الفصل التاسع

9.4K 223 1
                                    

اقترب سليم من الباب واخذ يطرق عليه بقوة ففتح لهم شاب يبدو عليه فى أواخر العقد الثانى من عمره .. بمجرد ان رأهم ورأى اسلحتهم بيدهم وعلم من هيئتم انهم ظباط شرطة فرت دماء وجه من الارتباك والخوف ...
هتف سليم بنبرة خشنة :
_ ده بيت شهاب
ابتلع ريقه بتوتر شديد عندما سأله عنه وتمتم بنبرة متلعثمة :
_ شهاب لاااا.. لا مش هو بيته
تفحصه بنظراته من اخمص قدميه الى قمة رأسه وهو يهتف بترقب :
_ شكلك تعرفه مش كده
اجابه بسرعة ونبرة مرتبكة :
_ انا لا معرفهوش .. هو فى حاجة يابيه
حدق بهِ احمد بنظرات نارية ثم جذبه من سترته وهو يهتف بصوت جهورى :
_ انت هاتستعبط ياروح امك
هتف هو برعب جلى :
_ واستعبط ليه ياباشا والله ما اعرفه
احمد بنظرة شرسة ونبرة تحمل التحذير :
_ شكلك هاتتعبنى ولو تعتبنى هاتعبك واقرفك فا بالذوق كده ومن غير شوشرة تقول تعرف ايه عنه
سليم بهدؤء حذر :
_ المقاوحة مش هاتفيدك بحاجة فاترد علينا بسكات كده علشان نفض الموضوع
ابتلع ريقه بصعوبة وقد بدأت حبات العرق تتساقط من جبينه ثم هتف بتصنع القوة والحدة :
_ وانا هاعرفه من فين قولتلكم معرفهوش انتو باين عليكم غلطانين
ربت احمد على كتفه بغطرسة واضحة ونظرة مشتعلة :
_ هاتعرفه متقلقش .. بس مش هنا فى القسم
فغر عينه بخوف شديد وتسارعت انفاسه .. رفع احمد سلاحه الى اعلى ووضعه على جانب رأسه وهو يهتف بخفوت حذر :
_ اطلع قدامى وحسك عينك تفكر تهرب سعتها هافرغ المسدس ده فى راسك
اؤما رأسه له برعب واضح ثم تقدم امامه وتبعه هو وسليم الى حين هبطوا من المبنى فا انزل هو سلاحه عن رأسه وقبض على زراعه وهو يهمهم بنبرة قوية :
_ اطلع فى العربية
صعد فى المقعد الخلفى بالسيارة واستقل بجانبه سليم بينما احمد استقل بالمقعد الامامى المخصص للقيادة .....

***

سمعت هى رنين جرس الباب اتجهت اليه وفتحت المزلاج بابتسامة مشرقة فكانت متوقعة انه احمد .. ولكن تلاشت ابتسامتها تدريجياً عندما رأتها ثم عقدت يديها امام صدرها وهى تبتسم بسخرية ...
اجفلت هى نظرها الى اسفل بخجل ووجه عابس ونظرات خزى ثم تمتمت بخفوت :
_ ازيك يامرام !
مرام بتبرم :
_ خير ياشذى جاية ليه ؟!
شذى بنظرات زائغة :
_ انا عايزة اتكلم معاكى شوية يامرام بعدين ابقى اعملى اللى تعمليه ولو عايزة تطردينى بعدها براحتك
حملقت بها للحظات وجيزة بنظرات دقيقة ثم تنفست الصعداء وزفرته على تمهل وهو تتمتم باقتضاب وتفسح لها الطريق بالمرور :
_ ادخلى !
دلفت الى الداخل بنظرات مرتبكة ووجها بادى عليه علامات الندم .. جلست على احد المقاعد وجلست هى قبالها ثم تمتمت بتهكم :
_ خير عايزة تقولى ايه ؟!!
صمتت للحظة بوجه حزين قبل ان تبدأ بالحديث وتتشدق قائلة بنبرة اسفة :
_ مرام انا عارفة انك لغاية دلوقتى مش قادرة تسامحينى بس والله من ساعة موت ماما وانا مشفتش يوم كويس فى حياتى ربنا عاقبنى عقاب شديد لانى ظلمتك وطعنت فى شرفك وكمان ظلمت نفسى ، الاول كان موت ماما وبعدين المصايب اللى بقت تتحدف عليا ورا بعضها ومعاملة علاء ليا بيعاملنى كأنى خدامة من ساعة ما اتجوزنا وهو عمره ما عاملنى فى يوم كويس دايما معاملتله ليه ذل واحتقار واهانة .. ده غير تأنيب الضمير اللى انا عايشة فيه توبت وندمت على كل حاجة عملتها قولت يمكن لما اتوب مشاكلى تتحل وبعدين قولت يمكن علشان انتى مش قادرة تسامحينى لغاية دلوقتى ...
ظلت تحدق بها مرام بنظرات مشفقة على حالتها ثم همهمت بهدؤء :
_ هو مش على اساس ان علاء بيحبك بيعاملك كده ليه
شذى بأسى ونبرة بها شئ من السخرية :
_ بيبحبنى ! .. قصدك كان بيحبنى انا دلوقتى معنديش اى ذرة شك فى كره ليا !
اجابتها متسائلة بتعجب :
_ ليه هو حصل ايه ؟!
زرفت عيناها بالعبارات الحارقة ثم بدأت تقص عليها كل شئ ...
فغرت هى عينها وشفتيها بذهول وهى غير مستوعبة ما قالته للتو ثم صاحت بها بانفعال :
_ انتى اتجننيتى ازى تعملى كده معندكيش عقل
هتفت وهى تشهق باكية بشدة :
_ مش عارفة ، مش عارفة انا علمت كده ازى ولما قولت لعلاء كان عندى ثقة انه هايوقف جنبى وهو فعلا وقف جنبى واتجوزنى بش ياريته ما اتجوزنى كان ريحنى من العذاب ده .. مكنتش متوقعة انه قاسى كده لينا سنة ونص متجوزين ومعاملته متغيرتش مع مرور الوقت بقى حبه ليا يتحول لكره وللاسف انا حبيته ....
تنفست الصعداء بتمهل شديد وحزن على حالتها ثم هتفت بنبرة عطف :
_ عارفة ليه ياشذى مشاكلك مش راضية تتحل علشان مش قريبة من ربنا ويمكن كمان علشان ربنا مقبلش توبتك .. انتى فاكرة انه بسبب انى مستمحتكيش لغاية دلوقتى لكن لا ، هو علشان ربنا مش راضى عنك .. انتى لغاية دلوقتى بشعرك وبتلبسى بنطلونات وفساتين قصيرة لغاية الركبة ويمكن بحملات كمان مفكرتيش ليه ان دى اسباب كافية تخلى عندك مشاكل دايما ودايما تخليكى مخنوقة ومدايقة حتى لو مكنتيش عاملة ذنب زى دلوقتى ، اصلا ده فى حد ذاته ذنوب بالهبل .. العيب مش زى ما انتى فاهمة العيب فى بعدك عن ربنا طول ما ربنا راضى عنك كل مشاكلك هاتتحل .. جربى وقرب من ربنا صلى واقرى قراءن واتحجبى كل حاجة هاتتحل بس مش من اول يوم هاتتحل ده بالعكس ممكن مشاكلك تزيد كمان سعتها تعرفى ان ربنا بيختبرك بيختبر توتبك اذا كنتى توبتى فعلا ولا لا وبيختبر صبرك كمان .. وخليكى عارفة ان بيبقى فى حبل بين العبد وربه الحبل ده طول ما انتى متمسكة بيه عمر ما فى حاجة هاتأذيكى انتى فى حماية ربنا اما لو سبتى الحبل عنمرك ما هاترتاحى فى حياتك .. قربى من ربنا اكتر واكتر يكفى انك هاتكونى حاسة براحة نفسية جميلة وهاتيبقى عندك رضا بحياتك وباللى ربنا كتبهولك ايمانك بربنا هايزيد .. فهمتينى ..وبخصوصى انا فا انا مسمحاكى ياشذى ومن زمان كمان وهارجع اقولك كل اللى انتى فيه ده سببه بعدك عن ربنا ....
كانت تنظر لها بنظرات لا توصف كم كانت تحتاج الى تلك الكلمات والنصائح لترشدها الى الطريق الصحيح .. تجمعت الدموع بمقلتيها وانهمرت على وجنتيها غزيرة كالشلال وهى مبتسمة بحنو ثم عاتقتها بشدة وهى تجهش بالبكاء وتهتف ببكاء شديد :
_ شكرا بجد يامرام انا كنت محتاجة الكلام ده فعلا كنت عارفة ان قلبك ابيض وصافى ومتقلقيش هاعمل زى ماقولتيلى
مرام بنبرة دافئة :
_ ربنا يهديكى يارب .. ومتخافيش علاء بيحبك والله وانا واثقة من ده ... وانتى حاولى اقربى منه وتبينله ندمك ومتعادنيش معاه كمان
اطرقت رأسها الى اسفل وهى تتنهد بعمق فأكملت مرام قائلة :
_ وانك تطلعى من البيت من غير اذنه وهو منبه عليكى مش كويس وهايزود المشاكل
صمتت لاحظة ثم هتفت بنبرة استسلام :
_ حاضر هاقوم امشى دلوقتى
انتبهوا الى صوت بكاء ( حنين ) المرتفع فا هبت واقفة على ساقيها وهى تغمغم بابتسامة صافية :
_ حنين صحيت هاروح اجيبها واجيلك
اؤمات رأسها لها بصمت وابتسامة عذبة ..
صعدت مرام الى غرفتها بأعلى فسمعت هى طرق على الباب قوى تقلصت عضلات وجها وهو تضيق عينها ثم وقفت واتجهت نحو الباب وفتحت .....

***

طرقت الباب عدة طرقات بهدؤء فا اتاها صوتها وهى تسمح لها بالدخول .. دلفت الى الداخل فوجدتها منهمكة بدراستها بمجموعة الكتب هذه الذى امامها .. فهتفت بنبرة حانية :
_ جهاد عايزة اكلمك فى موضوع كده
تركت ما بيدها ونظرت لها باهتمام شديد ونظرات حيرة وتمتمت متسائلة بفضول :
_ خير ياماما فى ايه
اسماء بنبرة متريثة وهى تعتدل فى جلستها :
_ خير ان شاء الله .. فى عريس جايلك
بمجرد سماعها تلك الكلمات تنهدت بقوة واشاحت بوجها للجهة الاخرى وهى تتأفف بضيق جلى ..فا اضافت والدتها سريعا محاولة انقاذ الموقف :
_ يابنتى ده راجل كويس واخلاق وأدب ومفيهوش عيب وكمان انتى تعرفيه
حولت نظرها اليه وهى تحدجها بنظرات استغراب و تقطب حاجبيها ، ثم تمتمت بخفوت متعجب :
_ اعرفه !
اسماء بصوت رخيم :
_ ايوه دكتور كريم الى عندك فى الكلية
فغرت شفتيها بصدمة وسيطرت عليها حالة من الصمت القاتل عند سماعها اسمه فا اكملت امها بحنو :
_ ياحبيبتى احنا عايزين مصلحتك عايزين نطمن عليكى لو حصلتلنا حاجة انا ولا ابوكى مش هانطمن عليكى واخوكى دلوقتى بقى متجوز وشايل مسؤلية ... ومش هانغصبك على حاجة برضوا اقعدى من نفسك وفكرى وقوليلى ردك ايه
ثم نهضت من على المقعد وأولتها ظهرها و غادرت الغرفة تاركة اياها بحيرتها وهى تشعر ان زمام الامور جميعها خرجت عن سيطرتها ولكن تذكرت كلمات صديقتها ولأول مرة تفكر بعقلها وليس قلبها وعزمت امرها .....

***

داخل قسم الشرطة ...
صوب له لكمه قوية فى وجه ثم يليها واحدة تلو الاخرى الى ان خارت دماء وجه .. وهو يهتف بنظرات متوعدة :
_ قولتلك هاتتعبنى هاتعبك ولو منطقتش هاقعد اعذب فيك كده لغاية ماتموت
سليم بغضب عارم ونبرة محذرة وهو يضرب بقبضة يده فوق سطح المكتب امامه :
_ ما تنطق يالا احنا هانشحت منك الكلام موراناش غيرك ولا ايه .. قسماً باللهِ العظيم لو مانطقت لابيتك الليلة دى فى الحجز والبسك تهمة من عندى كمان تاخد فيها 15 سنة سجن .. وبكرة تتعرض على النيابة ، هااا ايه رأيك
ظل يحملق بهِ بنظرات مرتعدة وصمت تام فا هتف احمد بنبرة متصلبة :
_ انا شايف انك تنفذ اللى قولت عليه ياسليم
اجابهم سريعاً بخوف شديد :
_ لا لا لا خلاص هاقول والله
احمد بابتسامة إنتصار :
_ جدع تعجبنى .. كده انت بتفهم بلا بقى عايز كل حاجة تعرفها عنه ترصهالى كده وحدة وحدة واياك تخبى حاجة فاهم ولا لا
اؤما له رأسه عدة مرات متتالية برعب جلى ثم بدأ يسرد عليه جميع مايعرفه عن ذلك الذى يدعى ( شهاب ) ..
بعد انتهائه صاح سليم على الصون فا اتى اليه مهرولاً وهو يهتف بنبرة رسمية :
_ نعم ياباشا
سليم بنبرة رجولية خشنة :
_ خده على الحجز
اجابه بدهشة :
_ انتو مش قولتو انى لو قولت كل حاجة هاتسيبونى امشى
قهقه احمد عالياً باستفزاز ثم جلس على الاريكة بهيبة وهو يشعل سيجارته ويتمتم بخفوت مستفز :
_ انا مش فاكر اننا قولنا حاجة زى كده وحتى لو قولنا ، احنا مش اغيبة للدرجة دى علشان نسيبك تطلع واحنا لسا موصلناش ليه وتروح انت تقوله .. هانطلعك متقلقش بس بعد ما نوصل ل *****
حدجهم الرجل بسخط شديد ونظرات مشتعلة ثم جذبه الصون الى خارج الغرفة متجهاً بهِ نحو السجن كما امره ....

***

ابتعلت ريقها بتوتر بسيط عندما رأته يقف امامها كالجبل الشامخ يكاد يفترسها بنظراته .. ساد الصمت لفترة وجيزة ثم جذبها من زراعها بشدة اليه ولف زراعها خلف ظهرها وهو يتمتم بالقرب من اذنها بخفوت مرعب :
_ انا قولت ايه ياشذى امبارح هااا ....
اغمضت عينا بألم وهى تقاوم الدموع المتجمعة بمقلتيها وتتسابق على السقوط ...
وجد هو من يزيح يده عنها بحدة و تقف امام شذى وهى تفصل بينهم وتهتف بنبرة هادئة :
_ شذى كانت جاية تشوفينى وماشية تانى ياعلاء
علاء بحزم :
_ وتاجى تشوفك ليه انتو من امتى بتطيقوا بعض
مرام بنبرة صارمة :
_ مين قال كده انا سمحتها على كل حاجة من زمان ومفيش اى حاجة بينا دلوقتى
اجابها وهو يصر على اسنانه باستياء شديد :
_ انتى بتحميها منى يعنى يامرام !
مرام بنظرة قوية :
_ لا بس دى الحقيقة وهى كانت مخنوقة شوية وجات تفضفض معايا مفيعاش حاجة يعنى
حك ذقنه بضجر واضح وهو يتمتم :
_ اهاا كانت مخنوقة ...
ثم حول نظره اليها وهتف بغطرسة واضحة :
_ وياترى لما اتكلمتى وفضفضتى ياهانم ارتحتى دلوقتى
ظلت تحدق بهِ بنظرات مرتعدة وهى متشبتة بملابس مرام بقوة وكأنها تستمد قوتها منها ثم هتفت بنبرة صارمة :
_ انت مش هاتحبسنى فى البيت انا اطلع زى ما انا عايزة
عض على شفاه السفلى وهو يحاول السيطرة على انفعالاته وجموح غضبه ، ثم تمتم بنبرة خافته تحمل القليل من التحذير :
_ طيب اطلعى قدامى يلا وفى البيت نبقى نكمل كلامنا
شذى بنبرة متحدية :
_ لا مش رايحة معاك مكان
التفتت لها مرام بجسدها وهى تتمتم بنبرة هامسة لم يستطيع سماعها هو :
_ شذى انا قولتلك ايه الامور هاتتعقد اكتر روحى البيت وكل حاجة هاتتحل بأذن الله
حدقت بها بنظرات مستسلمة ثم حولت نظرها اليه وهى ترمقه بنظرات مشتعلة وجذبت حقيبة يدها من على المقعد وودعت مرام وتقدمت امامه تجاه السيارة ثم تبعها هو ... تنفست هى الصعداء ثم زفرته على عجالة وقبلت ابنتها من وجنتيها بحنان وتذكرت زوجها فقد اشتاقت له منذ ليلة امس لن يأتى المنزل .. امسكت بهاتفها المحمول وضغطت على عدة ازرار متتالية بعشوائية ووضعت الهاتف على اذنها تنتظر الرد ولكن لم يجيبها انزلت الهاتف عن اذنها بخزى ممزوج بحزن .. ثم سمعت طفلتها تهتف بصوت طفولى :
_ بابا
اجابتها بنبرة مغتاظة :
_ بابا مش بيرد عليا استنى بس اول مايرجع ويشوف اللى هايحصله
حملقت بها الطفلة بنظرات غير متفهمة فا اخذت هى تدغدغها بمرح فتعالت ضحكات الطفلة وهى تضحك بسعادة شديدة .....

***

فى مساء ذلك اليوم ....
خرج من غرفة صديقه فى المستشفى بعد ان اطمئن عليه بزيارته له وقبل ان يدلف الى خارج المستشفى بأكملها لفت انتباهه تلك الاصوات المرتفعة وكأنه شجار بين احدهم التفت خلفه الى مصدر الصوت ليقضى على دافع فضوله عندما سمع صوت فتاة مألؤف عليه وهى تصيح قائلة بنبرة واضح عليه السخط الشديد الممزوج بالقلق :
_ يعنى ايه الفلوس الاول وبعدين تسعفوا المريض هى دى مستشفى انا معيش المبلغ كامل حالياً تسيبوا المريض يموت علشان خاطر الفلوس يعنى
اجابتها الممرضة ببرود مستفز :
_ اسفة يا انسة بس هى دى التعليمات المبلغ الاول حتى اننا نقدر نسعف والدة حضرتك .......

_يتبع ......  

شموخ انثى  (الجزء الثانى) -  الكاتبه ندى محمودحيث تعيش القصص. اكتشف الآن