أبو الطيب المتنبي

633 58 43
                                    


أحمد بن الحسين بن الحسن بن عبد الصمد... إلخ، ماذا ستستفيدون من كل هذا؟ تفتحون له حساب فيسبوك!

هو من ادعى النبوة غرورًا وكبرًا، وبات زهوه يسبقه أينما حل، نرجسي العرب وشاعرهم اللامع «أبو الطيب المتنبي».

وأطلب منكم الآن الاحتفاء به والتصفيق إشباعًا لغروره، فلن تطأ للمتنبي قدم هنا قبل سماع تصفيقكم والصفير.

كوفيُّ الولادة والمنشأ، من نعومة أظافره بدأ الشعر يتدفق على لسانه، نظم الشعر وهو ابن تسع أعوام وتلا البيت أبيات حتى صارت على لسانه تتردد في كل حين.

«لا بقومي شُرِّفت بل شرفوا بي
وبنفسـي فـخـرت لا بجــدودي»

«أنا الذي نظر الأعمى إلى أدبي
وأسمعت كلماتي من به صـمـم»

وهل للمتنبي أن يحل في مكان بلا فخر بشخصه وما هو عليه؟ عيب!

في العصر العباسي عاش، ولد في سنة (٣٠٣هـ) من أبوين فقيرين، نشأ في كندة وترعرع فيها، وأخذ الشعر ينساب من لسانه قويًا هادرًا، حتى تسنى له أن يلتقي بأمير قوي كريم، هو سيف الدولة الحمداني، فأعجب كل منهما بصاحبه وصار المتنبي يلازم الحمداني في رقوده وترحاله وينظم فيه أجمل ما جادت به قريحته.

وفي إحدى طرائفهما معًا تحدى الأديب «كشاجم» المتنبي بأن يأتي ببيت لا تستطيع جاريتا الأمير حفظه من المرة الاولى، وكان ذلك في مجلس الأمير.

وفي اليوم الثاني أتى المتنبي بقصيدة من خمسة أبيات وأراد أن يضيف رهان آخر إلى رهانهم الأول.

فأضاف إلى الرهان أن يخرج الخاسر من مجلسهم كما ولدته أمه، فرد سيف الدولة أنه سيترك هذا الرهان لمجلس آخر وأمر المتنبي أن يلقي بأبياته.

فقال مخففًا الحمل على زبانية سيف الدولة: «هي خمسة أبيات يا أمير، سأقرأها على مرحلتين لتسهيل الأمر على زبانيتك».

وردد قائلًا:

«متى تزر قوم من تهوى زيارتها
ليٰتحـفوك بغير البيـض والاسـلِ
والهـجـر أقـرب لي مما أراقبه
أنا الغريق فما خوفي من البلل؟»

وليس المتنبي بهذا الغباء أن يلقي أبيات سهلة الحفظ كهذه، فهو يخبئ العاصفة للنهاية.

فقام زبانية الأمير بكل فخرٍ ورددوها بعده، ليلقي المتنبي بقية قصيدته:
«ما كان نومي إلا فوق معرفتي
بأن رأيـك لا يـؤتى مـن الزلــل
أقل أنل أقطع احمل علِ سلِ أعد
زد هش بش تفضل أدنِ سرَ صلِ
لـعـــل عتبـــك مـحـمـود عقائـبـه
فربـمـا صحـت الأجسـام بالـعلل»

فتحجج الزبانية بأن البيت الثاني باللغة الفارسية، وهم لا يتقنونها، تعلمون.. إن عجز أحدنا عن شيء يجد لنفسه ألف عذر.

ليرد الأمير أنهما اتفقا على العربية لا الفارسية، فأجاب المتنبي: «إن كان هذا البيت عربيًا، فستعطيني وزنه ذهبًا» ووافق الأمير على ذلك.

فبدأ المتنبي بشرح البيت: «البيت يا مولاي هو مجموعة من أفعال الأمر» وأخذ بسرد معانيها فعلًا فعلًا ثم قال: «أما زال الأمير عند وعده؟» فرد الأمير: «أجل هاتها لنزنها» فاستطرد المتنبي «مولاي أنا قد كتبتها في رأسي، فلك أن تعطيني وزني ذهبًا، أو تزن رأسي!»

اعتدل الأمير بجلسته وقال «لقد اتفقنا على أن يكون بيتًا مكتوبًا»

-لكن مولاي لم يكن عندي قرطاس!
-تخسر الرهان إذن.

فرد المتنبي بلكنة ملأها الذكاء ثقة: «أمري إلى الله»
وأشار بيده أن يدخلا غلاميه، فإذا بهما يدخلان وبين أيديهما صخرة كبيرة مكتوب عليها البيت.

صدم الأمير فإستطرد المتنبي قائلًا «كما قلت لك يا أمير، لم يكن عندي قرطاس، فكتبتها على هذا الحجر، من سيزنه؟»

لم يستطع الأمير رده، فقد وقفت نساء الأمير معه، ليقول «ذهب الإمارة كلها لن يأتي بوزن هذا الحجر ذهبًا! لكن للمتنبي أن ننفذ أفعال الأمر التي ذكرها... أقل قد أقلناك، أنل تنل له الدراهم غدًا، أقطع قد أقطعناك ضيعة من ضواحي حلب... إلخ»

ومن هذه القصة نرى ذكاء المتنبي وحيلته، فلم تفته فائتة لكسب الرهان، وليس لي أن اذكر كل طرائفه وقصصه، فله من الأقوال الكثير، منها الأمثال ومنها من صنف الأصعب في اللغة والكثير من الأبيات متعددة الأغراض، في الهجاء والغزل، المدح والفخر...

«أَلَمٌ أَلَمَّ أَلَمْ أُلِمَّ بِدَائِهِ؟ *** إِنْ أَنَّ آنٌ آنَ آنُ أَوَانِهِ»

ولكم مني واجب بيتي، سأترك على عاتقكم شرح هذا البيت في الأعلى حسب فهمكم له، ومن ثم ابحثوا عنه لتعرفوا مغزاه، هو من أجمل الأبيات وأصعبها. 🖤

اتركوا الشرح للبيت هنا.

لم تطل مدة ملازمته لسيف الدولة، فقد حل بينهما خلاف فافترقا...
فقد كان المتنبي يُقدم مدح أفضال نفسه على أفضال سيف الدولة فحل بينهما جفاء، فغادر المتنبي إلى مصر حزينًا قائلًا في قصيدة مطلها:
«وا حر قلباه ممن قلبه شبِم
ومن بجسمي وحالي عنده سقم
ما لي أكتم حبًا قد برى جسدي
وتدعي حب سيف الدولة الأمم»

وذهب إلى مصر طامعًا ولاية كافور الأخشيدي، وفي لحظة حنين منه لأيام سيف الدولة الحمداني مدح الحمداني في شعره، فلم يرض الوالي في إعطائه مراده، فخرج من مصر وقد هجا الوالي وقومه وحاشيته أمر هجاء.

وتعمد عدم أخذ رجال معه يحموه من اللصوص، فخرج عائدًا لبغداد هو وابنه وغلامه ليعترضوه بعض الأشخاص ممن هجاهم مسبقًا قاصدين النيل منه، فأراد أن يهرب لأنه عرف أن لمعترضيه الغلبة فقال له غلامه: «ليتحدث الناس عنك بالفرار وأنت القائل:
الخيل والليل والبيداء تعرفني...والسيف والرمح والقرطاس والقلم»

فرد المتنبي قائلًا «قتلتني قتلك الله» ليقترب منه معترضوه فأمروه أن يرمي رمحه، وهو قد نسي أنه يحمل رمحًا من هول الموقف فقال «أوبيدي رمح؟! ذكرتني الطعن وكنت ناسيه» وقاتل حتى وافته المنية سنة (٣٥٤ هـ)

لتنتهي عند هذه الحادثة حياة شاعرنا المبجل، وأنهي لكم مقالي هذا بأحر الوداع والقُبلات.

-آنسة سين 🖤

تمرّد مقالاتحيث تعيش القصص. اكتشف الآن