الفصل الثامن

20.1K 1.7K 141
                                    

#نيكولاي:

الخوف.

ذلك كان الشعور الأول الذي راودني حين خرجتْ تلك الكلمات من فم عمي كودي. خوف على عائلتي وعلى قطيعي.

ثم تدخلت غريزة الألفا فتحول إلى شعور عارم بالغضب .

أطلق ذئبي زمجرة عالية وكاد يسيطر على جسمي ليركض كل المسافة للعودة. قاومته بصعوبة وأسرعتُ إلى سيارتي ولويس وسيرجيو خلفي ثم قدت كمن خرج لتوّه من مصحة عقليّة.

الطريق التي أخذتها كانت غير معروفة للكل، لذا لم أحصل على أية مخالفات ووصلتُ في وقت قياسيّ.

حين تجاوزنا الحدود شعرت بغيمة الكآبة التي تحيط بأرضنا. كانت هناك غيمة فعلية رمادية كبيرة، لكنها لم تدرّ المطر بل جعلت الجوّ خانقا فقط.

بدا الأمر وكأن الطبيعة أيضا حزينة على المفقودين.

وصلنا إلى منزلنا فكان العمّ كودي وزاك أول من دخل ثم لويس في حين بقيتُ أنا في السيارة آخذ أنفاسا عميقة لتهدئة ذئبي، أو الأجدر بي، القول أفكاري المظلمة التي تحاول إقناعي أن كايتلين قد تأذت...

أيقظني منها سيرجيو بلكمة إلى كتفي ثم أشار الى نافذتي حيث كانت العمة أوليفيا تلوّح.

ارتحتُ حين رأيت ابتسامتها العريضة لا يُعقل أن تبتسم هكذا إن كانت ابنتها متأذية، أليس كذلك؟

"أنا أتجمد هنا وأنت تغازل المقود يا فتى!؟"
ما إن فتحتُ الباب حتى جاءتني ضربة على مؤخرة رأسي، لحسن حظي أنها ليست مستذئبة وإلا أصابتني بارتجاج.

"أعتذر عمتي أوليفيا، اشتقتُ لكِ"
دلكتُ مكان الضربة وحضنتُها.

"جرو مشاغب، اشتقنا لك جميعا. هيّا اسرع وادخل"
بادلتني الحضن ثم انحنتْ لترى سيرجيو الذي لم يتحرك من مكانه بعد.

"أنت أيضا"
أضافت العمة أوليفيا بابتسامة دافئة وقادتنا إلى المنزل.

استقبلتنا رائحة بسكويت محترق وصراخ العم ماركوس.

"كم مرة عليّ أن أخبركِ ألا تستعملي الفرن بمفردك؟!"
بدا غاضبا بحق.

"أردتُ أن أُعِدّ شيئا بمناسبة عودة صغاري، هل هذه جريمة!؟"
صاحت أمي من المطبخ فتبعنا صوتها.

"نعم، حين يكاد منزلنا أن يحترق!"
أجابها بصوت عالٍ جعل أذني تؤلمني لثانية.

وجدنا لويس والتوأمين أمام الباب يتجسسون بصمت فانضممنا إليهم. العمة أوليفيا تنهدت لكنها لم تدخل كذلك.

"كفّ عن الصراخ عليّ!!"
تكلمت أمي بصوت منكسر .

تقدمتُ نحوها لكنني توقفتُ حين حضنها العم ماركوس واعتذر بصدق.

"هذان والداك؟"
سأل سيرجيو مستغربا من المشهد أمامه.

"اللعنة، لا! ذلك زوجي أنا"
أجابته العمة أوليفيا مرتعبة ودخلت أخيرا فتبعناها جميعا.

لاحظتُ عندها الزاوية السوداء من المطبخ، أين كان الفرن.

"صغاري!!"
قفزت أمي إلينا وحضنتنا... حاولت ذلك، فقد كنّا خمسة رجال أطول منها.

"لسنا صغارا"
بدأ كودي.

"نحن في الخمسة والعشرين ومتزوجان!"
أكمل زاك.

"مملان... أهلا بك للعائلة سيرجيو"
دفعتهما بعيدا وركزت انتباهها على صديقي الذي كان متجمدا من فعل الصدمة.

"ش...شكرا لونا"
نطق أخيرا فاستدارت إليّ بعينين ذهبيّتين.

تراجعتُ خطوة إلى الوراء ولويس اختبئ خلفي.

قبل أن تبدأ بمعاتبتنا دخل أبي بوجه متجهم وأحاط خصرها بذراعه. وكالسحر، عادت عيناها للونهما الطبيعيّ واسترخت عليه.

تلك فائدة أن يكون والداك مغرمان ببعضهما لتلك الدرجة.الجانب السيء هو أنني لن أحصل أبدا على مثل ذلك الحب...

"مراسيم انضمامك للقطيع ستتم غدا. قد تجلب بعض البهجة لحفرة الجحيم هذه..."
مد أبي يده ليصافح سيرجيو لكنه تمتم الجزء الأخير لنفسه.

نظرتُ حولي مُنتظرا أن تقفز قطتي من مكان ما في محاولة فاشلة لإخافتي كعادتها، لكن لم يكن هناك أثر لها.

"أين كايتلين؟"
سألتُ لأقابل بالصمت.

جديّا، جميعهم توقفوا عن التنفس للحظة وكأنني اعترفت لهم أنني حصان مجنح. ثم كسر الصمت بكاء العمة أوليفيا في صدر زوجها الذي كان يقاوم دموعه هو الآخر.

"ماذا حدث لها؟!"
سألتُ مجددا بصوت أعلى.

"أنا سأخبره، تعال معي"
زفرت أمي نفسا عميقا ثم أمسكت بيدي وأخذتني إلى غرفتي.

جلسنا على حافة سريري ليعم الصمت مجددا، ذلك باستثناء خفقان قلبي الذي يكاد يخرج من صدري.

"أمي أنتِ تقتلينني ببطء، أخبريني بما حدث لقطتي"
نبرة صوتي كانت يائسة.

"إنها بخير... جسديّا، لكن ليس روحيّا"
شددت أمي قبضتها على يديّ المرتجفتين ونظرت في عينيّ بخاصتها الدامعتين.

"ماذا تقصدين!؟ ماذا أصابها؟"
انتابني الذعر للمرة الثانية ذلك اليوم لكنه كان أعظم بكثير.

"ستيفن كان أحد المقتولين..."
أجابت بهمسة مرتعشة.

"ك... كيف هذا؟! إنه محارب جيد وتجري في عروقه دماء الغاما!!"
وقفتُ من مكاني وبدأتُ أسير في خط مستقيم ذهابا وإيابا من شدة الصدمة.

"كان برفقة أخته الصغرى، جدته ووالده في نزهة بالقرب من الجبل بمحاذاة الحدود. أحدهم باغتهم بهجوم وحين وصل والدك وعمك ماركوس بعد أن أرسلتهما كايلين كان قد فات الأوان ولم نجد الرضيعة أيضا"
فسرت أمي وهي تدلّك جبينها وتنظر الى السجادة الرمادية.

وقفتُ أنا هناك أنظر إليها فاقدا لصوتي لبضعة دقائق ثم انتفضت وركضتُ إلى الباب.

يجب أن أكون مع كايتلين!!

أن يرفضك توأمك شيء وأن يموت توأمك شيء آخر تماما. لاسيما إن كنتَ قد شعرتَ بالألم الذي مر به قبل أن يحظى براحة الموت أخيرا.

معظم الناس لا ينجون من هكذا مواقف لأنه لا يمكنهم العيش بنصف روح، لذا يختارون الانتحار. وأنا أنانيّ بما يكفي حتى لا أسمح لـ كايتلين بتركي في هذا العالم المظلم بمفردي.

نيكولاي | NICOLAI حيث تعيش القصص. اكتشف الآن