الفصل السادس والثلاثين

6.8K 485 107
                                    

الفصل السادس والثلاثين
.....
منذ أخر مقابلة مع سليم في القسم ومعرفته بالمكان الذي خُطف فيه أخيه تحرك بعدها بعدة ساعات نحو هذا المكان بسيارته سراً لم يخبر سليم او دامر أو احداً فقط ذهب وحيداً لعل يعرف يخرج أخيه من هناك لكن ما ان توقف بسيارته بعيداً عن الانظار حتي صُدم من الكم المهول من الرجال الحراس التي تحيط المستشفي المتهالكة بأسلحتها النارية كأنهم يحمون كنز من الماس والمرجان ليس بشر أبداً وكم تساءل في نفسه كيف أتي عثمان بهم رغم وضعه القانوني ! ، إن تقدم منهم أو رأه أحد منهم سُيقتل في لحظة ما رغم أن نفسه تحثه بشدة علي الذهاب حتي ينقذ أخاه من بين براثنهم لكنه إن أقترب سَيُقتل بلا شك وسيترك شقيقاته وحيدتين في الحياة
صرخ ليث بصوت مكتوم من القهر يضرب المقود بكفيه لا يعلم ماذا يفعل الآن أيتقدم كما يحثه قلبه المتلهف أم يعود أدراجه كما يحثه عقله المُفكر ورغم صراعهم بداخله ولكنهم اتفقا علي أمراً واحداً وهو كُره عثمان أكثر..يكرهه كما لم يكره أحداً في الدنيا.
وبعد هذا الصراع العنيف استسلم لقرار عقله بالعودة وما أن دخل غرفة زين حتي باغتته طاقة يأس كبيرة أودعته في الغرفة لأيامٍ حتي لم يكن يجيب علي أياً من اسئلة ديالا القلقة عليه.
حتي اليوم الآن نراه جالس أرضاً أمام حافة فراش برأس منخفضة وملامح رغم شحوبها لم يخفي منها الضعف والاستلام ، حتي عقله الذي نصحه بالتفكير والتحلي بالقوة قد استسلم الآن ولا يفعل سوي ترديد كلمات ازادته يأساً حتي كان أن يخنقه..عثمان سيقتل زين..زين لن يعود..لن تستطيع فعل شيئاً لإنقاذه ..عثمان سيقتل زين..زين لن يعود.
عقله يرددها مراراً وتكراراً وعينيه يثبتها علي هذا البرواز الذي بين يديه يضم صورة زين أثناؤ مراهقته وهو ضاحكاً وعينيه الحُلوة تلمع يفرد ذراعيه بشقاوة أظهرت محبته للحياة بأكملها ، صورة لو رأها عثمان لفكر ألف مرة قبل أن يُقدمه قرباناً للموت بالطريقة البشعة التي خطط لها ولكن هذا عثمان ولن يتغير..متبلد القلب والمشاعر والآن إنسانيته.
ملس ليث بأصبعه علي الصورة بشرود و عينيه بها دمعتين تحكي قهراً وألماً وخوف ورعشة وشوقاً ..خليط من المشاعر يُلمح بلحظة داخل عينيه الحزينة ولكن كان الشعور السائد هو العجز..من عدم فعل شيء.
دخلت ديالا إلي الغرفة بصمت لتتنهد طويلاً ترمق أخيها الأكبر بحزن لجلوسه بهذا الضعف ولأيام فأقتربت منه تجلس علي ركبتيها أمامه ثم مدت يدها تجذب الصورة بهدوء قائلةً بحزن :
_ هتفضل قاعد كده لحد امتي يا ليث ؟
لم يعطيها إجابة بل تحركت عينيه بوهن ومازالت تنظر إلي الصورة فأكملت ديالا بعد أن وارت حزنها هاتفةً بنبرة قوية :
_ لحد ما أدخل عليك في مرة وأقولك تعال نستلم جثة أخوك !
سرت رعشة في جسده من نهاية جملتها ورغم ذلك لم يرفع رأسه لها فهتفت هي بحزم ساخرة :
_ هو ده اللي مستنيه ! ، للدرجة دي استسلمت خلاص ورضيت بموت زين !
أغمض عينيه بألم ينفي برأسه هامساً بمرارة ووهن :
_ انتي مشوفتيش كام واحد بيحرسهم وكام سلاح شايلينه..هو خلاص هيقـ..
رغم صدمتها أنه يعلم بمكانهم ولم يخبرها لكنها أخفتها وقاطعته ديالا بنبرة أحد من السيف :
_ ولو كانوا ألف واحد المفروض متستسلمش..فيه شرطة فيه جيش وقوات ..فيه انت ودامر وسليم ، انا مش مصدقة حالة اليأس اللي انت فيها دي ، فوق يا ليث..فوق زين محتاجك.
ابتسم بمرارة ويأس لا يطاق :
_ زين خلاص..تلاقيه مـ..
مقاطعتها له هذه المرة كانت عبارة عن صفعة قاسية هبطت علي وجنته لأول مرة أدارت وجهه للجانب ليغمض عينيه بوجع يستمع إلي صراخها الغاضب والحزين معاً :
:_ كفايــة بقا و فــوق انا مش هستحمل كده..مش هقدر أقلق علي زين من ناحية وأنت من ناحية انا قلبي بيوجعني ، ..مش هستحمل أخسركم انتو الاتنين في وقت واحد وملاقيش حد اتسند عليه ، كفاية يا ليث أرجوك وقوم علي رجليك تاني ..قوم رجّع زين متهداش غير لما ترجعه.
ثم رفعت هاتفها الذي كان بيدها امام عينيه التي تحركت تقرأ الرسالة التي أرسلها سليم لها بعد أن لم يجيب هو مكالماته أو رسائله سرعان ما ذهب الضعف عن ملامحه كأنه تلاشي فجأة و ضم شفتيه بغضب ليهب واقفاً ثم ركض إلي خارج الغرفة تتابعه ديالا بحزن.
داعية بقلبها أن لا يصيبه مكروه وتأمل أن لا يكون عثمان نفذ ما ينويه.
********
قبل وصول الشرطة..
كان هناك مشهد مخيف يحدث في أحد الغرف الواسعة ولربما لو صوره أحداً لأذاعه في أحد أفلام الرعب المخيفة وهو عبارة عن إنسان أهان مهنة الطبيب بإرتدائه لملابسه الآن وهو يقف يفعل ما تفزع له القلوب وترتعد ، يديه ذو القفازات الطبية غارقة في دماء طازجة و يمسك بأداتين طبيتين يدخلها في جذع الجسد الساكن أمامه علي فراش معدني و قد كان مفتوح علي طول خط مستقيم والدماء تنتثر حوله حتي أغرقت باقي جذع الشاب المتخدر الذي لا يشعر بما حوله ولا بالطبيب الذي يخرج منه بطنه المفتوح عضو الكبد ممتلئ بالدماء ثم يضعه في صندوق متوسط لحفظه ليعود ويتابع إخراج باقي الأعضاء بهدوء و تركيز بمساعدة اثنان من الممرضين الرجال الذين يقفان من الجهة الأخري للفراش.
انتهوا أخيراً من تفريغه ليصبح جثة هامدة غارقة في دمائها اللزجة ليغطي الممرض جثة الشاب بملائة بيضاء بالكامل التي ما ان لمست جسده حتي تخللت الدماء بها تغرقها ثم حملها الممرضان بكل صمت الذي يلازمهم منذ البداية ليضعوها بالجانب أرضاً أمام الحائط في نفس الغرفة ، خرج أحدهما يشير برأسه إلي رجلين الذين تحركا إلي غرفة أخري حيث يقبع بها ست شباب يجلسون أرضاً من بينهم رامز وأمامهم يقف ثلاث من الرجال مسلحين يحيطون بهما ، رفع رامز رأسه يري اقتراب الرجلين نحوهم حتي يأخذوا الضحية التالية فأغمض عينيه بألم يردد هامساً بالشهادتين يتمني أن يقع الاختيار عليه ويجذبه الرجلان حتي يتخلص من عذاب الانتظار البشع هذا
وبالفعل توقفا أمامه وجذبه الرجلان بقوة وهم لا يتحدثون كأنهم جميعاً صُم وجذبوه معهما حتي خرجا من الغرفة ليتنهد رامز بيأس ينكس رأسه إلي الأسفل وهو يتحرك معهما وقد هبطت دمعة حارة من عينيه وجزء بداخله يسخر من قلبه الذي ما زال يؤمن بأن هناك احداً سيأتي لإنقاذهم..يؤمن وبقوة.
وضعه الرجلان علي الفراش المعدني الذي لا يزال به دماء ورامز يتنفس عالياً بحرارة لم يكن يعلم أن اللحظات الأخيرة في الحياة ستكون مُهيبة لهذا الحد ، حرك رأسه للجانب يري اقتراب الطبيب وبيده حقنة مُخدرة يمدها نحو وريد يده لكن قبل أن تمسها..
استمع ثلاثتهم إلي طلقات نارية شديدة تأتي من النافذة التي تطل علي الخارج تابعها صرخات الحراس بأن الشرطة قد شنت الهجوم عليهم الآن ، تشتت الطبيب والممرض من الضوضاء والطلقات التي تكاد أن تصم الآذان بينما لم يدع رامز مجال لعقله للتفكير وبلحظة كان يعتدل جالساً يدفع يد الطبيب الممسكة بالحقنة ليجعله يغرزها في عنقه فشهق الطبيب بتفاجأ ووقع أرضاً فاقداً وعيه ، ولم يمهل رامز الممرض في إبداء رد فعل فسرعان ما دفعه بعيداً بيديه بغضب ووقف يمسك مشرطاً طبياً من جانبه ثم وبقسوة لم تكن بداخله يوماً غرزه في أعلي كتفه بقوة ليصرخ الممرض بألم وصدمة وكأن رامز جُن فلم يكتفي بهذا الجرح فأخذ ينهش بالمشرط في جذعه ووجهه ويديه حتي أحدث جروح طويلة أدمته ليقع أرضاً صارخاً أكثر من الألم ، لهث رامز بغضب وصورة عبدالرحمن لا تفارق خياله وتريد المزيد من الانتقام فالتفت ببطئ إلي الطبيب الفاقد وعيه أرضاً ليميل رامز عليه يزيل الماسك الطبي حتي يري وجهه جيداً..
وكان تنفسه يرتفع بصدره من فرط الغضب الذي يكمن بداخله ولم يعد يحتمل أكثر فصرخ بغضب امتزج مع القهر وهو يمد المشرط يشوه به وجه الطبيب بوحشية ثم انتقل إلي كف يديه ليفعل بها المثل بجنون وكلما يتذكر جثة صديقه التي كانت بين يديه يزداد جنونه وصرخاته أكثر التي اندمجت مع صوت إطلاق الرصاصات بالخارج ، ثم توقف لاهثاً بعنف ليختم انتقامه بغتةً بغرز المشرط داخل عيني الطبيب اليسري بقسوة ثم وقف علي قدميه يلتقط أنفاسه ليرفع يده التي امتلئت بالدماء يمسح بها علي وجهه ماسحاً اي دمعة ضعف قد تهبط..لا وقت للبكاء للآن.
ركض إلي خارج الغرفة ليري بعينيه الرجال تركض في الممر وهي تجهز أسلحتها فلم يكد يتحرك حتي شعر بالممرض يقبض عليه من الخلف بقوة ثم دفعه للداخل رغم آلامه لكنه لم يستسلم لتدير بينهم معركة طاحنة..
********
لم يسمح دامر بأن يخرج ساهر من السيارة وأغلقها عليه رغم غضبه وصراخه بأن لا يفعل ذلك لكنه لم يسمع له صارخاً عليه بأنه ليس مستعد لخسارة أخيه الثاني ليضطر ساهر للتخفي داخل السيارة أمام المقعد حين ازدادت الطلقات النارية نحوهم حتي تدمر زجاج السيارة بالكامل و دامر يجثي خلفها من الخارج يمسك سلاحه ويرتفع من حين لآخر يطلق الرصاصات بغضب وبجانبه سليم الذي يفعل المثل بعد أن رفض تركهم والذهاب للقرب من سيارت الشرطة المصفحة التي تبعد أمتار عنهم والتي يخرج منها القوات المسلحة يركضون نحو المستشفي بهجوم ويطلقون الرصاصات رداً علي رصاصات الأعداء الذي يتخفون خلف جدار المستشفي وبعضهم فوق السطح وأُخر في الداخل ويظهرون من النوافذ
وبالقرب من سيارت الشرطة يقف آدهم بسلاحه بجانبه اللواء غنيم الذي جاء من خلفه ليث بعد ترجل من سيارته يركض سريعاً يتفادي الطلقات بصعوبة حتي وصل لهم ، كان المشهد عبارة عن حرب بمعني الكلمة وقد وقع ضحايا كثيرة من الطرفين لكن كانت الكثرة لجانب الخاطفين فلم ينتظر سليم أو دامر أكثر من ذلك وأشار لهم ليث برأسه فتحرك الاثنان من خلف السيارة يركضا نحو المستشفي وبمقابلهم يركض ليث وعقب تحركهم ركض آدهم برفقة عدة رجال إلي سيارة سليم حتي يحمي ساهر الذي يشعر بداخله من الغضب والعجز لأنه لم يعرف استخدام السلاح ولم يحاول يوماً فعل ذلك.
بصعوبة بالغة تسلل دامر إلي الداخل يصيب بسلاحه كل من تراه عينيه حتي فرغ مسدسه تماماً وظهر امامه رجل من العدم يصوب مسدسه نحوه ، رفع دامر يديه بحذر لكن كان غضبه كالسعير بداخل قلبه حتي فاض في عينيه فقذف سلاحه بعنف ليصطدم مع سلاح الرجل لتتحرك يده وهجم دامر عليه يسدد له لكمة بقدمه في وجهه ثم أقترب ليرفع يده يسدد الأخري في فكه جعلته يترنح ودارت بينهما معركة صغيرة لكن كان ثوران دامر فوق كل هجوم يصدر من الرجل حتي تركه أرضاً فاقداً قوته بوجه مدمي ووقف يلهث بغضب ثم أخذ سلاح الرجل وتخطاه يكمل ركضه يصيب بالسلاح كل من يظهر له من العدم حتي اوقع عدة رجال في أماكن متفرقة ليقف أمام أخر من ظهر له يميل عليه صارخاً بوجهه أين هم ليجيبه الرجل الجريح بتعب عن مكانهم فسدد له دامر لكمة ساحقة ثم وقف ليركض حيث أخبره..
بعد أن دخلا عبر البوابة تفرق كلاهما في اتجاه حتي يبحثا ليقابل سليم أحد الشباب مختبئ في مكان ما فنبض قلبه بالأمل بأنه مازال حي ليذهب إليه سريعاً جاثياً علي ركبتيه يسأله عن الباقية فأجابه بإرتعاد بأنهم قد تفرقوا ،
أخبره سليم أن يظل محله قبل أن يقف ليهم بأن يتحرك لكن أوقفه رؤية شاب آخر ينظر له باستنجاد وهو بين أيدي رجل يحيط عنقه بذراعه ويوجه سلاحه فوق جبينه وينظر بتهديد إلي سليم الذي لم يهتز وتقدم خطوة بثبات قائلاً له ساخراً :
_ أنت فاكر إنك كده هتخرج من المكان ده حي ؟!
حدق به جلال بضيق يزيد من ضغطه حول عنق الشاب الخائف :
_ يبقي مش هموت لوحدي ، أنت جاي عشان أخوك بس يبقي مش هيهمك لو حد فيهم مات تاني.
رغم تعجبه من معرفته له لكنه أجاب عليه بجمود متهكماً قبل أن يشير إلي الشابين الذي أحدهما بجانبه والآخر بين أيدي جلال :
_ ومين قالك إني جاي عشان أخويا بس ؟
أومال دول ايه يعني ميستاهلوش حد ينجدهم من بين أيديكم الـ*** ؟!
ابتسم جلال بسخرية :
_ يستاهلوا بس أكيد مش أكتر من أخوك اللي هو مش هنا أصلاً.
انتفض قلب سليم بغتةً لكنه حافظ علي ثباته قائلاً بحاجبين مقطبين بحدة :
_ قصدك ايه ؟
مازالت ابتسامته السمجة قائمة التي تلاشت حين استمع إلي نداء من خلفه بصوت ليث الحاد ، فالتفت نحوه متمسكاً بالشاب أكثر وما أن فعل حتي رفع سليم يده بمسدسه غاضباً ليصيب بطلقة واحدة كتف جلال من الخلف ليصرخ بألم يفلت الشاب من يده الذي ركض مسرعاً اتجاه سليم الذي جذبه لجانب الشاب الأخر ثم التفت مرة أخري يقترب من جلال الذي يقع أرضاً بعد ركلة ليث إلي وجهه ليرفع ليث مسدسه نحوه قائلاً بحدة :
_ ديالا ساعدتك كتير مش عيب عليك لما تكذب عليها ! ، كذبت ليه ؟
أجابه جلال كاتماً أنينه :
_ دفعلي أكتر.
كان قد وقف سليم بجانب ليث الغاضب ليردف جلال مبتسماً بألم :
_ أخواتكم مش هنا..أبوك كان لازم يغير مكانه لأنه مستحيل كان هينفذ اللي عايزه في زين هنا.
قطب زين جبينه بقلق أخفاه سريعاً هاتفاً بأنفاس عالية :
_ ينفذ في زين !..ينفذ ايه في زين ؟!..
لم يجيبه جلال مما جعله يغضب وهو يميل يجذبه من تلابيبه صائحاً بحدة :
_ انا عارف أهلك مسافرين فين متجبرنيش أستخدمهم كارت تهديد وانطــق !
ركض دامر بسرعة وهيئته مشعثة ما بين قطرات الدماء والتراب التي تنتثر في قميصه الأسود ، يركض لاهثاً وقلبه يكاد ان يتوقف من قوة نبضاته المتلهفة حتي وصل إلي غرفة ما فوقف عند بابها سرعان ما توسعت عينيه بصدمة صارخاً :_ لااااااااااا..
صرخة تلقائية خرجت منه حين وقعت عينيه علي تلك الجثة خلف الملائة البيضاء أرضاً فتتوسع عينيه أكثر بجنون رافضاً ما يراه ليركض بلهفة تكاد أن توقف قلبه من شدتها حتي جثي أرضاً أمام الجسد ليمد يده سريعاً يبعد الملائة عن الوجه وقلبه حتماً سيتوقف من الفزع إن كان الوجه وجه أخيه..
وما أن كشف عن الوجه حتي خرجت منه تنهيدة حارة ليحتار الآن أيفرح لأنه ليس أخيه أم يحزن لهيئة الشاب المميتة للأعصاب..
انتبه لصوت سعال خلفه فألتفت لينتبه أكثر علي رؤية الطبيب أرضاً وبالجانب ممرض فاقداً للوعي بوجه ممتلئ بالكدمات وشاب ذو خصلات سوداء تهبط علي جبينه يبدو انه من ضربه يقف ببطئ لاهثاً وهو يسعل ثم التفت إليه ، قطب رامز حاجبيه بتعب يتأمل وجه دامر الذي ينظر له أيضاً بحاجبين مقطبين فأستنتج شيئاً من لون خصلاته القاتمة وعينيه العسلية وأفصح عنه هامساً بألم :
_ انت أخو بدر ؟!.
وقف دامر يحدق به بحدة تحولت إلي لهفة ما أن استمع اسمه ليقترب منه سريعاً يحيط كتفيه:
_ تعرفه ؟! ، هو فين حصله حاجة ! عايش ولا ..
ابتلع رامز ريقه بوهن هامساً يقاطعه:_ هما..هما أخدوه.
توسعت عينيه بدهشة صائحاً بغضب :
_ أخدوه ؟!..اخدوه فيــن ؟!!..انطق.
زاغت عينيه بأضطراب لا يعلم بما يجيبه فتراجع دامر للخلف يهز رأسه بعدم تصديق ، وقبل أن يتفاقم تفكيره أعلن هاتفه عن وصول رسالة فأخرجه بعدم اتزان ليري رسالة من صديقه "علي" كانت إجابة علي سؤاله لهذا الشاب.
********
ابتسم روي بسخرية ولم يتردد عن الضغط علي الزناد بالمسدسين ليصيب الممرضين قبل أن يصلا لهما فوقعا أرضاً صارخين بألم ليزداد توتر الباقية وهو يرفع رأسه نحوهم بجمود :
_ هل من أحد آخر ؟
لم يعرف الطبيب ان يكمل تقطيب جذع بدر من فرط خوفه من الموت فتركه ليركض محاولاً الهروب لكن أطلق رفاييل رصاصتين علي أقدامه فوقع أرضاً صارخاً بألم ،
نظر الطبيبان الباقيان إلي بعضهما بلا حيلة فأخفضا رأسيهما ليبدأ بتقطيب منطقة الصدر لكلا من الشابين بحرص شديد يتابعهما روي ورفاييل دون أن ينزلا أسلحتهما بعينين تلمع من الغضب وقلبٌ يقرع من الخوف والألم..لأخيهم..ولكل ما يحدث.
********
ركض دامر سريعاً حتي تقابل معهم حيث يقفا أمام جلال بعد أن أخبرهم بما يحدث ، وقف دامر أمامهم لاهثاً وهو يهمس بألم :
_ مش هنا.
رفع ليث نظراته المصدومة مما استمع إليه نحوه ليهز رأسه يكرر بتحشرج :_ مش هنا.
نظر ثلاثتهم إلي بعضهم سرعان ما ركضوا بأقصي سرعة يمتلكوها حتي خرجوا من المبني وقد هدئت الأوضاع بعد ان استسلم أخر الرجال للقوات المسلحة ، أسرع ساهر نحوهم بلهفة صائحاً :_ دامر !
تلقفه دامر بين يديه يضمه بين ذراعيه بقوة كذلك فعل ساهر ثم ابتعد ليحيط دامر وجهه وعينيه هو تزيغ بعدم اتزان :
_ أنت كويس ؟..أا..انا اسف انك جيت هنا..
قاطعه ساهر وهو يتنفس بلهاث :
_ بدر فين خرجتوا ليه من غيره !
أجابه نافياً برأسه بجنون :_
مش هنا..مش هنا.
ثم تخطاه سريعاً يركض ولم يدع ساهر عقله لكي يفكر ثانيةً وهو يسرع خلفه حيث سيارة ليث التي استقلها سليم ليتولي القيادة وبجانبه ليث بعد أن أخبر اللواء غنيم الذي قد أصيب في كتفه بالمكان الذي سيذهبوا إليه ليخبره بأنه سيرسل قوة خلفهم ، وما أن استقل أربعتهم في السيارة حتي انطلق سليم بسرعة تسابق الرياح كما تفعل قلوبهم الأربعة الصاخبة بقلق والممتئلة باللهفة.
********
كان الطبيب يعمل علي تقطيب صدر جوني وبجانبه الممرض يساعده لكن تفاجأ كلاهما بالنزيف الذي حدث وخروج الدم بكمية كبيرة حتي انزلقت أرضاً فأسرع كلاهما يحاول السيطرة علي النزيف مما جعل الطبيب الأخر الذي بجانب زين يقطب صدره يبتعد عنه ليساعدهم وحين رأي روي ما يحدث وقع قلبه بين قدميه برُعب وتراجع للخلف بانتفاض وهو يري هذه الدماء كلها تخرج من جسد أخيه الساكن كذلك انتفض رفاييل بفزع شديد وألقي ما بيديه سريعاً يركض نحوهم صارخاً بما يحدث.
وبالخارج..
عبرت السيارة السريعة بوابة الڤيلا ليضغط سليم علي المكابح ويترجل أربعتهم منها بسرعة ليتفاجأوا بالمنظر حولهم وتلك الرجال الجريحة الواقعة أرضاً بعضهم فقد الوعي وآخرون مازالوا يقاومون بألم ، التقطت آذانهم صراخ فَزع من أحد الجهات لرجل أجنبي فأسرعوا راكضون نحو الصراخ الذي لا يتوقف إلا سليم توقف محله بعد أن لمحت عينيه جسداً يزحف أرضاً في الحديقة نحو البوابة ورغم إصابته في الفخذ إلا إنه لم يستسلم ، عَرِفه حتي إن لم يري وجهه فابتسم سليم ساخراً و لم يركض بل خطي نحوه والأخر مازال يسرع في زحفه وأنينه المتألم يخرج من حين لآخر لكنه مازال يحاول النجاة خاصة بعد أن رأهم قد أتوا فهذه لن تكون نهايته أبداً كما يعتقد ، وصل سليم إليه ليقف أمامه فرفع عثمان عينيه الحادة نحوه وهو يميل إليه يسند كفيه علي ركبتيه ومازالت السخرية ظاهرة علي وجهه وهو يقول بتهكم :
_ لسه بتحاول تهرب ؟
ضم عثمان شفتيه بغضب مكبوت و عجز عظيم ليباغته سليم بركلة مجحفة من قدمه في وجهه أطرحته أرضاً وهو يكمل بنبرة جامدة :
_ طب والحساب اللي ما بينا هخلصه ازاي ؟
و بالعودة إلي القبو..
مازال الوضع مضطرب والطبيبان يكادوا أن يسيطروا علي النزيف ورفاييل يصرخ بأخيه أن لا يموت ويتركه بينما روي يقف بعيداً يراقب ما يحدث بقلب يقرع داخل أضلعه بقوة وجسده ساكن لا يتحرك.
دخل دامر بسرعة عينيه لا تتوقف عن التنقل يريد رؤيته حالاً لكن ليت لم يراه أبداً فما أن وقعت عينيه علي هيئته تصنم محله أمام روي كأن جسده تخشب حتي جفنيه لا ترمش..
عقبه دخول ليث بلهفة والذي ما أن رأي الوضع حتي جحطت عينيه بصدمة تعاظمت حين رأي زين في هذه الحالة المزرية ليصرخ عالياً :_ زيـــن.
ركض نحوه يدفع الممرض بعيداً عن الفراش ليحيط وجهه الساكن بين يديه يهتف بجنون :
_زين..زين رد عليا.
عينيه ادمعت بألم لأول مرة يراه ساكناً بهذا الضعف بين يديه ليزداد دمعه وهو يري منطقة صدره مفتوحة قليلاً بعد أن لم يتم تقطيبها بالكامل فأخذ يربت علي وجنته يتوسله ببكاء أن يفيق لكنه لا يجيب فقط غامضاً عينيه بسكون آآلم قلبه أكثر ، في حين دخل ساهر ليري هذا المشهد المخيف الذي يحدث ولما رأي بدر ساكناً علي فراشه وجذعه المفتوح ببشاعة تقطر منه الدماء ، وحيداً ليس بجانبه أحداً كأن الجميع يتجاهله ، شعر كأن مطرقة ضربت قلبه حتي كاد أن يصرخ من الوجع ولم يشعر بقدميه التي ساقته إليه بلحظة ليميل عليه يضم وجهه المُدمي من الكدمات بين كفيه وقلبه يرتجف رجفاً لرؤية ابنه الذي رباه في هذه الهيئة التي لا توصف لبشاعتها صارخاً بأهتزاز ودموع تجري علي وجنتيه :
_ بدر...بدر.. ابني بدر فوق رُد عليا..انا هنا.
ثم التفت صارخاً بصدمة ودموع في دامر المتصنم محله :
_ أازاي ده حصل ..ازااااي ؟!!
ليعود ويصرخ في بدر أن يفيق أو علي الأقل يفتح عينيه العسلية لتُطمئنه لكنه لا يستجيب..لا يستجيب !..
عينيه تدمع بإهتزاز وجسده يرفض التقدم كأنه تخشب محله ، يخاف أن يقترب ؛ يخاف أن يقترب من هذا الجسد الساكن أمامه والدماء تنتثر فوق جذعه العاري بهيئة آلمت قلبه..يخاف أن يقف بجانبه حتي يراه عن كثب ، يخاف من لمس يده أو ضمها..يخاف أن لا يجد هناك نبض بها !!..
لكنه عليه أن يقترب ، عليه أن يبقي بجانبه ، بثقل شديد حرك دامر قدميه يقترب بصعوبة يشعر أن الهواء ثقيل يدفعه ليتراجع لكن تمرد علي كل هذا الثقل حوله حتي وصل أمام الفراش..حيث يرقد رفيق روحه غامضاً عينيه ووجهه يسرد ألماً عاشه في كل لكمة لعينة حطت به..ماذا فعل ليتلقي كل هذا ماذا فعل بحق السماء !!
يده ارتفعت نحو وجهتها يريد لمسها حتي تعود إليه أنفاسه المتوقفة عن الخروج ، يده ضمت يد صغيره وأصابعه تتحرك ببطئ يتمني أن يجد ما يريده حتي وضعها فوق وريده ليجده...هناك نبض !.هناك نبض !!.
.صغيره مازال حي ؟!!
تنفس بعمق يشعر بروحه تُرد إلي جسده بسبب هذا النبض الضعيف وأغمض عينيه سامحاً لدمعة ساخنة تهرب من عينه.
وبالخلف دخل سليم إلي القبو بعد أن أفرغ غضبه في عثمان حتي أفقده الوعي، صُدم من هذا الوضع الذي أمامه يراه لأول مرة في حياته وتمني أن تكون الأخيرة ، علي جانب منه يقف هذا الأجنبي الوسيم بملامح متخشبة وظهره مال للحائط خلفه ، علي يساره ليث وهو يجثي علي ركبتيه أمام الفراش يعانق رأس زين ببكاء يتوسله بهمس أن يفيق ؛ وخلفهم طبيبان يتنهدان بتعب وقد استطاعوا وقف النزيف لهذا الشاب الأجنبي الساكن وقد أغرقتهم دمائه وبجانبهم رجل أخر يبكي وهو يضع جبينه فوق جبين الشاب يعتذر له بوجع ويتوسله ألا يتركه..
بينما علي يمينه..ليت لم يري ما علي يمينه أو أصابه العمي قبل أن يري هذا..
قبل أن يري أخيه الصغير بدر حياته بل حياة جميع أخوته في هكذا وضع مؤلم
و ساهر أخيه الأوسط المثالي يميل عليه يحيط وجهه بكفيه ودموعه تهبط بغزارة يتسأل بهذيان كيف حدث هذا ، وتوأمه الذي يقف بجانبه يضم يد صغيرهم بين يده ليرفعها لاثماً قبلة متألمة علي يده و ينظر إليه كأنه لا يوجد سواهم ، لما عليه أن يري هذا..لما عليه أن يري الثلاثة بهذا الضعف القاسي !
الآن يريد أن ينهار ويضعف لكن إن ضَعِف الآن فمن سيساندهم جميعا !
تنهد سليم دافعاً كل ذرة ضعف تقترب منه ليتحلي بالقوة ويقترب من أخوته يضع يده فوق كتف دامر الذي علي وشك الانهيار ليجعله ينظر إليه هامساً بقوة :
_ دامر فــوق ده مش وقت ضعف ، مش شايف حالة ساهر عاملة ازاي ، اهدي وساعدني لازم نطلع عالمستشفي حالاً.
حدق به دامر وعينيه دامعة بألم إلي ما وصلت إليه الأمور لكنه اومأ برأسه متنهداً يستعيد قوته فربت سليم علي كتفه بدعم ثم ذهب في اتجاه ليث ، التفت دامر يتنفس بعمق يكرر جملة الأخر بداخله كثيراً هذا ليس وقت ضعف ، مال ليحمل جسد بدر الهزيل بين ذراعيه القوية برفق شديد ليلثم جبينه بحزن كأعتذار علي كل خدش بجسده ثم التفت ليتحرك نحو الخروج برفقة ساهر الذي فاق من صدمته علي هتاف دامر به بأن يفيق ويلحقه، جاءت قوات الشرطة لتنتشر في الأرجاء ليتم القبض علي الأطباء والممرضين وجوناس وعثمان الذين كانوا فاقدين للوعي أثر إصاباتهم وفرانكو كان يصرخ بأن ابنيه روي ورفاييل ليس لديهم يد بأي شئ بل أنه هو من فعل كل هذا لكن للأسف تم القبض علي كلاهما أيضاً حتي الحصول علي أقوالهم ، وجاءت سيارات الإسعاف التي نقلت الجميع إلي المستشفي لتودع بسريناتها العالية نهار يوم عصيب وتستقبل ليلاً مليئاً بالانتظار.
********
ليلاً في ممر المستشفي..
رغم الهدوء الذي يعم الممر لكن كانت قلوب من يقفوا فيه نابضة صاخبة حتي تكاد تصم الآذان ، فها ساهر يجلس أرضاً بإنهاك يديه العالقة بها دماء أخيه قد جفت يسند أحدهما علي رأسه ينظر أمامه بشرود ، وعلي جانب منه يقف دامر عاقداً ساعديه أمام صدره يسند ظهره ورأسه علي الحائط خلفه غامضاً عينيه لا يريد فتحهما حتي يظهر الطبيب من داخل غرفة العمليات لا يجيب علي هاتفه الي يهتز داخل جيبه لعلمه بأنه عمر الذي لم يكف عن الاتصال به طيلة الأربع أيام الماضية ولكنه مازال لا يملك الطاقة لإجابته ، وبالمقابل منهم يقف سليم بجانب ليث الجالس علي أحد المقاعد بإنهيار يخفي وجهه بين يديه فقط ينتظر خروج الطبيب وكلماته التي ستغير حياته إما للأحسن أو للأسوء ، وبالقرب منهم يقف أدهم بجانب اللواء غنيم الذي يضع في كتفه حامل طبي ، الجميع ينتظر خروج اياً من الأطباء حتي يحادثوهم بكلمات تهدأ صخب قلوبهم القلقة ، وبعد مدة طويلة قليلاً خرج اخيراً أول طبيب من الغرفة التي بها زين فاندفع ليث بدموعه المتلهفة نحوه وبجانبه سليم حتي يطمئن علي زين أيضاً كما فعل دامر وفتح عينيه ينظر إلي الطبيب بصمت ، تنهد الطبيب يزيل الماسك الطبي عن وجهه ينظر لهم بهدوء :
_ الحمدلله هو كويس احنا قفلنا الجرح كامل بس بسبب التخدير اللي أخده مش هيفوق دلوقتي وده الأحسن له حالياً لأنه مش هيقدر يتحمل الألم جوا صدره لما الجرح وقفصه الصدري يلتأم فاحنا هنحاول نخليه فاقد الوعي علي قد ما نقدر ، حمدلله علي سلامته عن اذنكم.
ثم رحل بعد أن ربت بكلماته علي قلب ليث الذي تنفس بإرتياح كأنه عاد للحياة ومال يريح رأسه علي كتف سليم الذي عانقه بين ذراعيه يربت علي ظهره وقد اطمئن قليلاً ليسمعه يهمس ببكاء :_ الحمدلله يارب..الحمدلله.
حدق بهم دامر بصمت وحين تقابلت عينيه بعيني أخيه أشاح بوجهه في غضب ملحوظ فتنهد سليم عالماً بعد هذه النظرة حديث بينهم لن يأتي سوي بالسوء بعده ، وبعد دقائق طويلة أخري أُغلقت اللمبة الحمراء تعلن عن انتهاء العملية تابعها فتح الباب وخروج الطبيب الأخر منها فأسرع ساهر بإتجاهه بلهفة وأعتدل دامر في وقفته ولم يقو علي كتم نظراته القلقة كما اقترب سليم منه ينتظر حديثه بلهفة ، هتف الطبيب يحاول مواراة حزنه قائلاً :
_ للأسف الحالة حرجة شوية احنا قفلنا جرحه كامل بس هيحصل في جسمه مضاعفات بسبب إن الجرح اتعرض للميكروبات من الهواء لأنه فضل مفتوح فترة ، وبسبب غياب الكلية اليسري وده هيسببله ألم شديد لما يفوق لأن جسمه لسه بيتعود علي غيابها وكمان بسبب نسبة المخدر اللي كان واخدها شديدة احتمال تسببله ضعف قليل في العضلات لأيام ، متقلقوش خير بإذن الله.
هتف دامر بجمود :
_ عايز أشوفه.
نظر له الطبيب بهدوء :
_مينفعش حضرتك هو هيتنقل للعناية دلوقتي
أصر دامر بحدة :
_ يعني ايه مينفعش بقولك عايز أشوفه.
أقترب ساهر بعد ان تمالك ذاته متنهداً :
_ دامر اهدي.
أردف الطبيب مرة أخري :
_ بكرة الصبح هسمح لحضرتك تدخله غير كده مينفعش لازم يبات في العناية.
زفر دامر ماسحاً علي وجهه بحنق ليقترب أدهم يضع يده فوق كتفه كي يهدأ ثم وجه حديثه للطبيب بجدية:
_ طب والشاب التالت الأجنبي ده يا دكتور ؟
ابتلع الطبيب ريقه بحزن يجيبه :
_ هيتنقل للعناية المركزة بس الحقيقة للأسف مقدمهوش كتير.
ثم استأذن منهم بهدوء ورحل بعيداً عنهم ، زفر ساهر طويلاً حامداً الله علي كل حال ثم أمسك بساعد شقيقه قائلاً بجدية :
_ دامر عايزك.
ثم جذبه معه غير غافلاً عن نظراته الغاضبة اتجاه سليم حتي دخلا إلي غرفة فارغة فأغلق ساهر الباب ثم التفت له بوجه حاد :
_ انا عايز أفهم ايه اللي بيحصل بالضبط !
زفر دامر يخلل أصابعه بين خصلاته بضيق :
_ ساهر مش وقته أنا..
قاطعه بحدة وعينيه تلمع بإصرار علي موقفه:
_ انت هتفهمني كل حاجة ودلوقتي يا دامر ، فاهم !..كل حاجة.
لم يريد أن يفصح بالحقيقة لكن دفعه ذلك غضبه من سليم الذي يتضاخم بداخله لحظة بعد لحظة فوجد نفسه يسرد له كل شئ من البداية عن ريماس وعثمان وجوناس وكل شئ لم يترك شئ مخفي و سرد له الحقيقة التي صدمته بالكامل ولم يعرف كيف استطاعوا أن يكذبوا عليه كل تلك المدة بأن كل شئ كان علي ما يرام ، بصعوبة شديدة استوعب عقله أخيراً ما قيل ليرفع رأسه بصدمة يحدق به بعدم تصديق وعتاب كبير :
_ وانا فين من كل ده ؟ للدرجة دي كنت مغفل ونايم علي وداني !
تنهد دامر باحثاً عن القدرة :
_ ياساهر أفهمني..
صرخ ساهر غاضباً رافعاً صوته في وجهه لأول مرة بعدم تصديق :
_مفيش مرة واحدة بس فكرت إنك تقولي كل ده ؟..تعرفني اللي بيحصل مع اخواتي ايه متخلنيش أعمي ! ، طب سليم يسكت لكن انت ليه !.ليه مجيتش وقولتلي..خبيت عني كل ده لحد دلوقتي ليه ؟
أجابه دامر مدافعاً و قد ضاق ذرعاً من كل شئ حوله :
_معرفتك بحاجة مكنتش هتفيد وكنا عايزينك بعيد عن كل ده.
نفي ساهر برأسه لا يستوعب إجابته فابتسم بسخرية قائلاً بنبرة عتاب لكن غلفها الغضب :
_ انتو فعلا خليتوني بعيد..ودلوقتي...بعيد أوي.
ثم هم بأن يرحل لكن جذبه دامر زافراً :
_ ساهر استني بـ..
سحب يده بعيداً ودفعه عنه بغضب ليرتطم ظهره بالحائط لينظر إليه دامر بصمت وساهر ارتفعت أنفاسه في صدره يغمغم بحدة :
_أبعد عني .
ليلتفت ثم فتح الباب بعنف وخرج من الغرفة ليتنهد دامر يخلل أصابعه بين خصلاته الثائرة ولم يحتمل كبت غضبه أكثر من ذلك فاندفع خارج الغرفة يعود حيث كان يتجه بخطواته حتي وقف أمام سليم الذي ما أن رأي حالته حتي علم أنه وقت انفجاره ، دفعه دامر للخلف يصدم ظهره بالحائط بعنف ثم أقترب منه بأنفاس عالية هامساً بإتهام :
_ كل ده ..بسببك.
ثم رفع يده مسدداً لكمة غاضبة لفكه أدارت وجهه للجانب ثم جذبه مرة أخري من ملابسه ليضع عينيه في عينيه صارخاً بعصبية :
_ كنت عارف إن كل ده ممكن يحصل واستنيت أيام وخلتني أستني معاك ، عاجبك اللي وصلناله ده بسببك !..رد علــيا ؟!!
ضم سليم شفتيه بغضب يعادل غضبه ثم أمسك يديه يبعدها عنه ودفعه هو أيضاً ليقترب منه هاتفاً بغضب :
_ بتعاتبني علي ايه ؟ علي اني مكنتش عايز أخسرك ! أديك شوفت المجزرة اللي حصلت هناك تخيل لو كنت روحت لوحدك هترجعلي ازاي ، أنت عايز تنقذ بدر وأنا عايز أنقذ بدر وفوقه ١٨ واحد كلهم ضحايا ذنبهم في رقبتي وأهاليهم مستنيني أرجعهم وراح منهم أصلا هدر ، كنت عايزني أبقي أناني وأفكر في أخويا ومفكرش في الناس دول!
أجابه دامر بخواء :
_ تتحرق الناس علي ولادها..ده أخوك.
رمقه سليم بسخرية :
_ ما أنت لو كنت مكاني مكنش ده بقي تفكيرك.
هم دامر بأن يسدد له لكمة أخري بغضب لكن منعه ساهر الذي كان صامتاً لكنه تدخل حين احتد الوضع فأمسك بيد دامر ثم دفعه يقف بينهم صائحاً بحدة :
_ بدر رجع وانتهي ، كفاية بقا احنا في مستشفي.
تنفس دامر عالياً باختناق مما يحدث لينقل نظراته الثائرة بينهما يري نظراتهما الغاضبة ثم هتف بغضب مكبوت بما لم يتوقعه أحداً أن ينطقه حتي نفسه :
_ من ساعة ما رجعتوا حياتي وهي بقت كلها وجع في وجع ، حتي في اللحظات الحلوة ، مكنتش أتخيل إن هييجي يوم وأقول فيه كده بس..
ثم صمت للحظات قبل أن يردف بعمق خاتماً حواره بحنق :
_ ياريتنا ما اتجمعنا .
ليلتفت ويمشي بغضب بعيداً عنهم وأدهم يلحق به تتابعه عيناهما المتفاجئة من حديثه ليجلس سليم علي المقعد يخفي رأسه بين يديه بيأس وحنق مما آلت إليه الأمور بينهم يتمني بداخله أن يفيق بدر سريعاً..يفيق بدر..تنصلح الأمور وكل ذلك تحت أنظار ليث الحزينة الذي يجلس بالقرب منهم..كل ما حدث ويحدث ليس خطأ أي أحداً منهم..إنه خطأ والده..أو الذي كان والده.
********
كان قد سافر برفقة والده إلي محافظة أخري لقضاء أمراً ما هناك واستعان بـجاك معه لكي يساعده وبالفعل حزم جاك أغراضه وسافر معهم ، كان عمر لا يتوقف عن الاتصال ببدر لكن هاتفه دائماً مغلق كذلك لا يجيب أياً من إخوته عليه مما أشعره بالريبة من عدم الرد علي مكالماته وأراد العودة لكن والده سليمان يحتاجهما وأيضاً قد اتصل جاك علي شقيقته ديمة وبعد مرات كثيرة أجابت عليه وأتقنت الكذب عليه بأن كل شئ يسير علي ما يرام ، كانوا أخيراً سيعودون غداً في الصباح لكنه مازال يساوره القلق اتجاه بدر دون معرفة السبب فأمسك عمر هاتفه يحاول للمرة الأخيرة الاتصال بدامر الذي كان قد خرج من المستشفي بأكلمها يزفر في حنق وهو يستقل سيارة سليم جالساً خلف المقود وما أن نفذ صبره من إهتزاز الهاتف داخل جيبه أخرجه فاتحاً المكالمة ودون أن يمهله للحديث أو يسأله عن حاله وأحواله فاجئه بما يجري بأختصار في جملة واحدة " بدر اتخطف لسرقة اعضاء واتاخدت كليته ودلوقتي في المستشفي وتعال "
ثم أغلق دون إضافة وماذا قد يضيف فوق ما قال فـ عمر يقسم أنه كاد أن تأتيه سكتة دماغية وقلبية معاً من شدة صدمته مما استمع إليه خاصة حين لم يكن صوت دامر أنه يمزح بل كان حاداً وجامداً ولمعرفته بأنه ليس محباً للخدع والمقالب تأكد أن ما قاله صحيح لذا هب عمر عن جلسته بفزع يصرخ منادياً علي أبيه وجاك بأنهم سيعودوا الآن...الآن وليس غداً أبداً.
********
قذف دامر الهاتف إلي جانبه زافراً باخنتاق يعلم بأنه قد يكون رعبه الآن بعد كلماته الصادمة لكنه حقاً لا يحتمل حديثاً مع أي أحداً فأغمض عينيه بإرهاق يريح رأسه علي المقود ودون إرادته سقط في غفوة قليلة لكنها سمحت إلي عقله الباطن بأن يسحبه إلي حلم لم ولن يحدث في الواقع أبداً..
وجد نفسه في شقة عائلته القديمة فنظر حوله باستغراب حتي وقعت عينيه علي هذا المشهد أمامه فوقف يتابعه بصمت شاعراً بأن لسانه لا يستطيع الكلام.
بدر الأحمق يخرج من غرفته يمسك كتاباً تاريخياً يرفعه بيديه أمام عينيه يقرأ ما به بصوت عال باللغة العربية الفصحي يتحرك في الصالة وكان منسجماً لأقصي حد..
فابتسم دامر علي هيئته المُضحكة لكن تلاشت ابتسامته وحل محلها القلق حين اصطدمت ركبة بدر في حافة الطاولة التي لم يراها ليتأوه واقعاً أرضاً بألم ازداد حين انغرزت في ركبته قطعة زجاج من المرآة المكسورة أرضاً فصرخ قليلاً وتعال أنينه وكاد دامر أن يسرع بإتجاهه بقلق لكن تخشبت أقدامه محلها بصدمة وهو يراه ينادي عالياً بألم وهو يمسك ركبته التي بدأت بالنزيف :
_ بــــابــــا..يابــابــا آآه سميــــر.
والدهم هنا !..سمير ! أين هو يريد رؤيته في الحال ، التفت دامر حوله بلهفة ولم يتقدم خوفاً من أن لا يأتي حين يقترب هو لينظر إلي الباب الذي يُفتح لتتوسع عينيه بصدمة واشتياق وهو يري والدهم سمير يدخل إلي المنزل وكان وسيماً في ريعان شبابه يقاربه في العمر والشكل ، اقترب سمير ليمر من جانب دامر الذي هتف بشوق ولهفة :_ بابا !
لكن كأنه لم يسمعه بل لم يراه وأكمل خطاه نحو بدر يقاطع صرخاته بدهشة :
_ايـــه ايـــه يابني أنا برا أصلاً بتزعق كده ليه ؟
نظر له بدر بغيظ ومازال يتمدد أرضاً ساخراً بألم من سؤاله :
_ بتدرب علي طبقات الصوت ، هنهزر ! مش شايف يعني..ساعدني.
أقترب يمد يده ليساعده حتي جلس وهو يتأوه ليذهب سمير سريعاً ثم عاد بيده علبة الإسعافات ليجثي علي ركبتيه أمامه زافراً :
_ مش تاخد بالك ! ، أفرض مجيتش دلوقتي
مناتدش علي حد من أخواتك ليه ؟
تأوه بدر حين نزع القطعة عن جرحه ثم تأفأف بحنق :
_ مش طايق حد فيهم من امبارح.
ترفق سمير بمسح الدماء عن الجرح بالقطن يرمقه بتهكم :
_ ليه يا حزين !
أجابه بدر في ضيق :
_ ما انا حزين فعلا ، تخيل بعد ما انت روحت الشغل انا روحت أشيل الطاولة اللي في اوضتك انقلها لمكان تاني ، ومن غبائي شيلتها علي دماغي ولأنها تقيلة حسيت بدوخة ووقعت علي الأرض وهي فوقي..قعدت أنده وأصرخ عليهم يلحقوني مفيش حد رد..يا دامر يا سليم يا ساهر ياللي اسمك زينة..ولا حد رد وانا اغمي عليا خلاص.
رفع سمير حاجبيه بدهشة :
_ ياحبيبي..وحصل ايه ؟
أشاح بدر بيده بغيظ ساخراً :
_ فين بقا علي ما فوقت ولقيتهم قصادي..اللي كان نايم..واللي كان في الشغل..واللي كانت مخنوقة..واللي افتكرني بهزر ، اتخانقت معاهم امبارح ومبكلمش حد فيهم خالص.
رمقه سمير بتعجب :
_ وانت مساعدتس نفسك بنفسك ليه ؟
زفر بدر بأمتعاض :
_ ما انا حاولت قبل ما أنادي لحد ما استسلمت وعرفت ان محدش هيلحقني خلاص ، يبقي ليا حق مطيقش حد فيهم ولا لا.
ابتسم سمير علي تذمره الطفولي وهو يكاد أن ينتهي من تضميد جرحه قائلاً :
_ خلاص يا سيدي انا هكلمهم وأخليهم يعتذرولك.
رفع بدر حاجبه بتهكم يشير إليه :
_ انت ! ، وأنت فين أنت ما أنت غايب عن يومي وحياتي والشغل واخدك مني.
أمسك سمير بوجنتيه يهز وجهه بمزاح كأنه يداعب طفلاً وليس شاباً جامعياً :
_ وهو حد يقدر ياخدني منك يا صغنوني أنت يا حِلوة.
دفع بدر يديه عن وجنته رافعاً إصبعه بغيظ :
_ سمورة بليز مش وقت نحنحة واه الشغل اخدك مني ايه رأيك بقا.
أشار بيده رافعاً حاجبه صائحاً بنبرة أفزعته:
_ مالك يالا مش طايق حد كده ليه ما تقوم تديني قلمين احسن.
تنفس بدر بتزمر :
_ فيه ايه ياجدع بفضفض معاك اومال لو مفضفضتش مع ابويا هفضفض مع مين يعنــي ؟!
ابتسم دامر بدفئ يراقبهم بعينين حانية يود لو يشاركهم الحديث لكن كأنه ليس موجوداً فلم ينتبه أحداً منهما له حتي الآن ، زفر سمير بحنق من هذا الذي لن يتغير لكنه يشعر حقاً بضيقه من العائلة ثم هتف بجدية :
_ اسمع لو حد منهم اعتذر أقبل اعتذارهم وسامح..هما اه اتأخروا بس برضه لحقوك في الأخر وأنت زي القرد اهو يعني متكبرش الموضوع.
هتف بدر باستنكار :
_ انا برضه !
أجابه بنبرته الحادة التي تجفله دائماً :
_ اه انت وإياك متسامحش حد فيهم هوريك وشي التاني اللي انت عارفه كويس ليل نهار وأديني حذرت.
تنهد بدر علي مضض :
_ لا وعلي ايه كله إلا غضبك يا كبير ، خلاص هفكر وأشوف.
رفع حاجبه بجمود ليسارع بدر بقوله ببراءة :
_ دي حرية شخصية وانا قولتلك اهو افكر.
زفر سمير طويلاً :
_ ماشي ، قولي بقا كنت بتنقل الطرابيزة من مكانها ليه !
تنحنح بدر بابتسامة حمقاء واثقة :
_ كنت بحطها جنب الدولاب عشان أتعلي عليها و أخبي هدية عيد ميلادك فوق الدولاب عشان لما تدور عليها ، عشان تعرف بس إنك غالي وعالي عندي ازاي.
همهم سمير بجدية ليباغته بصفعة هبطت علي عنقه من الخلف امالته للأمام قليلاً فضحك بدر وتأوه في نفس الوقت يرفع كفه كدرع صغير وسمير يصيح به بعدم تحمل :
_ يعني عشان تعرفني اني غالي وعالي عندك ترفعلي الهدية فوق الدولاب !! ، انت دماغك دي ايــه بالضبط! جزمة قديمة ولا ايـــه هتجنني؟!!
هتف بدر ضاحكاً بشدة :
_ دماغي زي دماغك ما انت ابويا بقا..
قذف سمير علبة الإسعافات خلف ظهره يهم بأن ينقض عليه قائلاً بغيظ :
_ لا ده انت عايز تتربي تعال بقا..
ثم جذبه من عنقه يقربه منه بوعيد فرفع بدر يده يوقفه سريعاً بضحك :
_ خلاص خلاص آسف اهدي بس هقولك علي حاجة.
أجابه سمير بحدة يشدد علي عنقه :
_ لو هتعصبني بلاش منها.
نفي برأسه سريعاً فزفر سمير ولم يتركه :_ انطق.
ابتسم بدر غامزاً بعينه بمشاكسة :
_ بحبك.
رفع سمير حاجبه مبتسماً وصفعه بخفة علي وجنته بضحك :
_ وانا كمان يا بدورة بحبك.
صاح بدر ضاحكاً بمرح يهم باحتضانه:
_ أحبك وأنت مبتسم كده يا سمورة.
ثم قفز عليه يعانقه بقوة وأطرحه أرضاً ليتأوه سمير شاعراً بأن ظهره كُسر:
_ آآآه يا غبــي .
قهقه بدر عالياً وهو يعتدل سريعاً يساعده أن يجلس مجدداً وما أن فعل سمير ونظر إليه بغيظ لم يدوم امام ضحكات الأخر ليضحك سمير معه يدفعه بخفة ودامر يراقبهم ببسمة حزينة يتمني لو تدوم جلستهم تلك فكم يبدو رائعين سوياً ليقطب جبينه بحزن أكثر وهو يري ضحكات بدر تتوقف لتدمع عينيه فجأة ينظر إلي والده طويلاً هامساً بغصة :
_ ياريتك كنت معايا.
فتح دامر عينيه لينتهي الحلم السريع الذي كان غارقاً فيه فأعتدل جالساً يمسح علي وجهه بإرهاق وهو يستمع إلي أدهم الذي أيقظه من غفوته وهو يناديه بفزع فقد أعتقد أنه فقد وعيه وزفر أدهم بأرتياح قائلاً :
_ ايه يابني قلقتني عليك.
رمقه دامر بحسرة كم يود لكمه لأنه أيقظه من هذا الحلم النادر يقول في وجهه :
_ حسبي الله ونعم الوكيل.
رفع حاجبيه بدهشة يشير إلي نفسه :
_ بتحسبن عليا ! انا عملت ايه ؟!
تأفف دامر يمسح علي خصلاته بضجر :
_ مفيش حاجة..عايز ايه ؟
تنهد أدهم بهدوء :
_ مفيش جيت أشوفك فين ولما لقيتك نايم كده في العربية اتخضيت ليكون أغمي عليك ولا حاجة.
دلّك بأصبعيه بين عينيه يجيبه وهو يغمضها :_ انا كويس ، كلمت حد من البيت قولتلهم ؟
نفي برأسه وهو يرفع هاتفه الذي كان بيده :
_ لسه هكلم جواد وفهد أبلغهم ، مش هخليهم يجيبوا حد هنا غير الصبح .
اومأ دامر برأسه ثم خرج له من السيارة وأغلق الباب فنظر له أدهم ملاحظاً الإرهاق البادي عليه ليزفر قائلاً :
_ ما تروح ترتاح شوية أنت مش شايف نفسك !
تنهد طويلاً وأجابه بيأس :
_ ارتاح ايه بس..أنا مش هرتاح غير لما القرد اللي جوا ده يقوم بالسلامة ويكلمني وش لوش ، غير كده متحلمش.
رمقه أدهم بلا حيلة ليلاحظ اقتراب اللواء غنيم منهم حتي وقف أمامهم قائلاً بهدوء :
_حمدلله علي سلامة أخوكم يا دامر.
اومأ دامر برأسه :
_ الله يسلمك يا سيادة اللوا ، كان نفسي اقولك تعبناك معانا بس ده واجبك أصلا الصراحة.
ابتسم اللواء بخفة وربت علي كتفه :
_ يا سيدي تعبك راحة المهم إن العيال رجعت بالسلامة أينعم فيه خساير بس الحمدلله علي كل شيء.
ثم التفت إلي أدهم يشير برأسه :
_ امشي يالا قدامي وصلني بأي تاكس.
ضم شفتيه بامتعاض وهو يزيح دامر للجانب ليفتح باب السيارة الخلفي وهو يقول :
_ عربية صاحبي موجودة اتفضل.
استقل غنيم السيارة ليغلق أدهم الباب ويلتفت إلي دامر هاتفاً بجدية :
_ حاول متشدش مع سليم تاني..متزودوهاش علي بعض لحد ما يفوق بدر..سامعني !
اومأ برأسه للمرة الثالثة رابتاً علي كتفه ليردف أدهم وهو يفتح باب السيارة الأمامي :
_ راجعلك.
ثم أدار محركا لينطلق بها تاركاً دامر يقف متنهداً بحرارة وعينيه قد رأت وقوف سيارة سوداء بالقرب منه لتترجل ديالا منها بملامح يحتلها القلق وقد ألقت عليه نظرة صامتة وهي تتحرك مسرعة إلي داخل المستشفي فتنهد دامر للمرة الأخيرة والتفت يدخل هو أيضاً وهذا الحلم الصغير لا يبتعد عن باله يتمني أن يفيق بدر سريعاً ليحكي له عنه بالتفصيل.
********
ساورها القلق من هذه الطرقات الخافتة علي باب منزلها فأرتدت خمارها المنزلي الواسع وتحركت نحو الباب وما أن فتحته توسعت عينيها شاهقة بعدم تصديق وهي تراه يقف أمام عينيها مرة أخري..حيٌ يُرزق !
خرجت أنفاس رامز المتعبة وعينيه الدامعة تحكي لها عن الوجع بداخله هامساً بتحشرج واحتياج :_ أمي..
اندفع دافناً رأسه في عنقها يضمها بقوة ويبكي كما لم يبكي من قبل لترفع سهير يديها بلهفة
وقد جرت الدموع علي وجنتيها بسرعة تتلمس جسده مراراً لعل تستوعب أنه هنا بين ذراعيها وليس وهماً ..لقد عاد لها حياً ليس ميتاً كما حدث مع داليدا..لتغمض عينيها بشدة تطلق صرخة مشتاقة تزيد من ضمه بين ذراعيها بجنون وهي تبكي بغزارة تهذي بالحمدلله دون توقف..
********
تم إخلاء سبيل روي ورفاييل بعد أن أفصحوا عن أقوالهم كما ساعدهم هو إعتراف فرانكو بأنهما بريئون وهو المذنب من فعل كل شيء ليعرض عليهما ضابط الشرطة أن يصلهما إلي المستشفي التي يرقد بهما أخيهما وقد وافقا بالفعل دون تردد وانطلق الضابط بسيارته الخاصة ورفاييل يجلس يشبك يديه معاً لا يتوقف عن الدعاء لأخيه في حين حالة روي تختلف عنه فقد كان يسند رأسه علي نافذة السيارة غامضاً عينيه بألم وقلبه ينبض بصخب يتمني أن يطيل الطريق..فهو يعرف جيداً ما سيلاقيه هناك في المستشفي.
........

تتوقعوا سيلاقي ايه🙂💔
اعتذااار كبيير لنزول البارت دلوقتي لأن والله النت فاصل من اول اليوم والباقة معلقة فلقيت الحاج شحن كارت ومخبي فجريت أسحب منه و نزلته علطول وحقيقي بحمد ربنا إنه فصل طول اليوم عشان مكسلش عن نهاية البارت واقعد ألف فـ الواتس والفيس والذي منه وكمان فصله إداني مساحة في تفصيل المشاهد عشان يطلع بالشكل ده في الآخر أتمني ينال إعجابكم وألاقي تفاعل حلو وكومنتات كبييرة كدا تفرح قلب الإنسان في الأيام الحلوة المباركة دي❤❤❤

قسوة ثم حنين 2 ( كاملة )Where stories live. Discover now