت رضعتها بنهم وفي آخرها غلبها النعاس ، لتستكين الي ذراعه وتنام بحضنه وتقضي علي أي قوه تحفظ لديه لقد هام عشقا بها وتمني لو انها ابنته هو لا ذلك " اللطخ " الذي لا يعرف قيمه ما لديه .
ازاح الزجاجة بهدوء من فمها وراقب صوت تنفسها الهادئ الناعم واحيأنا كانت تصدر منها شهقات صغيرة من كثرة بكاؤها اليوم كانت تفعل به الأفاعيل! .
نظرت له هند بحب " ياااه يا علي طول عمرك حنين اوي " ، نظر الي هند وابتسم لها ووضع كفه علي خدها يربت عليه " متقلقيش من أي حاجه يا هند طول ما انتوا معايا " ، اسندت رأسها الي كفه وهي سعيدة وتنظر له بحب واضح .
ترك الطفلة علي مضض ليأتي لهم ببعض الاغراض ، خرج للتسوق اتي بأغراض الثلاجة كاملة وتوقف امام قسم الاطفال لطالما تمني ان يشتري منه شيء ، اتي ببعض الالعاب للصغيرة وبعد ذلك مر سريعا علي مطعم للوجبات السريعة ، لابد وان هند متعبه ولن تستطيع تحضير طعام اليوم .
عاد الي المنزل وطرق الباب وانتظر حتي تفتح هي له ، كانت قد اخذت حمام وتركت شعرها المبلول مسدول علي كتفيها وقابلته بابتسامتها العذبة ، لأول مرة يدخل المنزل وهو سعيد هكذا حدث نفسه " لقد فوت علي الكثير" ...
***
_ تناول معها الطعام وشربا العصير ورتبا اغراض الثلاجة سويا ، كانت هذه اول مرة يفعل بها أي شيء من هذا ولا يعلم لما لمح شبح سارة بالمكان وهي ترتب وتنظف ، فهو لم يفعل أي من هذا معها ، نفضتا سريعا من راسه "ومالي بها الآن أنا سعيد ومعي حبيبتي ولا شيء آخر يهم".
تركها علي مضض واخذ حقيبة صغيرة بها عده أطقم له والقي نظر علي الملاك الصغير الذي يتوسط سريره ونظر الي هند التي تنظر له بامتنان واضح همست
" خلاص هتمشي؟ " صوتها يقطر عذوبه يفعل به الأفاعيل قبل رأسها وتركها هي والصغيرة وهو مكره . 
***
"علي"
اصبح المنزل جنه اخيرا كنت اجلس بمكتبي علي مضض وحين ينتهي دوامي اركض نحو المنزل كي احمل الصغيرة واداعبها واجلس أنا وهند نضحك ونتحدث بالساعات ونحضر الطعام سويا واهتم معها بالطفلة ، شعرت بأنني حي مرة آخري ، شعرت بأن الحياة حلوه تستحق ان اعيشها بعد ان كنت اراها مقبرة وارغب في الخلاص منها .
تركتهم وأنا كاره مرغم علي امري ولكن قبله الراس التي كنت اعطيها الي هند كل مساء ، لم تعد ترضيني او تكفيها وبدي من الجلي ان المشاعر المحمومة اشتعلت بيننا مرة آخري وكأننا أيام المراهقة .
ذهبت الي هشام في الحادية عشرة ، هو لا يعلم ان هند موجوده بمنزلي وأنا لم اجرؤ علي إخباره فقط تحججت بأنني لا استطيع النوم بالأستوديو .
اغلقت عيني علي وجه الصغيرة ووجهها الحبيب كي احلم بهن ، كان الحلم سعيد كنا نتضاحك أنا وهند والصغيرة علي الارض تلعب وفجأة بكت الصغيرة فذهبت لأحملها كانت هند تغسل الاطباق وظهرها لي ، سالتها " هند سيبي الاطباق وغيري ليها وأنا هكمل " التفتت إلي هند ولكنها لم تكن هند .... كانت سارة قالت والمرارة تقطر من كل ذره بها وبسمه مخيفه علي وجهها
" زي ما كنت بتعاملني بالظبط يا علي " .
فزعت من نومي وكنت اتصبب عرقا ظللت انهج بشدة ، لما شعرت بكل هذا الخوف والرعب لمَ؟!! .
استيقظ هشام واشعل النور وقال وهو يحاول ان يفتح عينه "مالك يا علي في إيه؟ "
"حلمت بسارة " كنت انهج بشدة سأل هشام بغرابة
" تقوم تتفزع بالشكل ده! انت كنت بتكرها اوي كده؟ "
رد بلا مبالاة " لا عادي يعني مش بحبها ومش بكرهها " زم هشام شفتيه " جايز تانيب ضمير "
" ليه يعني أنا عملتلها إيه!! " حدثته بسخط بالغ، اعتدل هشام في جلسته " إلا من الحق انت مقولتليش طلقتها ازاي؟ " " هتفرق معاك؟ " " يا اخي اروي فضولي يعني إيه المشكلة اللي حصل قمت قولت لها روحي وأنتِ طالق " نظرت له نظره مبهمة! .
" من الآخر القشة التي قسمت ظهر البعير " زفرت الهواء بعنف " مفيش قشه ولا نيله هي نزلت مصر اجازة وبعدها بأسبوع اتصلت بيها قولت لها احنا مش هينفع نكمل مع بعض أنتِ طالق يا سارة وورقتك هتوصلك في اسرع وقت وبس " .
كان فم هشام مفتوح " يخرب عقلك! الله يحرقك يا شيخ، وعادي يعني انت عملت لها ايه! " واستنفر من جلسته " انت معندكش دم ياض انت ولا إيه ؟ مفكرتش في اهلها هيقولوا إيه ، مفكرتش انك دمرت مستقبلها وحكمت عليها تبقي مطلقه خلاص ويا عالم هتتجوز تاني ولا لاء ، وطبعا لو حبت تتجوز هيبقي مطلق او ارمل او قدها مرتين ، عشان حضرتك بتسال وأنا عملتلها إيه يعني ؟ ده غير البؤس اللي كانت عايشه معاك فيه " " حيلك يا هشام في ايه ؟ انت عرفت منين الحاجات دي كلها " " استغفر الله العظيم يا رب " فرك هشام وجهه بيده وازدرد لعابه بعصبية ، اثار هجوم هشام حفيظتي وانتفضت أنا الآخر " وانت عارف ازاي الحاجات دي كلها يا استاذ هشام؟ " ، غطي هشام وجهه بكفيه وتمتم بتعب " عارف وخلاص "
" انطق بقولك " ونزعت يد هشام من علي وجهه بعنف وفوجئت بما رايته لقد كانت عيني هشام محمرة للغاية وكأنه يريد البكاء ووجهه حزين للغاية .
" مالك يا صحبي؟ " سالته برقه ، وكأن هشام وجد فرصه كي يفضي بما في داخله ، قال هامسا " مي " ونظر وابتسم لي " بنت عمي طول عمري وأنا معجب بيها ولما كبرت كنت فاكر اني هلاقي شقه واتجوز وهعيش معاها ، هادية ورقيقة بصراحه متتخيرش عن سارة ، طبعا بعد الجامعة ملقتش شغل ولا زفت ولا عندي شقه مقدرتش اكلم عمي ، وبابا كان موجه كل جهده لجواز اخويا الكبير ، لقيت عقد العمل ده بالعافية وجيت عشان اشتغل واحوش واجيب شقة وشبكة ومهر ليها ، كانت يا علي قدامي في كل حاجه ، بس هي متعرفش اللي جوايا هي بتعتبرني اخوها الكبير وخلاص وبعد ما سافرت بسنة اتخطبت هي واتجوزت .
منزلتش اجازة مكنتش طايق مصر ولا طايق الدنيا كلها ، فضلت هنا اشتغل وخلاص واهي عيشه والسلام بعد جوازها بسنة اتطلقت راماها وطردها وبهدلها وطلقها من غير سبب واضح زي ساعدتك كده وفي نفس الوقت امي كانت وحشاني وبتزن عليا عشان انزل ونزلت ويارتني ما نزلت ، كانت واحده تانيه وشها اتغير والحزن كل من سنها بقت عجوزة مدمرة ومش عارفه ترفع عينها في وش حد وكله كوم وكلام الناس اللي مبيرحمش كوم كانت حابسه نفسها مقدرتش اشوفها كده ، فضلت افكر وقولت ميهمش هي لسه مي وأنا اقدر ارجعها زي ما كانت تاني وفتحت ابويا في الموضوع عارف قالي ايه ؟ " .
نظر هشام لي والاسي يقطر من عينه " وايه اللي يجبرك انك تاخد واحده مطلقه يا بني ، رغم انها من لحمه ودمه مرضاش ولا امي رضيت ولا اخواتي ولا حد خالص وهي طبعا متعرفش حتي لما كنت بزورها مرفعتش عينها في عيني سبت مصر وجيت ومنزلتش بقالي سنتين ونص ومش عاوز انزل ومش قادر افهم هي ذنبها إيه وليه محدش راضي اني اتجوزها وأنا كمان ذنبي إيه اني اعيش كده فيها إيه لو ننسي ونسامح ، عرفت بقي انت عملت إيه في سارة يا علي انت زيك زي طليق مي " التفت هشام واطفئ النور وادعي النوم وتركني في حيرتي ...
لن انكر ان المرارة في صوت هشام طعنتني في قلبي بسكين بارد وجعلتني افكر بسارة رغما عني .
لم استطع النوم خشيت ان احلم بها مرة آخري ، اخذت ملابسي ولم اعد للنوم عند هشام مرة آخري .
ذهبت للمنزل بعد العمل لأجد الصغيرة تصرخ فرحا لدي دخولي انستني همي كله وانستني أي مرارة واستمتعت معها ولعبت كطفل صغير ، وضعت هند الطعام لي وهدأت اعصابي قليلا فأنا اكون سعيد معهم دائما ، " مفيش جديد يا هند مرضيش يطلق بردو " هزت رأسها نافيه ، يجب العمل علي تلك المشكلة .
حوالي الساعة الثامنة مساءا نمت علي الأريكة من التعب ولم ترغب هند في ايقاظي فأخذت الصغيرة الي الغرفة ، ظللت علي الأريكة ولم استيقظ سوي الساعة الواحدة عندما رأيت الساعة في يدي انتفضت من علي الأريكة ، فزعت هند " ايه يا علي مالك؟ " فركت عيني ووجهي " أنا اسف ، مصحتنيش ليه يا هند عشان امشي " ابتسمت بعذوبة " مقدرتش  شكلك كان تعبان خالص وبعدين أنا فضلت اتفرج عليك وانت نايم شبه الملايكه  " ، كانت هند جميلة جدا تلك الليلة بالبيجاما الوردي الرقيقة التي ترتديها وشعرها مسدول علي كتفيها ووجهها الذي يشع بياضا مجرد رؤيتها كانت تهدئ لي اعصابي وتجعلني انسان آخر .
" تحب تاكل " " ماشي " احضرت لي شطيرة وجلست الي جواري تتأملني وأنا اتناولها ، قلت لها بمرح " أنتِ عينك فيها ولا ايه خدي حته احسن ما بطني توجعني " ابتسمت لي واغمضت عيناها وفتحت فمها برقة كي اطعمها ، ولكني لم افعل ، لم اطعمها ، فأنا في النهاية رجل لي دماء حارة تسير في عروقي لا مياه ، لم استطع ان اسيطر علي نفسي اكثر من هذا فتملكتها استقي من رحيقها الذي حرمت منه سنوات طوال وهي استسلمت لي دون أي مقاومه .....
لم افق الي فداحة ما فعلته إلا بعد فوات الاوان نهضت سريعا عنها رغم انني منذ لحظات كنت اطير بين السحب ، احلق عاليا بين طيور الحب ولكني الآن اشعر بذنب رهيب يجتاحني صحيح انني لست ملتزم ولست مواظب علي الصلاة ولكني اعلم ان ما فعلته هو زنا ، زنا فاحش صريح وليس هذا فقط بل وهتكت عرض رجل آخر .
غطيت وجهي وكنت انهج بشدة غير مصدق انني لم استطع السيطرة علي نفسي ، ارتدت هي ملابسها بسرعة وجلست متوترة ، صحت بها " أنتِ لازم تطلقي وحالا " ثم ذهبت واوقفتها رغما عنها " احنا لازم نتجوز فاهمه ولا لاء " هزت راسها بخفوت وتركتها من يدي لبكاء الصغيرة .
كنت مشوش للغاية وظللت هكذا لأيام لم انم في الاستوديو مرة آخري وجدت سكن آخر لي مع الشباب كي لا اظل وحيدا وحصلت هي علي الطلاق بشق الآنفس ، كنت اذهب لأرها كل يوم كالعادة ، واثناء ذلك لم استطع منع نفسي عن الخطأ عده مرات ولكن بعدها كنت اشعر بذنب رهيب وكأن واحد آخر هو من فعلها وكنت استغرب لما لا استطيع السيطرة علي نفسي معها ألهذه الدرجة احبها واهيم بها عشقا؟ اخيرا انتهت فترة العدة وعقدت عليها في اليوم الذي يليه مباشرة وذهبت معها هي والصغيرة لبدء حياة جديدة جميلة ساحرة ملئ بالسعادة والاطفال ، لم اكن اعلم ان كل شيء سوف ينتهي في ومضه عين اجل "ومضه عين هههههه سخرية اليس كذلك؟!" .
كل العذاب الذي عشته طوال سنوات وسنوات الحلم الذي حلمت به اربع سنوات في الجامعة وسته سنوات عازب بدونها وثلاثة سنوات مع سارة افكر فيها وكل ما حصلت عليه معها هم اربعة اشهر ، اجل اربعة اشهر واستحال بعدها العيش بنا وفرت هي مني الي زوجها القديم الذي رحب بها بالطبع ، وتركتني لأتجرع من نفس الكأس الذي اشربته " للطخ " دون أي قصد مني .
لم احتمل زينتها ولبسها وخروجها كنت اصيح بها غاضبا كلما خرجنا معا " يا دخلي شعرك تحت الطرحة يا تقلعيها اصلا والفرح اللي في وشك ده امسحيه حالا " .
كنت اشك بها لأتفه الاسباب والغيرة تنهش في رجولتي نهشا كوحش نهم يأكل فريسته وهي حية دون أي شفقة او رحمة واتخيل دائما وابدا انها سوف تتركني واعود الي الظلام الذي كنت اعيش فيه ، وبالفعل رحلت لم تستطع تحملي وتحمل شكي وعادت الي زوجها القديم وتركتني خالي من الحب والامل والحياة والمشاعر
ومن المال ... اجل لقد نفذ مني المال ، حتي انني بعت ثلاث سبائك ذهبية صغيرة كانت سارة اقتصدت دون علم مني واهدتني اياهم في احدي اعياد ميلادي .
بعد ان اصبح المنزل فارغ منها ومن فرح الطفلة التي عشقتها وتمنيت بشدة ان اكون والدها ، لم يتبقى لي سوي شيء واحد شبح سارة ، اجل إنه في كل مكان يطاردني ليل نهار توجهت لا اراديا نحو الكتاب الوردي الذي كنت اخفيه عن هند وبدأت اقرأ وكلما قرأت كلما بكيت ، كلما ندمت وندمت وندمت .
اكتشفت انني عشت كالأعمى والاصم طوال عامين مع إنسانه لم تستحق أي مما نالته مني علي الاطلاق .
بعد ما قرأت ما قرأت قررت النزول الي مصر في الحال كي استرد اغلي ما فقدت في يوم من الأيام ، اجل قررت انني اود ان ادفع أي ثمن مقابل استعادتها و استعادة الصفاء والنقاء وراحة البال التي لا تقدر بثمن .
وها أنا امامها الآن اراها تدخل اغراضها بالسيارة كم كانت مشعة هل اصبحت أجمل؟ ام إنها عيني التي صارت تقدرها بعدما عرفت ما بداخلها .
***
"سارة"
لمَ جمدت مكاني هكذا ولم استطع الحراك؟ ولما عاد الآن بعدما فعله بي؟، ازدادت ضربات قلبي حده لكنها رعب لا شوق ، لمَ أنا مرتعبة منه هكذا؟.
حاولت اغلاق السيارة بعنف اللعنة كل ما اردته عده دقائق بالسيارة وحدي علقت حقيبتي بالسيارة من فرط عصبيتي ، أخرجها لي وهو يبتسم بعذوبة وقال بصوت هادئ " ازيك يا سارة عامله ايه؟ " ، كان يضع العطر المفضل لي ويرتدي بذله انيقة ويسرح شعرة بالطريقة التي أحب .
لم أجبه فأنا اشعر نحوه بحنق كبير حنق لا نهاية له ، " أنا عرفت من الفيس انك بتشتغلي هنا ولسه واصل حالا مصر وجتلك علي طول علشان عاوز اشوفك يا ريت تيجي معايا في أي مكان هادي عشان نتكلم شويا " وابتسم برقه " ممكن؟ " .
اشحت بوجهي بعيدا عنه ، فهو لم يحرك بي ذرة واحده وكل تلك المحاولات فاشلة ، ولكن لدي فضول رهيب لمعرفه سبب عودته الآن ، حاولت اغلاق السيارة وتحركت لأصعد ، لن اتنظر هنا معه ثانيه واحده أخرى لا لن افعل .
امسك بيدي وجذبني نحوه لم يفعل هذه الحركة مرة واحده وأنا زوجته وها هو الآن يفعلها في الشارع " سارة لازم تسمعيني من فضلك " صحت به " ازاي تمسك ايدي انت اتجننت؟!! " رأيت الصدمة في عينيه هذه ليست سارة بالتأكيد " سارة أنا ... " قاطعته " انت إيه؟ خاين " سمع عبد الرحمن صراخي ب " علي " وسمعت صوته من خلفي يزمجر بحدة " أنت مين؟ " .
نجحت في تحرير يدي عندما تشتت انتباه علي، فركت معصمي ورجعت للخلف احتمي بعبد الرحمن " يالا يا ابيه نطلع ل أحمد " " مين ده يا سارة؟ " كان عبد الرحمن غاضب بشدة ، صاح علي " سارة أنا مش همشي إلا لما تسمعيني "
" مفيش بنا كلام امشي من هنا حالا " حاول جذب ذراعي إلا أن عبد الرحمن وقف له بالمرصاد " انت اتجننت في عقلك!" " ارجوك يا ابيه خلينا نطلع " صاح عبد الرحمن بي " مين ده يا سارة ؟ " رد علي بسرعة " أنا جوزها " نظرت له شزرا وصرخت " طليقي فاهم طليقي وامشي مش مكفيك اللي عملته فيا جاي تدمر حياتي تاني ، انت إيه يا أخي؟ معندكش دم! " " سارة أنا جاي اصلح غلطتي جاي ارجعك ومش همشي إلا بيكي" ، لم يكن ينقصني إلا سماع رد الفعل هذا " جوزها ازاي ؟ امال أنا ابقي إيه ! " ، غاص قلبي بصدري لقد سمع أحمد الحوار الدائر .
لم ينتبه علي ل أحمد او الي ما قاله " سارة أنا عرفت كل حاجه وعرفت أنتِ بتحبيني قد إيه ، صدقيني أنا غلطان وجاي اصلح غلطي الوقتي تعالي معايا خلينا نرجع لبعض وأنا والله هعوضك عن كل حاجه عملتها فيكي قبل كده " صرخت به بهستيرية ووضعت يدي علي اذني " كفاية ، كفاية حرام عليك سبني في حالي " وركضت نحو السيارة غير عابئة بأي أحد وانطلقت انهب الطرقات بالسيارة ، لم ينتبه أحد الي "علي" اثناء ركضهم خلفي فحسام وأحمد المشتعل غيظا ركبوا السيارة ، وكان عبد الرحمن اول من ركب سيارته وركض خلفي هو الآخر وسط دهشه علي بعد ان استوعب ما قاله أحمد اخيرا " جوزها ازاي ؟ امال أنا ابقي إيه! " .
التفت علي غير مصدق ان هذا هو زوج سارة او انها تزوجت اصلا لقد تابع حالتها علي" الفيس بوك " فهي لم تغيرها من متزوجه الي عازبة بعد الطلاق بل ظلت كما هي الي هذا الصباح ، حسنا هي لم تغيرها وتزوجت ورنت كلمات هشام برأسه " مطلق او ارمل او قدها مرتين " هل اضطرت سارة الي الزواج من ضرير كي تتزوج مرة آخري؟ لم يكن عقله البسيط يستوعب ان ما بين أحمد وسارة اكبر من أي شيء ...... .
***
طاردني عبد الرحمن بالسيارة واستطاع اللحاق بي ووقف بسيارته امام سيارتي وسد علي الطريق ، انزلني رغما عني لأركب معه بسيارته ونزل محمد هو الآخر من سيارة حسام فالقي له عبد الرحمن مفاتيح السيارة كي يعيدها الي المنزل ، كنت ابكي بحرقه شديدة ولم استمع الي أي شيء مما قاله عبد الرحمن الذي بدي غاضبا للغاية .
لمَ؟ ولمَ الآن بالذات ؟!! قرر العودة والاعتذار مني ، لقد كنت نسيته اجل كنت بدأت انسي انني تزوجت يوما وبدأت اندمج مع حياتي الجديدة ، ازداد حنقي علي " علي " اكثر من ذي قبل ولم يفلح غضب عبد الرحمن في اسكاتي او حتي شفقته علي بعد ذلك .
انزلني من السيارة كنت اعلم انه يتكلم معي بخصوص شيء ولكن لم اكن اسمعه كنت سارحة بعالمي الخاص اتذكر بمرارة كل ما مر علي مع " علي " ، وكم كانت أيام صعبة كم كنت اكرهها ، كم اكره تلك البلد لمجرد انها جمعتني به ، اكره أي شيء يربطني به ، اكره الهواء الذي يتنفس اكره أي شيء يتعلق به .
أي ذكري بيننا ، أي لمسه تنميت ان يحنو علي بها ، أي كلمه الححت عليه كي يخبرني بها ليروي عطشي لأي حنان كان حتي لو كان زائف.
هل هو جدي؟ هل هو حقا نادم ويريد اصلاح ما افسده، ولكن لا اعتقد فإن كسر الزجاج لا يستطيع أحد جمع أجزاءه مرة أخرى .
***
كان أحمد يصيح بالسيارة ويضرب أي شيء يستطيع ضربة " ليه جاي الوقتي ؟
ليييييييه اشمعني الوقتي قبل فرحنا بأسبوعين بس افتكرها ؟ ليه أنا بالذات بيحصل معايا كده ليـــــه ؟ مفيش حاجه بتكمل ليا ليـــه ؟ كل حاجه بتروح مني أنا عمري ما اذيت حد ليــــه أنا ليـــه!! " .
مبدئيا انكسرت العصا وتحطمت النظارة واي شيء طالته يده تهشم الي ذرات كان حسام يجاهد كي يستطيع القيادة والإمساك بأخوة الغاضب ، " استغفر ربنا يا أحمد حرام كده واهدي بس اهدي سارة بتحبك والله اكيد مفيش حاجه وحشه هتحصل "
صرخ بصوته الجهوري" هو أنا حرام افرح! هو أنا مش زي الناس دي كلها ليه بيحصل معايا أنا كده بس ليه كده؟ طول عمري مفيش حاجه بتكمل ليا ، أي حاجه بحبها بتروح مني ولما قولت مش مشكلة المهم اني بصحتي هقدر اكمل من جديد نظري راح مني وبقيت عاجز ليه أنا ليــــه؟!!! " .
كان أحمد بحاله هستيرية وليس غضب عادي ، دلفت السيارات الواحدة تلوي الأخرى وهتفت أية من الشرفة " اهم جم " ، كان عبد الرحمن ممسك بسارة التي بدت من عالم آخر ولم تسمع أي شيء مما قاله لها فقط تنظر الي الفراغ لا شيء محدد ، نزل حسام وكذلك أحمد وهو يصيح بغضب بالغ جعل جميع السيدات يخرجن الي الشرفة ومن ثم نزلوا سريعا .
هجم أحمد علي سارة وأخذ يهزها ويصيح بها بشدة " من امتي وأنتِ بتكلميه؟ وجالك الشغل ليه ؟ وليه عاوز يرجعك ؟ انطقي مبتتكلميش ليه ردي عليا " لم يكن أحمد يري ان سارة ليست في حاله طبيعية وانها لا تستطيع الكلام مطلقا ، حاول اخوته ان ينزعوها من بين أيديه إلا انه ازاحهم جميعا بغضب بالغ " محدش يدخل وإلا هموتها واموته ، انطقي ردي عليا مبتكلميش ليه كلكوا زي بعض كلكوا خاينين " ، صاحت أية برعب " سيبها حرام عليك سيبها " كانت تبكي بشدة هي وأمل .
افاقت سارة علي صراخ أحمد وهو يهزها بعنف شديد كرهت نفسها وكرهت العالم كله تمنت لو تفني من علي الارض كلها فلم يكن ينقصها الآن غضب وشك أحمد بها  ، هجمت أية عليه ولم تحتمل عنفه مع اختها واخذت تضرب ظهره وسط بكاء امها والسيدة نور ، حملها محمد عنه بشق الأنفس واخذت تصيح بهستيريا هي الأخرى وهجم حسام علي أحمد من الخلف ولكنه لم يستطع كتم صراخه بسارة " هترجعيله؟ ساكته ليه؟ مكسوفه من عملتك! " كان أحمد يظن ان سكوتها وصمتها خجلا من انها سوف تتركه ولم يعلم بانها لم تكن في حالتها الطبيعية .
" أنا هريحك من سكوتك ده أنا مش عاوز شفقه من حد أنتِ..." وترك محمد أية وهجم علي فم اخيه وكتمه بشدة قبل ان ينطق الكلمة اللعينة .
اخذ أحمد يتلوى من بين ايديهم الثلاثة ونجح في تحرير فمه بعد ان عض محمد وعبد الرحمن " روحيله أنا مش عاوز شفقه منك ، أنا مش عاوزك روحيله " ، لم تستطع سارة تحمل كل ما يحدث وكل ما تراه لتصرخ صرخة مدوية باعلي صوت لديها ليسكت الجميع وبعدها تسقط في الظلام وسط هذا الصمت الرهيب .










نهاية الفصل
الموت
أحيانا يكون هو افضل الحلول لمشاكلنا ونشعر برغبه كبيرة فيه ،
بل ونشتهيه بشدة ظنا منا انه الراحة الابدية .
ولكن هل ما يوجد في العالم الآخر لن يحتاج منا جهد، لن يحتاج
منا مشقه؟
حسنا اذا لما كل ذلك الفراغ؟.....
لما كل ذلك البكاء ..... بعد فقد حبيب او قريب ما لنا .
رغم ان كل المشاكل سوف تحل ، صحيح انه سوف يواجه عالم آخر
وهذه المرة سوف يوجهه وحده دون أي مساعده من احد.
حسنا اذا ما هي الإجابة هل الموت خير؟ ام شر؟
برأي الاقدام علي الموت شر لأننا لا نملك من انفسنا شيء انما هي لله وحده
وانما مجيء الموت وحده : فهو خير فهذا العالم البالي لا يستحق منا
ان نتمسك به كل هذا التمسك

حائر

مذكرات حائر الجزء الأول "الحلم المستحيل" بقلم هالة الشاعر Where stories live. Discover now