الفصل السادس و العشرون (الجزء٢)

ابدأ من البداية
                                    

و من جديد أوقفه صوته الذي نطق بما لم
يكن يتوقعه حين قال :
- لا خدني الجامع أنا عاوز أصلي...هو اللي هيروح
الوجع مني هو بس اللي حاسس بيا... هو بس (يقصد ربنا) ".

أسرع نحوه ليسنده بعد أن رآه يحاول تحريك
جسده الضعيف نحو حافة الفراش...ثم أحضر
له ملابسه حتى يغير ثياب المستشفى، رؤيته
بهذا الحال مؤلمة و تمزق نياط القلب جعلت
كل الحصون التي بناها تنهار و دموعه تخذله
لتنزل مالحة مغرقة وجهه، مثبتا المتبقي
من تركيزه حتى لا يتخيل نفسه مكانه
مجرد التفكير في الامو فقط يجعله يجن
...مرر راحة يده بسرعة على وجهه
حتى يزيل تلك العبرات الخائنة ثم أسنده حتى
دلف به الحمام ليشير له صالح بالخروج
حتى يتوضأ و هو يتوسله :
- أرجوك يا سيف متسبنيش...متخليهمش
ينيموني ثاني أنا عاوز أصلي  ".

أغلق الباب وراءه بعد أن طمئنه بوعده
أن لا يترك أحدا يقترب منه...يبدو أنها لعنة
الحب تنتقل بين أبناء عزالدين حتى تجعلهم
يذوقون طعم الذل و الهوان.. و بعد فريد اللي
كاد يفقد عقله بعد موت زوجته الأولى هاهو
صالح يعيد نفس السيناريو من جديد لكن
بتفاصيل مختلفة.....
رأى الباب يتحرك ليطل من وراءه صالح
بشعره المبلل يمد نحوه يده ليتلقفه كطفل
صغير قبل أن يقع جسده كان باردا يرتعش بشدة
و كأنه كان تحت كومة من الثلج يتمسك به
شهقاته التي لم يستطع كتمانها تصل 
إلى مسامعه مع كل خطوة يخطوها...
قابلهم الطبيب و معه طاقم من الممرضين
يقفون أمام باب الغرفة منتظرين الدخول
في اللحظة المناسبة و حالما رآهم صالح
تراجع للوراء محتميا به... كان ينظر إليهم
بذعر و يحرك رأسه بنفي و كأنهم جلادون سيأخدونه إلى المشنقة..

لم يحتمل سيف نظراته المرتعبة فلا شيئ يدل
على أن هذا الواقف خلفه هو نفسه إبن عمه
سوى ما تبقى من ملامحه التي تغيرت هي
الأخرى...صرخ بهم على الفور كما كان سيفعل هو
لو كان بكامل قواه :
- مش عاوز أشوف حد قدامي... يلا كل واحد
يروح يشوف شغله ".

إنسحب الجميع و راقبهم صالح بارتياح 
قبل أن يتقدم نحو الإمام من جديد متمتما
بصوت منتحب : كانوا... عاوزين ينيموني
من ثاني...مش عاوزيني أروح اصلي...

ضغط بيده على كف سيف التي كانت تسنده
مضيفا برجاء : أنا مش عايز ارجع على  هنا...خذني معاك يا سيف... خدني لمراتي و إبني ".

طمأنه سيف و هو يحثه على السير :
- حاضر كل اللي إنت عايزه أنا هعملهولك
خلينا نروح نصلي الأول و بعدين نرجع
القصر".

اومأ له صالح الذي إرتسمت على شفتيه
إبتسامة سعيدة رغم الدموع التي كانت تملأ عينيه....
ليلتفت سيف للجهة الأخرى و يستنشق الهواء حتى
ملأ رئتيه ثم زفرها دفعة واحدة حتى بجلي
تلك الغصة التي أرهقت صدره....

ساعات مرت و سيف لازال يراقب صالح الذي كان  يقبع في إحدى زوايا المسجد يحني رأسه للأسفل
ويضع يداه فوق ركبتيه...حركة جسده الذي كان
ينتفض تزامنا مع شهقاته، جذبت إنتباه بعض المصلين الذين إعتراهم الفضول لمعرفة اي ذنب إرتكبه هذا الرجل حتى يبكي بهذا الشكل...

هوس من اول نظرة (الجزء الأول و الثاني) حيث تعيش القصص. اكتشف الآن