الفصل السادس والعشرون

15.7K 1.3K 179
                                    

#ريو:

صوت طنين بالقرب مني أخرجني من نومي العميق، كنت أسمعه وكأنه قادم من بئر قديمة لكن بخروجي التدريجي من حالة اللاوعي أصبح الصوت أقرب إليّ.

ولم يكن طنينا، بل صوت أحدهم يدندن أغنية هادئة بجانبي.

استرجعتُ بقية حواسي فشعرتُ بأنامل تلامس صدري بخفة فوق قلبي تماما، متزامنة مع ذلك اللحن المألوف. شعرتُ أيضا بأنفاس دافئة تلفح عنقي مُرسِلة قشعريرة في جسدي، من النوع الجيّد الذي يجعل الروح ترتجف مترجّية المزيد منه.

"ألن يستيقظ ملاكي ذو الأجنحة الزرقاء بعد؟"
نبرة متذمرة طفوليّة تلتها قُبلة طُبعت على فكِّي ببطء.

تلعثم قلبي، تسارعت نبضاته لدرجة أنني أصبت بالاختناق لوهلة. وحين أخذتُ نفسا طويلا أحاطتني رائحة كنت مدمنا عليها، بل لن أتخلص من إدمانها ما دمتُ حيّا.

فتحتُ عينيّ لأتأكد أن عقلي لا يلعب بي مجددا، مثلما يفعل منذ قُتِلتْ توأم روحي.

"وأخيرا!"
تكلّمتْ وحركت يدها اليمنى ليرتاح كفها على خدي، بينما تصلّبت جميع عضلاتي من صدمة رؤية وجهها دائم الابتسام.

"ليلي؟!"
نطقتُ بصوت لم يشبه صوتي كثيرا، لكن لحسن حظي أن حلقي كان جافا وإلا لكان لعابي يسيل جراء الصدمة.

"أجل، ليليان إنشانترز في خِدمتك"
أرتني خاتم خطوبتنا على بنصرها ببسمة أشد ابتهاجا من فصل الربيع ثم حملت كوب ماء وقرّبته مِني.

بدل أن أشربه، سكبتُه على رأسي لأتأكد أنني لست أحلم أو أهلوس. كان باردا ومنعشا، أفضل طريقة لأعلم أن فتاتي قد عادت لي فعلا.

حضنتها إليّ رغم بلل ملابسي وأخفيتُ رأسي بين خصلاتها الكستنائية، ضحكتها العذبة كانت دليلا على أنها لم تمانع وكذلك لفّها لذراعيها حول كتفيّ بإحكام.

"كيف!؟"
نظرتُ إلى وجهها قليلا ومسحتُ دموعها بينما قامت هي بالمثل لي.

"لم أمُت، أحدهم ألقى تعويذة تجعلني أبدو كذلك. أمّك وجدت طريقة لكسرها باستعمال دماء ساحرة ومستذئبة"
مرّ طيف ألم في عينيها العسليتين ثم استبدلته نظرتها المرحة.

"كانتا ذوات فائدة في الأخير..."
تمتمتُ وضممتُها مجددا.

أمضينا بضعة لحظات في تلك الوضعية نستمتع بنعمة وجودنا مع بعض إلى أن جاءت أمي لتطمئن عليّ.

"منذ متى وأنا غائب عن الوعي؟"
سألتُ أمي التي كانت تبتسم كأنها تتذكر شيئا طريفا.

"بضعة ساعات فقط، إنه وقت العشاء الآن. الأفضل أن تُسرع فهناك مفاجأة أخرى"
تشاركتْ نظرة مع ليليان ثم غادرت.

استغربتُ قليلا لكنني طبعتُ قبلة مطوّلة على خدّ خطيبتي وارتديت ملابسا جافة ثم أخذتُ يدها وسرنا معا إلى طاولة العشاء.

كانت العائلة بأكملها مجتمعة هناك، حتى هايدي ولويس عادا. إلا أن الجوّ كان مشحونا بعض الشيء.

كايتلين ونيكولاي كانا يتجنبان النظر في إتجاه بعضهما تماما، بينما البقية يراقبونهما ويتبادلون إبتسامة غريبة.

أخذتُ مقعدا بجوار نيكولاي وليليان بجانبي، ونكزتُه بكوعي حتى أشد انتباهه لي.

"ماذا يحدث هنا؟!"
همستُ له لكن الجميع سمعني على الأرجح.

نظرت إلينا كايت، بدت كأنها بانتظار أن يلاحظها أو أن يقوم بأي رد فعل تجاهها.

"لقد شبِعت"
تجاهلها تماما وتحرك بخطوات أشبه بالهرولة إلى خارج البيت.

أخفضتْ كايتلين رأسها وقد امتلأت عيناها بالدموع ثم دفعت كرسيها وغادرت إلى غرفتها مسرِعة.

تنهدت لونا سامنثا ثم رمت شوكتها على زوجها الذي تجنبها في آخر لحظة.

"كله خطؤك!"
أشارت له باتهام ثم عادت لطعامها.

"خطأي؟! ماذا فعلتُ أنا بحق السماء؟"
صاح مستغربا وراقبها بحذر أكثر.

"لأن ابني ورث جينات الحماقة منك"
فسرتْ له بجدية.

ضحكنا كلنا بصمت قبل أن يزمجر ذئبه ونتظاهر بالبراءة. رغم أنني لم أفهم ما يجري بعد...

"سآخذ بعض مسكنات الألم لابنتي، لتهتما أنتما بنيكولاي"
نهض البيتا ماركوس وزوجته.

"سيرجيو، مستعد لمهمتك التالية؟"
تكلم الألفا وهذه المرة طارت نحوه قطعة خبز.

"لقد قام بما يكفي من المهمات، دعه يرتاح"
أخبرته زوجتُه بحزم وهي تنظر لـ سيرجيو بامتنان.

قبل أن يقترح أن أقوم أنا بالمهمة، استدرتُ لـ ليليان وأطعمتها من طبق البطاطا المهروسة.

"أنا سأتحدث معه"
تطوع لويس ثم أنهى صحنه بسرعة وركض خلف شقيقه.

"ألن يخبرني أحدكم ماذا حدث!؟"
تذمرتُ لأمي.

"كايتلين ونيكولاي أصبحا توأما روحيا"
أجابني أبي أخيرا فاختنقتُ في شرابي.

"كيف هذا؟!"
سألتُ بعد أن خرج الماء من قصبتي الهوائية.

"كلاهما فقدا توأمهم، لكن ذئبة كايت لم تتعرف على ذئب ستيفن لذا لا تربطها به أي رابطة وبما أنه كان أول ذئب بلا توأم تراه فقد تعلقت به. كما أن كايت تُكِنّ له مشاعرا من قبل وهذا شجع ذئبتها على التعلّق به"
شرحت لي أمي فشردتُ لبضعة ثواني أستوعب الأمر.

"وماذا عن نيكولاي؟"
سألتُ مجددا حتى أستوضح المشكلة هنا.

"ذئبه كان متعلقا بـ كاساندرا وهو يتألم لفقدانها لذا يجد صعوبة في تقبل كايت"
أضافت لونا بنبرة منهكة.

نعمة هي عدم كوني مستذئبا، فلا يمكنني تخيل صعوبة أن يكون لديك وعي آخر بداخل رأسك يشاركك مشاعرك ويتحكم فيها أحيانا. أشبه بضمير نشط فوق القدر الطبيعي.

لكنني أثق أن هذه المشكلة لن تدوم طويلا، من العمى عدم ملاحظة اهتمامهما ببعضهما. أمنحهما مهلة يومين قبل أن نضطر كلّنا لترك المنزل بسبب صخبهما...

نيكولاي | NICOLAI حيث تعيش القصص. اكتشف الآن