الفصل الثامن "بداية جديدة"

8.4K 344 8
                                    

الفصل الثـــــامن

" بداية جديدة "

كان محمد أول الواصلين الي الأسفل وتبعه آية وفارس فتح باب سيارة حسام وأشار الي فارس  "تعالي يا فارس اركب" ، ركض فارس نحوه إلا أن آية صاحت به "فارس تعالي هنا" قال لها محمد بحنق "أنتِ ناويه تروحي مشي ولا إيه؟" ردت بتهكم "لا ناويه اروح مع سارة" أغتاظ محمد منها كثيرا "أنتِ مشكلتك ايه عاوز افهم؟!" تحدثت بقوة بالغة "مشكلتي اني عارفه اشكالك" امتقع وجه محمد بشدة وتسمر مكانه للحظة ثم ذهب وتركها وجلس خلف مقود السيارة وقد تلاحقت انفاسه بشدة لما تعامله هكذا؟! إنه يعلم إنها مخطوبه .. لكنها لا تعأمل أي من حسام أو عبد الرحمن هكذا أبدا.
"مشكلتي اني عارفه اشكالك" ترددت الجملة بأذنه كطنين النحلة، اعترف في داخله بأنه فتي عابث ولطالما كانت له مغامرات نسائية دونا عن اخوته .. لكنه لم ولن يفعل هذا أبدا مع أحد من افراد عائلته وكيف عرفت هي؟، ازدادت ضربات قلبه كثيرا وتجهم وجهه.
نزل عبد الرحمن ووجدها وحدها "مركبتيش مع محمد ليه يا آية؟"  ابتسمت له "هركب مع سارة " "يا سلام تنوري" فتح لها باب سيارته أثناء نزول أحمد وسارة وكذلك حسام وأمل
_ أشار حسام لفارس "تعالي يا فارس انت وأمل اركبوا معانا"، أمسكت  سارة بفارس "خليهم معانا احسن"، ضحك حسام عليها "متخفيش يا سارة مش هناكل منهم حته، يالا يا فارس أتفضلي يا أمل" وفتح لهم الباب، جلست سارة ولكنها لم تكن مرتاحة أبدا خصوصا لبعد فارس نظر لها عبد الرحمن "اهدي يا سارة أنتِ مش عاوزاهم يغيبوا عن عينك" ضحكت سارة "غصب عني والله يا ابيه لما ببقي لوحدي معاهم مش بحبهم يغيبوا عن عيني لما بابا بيبقي معانا مش ببوص عليهم اصلا"، قالت ايه لعبد الرحمن " متحاولش احنا هبطنا معاها تبطل تعأملنا كأننا في الحضانة لما يأسنا خلاص ومحدش فينا بقي بيعترض!" .
قال أحمد لها "متخفيش يا سارة هما مع اخوتهم" هزت رأسها بتوتر "اها طبعا طبعا" ثم اردفت "طب ممكن نجيب فارس معايا اصله شقي وبيحب يمشي لوحده" ، ضحك الثلاثة عليها وعلي قلقها وقالت آية لهم بنفاذ صبر "قولت ليكو مفيش منها أمل".
قرر عبد الرحمن أخذهم الي النادي ليجلسوا الي النيل وحيث هناك العاب للأطفال، وعند نزول آية وسارة من السيارة تأففت آية " يوووه رصيدي خلص!" عاتبتها أختها "ارحمي نفسك مش هو سافر وسابك بطلي بقي!" لوحت بنزق " يووه يا سارة مش وقته والله أنا هروح اجيب كرت شحن اكيد في محل هنا" "ماشي بس ما تتأخرىش" وصل محمد ومعه حسام وأمل وفارس ودخل الجميع الي النادي بعضويه الأخوة طبعا.
حالما دخلوا ركض فارس الي الداخل مسرعا نحو الورود تركت سارة يد أحمد "معلش يا أحمد لحظه وجايه" وركضت خلف فارس وامسكته من يده تنبهه
"فارس مش عاوزة شقاوة وإلا هنرجع البيت تاني فاهم ولا لاء؟!" ، واعطته الي أمل "أمل متسيبهوش من ايدك من فضلك ولو مش هتلتزمي بيه قولي لي وانا اللي هاخده" تدخل حسام "متقلقيش يا سارة أنا وأمل مش هنسيب ايده لحظه بوصي" وامسك بيد فارس وجعل أمل تمسك باليد الأخرى.
نظرت  سارة خلفها ولم تجد آية واشتط عقلها ولم ترد اخبارهم كي لا يضحكوا عليها " لحظه وجايه " همست الي أمل .....
رجعت سارة مرة أخرى لهم وهي تنظر نحو فارس وأمل ثم ذهبت الي أحمد الواقف مع عبد الرحمن "آسفة اتأخرت عليك" كان أحمد حانق عليها فتحدث بعصبية "براحتك مش مهم أنا خالص يا سارة "،  حرج عبد الرحمن وأستأذن وتركهم "ملوش لوزوم الكلام ده يا أحمد" أردف بعصبية "أمبارح مكلمتنيش عشان مشغولة .. وانهارده دماغك مش معاكي مع كل الناس ألا أنا بس يا سارة واضح انك زهقتي" عضت شفتيها بألم من كلامة " أبدا يا أحمد والله بس انا قلقانه عليهم مش اكتر وبحبهم يبقوا تحت عنيا" "عبد الرحمن ومحمد وحسام مش صغيرين عشان ميعرفوش يا خدوا بالهم منهم"،
دمعت عين سارة "انا اسفه يا أحمد مكنش قصدي ازعلك" زم شفتيه وبدي عليه عدم الرضا، نظرت سارة حولها ولم تجد آية وقد بدأ القلق يأكلها ولكنها لم تستطع التحدث فالكل يسخر منها وأحمد حانق عليها ...... .
كانت آية وجدت محل لشراء الكارت المطلوب واتصلت بعد ان شحنت الهاتف بخطيبها مصطفي الذي لم يرد أول مرة، فاتصلت مرة أخرى، ولكن هذه المرة سمعت صوت انثوي غريب جاءها بالرد " الووو " كان الصوت يتكلم بميوعة غريبه، صاحت آية بغضب "مصطفي فين؟"، جاءها الصوت الانثوي برد مائع مقزز "مصطفي في الحمام بياخد دوش تحبي اقوله حاجه يا حببتي".
اسودت الدنيا في وجه آية واغلقت الهاتف بوجهها ولم تعد تعلم اين، او من هي مشت كالهائمة في الشارع لا تتذكر سوي مشاجراتها الكثيرة مع مصطفي، وكيف إنه تركها بالعيد وقرر الذهاب الي المصيف برفقه اصدقائه بدل من قضائه معها، حتي إنه لم يتصل بها كي يعيد عليها وهي من حماقتها كانت قلقه عليه كم هي حمقاء؟!.
لكن ماذا لو كانت قريبه له؟ ماذا لو .... اخذ عقلها الرافض لكل شيء، يخرج ويفسر أكثر الاسباب تفاهة لما سمعته، كل ذلك كانت تفكر به ولم تنتبه الي ان هناك من يتربص بها كانت "آية" آية في الجمال لهذا اسماها والدها هذا الاسم، لديها جسد رشيق نحيل ووجه ابيض وكانه القمر وعيون عسليه واسعه تسحر القلوب، وانف رقيق صغير، وشفاه ممتلئة محمرة دائما و أهدابها طويلة وكثيفه وحاجبان انيقان، لقد كانت أجمل اخواتها.
للأسف الشديد رغم ان مصر اسمها بلد الامن والامان ، الا ان مجموعه من الشباب المهملين تسببوا بالكثير من الخسائر الروحية والمعنوية لمعني الامن والامان خاصه بالنسبة للفتيات، وجعلوا من الاعياد مناسبات ليمارسوا شهواتهم الحيوانية ومن هؤلاء الشباب كان يتبع آية ثلاثة يصفرون ويتكلمون بألفاظ لا يجوز ذكرها، إلا ان تلك المسكينة لم تكن منتبه لأنها غارقه بعالم آخر.
فزعت آية علي لمسه علي كتفها ولم تكن تعلم بأن هناك من يتبعها، شهقت وحاولت الركض إلا أن الثلاثة حاصروها، واخذوا يضحكون ويتكلمون بلؤم عنها، فزعت آية كثيرا  ونزلت دموعها ولم تعرف ما العمل فبوابه النادي بعيدة عن هذا المكان وهؤلاء الوحوش لن يتركوها وشأنها.
حاولوا الاقتراب منها اكثر ولكنها لم تجد شيء تفعله سوي الصراخ، الصراخ بشدة وبأعلى ما لديها من قوة حتي ولو كان هذا اخر ما تفعله في حياتها، اخرج احدهم سكين صغير يهددها به، إلا انها ازدادت بالصراخ اكثر واكثر، هجم احدهم عليها وكتم فمها كي يمنعها من الصراخ، كاد ان يغشي عليها وظنت انه لن يسمعها أحد وسوف تموت هنا بارضها.
"آيـــــــــة"  جاء ها الصوت الرجولي الغاضب من بعيد ....
***
_همست سارة لأمل " لحظه وجايه " ورجعت من الطريق الي دلفوا منه منذ قليل، قابلها محمد الذي كان انتهي من ركن سيارته للتو "راحه فين؟" " آية بره واتأخرت هروح اجبها" "طيب انت معاكي عضويه؟" هزت راسها نافيه "لاء" تنهد بآسي "طيب ارجعي أنتِ لأنك مش هتعرفي تدخلي من غيرها، انا هروح اجبها واجي" "مترجعش إلا بيها يا محمد" "حاضر متقلقيش" ، رجعت سارة مرة أخرى لهم وهي تنظر نحو فارس وأمل ثم ذهبت الي أحمد الواقف مع عبد الرحمن " معلش أتأخرت عليك " كان أحمد حانق عليها " براحتك مش مهم انا خالص يا سارة " ، .....
خرج محمد وبدأ يبحث بعينه عنها ولم يجدها، كانت سارة اخبرته بانها ذهبت لجلب "بطاقة شحن" ، لكنه لم يري أي محال في الجوار لذلك قرر الذهاب ليري اين هي؟ ...
نظر نحوه الثلاث شباب المشردين هيئه وعقلا، هجم محمد عليهم ورغم انه لم يكن طويل جدا مثل اخوته الا إنه كان قوي البنيه اطرق رأس الأول بالحائط بشدة، وسحب آية وازاحها الي الخلف بقوة وعنف، ولكم الثاني بشدة عده لكمات علي انفه، بينما الثالث الذي كان معه السكين كان محتار في الهرب او المواجهة.
قال بوقاحه شديدة " وتبقي لك إيه " آية "يا سيد امك؟" ، حاول محمد الوقوف بثبات امامه، إلا ان الثاني رشق السكين في بطن يد محمد وسحبه سريعا مرة أخرى وهو يضحك، صرخت آية بشدة "محمد!"، اغتاظ محمد كثيرا منه وهجم علي يده الممسكة بالسكين وضربها بشدة حتي اوقع السكين من يده، ثم انهال بالضرب علي المجرم الي ان سقط علي الارض فركله بشدة وعنف، وركل الاثنين الأخرين ايضا كل منهم ركلتين، وذهب نحو آية المدمرة من البكاء والصدمة.
"أنتِ كويسه؟ جرالك حاجه؟!" قالها بخوف وعصبيه، هزت رأسها وصوت مرتعش "مش عارفه" هزها بعصبية "يعني إيه مش عارفه عملولك إيه؟" اخذها بعيدا عنهم، وامسكت آية بيده الجريحة واخذت تبكي بشدة وقالت من بين شهقاتها "ايدك .. اتعورت جامد"، امسكها من ذراعها ومشي بها بعيدا قدر المستطاع "ايدي مش مهم أنتِ كويسه؟ عملوا إيه أتكلمي؟" انهارت آية و كادت ان تسقط لولا أن امسك بها وجذبها إليه بيده السليمة  "اهدي يا آية انا جنبك مش هسيبك أنتِ كويسه متقلقيش" استكانت آية إليه دقيقه ثم فطنت الي انها لا يجوز لها فعل ذلك تمالكت نفسها وابتعدت عنه وحاولت مسح دموعها.
"لازم نروح الصيدلية في وحده هناك" واشارت خلفه "طيب يالا تعالي".
ذهبوا معا الي الصيدلية واجلسها بهدوء وتحدث مع الصيدلي الذي بدأ في تطهير الجرح بسرعة وتضميده واعطاه مضاد حيوي، كانت آية تشاهده من الخلف باهتمام وتراقبه وهي تبكي وسالت الصيدلي بصوت مرتعش "هو.. الجرح خطير؟" ابتسم لها وقال "لا مش خطير ولا حاجه متقلقيش" ، وغمز محمد قائلا "واضح إن خطيبتك بتحبك اوي" ابتسم محمد له مجاملا ونظر لها، وفكر في إنه لو كان خطيبها لما سمح بحدوث ذلك، لأنه لم يكن ليترك خطيبه رائعة الجمال تسير بالشارع وحدها.
نظرت آية الي يده حالما انتهي الصيدلي وسألته "هو الجرح هيلم امتي؟" "كام يوم إن شاء الله ويبقي كويس اهم حاجه يغير عليه وياخد المضاد الحيوي" هزت راسها موافقه، اعطاه الصيدلي الاغراض وذهبوا.
رجعت آية في طريقها وهي تتلفت حولها تبحث لهم عن أي اثر، "متقلقيش زمانهم مشيوا خلاص"  فركت يدها بحرج بالغ " انا اسفه اوي مش عارفه من غيرك كان هيحصلي ايه!" كانت تشعر بحرج شديد منه ولازالت دموعها تنهمر، اخرج منديل واعطاه لها "يا لا امسحي دموعك دي" وازاح مرآه سيارة كان يقف الي جوارها، "ورتبي طرحتك وهدومك قبل ما نرجع مش عاوزين حد ياخد باله وانا هقولهم ان ايدي أتعورت في ازاز وأنتِ جيتي معايا الصيدلية"، هزت رأسها ببطيء "متشكره اوي" وبالفعل رتبت طرحتها ومسحت وجهها لتمحو اثار البكاء .
وهو الآخر نفض ملابسه وعدل من شعره الاسود الفاحم وقال مازحا لها
"ملقيش معاكي مشط!".
في تلك الاثناء كان حسام وأمل ممسكين بفارس تحت اوامر سارة، "الحديقة جميله اوي مش كده يا فارس"  "اه" رد فارس بتململ فهو يرغب في الركض واللعب كان حسام يتكلم وهو ينظر الي أمل، "وإيه رأيك في الجو يا فارس" "حلو"
"يعني مسامحني يا فارس" نظر له فارس شزرا وقال بغضب "لاء انا عاوز اللعب" وتركهم  وركض بعيدا عنهم "لسه زعلانه؟" ابتسمت وهزت راسها نافيه ، "مش هرتاح الا لما تقولي ليا سامحتك" ، نظرت أمل فجأة نحو سارة التي كانت تتوعدها بإشارة من يدها لأنها تركت فارس يذهب بعيدا عنها، هتفت أمل "فارس تعالي هنا" نظر حسام بغيظ شديد نحو سارة التي لم تعره أي اهتمام بل وارادت ان تخرج له لسانها ولكنها عدلت عن الفكرة!.
ظهر محمد وآية بالحديقة اخيرا، ذهبت سارة نحوها وقالت بما يشبه الصراخ "مش قولت لك ما تتأخرىش كل ده ب تجيبي كارت الزفت؟ وكمان مبترديش علي الزفت الي معاكي ليه!!" ، لم تستطع آية تمالك نفسها وبكت بسرعة شديدة وقال محمد معاتبا سارة "انا أتعورت وآية شافتني وجيت معايا الصيدلية عشان كده أتأخرنا" ندمت سارة علي صراخها بأختها واحتضنتها وقبلتها "انا اسفه والله قلقت عليكي معلش سامحيني".
سأله عبد الرحمن "وانت ايه اللي عورك؟" لم يكن يشعر بالراحة لأخيه، ازدرد محمد لعابه "سندت علي السور جامد وكان عليه ازاز مكسور ومخدتش بالي".
كان حسام حانق من سارة "ممكن تعدي بقي شويا وتروحي جنب أحمد وتخليكي في حالك!" ، نفضت يدها بغضب "صح .. معاك حق.. انا غلطانه " وتركتهم وسارت خطوتين ثم التفتت حولها بكل مكان "فين فارس؟" نظر عبد الرحمن والجميع بالمكان، لم يكن له أي اثر صاح عبد الرحمن بحده "فارس ، فارس" واخذ يركض بكل مكان إلا ان فارس ظهر من خلف الشجيرات وقال صائحا بمرح طفولي "انا هنا عليكو واحد" ، قالت سارة بحنق شديد وهي تضم كلتا قبضتيها "الصبر من عندك يا رب" ، وتركتهم وهم يضحكون عليها وذهبت الي أحمد الجالس وحده.
امسك عبد الرحمن فارس واجلسه فوق كتفيه وقال لهم "كده نضمن انو ميضعش".
أما أحمد فوجهه كان جامد وقد سمع كل ما حدث تقريبا منذ قليل امسكت كتفه واسندت راسها عليه وهي تعلم أن الاسف لا يفيد هو غاضب منها وأنتهي الأمر، تمتمت بحزن شديد "انا غلطانه اني بقلق عليهم" رد ببرود "أخواتك ولازم تخافي عليهم" كانت تعلم انه غاضب لأنها أهملته اليوم كثيرا، فتحسست ذقنه برقه شديدة "مين القردة اللي حلقت لك دقنك حلو كده؟" بالكاد ابتسم رفعت يده نحو فمها وقبلتها كي يسامحها.
بما يشبه الهمس توسلت "خلاص بقي يا أحمد" "سارة انا لازم ابقي رقم واحد في حياتك كلها مش أتنين او تلاته"  تنهدت سارة بآسي ولم تعرف ما العمل "بس أنت رقم واحد في حياتي" "مش واضح كده" اعتدلت في مجلسها غير مصدقة
"أنت بتغير من أخواتي؟" التفت نحوها، "المفروض ابقي انا اهم حاجه في حياتك" "بس انا اختهم الكبيرة وزي ما عبد الرحمن بياخد باله منكو كلكوا انا كمان  لازم اخد بالي منهم" ، وأدارت رأسها تطمئن عليهم رغم انها تعهدت بأنها لن تنظر نحوهم.
تجهمت سارة وهي تري جانب جديد من أحمد لم تره من قبل، لقد كان دائما يكلمها ويحدثها وهي كانت سعيدة بذلك، لكن بعد مده من خطبتهم وجدت إنه تملكي نوعا ما.
يجب ان تكرس كل وقتها له وحده ولا ل أحد او شيء آخر، وقد فرحت بذلك في البداية لأنها كانت تفتقد ان يحتاجها أحد بشدة مثل أحمد خاصه بعد تجربتها المريرة من اللامبالاة مع زوجها السابق .. لكنها لاحظت ان كل يوم منذ حادثه المكتب ورؤية أول نوبة غضب له، بأن أحمد ليس ذلك الرجل الذي كانت تتوقعه، لكن كان هناك شيء يعزيها دائما انها اكيده من انه يحبها كثيرا ...
غاب عبد الرحمن مع فارس وعندما عاد كان محمل بالحلوى القطنية والمثلجات واعطي حسام كل من سارة وأحمد منها، ضحكت سارة وزال تهجمها عنها وضمها أحمد وهمس لها "بحب ضحكتك اوي" ليذيب قلبها مجددا، ويشيح أي وساوس كانت تدور بخلدها.
بعد الأكل والضحك وبعد ان تجمع الجميع حولهم، سحب حسام أخوة أحمد وأداره عدة مرات حتي كاد ان يفقد توازنه وتحداه بان يجد سارة دون ان يصدر عنها أي صوت او أي حركه، في البداية لم يعرف أحمد وكاد ان يمسك أمل علي أنها هي ولكنه غير رأيه بأخر لحظه وامسك ب سارة التي صاحت من الفرحة فور ان امسك بها، احتضنها بشدة وقال معلنا "مستحيل اتلخبط فيها لأني شايفها بقلبي من أول يوم" تنهدت أمل وأيه كثيرا لكلامه الرقيق، بينما تذمر محمد ساخطا "إيه يا عم روميو؟ معانا أطفال خف شويا!".
بعدها تمشي الجميع نحو العاب الأطفال واخذ فارس يلهو ويمرح ويلعب بسعادة واصبح الجو مرح ومحبب مرة أخرى، كان محمد يتصيد أي فرصه كي ينظر ل آية ليطمئن عليها، لقد حاولت فعل كل ما باستطاعتها كي تبقي هادئة إلا انه هو وحده عرف السبب، حتى سارة التي ذهبت  واطمأنت عليها أكثر من مرة وشعرت بشيء ما ولكنها لم تكن لتخمن أبدا، بعد الكثير من اللعب والمرح اصحبهم عبد الرحمن الي احد المطاعم لتناول العشاء، كان جو المطعم ساحر ورائع والأغاني كانت جميله تدعو للبهجة والسعادة طلبوا الطعام وقرأت سارة قائمه الطعام علي أحمد وقرر هو أكل البيتزا مثلها.
اخذ محمد يلتقط لهم الصور لقد كان يفعل ذلك طوال اليوم وسارة أخذت مع أحمد "سيلفي بوق البطة!" الذي كان جديد تماما علي أحمد، بعدها توجه محمد الي احدي الطاولات المليئة بالبنات وسألهم "ممكن السيلفي ستيك يا بنات لحظه؟" ناولته إحداهن العصا وهي تلتهمه ب عيناها، راقبت آية ضحكات الفتيات وردود فعلهن معه وعادت الي ذهنها الصورة القديمة التي كونتها عنه، فرغم إنقاذه لها لم يتغير أي شيء عنها بخصوصه.
تجمع الجميع خلف أحمد وسارة وكل منهم يتخذ وضعيه سخيفة ومضحكه للغاية واخذوا "سيلفي" جماعي معا  ليتذكروا ذلك اليوم الرائع الذي قضوه سويا.
اقتربت الساعة من الحادية عشرة واقترحت سارة الذهاب للمنزل بعد أن رفضت مجددا أي دعوه للذهاب الي السينما وسط سخط فارس الذي أراد الذهاب بشدة، وفي طريق العودة رجع فارس مع سارة بدل من آية وكان غط في نوم عميق وضمته هي الي صدرها وهو يحتج بشدة لعدم رغبته بالعودة الي المنزل الآن.
وعندما همت بحمل فارس الي الأعلى "لا لا سبيه يا سارة أنا اللي هشيلة" جاءها صوت عبد الرحمن معترض التفت وحمل فارس بين ذراعيه وصعد للأعلى وودعت سارة أحمد الذي قبلها قبله حانيه علي يدها وصعدت تتبع عبد الرحمن، دهش السيد شاكر عندما رأي فارس هكذا وهمس عبد الرحمن له "هو فين سريره يا عمي؟" أرشدته سارة الي غرفة فارس ووضعه عبد الرحمن علي السرير بهدوء وقبل رأسه قبله حانيه والتفت الي الغرفة يتأملها وهو معجب بها وقد امتلأت بالبالونات وبسترات العيد همس لسارة "هو اللي عمل كدة؟" هزت رأسها نافيه وهمست هي الأخرى "لا دي مفاجأة مني أنا وأمل و آية صحي أول يوم العيد وأعد يصرخ لما لقي الأوضه كده" ضحك عبد الرحمن في ابتسامه تنم عن رضي شديد لما يراه من حب في هذه العائلة.
_ نزل حسام وأمل وقد أعطي ذلك فرصة لمحمد كي يتحدث مع آية "حولي تنامي ومتشغليش بالك بأي حاجه" لم ترد عليه وإنما هزت رأسها بخفوت شديد وتركته، بينما أمل كانت تشكر حسام "كان يوم جميل بس تعبناكوا معانا" "يا ريت كل التعب كده" كان يبتسم لها بشدة، أطرقت رأسها الي الأسفل وتمتمت بخجل بالغ "تصبح علي خير" وصعدت مع آية.
بعد عوده الجميع بحوالي النصف ساعة كان الجميع متعب وتوجهوا الي غرفهم، بدأ صوت الإشعارات يدق بشدة علي جهاز أمل اللوحي وعندما فتحته سرت كثيرا لما رأته، جعلت آية تستيقظ رغم إنها لم تكن نائمه وأخذتها الي سارة.
"شوفتي يا سارة محمد عمل إيه" "خير في إيه؟" كانت أمل تضحك بشدة، "عمل جروب وسماه العيلة الجديدة وضفنا كلنا عليه ومنزل صور الخروجه شكلنا يهلك من الضحك"، فتحت سارة الهاتف ووجدت صور رائعة لهم خاصة وأنه جعل صورة الغلاف للصفحة الصورة الجماعية التي التقطها لهم معا وبدي كل منهم في غايه العبث والسخرية.
كتبت سارة "عشان كده مسبتش الكاميرا من أيدك ده أنت طلعت سوسا يا محمد!" رد عليها "ولسه معايا صور بس مش هطلعها كلها مرة واحده"، بينما دخل الشباب الي غرفة أحمد وارتموا علي السرير وهم يضحكون علي صورة مضحكه للغاية لفارس وعبد الرحمن وهم يأكلون الحلوى القطنية.
قال حسام "أخوك محمد عمل جروب ومنزل صور فظيعة عليه والبنات ماتوا من الضحك" ، ابتسم أحمد "كان يوم حلو مش كده؟" ثم تجهم "دا أنا أمبارح كنت هفرقع من الملل!" قال حسام "فعلا كان يوم جميل خصوصا أننا مش متعودين علي جو البنات العائلي ده عارف يا ريت كان لينا أخوات بنات بدل البدل اللي شايفها قدامي 24 ساعة دي" هز عبد الرحمن رأسه وهو يعلق علي صورة لسارة وأخوتها "فعلا لو كان لينا أخت صغيرة كده بضفاير وتلون البيت بفساتينها وضحكها وعرايسها كان هيبقي جو البيت مختلف".
قال محمد بسخط " لا و أنت الصادق أنت وهو يا أخويا كان زمان عنينا في وسط راسنا ونوصلها ونراقبها إحنا كده فله أوي" ضحك عبد الرحمن وهو يضرببه علي رأسه "يا بني أنت أتهد شويا وبطل بقي هو عشان عيونك زايغة مش شايف غير الشمال، ما سارة وأخوتها أهم وباباهم واثق فيهم أهم حاجه الرباية" قال أحمد بصدق "صح يا عبد الرحمن" وأكد حسام "فعلا أنا كان نفسي أخلف بنت الأول البنات حنينين وبيدوا دفا كده في البيت كان الله في عون أمكو والله".
_ وفي غرفة أخرى نسائية بحته قالت أمل بمرح "أنهارده كان يوم جميل بجد" "فعلا يا أمل أتبسط أوي رغم أن أحمد زعل مني شويا عشان كنت بسيبو بس في الأخر كان يوم حلو" ارتمت أمل بظهرها علي السرير وقالت بطريقة حالمة "حاجه حلوة اوي أن يبقي ليكي أخ كبير يفسحك ويهتم بيكي" ردت سارة "يااااه لو كان فارس الكبير كان زمانوا واخد بالو مننا الوقتي وكان هو اللي يخرجنا ويفسحنا ونتحامي فيه، طبعا ربنا يخلي بابا لينا بس حب الأخ حاجه تانيه".
رفضت آية مستنكرة بطريقة ساخرة للغاية "وجايز لو فارس كان الكبير كان خنقنا ووقف لينا علي الوحدة، ومتخروجيش ومتلبسيش وكانت الحياة هتبقي بقدونس!" ضحكت أمل "كان هيعمل معاكي أنتِ بس كده عشان أنتِ مبتريحيش نفسك معاه أبدا ناقر ونقير" لوحت آية رافضة لتلك الفكرة تماما " لا يا حببتي أنا مبسوطة كده أوي أني الكبيرة وأنو الصغير بلا خروجات بلا بتاع!" ثم أردفت بملل "أنا هروح أنام تصبحوا علي خير" وذهبت الي سريرها وفتحت هاتفها المغلق، لم يتصل بها مصطفي،
ماذا عساها أن تفعل؟ أنها تحبه لذا لم تخبر أي من أخوتها لأنهم سوف يخبروها بأن تفسخ معه علي الفور، تنهدت بآسي شديد ولم تعرف ما العمل؟.
وجدت رساله أرسلت لها من محمد ففتحتها " أزيك الوقتي عامله إيه؟" حنقت كثيرا وأنزلت الهاتف وزفرت الهواء بقوة وحدثت نفسها "طبعا لقي فرصة يمسكني من أيدي اللي بتوجعني بس والله لو الدنيا كلها هتعرف  اللي حصلي لا يمكن أستسلم ليك أبدا"، رن الهاتف معبرا عن سالة أخرى " آية أنتِ مبترديش عليا ليه؟ أوعي تكوني مكسوفه اللي حصل ده مش بأيدك".
أشتعل غيظها كما تشتعل النار في القش "أنا مش مكسوفة المفروض أنت اللي تتكسف أنك واخد من ضعفي حجه، علي العموم أنت لو عاوز تقول للدنيا كلها أنا معنديش حاجه أخبيها و يا ريت متكلمنيش تاني لأني مخطوبه وخطيبي لو عرف هيعمل ليك مشكلة".
تمنت ذلك من كل قلبها تمنت لو ان خطيبها كان موجود ليريحها ويحميها من مضايقات المتحرشين الذين واجهتم اليوم، ومن هذا الشاب الذي يظن أن كل فتاة سوف تقع تحت أقدامه بأول إشارة من أصبعه، بينما علي الجانب الأخر أعتدل محمد في جلسته من الدهشة عندما رأي ردها وهو غير مصدق لردة فعلها حياله، كيف تبدل حالها هكذا؟ لقد كانت قلقة علي يده للغاية حتي أنها نسيت نفسها واستكانت له كي تطمئن، كيف يمكن أن تتبدل هكذا؟!!.
****
وبينما أمل جالسة الي سريرها سمعت صوت الهاتف وأخرجته وعندما رأت ان الرسالة من حسام فتحتها علي الفور "وأنتِ من أهل الخير"، أرسلت له علامه تعجب " ! " ، "أنتِ قولتي تصبح علي خير وطلعتي علي طول ملحقتش أرد عليكي " ، ابتسمت أمل ملئ فمها وشعرت بسعادة غريبه تغمرها لم تشعر بها من قبل ولكن بعد دقائق عادت الي أحزانها مرة أخرى لا بد لها وأن تحصل علي الطلاق!.
_ في اليوم التالي سافر محمد وترك أخوته بحجه أنه سوف يذهب الي أصدقاءه بالغردقة ولكن الحقيقة أنه ذهب وحده الي الإسكندرية وحجز غرفه بفندق يشاهد منه البحر وظل هكذا طوال اليومين لم يأكل سوي مرة أو أثنيتن ولم يخرج ولو لمرة واحده، ظل يتأمل البحر ويتأمل الناس لم تكن هذه طبيعته علي الأطلاق، وكان كل ما يشغل فكره رد فعل آية نحوه لما فعلت هكذا؟ لما قالت له "مشكلتي أني عارفة أشكالك".
لما يدق قلبه كتلميذ صغير لم يفعل الواجب ويعلم أن المدرس سوف يعاقبه؟
لما كل هذا الرعب الذي دخل قلبه عندما القت عليه هذه الجملة؟!
ولما ترن تلك الجملة اللعينة برأسه منذ ان القتها؟!!
، لقد توقف تكرار تلك الجملة في عقله عندما حدث معها ذلك الحادث وظن أنهم سوف يكونوا أصدقاء ولكن عندما جاءه ردها بالليل لم يعرف ما الذي حدث له، لقد دقت الكلمات برأسه مرة أخرى وأخذت تطرقه وكأنها مطرقه عملاقه تدق علي رأسه الصغير.
لم يرد لأي من أخوته أن يلاحظوا شيء ما لذلك قرر السفر فجاءه وترك لهم رسالة بأنه ذهب ليلحق بأصدقائه خاصة وأن والده ووالدته عائدون اليوم الي المنزل، كان يشعر بضيق شديد لم يعرف له مثيل من قبل، فتح هاتفه ونظر الي الأسماء لدية ووجد عدد هائل من ارقام الفتيات وهن لسن أصدقاء بل فتيات يتسكع معهن ويتفاخر وسط شلته بأنه يستطيع الإيقاع بأي فتاة وها هو الآن فتاة واحده تصده بكل قوة لديها تٌشعره بأنه أتفه شيء بالوجود وكأن لا ضرورة له.
تململ في كرسيه ووقف قليلا ليشم الهواء العليل أسند ذراعيه علي السور ونظر للبحر بعمق شديد وحزن من نفسه وعلي نفسه ، وجد أن الحياة التي يحيياها  هي حياة مقرفة للغاية وعليه أن يفعل شيء بهذا الخصوص، لن يستطيع أن يكمل هكذا أبدا فهو دائما حائر يشعر بأن هناك شيء ما ينقصه ويحاول بكل جهدة أن يضيع وقته مع أصدقائه والخروج ومقابله الحسناوات.
حاول تذكر أشكالهن ولكنها كانت ضبابيه للغاية لم يعد يذكرهن، لا يعرف أي واحده منهن حق المعرفة وقرر بسرعة أن لا واحده منهن تعنيه وأخرج هاتفة ومسح أسمائهن جميعا وكذلك من علي "الفيس بوك" ومسح صورهن وجعل هاتفة نظيف للغاية.
ظل في حيرته وعذابة هذا طوال الليل الي أن أذن الفجر، هدوء وسكون الليل جعله يسمع الفجر بوضوح كبير لأول مرة يسمع الأذان بقلبه هز كيانه كله مرة واحده وسقطت دمعه لم يعرف من اين! فهو لم يبكي قط من قبل، مسح الدمعة بذهول شديد وهو يراها علي أصبعه وشعر بندم شديد يجتاح كل ذرة من جسده عن الحياة التي كان يعيشها من قبل وتساقطت الدموع واحده تلو الأخرى، ما الذي عساه ان يفعله الآن؟! ، لقد أنتهي الأذان هرع الي الحمام ثم ركض الي الأسفل وسأل الاستقبال عن مكان أقرب مسجد وتوجه نحوه علي الفور، لحق بالصلاة وشعر بهدوء كبير وسكينه جميله ولذه لم يشعر بها من قبل، وكأن روحه تعلو في السماء وتحلق، وصفاء ذهن رهيب طيب خاطرة وهدأ باله.
بعد أن أدي الصلاة جلس قليلا بالمسجد وهو يشعر براحه رهيبة بعد أن عصفت رأسه بجمله آية التي ظلت تطرقها ليل نهار، ربتت يد حنونه علي كتفة وابتسم له رجل عجوز يستند علي عكاز ويبدوا أنه تخطي الستين إلا أن ابتسامته كانت حنونه بشكل جميل وقال له بصوت كله حنو  "كل ما تضايق روح له هو اللي هيفك قربك ويريح بالك" ورفع يده يشير بأصبعه للسماء.
ابتسم محمد له كثيرا ووقف وساعده علي الخروج من المسجد وبعد أن وجد الرجل حذائه قبل محمد يده وعرض عليه أن يوصله منزله ولكن الرجل رفض لأنه يحب أن يشم هواء الفجر النقي قبل الذهاب الي منزله.
ذهب محمد الي الفندق بهدوء وهو يضع يده في جيبه  ويبدوا أن العجوز محق فهواء الفجر النقي جعل محمد يفكر بصفاء في مستقبله لا مزيد من التهرب من العمل لا مزيد من العبث مع الفتيات لا مزيد من الأخطاء التي يرتكبها كل يوم وكأنها من المسلمات وكأن الأمور عاديه وأن ما يحدث هو شيء طبيعي للغاية، قرر محمد أنه سوف يعود الي القاهرة الآن يريد أن يذهب الي الشركة سوف يبدأ العمل من الآن، ويعمل علي تكبير أسهمه ويكون قادر علي تحمل المسئولية وتحمل المشاق مثل أخوته ولا شيء سوف يشغله عن صلاته وعمله الآن.
***
كان أحمد يشعر بملل رهيب بدون سارة وبعد أن عاد والده ووالدته من السفر أصبح بإمكانه أن يدعو سارة الي المنزل وقد فعل دعاها رابع يوم العيد وجلسا بالحديقة طوال الوقت، وكانت سارة أحضرت معها روايتها الفضلة وأخذت تقرأ الي أحمد بصوتها الحنون الذي يعشقه ظلوا هكذا لأكثر من ساعتين تقرأ كتابها المفضل ولم تحبذ فكرة الخروج ولهذا تركهم عبد الرحمن بعد أن أخبرته بأنها أتت بكتاب وسوف تقرأ لأحمد.
وقف يشاهدهم من نافذته سارة تقرأ بهدوء واستمتاع وأحمد يجلس الي جوارها وكأنه ملك يشعر بأن لديه كل ما يتمني، أنه لشعور غريب عجيب ينتابه فهو يشعر بالفرح لأخيه علي الرغم من الاقدام التي تسحق قلبه وهو يري ويتأكد أنه يوم بعد يوم يبعد عنها هو أميالا.
_ تنهدت وأغلقت الجهاز اللوحي ، "إيه وقفتي ليه؟" تسأل أحمد "تعبت خلاص صوتي وجعني!" قالتها سارة بصوت يشبه الأطفال كي تجعل أحمد يضحك وبالفعل ضحك وأبتسم لها، سألته سارة بمكر طفولي "تفتكر لو كنت مكانه كنت أكلتها ولا وقعت في حبها تقدر تستحمل العذاب ده كله عشان بتحبها؟" لوي شفتيه وكأنه يفكر في شيء هام ثم قال "طب ما انا حاسس أني عاوز أكلك ومع ذلك ماسك نفسي أهه" كان يهمس لها في أذنها بتلك الكلمات التي أذابتها حتي النخاع.
"وبعدين معاك بقي!" كان صوتها يرتعش خجلا من كلماته الرقيقة فهي لم تعتد بعد علي غزله لها، امسك يدها وقبلها، سحبتها منه والخجل يغزو كل جزء بجسدها كيف لكلمات رقيقة أن تؤثر بحياة شخص هكذا!.
"أنا بسألك عن توايلايت  أنت مش منتبه ولا إيه؟" ضحك أحمد وقال بمكر "كنت هتجوزها وبعدين أبقي أكلها" كورت يدها وضربته ضربه واهيه علي ركبته "مفيش روايات من هنا ورايح" قالتها كأم تحرم ولدها المشاغب من الحلوى.
_ تنهد أحمد من تأثير سارة الكبير عليه وعلي حياته فحياته كلها انتظمت وأصبحت أفضل منذ أن دخلتها هي، هل سوف تظل الي جانبه حتي لو أصبح أعمي هكذا للأبد؟ إن موعد الزواج مؤجل الي بعد العملية وقد أصرت سارة علي ذلك، وترجع إصرارها هذا  لأنها تريده أن يراها قبل أن يتزوجها، دائما ما كان يشعر بعدم ثقتها بنفسها حتى انها اخبرته بنفسها مرة  لولا انه أخبرها يوم عقد القران أنه عندما يتحسس وجهها سوف يتمكن من رؤيتها لكانت تعيش في رعب  حقيقي الآن من أن يتركها بعد العملية، لم تستطع فهمه أبدا فهو يشعر بشيء أكبر من هذا نحوها ولن يتنازل عن الراحة التي تبعثها في صدرة وفي قلبه كلما كان معها، حتي لو أتو له بملكه جمال العالم كله.
"سارة لو العملية فشلت هتعملي إيه؟" سأل بهدوء دون وعي منه حتي أنه لم يشعر بالكلمات وهي تخرج من فمه، "إن شاء الله هتنجح يا أحمد أنت قلقان ليه بس؟" "أنا مش قلقان إذا كنت هرجع أشوف تاني ولا لأ وأظن انك عارفه كده كويس" شعرت بالغضب يتصاعد من داخله وخشيت من مواجه نوبه غضب أخرى له، امسكت يده "أحمد أنا عارفة ان موقفي سخيف لكن أنا مأجله الفرح بعد العملية عشانك انت مش عشاني ، انا مراتك الوقتي ومفيش حاجه هتغير ده أبدا إن شاء الله لا قبل العملية ولا بعدها" ثم أردفت محاوله جعل صوتها مضحك "مش عاوزاك تفتح تصرخ فيهم وتقول مين الأوزعه المكعبره اللي جوزتها لي دي!!".
حاول رسم بسمة علي ثغرة ثم همس لها "اللي مصبرني علي بُعدك حاجه واحده بس" سالت بمرح "إيه هي الحاجه دي؟" "أني عندي أمل أفتح من العملية ونفسي أشوفك في الفستان الأبيض أوي" ترقرقت عيون سارة بدموع الفرح من حنان أحمد عليها وسألته والدموع تخنق صوتها "هو أنا هلبس فستان فرح كمان؟!" "طبعا مش عروسة!!" تحدثت بإندفاع " بس أنا .... " ووئدت الكلمات في مهدها قبل أن تخرج منتبه الي أنها كانت سوف تغوص في بئر عميق ولن تجد من ينتشلها منه.
إلا أن أحمد لم يكن بالرجل الغبي أبدا أمتعض فكيه واصطكت أسنانه بشدة ببعضها البعض وزمجر بحنق شديد "أنا عارف أنك لبستيه قبل كده يا سارة بس المرة دي هتلبسية عشاني أنا، أنا جوزك مش حد تاني ومن حقي أشوفك لابساه وأفرح بيكي" لم تواجه كلماته سوي الصمت الرهيب كان يعلم انها تبكي بحرقة ولكنها تعمدت ألا تصدر أي صوت ولكنه يشعر بالبكاء في الجو يشم رائحة خزيها ودموعها معا.
خمن موقع وجهها ووضع يده علي وجنتها ومسح دموعها برفق بكلتا يديه، كانت دموعها ساخنه للغاية جعلته يشعر بمدي ندمها علي ما كانت مقدمه علي قوله، وشعر بالخزي من نفسه أيضا إنها لم تقصد ذلك.
تمتمت بخفوت شديد "انا أسفة" ، تنفس بحده وعمق بعد أن مسح دموعها وهز رأسه وقال بآسي "أنا عارف، وأنا كمان أسف يا سارة" نظرت له تتأمله بحب شديد وتمنت من كل قلبها لو أن أحمد كان زوجها الأول ولو أنها لم تمر بتلك التجربة التي خرجت منها وهي تشعر بأن الدمية البلاستيكية لها روح وحياة  أكثر منها، لقد كانت تشعر في السابق بأنها أمرأه عجوز شاب شعرها كله دون أن تجد الحب بحثت عنه بشتي الطرق، إلا انها بقيت عانس القلب الي أن دق أحمد باب قلبها وجعلها تفتحه مرة أخرى بعد ثلاث سنوات من الحسرة التي عاشتها.
كان عبد الرحمن لا يزال يراقبهم من غرفته دون أن يشعر أحد به وقد لمع بعينه شيطان، شيطان وسوس له بكل قوته وطاقته "كل مرة بيخليها تعيط ، أنت عمرك ما كنت هتخليها تعيط أبدا" رد عليه بخفوت وهو يعلم ما يحاول الشيطان اللعين فعله به.
"بس هي كل مرة بترجع له ومكمله معاه"، وسوس بخبث "أنت عارف هي بترجع له ليه" هز عبد الرحمن رأسه نافيا  "لأ عارف كويس بس بتضحك علي نفسك، هي بترجع له عشان فاكره أنو بيحبها وهي نفسها حد يحبها".
رد عبد الرحمن ببرود "بس أحمد بيحبها" ضحك الموسوس مقهقها "أحمد بيحبها ههههه ولا لقي واحده تخرجه من الضلمه وضامن إنها هتستحمله وعاوزها تشيل همه ومسئوليته لأنه خايف أنو يبقي لوحده بعد كده، فاكر أنك هتتجوز وتنشغل عنه " ضغط عبد الرحمن فكية " أنا فعلا هتجوز بس مش هغيب عنه " هسهس الشيطان أكثر" شيء جميل هتجوز واحده وتعمل معاها زي ما علي عمل مع سارة وبعدين تسبها" ثم اقترب منه وأردف بهمس شيطاني "طب وليه الحيرة والعذاب؟  قلها جايز تختارك أنت محدش غيرك هياخد باله منها ويحافظ عليها، بذمتك لو أنت اللي كنت اعد مكانه الوقتي تسمعها وهي بتقرأ معقول كنت خلتها تعيط كده؟! بدل ما تاخدها في حضنك وتشم ريحه شعرها وتشبع منها، مسألتش نفسك شعرها عامل أزاي؟".
كانت الوساوس كالمنوم المخدر الذي يبعث الخدر في نفس عبد الرحمن وتخيل نفسه مطرح أحمد الجالس جوارها وتملكه رغبه عارمه في معرفه كل ما وسوس به الشيطان في أذنه منذ قليل، أخذ نفس عميق  عبئ به صدرة الضخم وأغلق عينه وفتحها عده مرات وأغلق النافذة بعنف وقال بصوت حاول أن يبدوا طبيعيا نوعا ما كي يجعل الموسوس يصمت "أحمد بيحبها" ، ذهب صوت الموسوس بعيدا إلا أنه قال جمله أخيره "خلاص لو انت مطمن عليها مع أحمد.. أحمد اللي انت عارفه كويس اكتر واحد في الدنيا يبقي سبها" قال كلمته الاخيرة وهو يهسهس بها في أذن عبد الرحمن ، الذي فرك وجهه بقوة وذهب الي الحمام وغسل وجهه ونظر في المرآه الي عيناه المحمرة من الغضب وهرع الي صاله الألعاب الرياضية القابعة بالدور الأسفل للمنزل وخلع قميصه وأخذ ينتقم من نفسه لأنه سمح لتفكيره أن يمتد هكذا بزوجه أخيه  ..... .

نهاية الفصل
Please vote if you like it 😊

مذكرات حائر الجزء الأول "الحلم المستحيل" بقلم هالة الشاعر حيث تعيش القصص. اكتشف الآن