مجنون ليلى

Start from the beginning
                                    

مضى زمن والناس يستشفعون بي

فهــل لي إلى ليـــلى الـغداة شفيع

يضعـفـني حُبِّـيْـكِ حتى كــأنني

من الأهل والمال التليـــد نزيـعُ

إذا ما نهاني العاذلــــون بحبها

أبت كبدي مـمــا أُجِــن تُطيعُ

وكيف أطيع العاذلين وحبها

يؤرقني والعــاذلون هجوعُ

فلما سمعت شعره بكت من فؤاد متْبول، وأنشدت:

كلانا مظهرٌ للناس بغضًا

وكلٌّ عند صاحبه مكين

وأسرار الملاحظ ليس تخفى

وحبك في فؤادي لا يبين

وكيف يفوت هذا الناس شيء

وما في الناس تظهره العيون

فطب نفساً بذاك وقر عينًا

فإن هواك في قلبي معين

وصارت المحبة تنعقد كل يومٍ عقدً جديدًا، حتى صدف أن أبا قيس طرق بابه ضيوف ليلًا، فأرسل قيس ليقرض له سمنًا من عند أبي ليلى، فقال أبوها: يا ليلى اخرجي ذلك النحي، واقضي حاجة الفتى، ودعيه يذهب من حيث أتى...
فخرجت بالجرة إليه، وسلمت عليه، وصارت تسكب السمن في الإناء شاكية له شوقها إلى رؤياه وحبه بقلبها، فطاب له كلامها، وأخذ منهما الكلام مأخذ، حتى امتلأ الإناء وبدأ حوله يقطر، ومازلا يتحدثان نحو ساعة من الزمان، حتى غطى السمن أرجلهما وهما في عشقهما غارقان، لاحظ أبو ليلى طول غيابها، فناداها ولم تنتبه له، ولا ردت عليه، فخرج ليستكشف الخبر...
فرأهما على تلك الحالة، ليستشيط دمه غضبًا، وتزداد عروقه بروزًا، فمنعها الزيارة في الليل والنهار، وحجبها عنه خشية الفضيحة والعار، فصار قيس يغتنم غفلة الرقيب ويلقاها ليفرغ لها ما بقلبه من لهيب، فلما بلغه أمرهما شكاه إلى الخليفة مروان، وأعلمه بذلك الشأن، فكتب إلى عامله الذي كان واليًا على تلك القوم، يأمره بأن يجتث رأسه من جسده لو زارها مرة اخرى.

فلما قرأوا عليه ذلك الكتاب، وأعلموه بحقيقة الخطاب، تنهد وتحسر وتنغص عيشه وتمرمر، فقد منعت عنه ليلى من كان يحب ويهوى.

وبعد أن ذاع صيت أمرهما، وبدأت الناس تنشد شعره فيها، خطبها وبذل لها خمسين ناقة حمراء، وخطبها ورد بن محمد، وبذل لها عشرًا من الأبل وراعيها، فقال أهلها إنا مُخيروها بينهما.

ودخلوا إليها وقالوا: والله لَئِن لم تختاري ورد لنمثّلنّ بكِ، فاختارت وردًا على كره منها، فزوجوها إياه من دون علم المجنون، فلما بلغه الأمر جن جنونه، وأضحى يبكيها شعرًا ليل مساء، فإذا مر ببيتها تخطاه وهو ينشد:

ألا أيها البيت الذي لا أزوره

وإن حله شخص علي حبيب

هجرتك إشفاقًا وزرتك خائفًا

تمرّد مقالاتWhere stories live. Discover now