حثيث - ١٧ نيسان ٢٠٢٣

11 0 0
                                    

انتهى يوم إرضاء الزبائن وإرضاء سادية (رعاع) وعدنا إلى غرفنا. كانت مهاجعنا في الطوابق التي تعلو المركز التجاري، وكانت أقذر مهاجع يمكن لأي إنسان تخيلها. غرف صغيرة تحوي كل واحدة منها على سرير وخزانة صغيرة لنضع فيها ملابس العمل، بالإضافة لمنضدة صغيرة بجانب السرير وضع عليها مرؤوسنا القميء ساعات منبهة كي نستيقظ متنشطين قبل بدء ساعات عملنا بنصف ساعة، نذهب لغرفة الإطعام المكتظة دوماً، فقد كان كل الموظفين يتناولون طعامهم فيها في وقت الوجبة اليومية الفقيرة، ومن ثم نذهب إلى العمل. بالطبع، لم يكن في غرفنا نوافذ، وبالطبع، كانت لهذه الفكرة أسباب سادية أيضاً. أرادنا (رعاع) أن ننام ونستيقظ حسب جدوله هو بدلاً عن جدول الطبيعة المكون من شمس وقمر، نهار وليل. كان يضيء الأنوار عندما يريد أن نستيقظ، ويطفئ الأنوار عندما يريدنا أن ننام، وبما أنه قد أخذ هواتفنا المحمولة عند توقيعنا العقد، لم يكن لدينا أي طريقة لنضيء بها غرفنا ونبقى مستيقظين، وبهذا أصبحنا عبيده بشيء إضافي، وهو برنامجنا اليومي.
ولكن، كان هناك شيء مختلف في الغرفة بعد عودتي من يومنا المتعب. لسبب ما، توقفت الساعات عن العمل. تلك الساعات المنبهة المزعجة. لقد كان وجودها وتكّاتها تذكرني دوماً باللحظات التي تمر عبثاً من حياتي، وتشعرني وكأنني في سجن مكوّن من ١٠٠ طابق. نظرت للساعة لبضعة دقائق، وفكرت أنه من واجبي تنبيه أحد المسؤولين بحال كانت ساعتي قد توقفت عن العمل. خرجت إلى الممر، ووجدت (عاجل) يقف خارجاً وقد أضاء لفافة تبغ.
- ليش واقف هون؟
- أهلين (حثيث). فكرتك نمت.
- لا، ما قدرت نام قبل ما شوف شو قصة الساعة.
- ساعتك واقفة كمان؟
- يه. ليش أنت ساعتك كمان واقفة؟
- أي. قلت هلأ بيجي شي واحد من المسؤولين وبقلو.
- طيب بلكي مو بس الساعة يلي واقفة؟
نظر إليّ (عاجل) باهتمام، فقد كانت عيناه مثبتتان على الجدار منذ بدء محادثتنا.
- شو قصدك؟
- والله يا (عاجل) عم فكر أنو بلكي الوقت يلي واقف؟
- وليش ليوقف الوقت؟
كان سؤال (عاجل) منطقياً للبشر الطبيعيين، ولكننا كنا في وضع يبعد عن الطبيعي كثيراً. بعد توقيع العقد، أصبح لدى كل واحد فينا قوى خارقة. كان صاحب المجمع التجاري الذي نعمل به جميعاً كائناً هلامياً مقرفاً، وكنا جميعاً نخافه. لم سيكون توقف الوقت موضوعاً غريباً؟
- ليش لما يوقف الوقت؟ شو حاسس هلأ يا (عاجل)؟
- ما بعرف. كأني مالل بعد العجقة كلها.
- هاد جواب سؤالك. بعد كل عجقة وضوجة عالم، طبيعي نحس بالملل. بالعادة بيكون مللنا طبيعي، فبيمرق الوقت ابطئ، وما مننتبه. بس اليوم كانت العجقة مو طبيعية، ولهيك رح يكون مللنا مو طبيعي، ولهيك وقف الوقت.
- طيب. وأيمت نشالله بيشتغل الوقت لنعرف ننام؟
أثناء قول (عاجل) لسؤاله، بدء آخرون يخرجون من غرفهم وينظرون إلينا.
- يا شباب، الساعات مو واقفة، الوقت واقف. روحو نامو ليمشي الوقت.
لم يفكر الشباب القاطنين في المهجع كثيراً، ودخلوا إلى غرفهم، بينما جلسنا أنا و(عاجل) على أرضية الممر الضيق منتظرين أن يسير الوقت كي تنطفأ الأنوار ونقدر على النوم.

أبطال بينناWhere stories live. Discover now