الفصل السادس

20.6K 1.7K 167
                                    

#نيكولاي:

معدتي تهضم عمودي الفقري.

ذلك التفسير الوحيد للأصوات الغريبة الآتية منها، أعتقد أن حتى الكائنات الفضائية بإمكانها سماعها الآن.

لسوء الحظ لم تبقى لديّ طاقة لأنهض وأُحضر شيئا لأُسكت كل تلك الضوضاء. لذا سأنكمش على نفسي إلى أن يأتي دور قلبي وأنتهي من هذه الحياة البائسة.

"لا إهانة أخي، لكن رائحتك تُفقدني شهيتي. الحمام ليس بعيد! ارحمنا رجاء"
جاء صوت لويس الدرامي من السرير الآخر في الغرفة.

زمجرتُ عليه -حاولت ذلك- لكن كل ما خرج كان أنينا ضعيفا. ضعيف كجرو، هذا ما آل إليه الألفا نيكولاي آيزاك سانييتي؟!

والدي كان ليُصاب بسكتة قلبية إن رآني هكذا.

"أنت أسوء أخ رأيته"
تكلم سيرجيو بنبرة منزعجة ثم سمعتُه يتحرك ليصبح في مرأى نظري ومعه فطيرة مُحلاة تقطّر عسل مدها إليّ بابتسامة مشجعة.

النظرة في عينيه أظهرت أنه يعرف كل شيء، نظرة حكيمة.

أمسكتُها منه بيد مرتجفة وأخذتُ قضمة صغيرة. لم يبتعد سيرجيو وبقي يراقبني، مُستعد لإطعامي بنفسه على ما يبدو.

"كفّ عن تدليل مؤخرته الكسولة، بإمكانه الأكل بمفرده"
قاطع لويس لحظة استمتاعي بوجبتي ليرمقه سيرجيو بنظرة حادة مخيفة ثم رفع قبضته وضرب كف يده يطلب الإذن بإفقاد أخي لوعيه مجددا.

أومأتُ له رأسي فتقدم نحوه بابتسامة جانبية، لكن رنة هاتفي أوقفته. أخرجتُه من أسفل وسادتي لأجد أن المتصل هو أمي، كما توقعت.

حاستها السادسة لا تزال تعمل...

"صباح الخير، أمي"
تصنعتُ نبرة سعيدة واعتدلتُ في جلستي.

"ما الجديد؟ هل وجدتها؟!"
ردّت متحمسة... وكأنها تُضيف الملح للجرح.

"لا... ليس بعد، سأواصل البحث"
لم أُرِد أن أُشعِرها بالسوء لذا كذبتُ عليها.

"اوه لا بأس، أخبِر صديقك أنه مُرحّب به في قطيعنا"
تكلمتْ بحنان فتساءلتُ كيف علمت بأمره.

نظرتُ إلى لويس فوجدته يبتسم لنفسه في فخر -ومن غيره-.

"أرسلت لها رسالة نصية البارحة"
أكد شكوكي وواصل تناول فطوره.

"شكرا لونا، لكنكِ لست مجبرة على..."
بدأ سيرجيو متوترا فقاطعتْه.

"لا مشكلة! لطالما أردتُ تكوين عصابة بأولادي ولا يمكنني ذلك بابنين فقط. لذا الأفضل أن تبتكروا اسما مثيرا قبل أن تعودوا!"
جعلني حلم أمي أبتسمُ قليلا، وحتى سيرجيو كذلك لكن خاصته كانت أوسع.

"أخبرتكم أنها مجنونة"
صدر صوت العم ماركوس ثم ضحِك العمة أوليفيا.

"إلى اللقاء صغاري، اعتنوا ببعضكم جيدا. سأذهب لتلقين الجرو المزعج درسا في الآداب"
أغلقنا الخط ليعُم الصمت.

إن كنتم تعتبرونه صمتا بوجود ضوضاء محرّك مُخرّب يعمل بالمارشميلو الدبقة التي يُصدرها لويس عندما يأكل.

"تناول لمزيد"
أعطاني سيرجيو طبقا مملوءً بالبيض والفطائر فأكملته في ثانيتين.

استعدتُ قدرتي على الحركة لكن ليس رغبتي في ذلك. أُفضّل النوم على فعل أيّ شيء.

أغمضتُ عينيّ وبدأت أغفو لكن صدى صوتها جعلني أدلّك صدري أملا في تخفيف الألم الحاد.

"لا أريد مسخا مشردا مثلك. أنا كاساندرا دالتون، أرفضك أيا من كنت كتوأمي الروحي"

تكررتْ كلماتها في عقلي إلى أن اجتاحتني رغبة في التقيؤ فركضتُ إلى الحمام وضربتُ الباب ليُغلق خلفي، ثم أفرغت فطوري الذي لم تسنح له فرصة الاستقرار في معدتي حتى.

حين لم يبقى شيء، غسلتُ وجهي وشردت في يديّ المرتجفتين.

نظرتُ لإنعكاسي في المرآة فشعرتُ بالاشمئزاز مجددا. من قد يريد البقاء مع مسخ مثلي؟... طبعا لا أحد.

حاولتُ التكلم مع ذئبي لأنه كان هادئا أكثر من العادة لكنه وضع جدارا بيننا. إلا أن ذلك لم يمنعني من الشعور بألمِه.

يا ليت اللعين الذي تسبب لي بتلك الندبة لا يزال حيا، حتى أفشي فيه غليلي وأمزقه أشلاءً ثم أطعمه للقطط!!

رفعتُ قبضتي وضربت المرآة اللعينة فانكسرت لتجرح يدي. استقبلت الألم بصدر رحب، على الأقل سيُنسيني وجع قلبي.

"نيكولاي!! هل أنت بخير؟!"
جاء صوت لويس من الجهة الأخرى من الباب.

"بأفضل حال!!"
أجبته بسخرية وغسلت الدماء من على يديّ بعد أن إلتأمت الجروح.

جذب نظري السوار الأخضر على رسغي الذي أعطتني إياه كايتلين فتذكرتُ ما علمتني إياه حين كنا صغارا وضحِك زملائي على ندبتي.

"أنت مميز عنهم، إنهم فقط يشعرون بالغيرة من بطلي"

وهل هناك ما يغارون منه أصلا؟!

-------

وصلنا إلى آخر قطيع في القارة. تظاهرتُ أنني مازلت أبحثُ عن توأمي الروحي وحضرتُ حفلتهم لبعض الوقت ثم أبلغتهم أنها ليست بينهم وغادرتْ

سبق أن قررتُ أنني لن أعود إلى المنزل بعد، سأُخبر عائلتي أنّ هناك أماكن أخرى لم أزرها. وفي الحقيقة سأكون في الأراضي الحيادية.

لويس ستعجبه فكرة التجوّل لوقت أطول رغم أنه لا يعرف دافعي، لم ولن أخبره بما حدث. أما سيرجيو فهو لسبب ما يفهم تصرفاتي ولن يمانع ذلك.

لذا سأحاول نسيان تلك العاهرة بكل ما أوتيت، رغم أنني أشعر بها كلما كانت مع لعين جديد كل ليلة...

نيكولاي | NICOLAI حيث تعيش القصص. اكتشف الآن