الفصل السابع عشر

16.4K 1.4K 145
                                    

#كايتلين:

جميع أطرافي كانت باردة، وكأنني أغرق في بركة متجمدة.

كنتُ أسمع أصواتا من حولي، شِجار ما إن كانت النبرة الغاضبة والصراخ أيّ دليل. لكنه لم يكن بإمكاني استيعاب ما يقال بينه.

ولم أرِد ذلك.

لذا استسلمتُ للتعب وتركتُ عقلي يغوص في اللاوعي من جديد علّهم يكونون قد هدأوا حين أستيقظ.

-----

استرجعتُ أحاسيسي قليلا فلاحظتُ الهدوء هذه المرة، ما شجعني على محاربة التعب الذي سيطر على عضلاتي.

شيئا فشيئا استطعتُ تحريك أطرافي ثم فتحت عينيّ لغرفة مظلمة، لم أنهض من سريري وحاولتُ تذكّر كيف جئت إلى هنا لكن ذلك جلب لي صداعاً حاداً.

أمسكتُ برأسي فوجدتُ شاشا ملفوفا حوله. قبل أن أنادي على أحدهم ليأتي ويُفسّر لي ما جرى، انفتح باب غرفتي ليدخل نيكولاي متسللا.

"استيقظتِ قطتي؟!"
صاح في همسة سعيدا وأسرع إليّ ليضع يديه على وجهي ثم يحضنني إليه بقوة.

"أنتَ تؤلمني!"
تذمرتُ بصوت باكي رغم عدم تسببه بأي ألم، فقط لمستُه جعلتني أرغب في التقيؤ والابتعاد عنه قدر الإمكان.

"تبا! أنا آسف، قطتي. لم أقصد!"
اعتذر مرارا وتكرارا ثم تركني وعدّل من وسادتي وغطّاني جيدا ثم ابتعد عني قليلا.

لم تكن تلك المسافة كافية، فمازلتُ أريده بعيدا عني أكثر.

"أين سيرجيو؟"
سؤالي قلب مزاجه من متوتر إلى غاضب في جزء من الثانية.

"ولماذا تسألين عنه؟!"
ردّ بنبرة متحكّمٍ بها لكن صوته انكسر مع البداية.

سؤاله وجيه فعلا، حتى أنا لا أملك إجابته.

"ليس من شأنك"
أجبتُه ببرود وأشحتُ بنظري للسقف حتى يزول الشعور بالغثيان الذي يراودني عند رؤية وجهه.

"حـ... حسنا إذا"
همس بهدوء وغادر.

لم يمرّ وقت طويل ودخلتْ عائلتي وسيرجيو ليطمئنوا عليّ، رفقة كاساندرا أيضاً.

"صغيرتي!"
احتضنني أبي أولا فتشبثتُ به بكل قوتي مستعدة للعيش بين ذراعيه فقط لأشعر بذلك الأمان التام.

انضمّت إلينا أمي فبدأتٌ أشعر بضيق التنفس لكنني لم أُفلت كليهما.

"تبا، لم أنتٍ باردة هكذا!"
علّقتْ أمي وهي تمسح على جبهتي.

"سأُحضر لها شراب الشوكولا الساخن"
تطوع سيرجيو بابتسامة دافئة فرددتها له.

"تسرنا عودتك سالمة"
حضنتني لونا سامنثا بقوة أما الألفا فاكتفى بالتربيت رأسي بابتسامة.

لويس بقي واقفا بجانب الباب وينظر إلى السجادة بتمعن كأنها تحمل أسرار الكون.

"لويس؟ أتخجل مني الآن؟"
مازحتُه فنظر إليّ بعينين دامعتين ثم خرج مسرعا.

"لا يزال في صدمة من ما حدث لك"
فسر الألفا جوش ثم لحق بابنه.

كاساندرا كانت هادئة خلال كل هذا ثم فجأة انتابتها نوبة هستيريا ورمت نفسها فوقي تُقبّل وجهي وتردد مدى قلقها عليّ.

بادلتها الحضن وهدّأتُ بكاءها ثم فصلها عني أبي حتى أشرب الشاي الذي جاء به سيرجيو.

"نيكولاي أخبرني أنكِ تفضلين الشاي"
وضع يده فوق يدي على الكوب الدافئ للحظات ثم غادروا جميعا لأن الوقت متأخر.

________

مرة أخرى كان نيكولاي أول من أراه عند استيقاظي.

"صباح الخير، قطتي"
وضع صينية عملاقة على سريري بها أطباق متعددة لكن شهيتي انغلقتْ بسبب وجوده.

"لا أشعر بالجوع"
أخبرتُه باختصار ثم نهضتُ لأدخل حمامي الخاص.

حين انتهيتُ من الاغتسال وجدتُ سيرجيو بانتظاري بدل نيكولاي.

"كيف حالكِ؟"
لم أُجبه بل عانقته بقبضة أناكوندا لأنه لم يسنح لي ذلك البارحة.

توتر للحظة ثم ضحك ومسح على ظهري بلمسة ناعمة.

"تناولي فطورك بسرعة، لويس يريد رؤيتك"
وجّهني إلى الصينية وأجبرني على الجلوس أمامها فبدأتُ آكل وأتمنى لو كنتُ أخطبوطا لأتمكن من إدخال طعام أكثر إلى فمي دفعة واحدة.

"ألن تأكل؟"
تذكرتُ أن أسأله حين أنهيتُ نصفه.

"لستُ من كان في غيبوبة ليومين"
تكلمَ بنبرة جدية فعلقت قطعة خبز في حلقي لكن منقذي كان سريعا بإعطائي كوبا من الماء.

"يومان!؟ ماذا حدث؟"
تمكنتُ من التحدث أخيرا بعد أن توقفتْ نوبة السعال.

"أنتِ أدرى بما حدث. وجدناكِ في الغابة في بركة من دمائك ويبدو أن رأسكِ تعرض لضربة قوية"
أجاب ومسح بلطف على الشاش الذي يلف رأسي.

لم يكن يؤلمني كثيرا، فقط إحساس طفيف بالوخز. لابد أن أمي استعملت إحدى تعاويذها عليّ.

"لا أذكر ذلك... كنتُ أتجول في الغابة فحسب ووجدتُ شيئا لا أدري ماذا ثم استيقظتُ هنا"
استرجعتُ ذكرياتي قليلا لكنها كانت بها الكثير من الفجوات.

"ألم تجدي كاساندرا مثلا؟"
استفسر بارتياب.

"لا، البتة. إنها طيّبة أكثر مما تظن"
أسكتتُ شكوكه التي لا محل لها وأنهيتُ فطوري في هدوء.

"سنجد من فعل هذا بك"
أحاط كتفي بذراعه الضخمة ثم سرنا معا إلى غرفة المعيشة.

الصغيرة هايدي كانت هناك رفقة لويس الذي كان يُلاعبها مثلما لم أره من قبل. أخذها سيرجيو منه ليُجبره على النظر إليّ لكنه همّ بالخروج كأنّ ذيله يشتعل.

وقفتُ في طريقه وأمسكتُ به ودفعته على الأريكة، رغم أنه أطول مني قليلا.

"كفّ عن الهرب مني يا ولد!"
جلستُ فوقه وشغلت التلفزيون مُتظاهرة بمتابعته إلى أن شعرتُ بـ لويس يحضنني.

"أهلا بكِ"
تمتمَ بصوتٍ خافت ثم ابتسم وتابع البرنامج السخيف معي.

مرّت لحظة هدوء كسرها انغلاق أحد الأبواب بقوة ثم قهقهة سيرجيو.

نيكولاي | NICOLAI حيث تعيش القصص. اكتشف الآن