الفصل الخامس والثلاثين

6.8K 524 204
                                    

ما أصعب الفراق !.. مُتعب أليس كذلك !
فهو يرهق الروح ويتعب العقل ويدمي القلب ويثقل أنفاسنا ، شعور مؤلم بكل ما تعنيه الكلمة نجاهد ونجاهد كي نتخطاه ونمضي قدماً لكن كأنه يأبي تركنا لنعيش بسلام فيجذبنا نحوه أكثر يغرقنا بداخله كأنه وحش طفيلي يتغذي علي آهات أرواحنا بتلذذ ثم يتركنا مرة أخري حتي نحصل عليها من صعاب الحياة ليعيد الكرة مرة أخري ويتعاظم أكثر يمدنا بالألم بداخلنا أكثر وأكثر حتي تكاد أرواحنا أن تُزهق للأبد.
شعور أن شخص كان أمام عينيك بالأمس..غير موجود اليوم ، استمعت إلي صوته في الواقع بالأمس..واليوم صوته أصبح داخل عقلك فقط ، لهفة..رعشة..خوف..صدمة..كل شعور منهم يجلد روحنا جلداً قاسياً بعد أن تأتينا فاجعة موت أحدهم خاصة إن كان من العائلة..أب..أم..أخ..أخت..ابن..ابنة ؛ أشخاص عشنا معهم منذ ان جئنا إلي الحياة..تربيناً معاً..لعبنا معاً..تجادلنا معاً..ضحكنا معاً..
ومهما كان يحدث بيننا من تجادلات ومشادات يبقي الود متصلاً من القلب إلي القلب..لكن
ماذا إن جاءت اللحظة الحاسمة..التي تجد بها فرداً من عائلتك يتلاشي تماماً من حياتك ولم يعد له وجود !..ذهب بلا عودة !
خواءٌ..
خواءٌ..
خواء..
؛ القلب خواء والعقل خواء بل الحياة بأكلمها أصبحت خواء وأمنيتك الوحيدة التي لن تنساها ولو للحظة طيلة حياتك..هي أن يعود الراحل مجدداً..يعود ولو لمرة واحدة فقط للحظات وليس لدقائق كي تعانقه بشدة وتشتم رائحته تملئ رئتيك منها ثم يذهب مجدداً..
لكن الموت لا يترك من أخذه مرة أخري حتي قيام الساعة..لكن أتعلمون عند موت أحدهم.. رغم الحزن والصراخ والكسرة والبكاء ووجع القلب الذي سنعيش بهم لأيام لا تحصي.
هناك جملة من خمس كلمات لم تفشل مرة في طمأنتنا وأن كل هذا سيمر..لأن هي " إنّا لله وإنّا إليه راجعون "..ما أعمقها وأهدئها !!
وهنا في الشقة الواسعة حيث يملئ الحزن هواءها وتغيم الكآبة في أرجاءها لأن الموت زارها وأخذ روحاً كان فرداً بمثابة عمود العائلة الصغيرة جداً وحين أُخذ العمود انكسر ظهرها وعمَّ الألم في قلوبها.
تجلس داليدا علي الأريكة تسند رأسها الثقيلة علي كف يدها تتحلي بالأسود الحالك حزناً علي فراق وليدها ، عيناها المتورمة تحكي ألماً بشعاً عاشته طيلة أيام ودموعها الغزيرة التي لم تتوقف عن الهبوط وحرق وجنتيها ولو لحظة .
عينيها..وآه من عينيها الدامعة بقهر عظيم وهي تتحرك ببطئ في أرجاء الشقة ولا تري سواه..ابنها الغالي يتحرك حولها كالطير..هنا علي الأريكة حاورها كصديقته يفضفض لها عن همه..وهناك بجانب الباب ألقي مزحة معها وتعالت ضحكاتهم يضرب كفها بكفه قبل أن يرحل..هنا يقف معها بجانب طاولة السفرة يناقشها في أمراً ما برفق ومن ثم أيضاً تعالت ضحكاتهم حين اتفقنا به..وهناك علي الطاولة التي تتوسط الصالة يجلس أرضاً بجوار شقيقته الصغري يراجع لها دروسها ويمازحها بمرح حين تخطأ...وهنا في الركن المخصص للصلاة يقف يأمها في صلاتهم بكل خشوع وصوته يلمس القلب من شدة جماله في ترتيل القرءان الكريم.
كان مثالياً..حنوناً وعطوفاً وذو عقل رائع ورحيم فقد جاهدت في تربيته جهاداً كبيراً ولم تهمله خاصة في أمور الدين التي علمتها له منذ صغره والتي كانت سبباً في جعله رائع هكذا كما كان.
تنهدت داليدا بحرارة ومن بين دموعها ابتسمت بحزن حين جاءتها ذكري ما برفقته فأغمضت عينيها تعيشها داخل عقلها ودموعها تهبط أكثر بوجع.
********
علي طاولة الطعام كان فرانكو يترأسها وعلي يمينه يجلس روي يليه رفاييل بينما علي الجهة المقابلة لهم يجلس الضيفان عثمان وبجانبه جوناس ، جميعهم يتناولون الغداء بهدوء بينما روي يُحرك عينيه الثاقبة علي الضيفين الغليظين علي قلبه ومنذ أن قابلهما لا يشعر لهم بالإرتياح أبداً..حسناً قد تكون تلك عادة أنه دائماً تساوره الريبة حين يقابل الغرباء لذلك أتخذ هذه النقطة في التخفيف من تفكيره الكثير بهم ويفضل الصمت حين يجتمع بهما.
لم يغفل عثمان عن نظرات هذا الشاب الوسيم له الذي شعر بنفوره منه منذ جاء إلي منزلهم ولم يطيقه هو أيضاً لكنه يخفي ذلك ببراعة حتي لا يلاحظ فرانكو الأمر لكنه لم يمنع نفسه من إرسال بضع نظرات باردة نحو روي ليبادله الأخر بنظرات أكثر برودة وحنق كبير.
قطع نظراتهما المريبة إلي بعضهما هو تحدث جوناس بلكنته الإنجليزية المتسائلة يوجه حديثه إلي رفاييل قائلاً :
_ إذاً رفاييل ، ماذا تعمل ؟
رفع عينيه نحوه بهدوء فغالباً ما يحدث تحاور بينهما وأجابه متناولاً كأس الماء :
_ أنا أعمل في البرمجيات.
قطب جوناس حاجبيه بتعجب :
_ هذا يعني أنك لا تعمل في شركات والدك ؟
ضم رفاييل شفتيه ولم يعلم لماذا حثته نفسه علي الرد ببرود مغلقاً الحوار :
_ لا أحب إدارة الأعمال..ولا رجالها.
قطب حاجبيه أكثر بحنق من إجابته المحرجة والتي وصل أثرها إلي عثمان الذي تنحنح ببعض الإحراج يشيح بوجهه عنه بينما حدق فرانكو بأبنه بحدة فزفر رفاييل يغمغم بأقتضاب :
_ آسف.
نظر روي لأخيه بشبه ابتسامة جانبية وقد راق له ما فعله لكن التفتت رأسه إلي عثمان الذي تنحنح يوجه له الحديث يحاول خلق حوار بينهم :
_ حسناً وأنت "روي" ما عملك ؟
تجمدت ملامحه ببرود ولم يتردد عن قصف جبهته بقوله :
_ هذا ليس من شأنك.
كتم رفاييل ضحكته بصعوبة يغطي بوجهه بيده فهو يعلم تماماً بغضه إلي عثمان هذا ، في حين ضيق عثمان عينيه بحنق وقد حدق فرانكو بأبنه الأكبر بغضب مما جعل روي يرفع حاجبه بهدوء يتحدث إليه :
_ ماذا ! ، أنت تعلم إنني لا أحب الحديث عن عملي ، هذا خاص بي فقط.
زفر فرانكو يجيب عن سؤال عثمان :
_ إنه لديه مطعم كبير خاص به..فقد كان حلمه أن يمتلك واحداً والآن يعمل علي أن يجعلها سلسلة مطاعم.
أراد عثمان أن يثأر لإحراجه فنظر إلي روي بسخرية يغمغم :
_ عمل جيد ، وماذا تقدم بها وجبات سريعة أم سمك ؟
ابتسم روي بتهكم محافظاً علي بروده :
_أقدم بها قصف للجبهات..هل تريد واحدة !
ضم عثمان شفتيه بغيظ وقد ضاق ذرعاً من هذا الشاب وقبل أن يهم بالحديث مجدداُ قاطعه دخول أحد الرجال الحراس بحلته السوداء الرسمية يتجه نحو فرانكو ثم مال يهمس بكلمات في أذنه فأومأ الأول بجدية وهمس له أيضاً بجملة ثم أشار له أن يرحل.
وبعد أن فعل نظر فرانكو إلي أبنيه قائلاً ببسمة صغيرة :
_ أريد منكما ان تحزما أغراضكما استعداداً لرحلة رائعة إلي الغردقة..إنها حقاً مكان سياحي ساحر.
دُهش روي مما هتف به ينظر له :
_ ماذا ؟
ألحقه رفاييل بقوله المتعجب بحاجبين مقطبين :
_ أنت تمزح يا أبي صحيح ؟
نحن هنا من أجل عملية جوني ليس للتنزه في مصر.
ثم أردف روي مرة أخري :_ هذا لن يحدث ، كيف تريد منا أن..
هتف فرانكو يشير لهما بيديه بتمهل يقاطعه
:_ اهدأوا قليلاً لما لا تنتظرا حتي أكمل حديثي ! ، إننا فقط سنقضي هناك يومين حتي تتحسن نفسية جوني أكثر ومن ثم نعود في اليوم الثالث الذي ستحدث به العملية ، ستذهبا انتما اليوم بعد ساعتين وبالليل سألحق أنا وجوني بكما فأنا أريد التحدث معه قبل أن نذهب.
زفر روي يخفي ضيقه وحدق به بجدية :
_ أبي إنه بخير ، لا داعي لكل ذلك.
أصر فرانكو علي ما يقول بجدية :
_لا يا روي يوجد داعي فأنا أيضاً أريد أن أريكم ثلاثتكم شيئاً ما هناك في الغردقة ، شئ مهم كثيراً لي.
رغم تعجبه الكبير لكن اومأ برأسه علي مضض ثم زفر بهدوء يشير إلي الضيفين :
_ وماذا عنهما ؟
تولي عثمان الإجابة بدلاً عن الوالد بجدية :
_ سنرحل اليوم عصراً ، لا تقلق.
لم يطيق روي الجلوس أمام وجهه البغيض أكثر من ذلك لذا وقف زافراُ وهو يتحرك :
_ سأذهب لأري جوني.
هتف رفاييل وهو يقف عن مقعده :
_ أنتظر سأتي معك.
رفع فرانكو صوته يؤكد عليهما بصرامة
:_  احزما أغراضكما الآن ، ستتحركا بعد ساعتين.
تحرك رفاييل بجانبه يصعدا الدرج ثم تنهد هامساً :_ ربما أنت محق ، هو يخفي شىء ما لا يود أن نعرفه ،  لم يكن ينظر إلي أعيننا وهو يخبرنا بهذا الأمر ونحن نعلم أنه يفعل ذلك حين يكذب.
نظر روي إليه يزفر بحنق :
_ انظر لقد سئمت من التفكير والاعتقاد ، هو لم يفعل شيئاً خاطئاً إلي الآن لذا سأتوقف عن التفكير حتي تتم عملية جوني لأن هذا أكثر أمراً يهمني ، وأياً كان ما يخفيه عنا سيُكشف في وقت ما لذلك توقف أنت أيضاً عن التفكير فـ جوني يحتاج إلينا ، حسناً ؟
تعجب رفاييل من تبدل حاله لكنه رضخ إلي كلامه واومأ برأسه ثم لحق به إلي الأعلي.
طرق روي علي الباب ففتح رجلاً مسناً بوجه بشوش يعمل جليساً دائماً لأخيهم فدخل يلقي التحية عليه ثم نظر إلي أخيه ليجده بكرسيه المتحرك أمام الفراش فأقترب منه مبتسماً يجلس أمامه علي حافة الفراش :
_مرحباً يا فتي.
جلس رفاييل بجواره يبتسم بمرح :
_ كيف حالك يا وسيم ؟
نظر جوني إليهم بابتسامة سعيدة قائلاً بحماس :
_ جيد أنكما هنا ، انظرا.
ثم أشار علي قدمه فنظر الشقيقان ليجدا أنه بدأ بتحريك أصابع قدمه اليمني مما يعني بداية شفائه من الشلل النصفي فأشرق وجههما بسعادة وهتف رفاييل بضحكة فرحة :
_ يا إلهي هذا رائع جداً.
هتف روي وسعادته لا توصف بابتسامة :
_ جوني هذا عظيم كيف فعلت ذلك ؟
أجابه بابتسامة واسعة لا تمحي:
_ لقد حاولت كثيراً بالأمس ولم أيئس أبداً حتي استطعت أن أحرك أصابعي ، روي سأستطيع أن أمشي مجدداً ، صحيح ؟
اومأ روي برأسه مبتسماً بدفئ وأمسك يده بحنو يغمغم :
_ بالطبع تستطيع يا صغيري ، ونحن بجانبك سندعمك حتي تفعل ، أليس كذلك يا رفاييل ؟
عبث رفاييل بخصلات أخيه الأصغر بمزاح
:_ أجل سنفعل ذلك يا وسيم
تمسك جوني بيده ينظر لهما بابتسامة حانية فخوراً بهذان الشقيقان الرائعان :
_ أحبكم يا رفاق.
لكن وضع يده علي قلبه حين باغته ألم حاد به يئن بألم فتلاشت بسمة روي يقطب جبينه بقلق :_ جوني هل أنت بخير ؟
هز رأسه بوهن يتمتم :
_ أجل إنه فقط..قلبي..أشعر به يضعف أكثر يوماً بعد يوم وأشعر أن نبضاته قاربت علي التوقف.
نهره رفاييل بجدية :
_ مهلاً لا تقول ذلك ، حسناً ؟ ، والدنا أخبرنا منذ قليل أن العملية ستحدث بعد يومين ، فقط لا تيأس و كن قوياً لأجلنا قليلاً يا جوني.
تنهد جوني بحرارة وهو يمسد علي قلبه :
_ لا أصمد إلا لأجلكم يا رفاق ، فهناك أشياء كثيرة أود أن افعلها معكما ، وأجل قد حادثني أبي مساء الأمس عن موعد العملية..أنا حقاً أتشوق لرؤية هذا الذي سيمنحني قلبه ..أريد أن أعرف ما المقابل ولماذا سيفعل هذا..أبي أخبرني أنه سيفعل لأجل عائلته الفقيرة لكني أريد أن أعرف ما السبب الرئيسي منه شخصياً.
تنهد روي بهدوء :
_ سوف نراه يوم العملية ونعرف كل ذلك ، هل أخبرك أيضاً عن رحلة الغردقة اليوم؟
اومأ جوني زافراً بحيرة :
_ أجل أخبرني ، لكن أخبرته أنه ليس هناك داعي لذلك لكن كأنه يصر علي ذهابنا لذا وافقت ، أشعر بالحيرة مما سوف يريه لنا هناك
لطالماً كان أبي غامضاً في بعض الأمور.
ابتسم روي علي مقولته الأخيرة وبداخله ساخراً لكنه هتف بضحك:
_ أجل إنه حقاً غامض.
ثم نظر إلي رفاييل ليتطلعا إليه هاتفين بصوت واحد ضاحك يمازحانه :_ وأنت كذلك.
ثم أقتربا منه ليبدأ روي بدغدغته ضاحكاً وهو يحادثه عن أفعاله الغامضة حين كان صغيراً وشاركه رفاييل في أقواله بضحك يعبث بخصلاته وجوني يضحك بشدة يحاول إبعاد أيديهم عنه صارخاً أن يتوقفا لكنهما لم يفعلا وتابعا المزاح معه ساحبان منه كل همّ وألم دون أن يشعروا..فهذه هي الأخوة..مداويون لجروحنا ومُساندونا وقت الصعاب.
********
عودة إلي طاولة الطعام حيث يجلس ثلاث أشخاص تشابهت قلوبهم في قسوتها وبعد أن صعد الشقيقان إلي الطابق العلوي التفت فرانكو إليهما قائلاً بجدية :
_ لقد وصل الشابين إلي هنا.
ابتسم جوناس بحماس :_ ممتاز.
نظر فرانكو إلي عثمان الصامت متسائلاً :
_ هل تحدثت إلي الطبيب ؟
تنهد عثمان بثقل وأجابه بهدوء :
_ أجل سيحضر إلي هنا مع مساعديه بعد عدة ساعات ، وسيذهب بعضاً من فريقه إلي الشباب الأخري حتي ننتهي من كل ذلك اليوم.
همهم فرانكو ثم حدق به بجدية :
_ من هو الذي تطابقت عيناته مع جوني ؟ ،   
ابنك أم الشاب الأخر ؟
صمت عثمان للحظات طويلة قبل أن يتنهد طويلاً ينظر له بجمود :
_ ابني..يدعي زين.
رفع فرانكو حاجبيه وقد تفاجأ قليلاً لكنه لم يكترث وأردف بتحذير :
_ ليس هناك رجعة عثمان ، لقد اخترت وقُضي الأمر.
اومأ برأسه بجمود يغمغم قاتلاً بداخله أي شعور :_ أعرف.
زفر فرانكو بهدوء وأخبرهم بجدية :
_ لقد أخبرت الحارس أن يقيدوهما في القبو ويحرصا علي ألا يستعيدا وعيهما إلي أن يرحل روي ورفاييل من هنا.
هتف جوناس بشراسة :
_ لكني أود الترحيب بأبن سمير المالك بنفسي.
أجابه بنفس الجدية لكن احتدت قليلاً :
_ اسمع..لقد أحضرته إلي هنا من أجلك كي تفعل به ما تشاء قبل موته لكن لا تتهور فأنا مازلت أريد أعضاءه في الصفقة هل تفهم ؟
زفر جوناس بحنق وتركهم ذاهباً إلي غرفته.
ليحدق فرانكو بعثمان الذي عاد إلي شروده مرة أخري في الفراغ رغم ثبات ملامحه وفشل فرانكو في معرفة ما يفكر به رغم فضوله الذي يريد معرفة لما سيقدم ابنه قرباناً للموت ولماذا هو بهذا الجمود أهل هو متردد أم لا يبالي حقاً ؟ ، هز رأسه يقتل بداخله فضوله ولم يعد يكترث للأمر .
********
حزم روي ورفاييل أغراضهما وهبطا إلي خارج الڤيلا حيث تقف سيارة سوداء وبجانبها حارسين ليأخذ احدهما الحقائب ويضعها  بالسيارة من الخلف وعقب صعودهما استقل الحارس مقعد القيادة والأخر بجانبه ثم انطلق بالسيارة حتي خرج من البوابة وبدأ في السفر إلي الغردقة.
********
عاد إليه وعيه ببطئ شديد ليحرك جفنيه الثقيلة يجاهد لفتح عينيه يشعر بخدر حاد يحتل كامل جسده وبعد عناء فتحها أخيراً بإرهاق تلاشي تدريجياً وهو يحرك رأسه للجانبين يتطلع إلي القبو باستغراب يهمهم أسفل اللاصق الأسود الي يكمم فمه، أخفض رأسه يحدق بالأحبال التي تقيده في هذا الكرسي بقوة فحاول أن يتحرر منها يحرك ذراعيه بعنف لكن دون جدوي ، ارتفعت أنفاسه بصدره و حانت منه التفاتة برأسه إلي جانبه الأيمن فرأي زين مقيداً مثله علي كرسي وقد كان مستيقظاً ينظر أمامه بجمود ، همهم بدر بأسمه بحاجبين مقطبين حتي نظر له زين أخيراً فظهرت عينيه المهتزة له ، تعجب من حالته خاصةً حين حرك زين رأسه يشير بها إلي الباب الذي يبعد عنهما عدة أمتار ، نظر بدر حيث أشار ورأي الباب مفتوح علي مصراعيه ليدخل منه رجلاً يحمل بين يديه كرتونة كبيرة قليلاً يمر دون أن ينظر لهما حتي ابتعد عنهما ووصل إلي ركن جانبي ما أن رأته عيني بدر توسعت بشدة وانتفض قلبه بهلع وعينيه ترتكز  علي فراشين معدنيين بشكل مستطيلي وُضعا متوازيين و فراش ثالث بجانبهم علي طرف أخر ، وهناك يقف رجلاً أخر لاحظه للتو يخرج معدات طبية جديدة مختلفة من كرتونة ما يضعها علي الطاولة الخشبية وانضم له الرجل الذي دخل الآن وبدأ بإخراج معدات أخري من الكؤتونة التي كان يحملها وكلاهما صامتان لا يتحدثان ، أرتعد بدر من هذا المشهد الذي أشبه بمنصة الإعدام وهذان الرجلان يجهزانها خصيصاً من أجلهما لكن بطريقة أخري أبشع.
ثم التفت بعينيه المتوسعة ورأسه إلي زين يسأله بعينيه الخائفة أتلك النهاية ؟ لن ينقذنا أحد !..
بينما زين هادئ تماماً يهز رأسه نافياً بيأس وقهر عظيم يلمع بعينيه..لقد فات الآوان واقتربت نهايتنا..علي يد من ناديته يوماً أبي.
********
ارتفعت أعينهم إلي باب القبو حيث دخل جوناس بخطي ثابتة يقترب منهما ببسمة خبيثة قائلاً بلكنته :
_ مرحباً بالشقيق الأصغر لدامر و سليم المالك.
توقف أمام بدر الذي طالعه بعينين حادة تذكره فقد أراه سليم صورته من قبل حين خُطف الأطفال وكم ود أن يقابله ليجازيه عما فعله بصغاره وجهاً لوجه لكن لم تسنح الفرصة لذلك بسبب القبض عليه ولم يكن يعلم بأنه قد هرب من السجن لتمر أيام طويلة ويقابله الآن للمرة الأولي لكن بوضع يُقهر ، مد جوناس يده يزيل اللاصق عن فمه بعنف ومال عليه قليلاً يبتسم بخبث يهتف باللهجة المصرية:
_ أنت عارف كنت مستنيك ازاي ! ، انت نقطة ضعفهم الوحيدة اللي هعرف أكسر بيها عينهم.
رمقه زين ببغض بينما بدر لم يفعل سوي أن ضحك بإتساع :
_ جبان..أنت جبان لأنك مبتقدرش تواجههم شخصياً وش لوش وبتهجم من ورا..مرة عيال صغيرة..مرة أنا..وياتري المرة الجاية ايه ؟
ابتسم جوناس بشراسة :
_ مفيش مرة تانية لأنك هتكون الأخيرة ، أما عني فهعيش برا بعد ما أحرق قلبهم عليك.
لوي بدر شفتيه بتهكم :
_ ولو روحت فين هيلاقوك ، وهيحرقوك حي.
ضحك باستهزاء وأعتدل بوقفته :
_ اذا كانوا مش قادرين يلاقوك أنت وأنت في نفس البلد ، هيوصلولي انا ازاي في أخر بلاد العالم !
تبسم بدر بتهكم رغم تألم قلبه من جملته الأولي وهتف واثقاً في أخوته أو يتصنع ذلك :
_ أكيد عملوا اللي عليهم.
هتف ضاحكاً بثقة :
_ وبرضه موصلوش ليك وأهو زي ما أنت شايف منصة موتك جهزت ، ومتقلقش هيتم تصوير مشهد موتك لحظة بلحظة ، رغم إني كان نفسي أقتلك بأيدي بس تفريغ جسمك من الأعضاء والاستفادة منها بالفلوس فكرة أفضل بكتير..وهتحسر أخواتك أكتر.
ثم تنهد بخفة يمسد علي وجنته قائلاً وبدر ينفض وجهه بأشمئزاز :
_ بس ده ميمنعش إني أتسلي معاك شوية.
وعقب كلمته الأخيرة باغته بلكمة قوية في قكه أدارت وجهه للجانب ليكتم بدر أنينه غامضاً عينيه بشدة وارتفع صدره بأنفاسه من الغضب والعجز ثم نظر له بحدة هامساً :
_ مش قولتلك جبان.
استفزته تلك الكلمة فصرخ به بشر :
_ أنا مش جبان..أنا واحد هيعمل أي حاجة عشان ينتقم لأبوه اللي أخوك سليم موته بحسرته جوا السجن.
ضم بدر شفتيه متهكماً يغمغم بكُره :
_ يبقي تعمل كده وأنت راجل..اثبتلي إنك مش جبان وفُكني وانتقم مني وأنا حر مش متكتف
فُكني عشان تتسلي عليا براحتك وأنا أعرف أدردش معاك شوية علي وشك.
اثني جوناس فمه بسخرية يجيبه بعدم اكتراث وحدة :
_ متستاهلش أضيع وقتي معاك فياريت تسكت وتخليني أشفي غليلي من أخوك شوية.
ثم سدد له لكمة قاسية علي فكه ولم يمهله ثانيةً وباغته بأخري جعلته لم يقو علي كتم أنينه وهو يشعر بطعم الدماء اللاذع في فمه بعد أن نزف ، لكمات ساحقة بها شر العالم أجمع يسددها له جوناس بوحشية بينما زين يصرخ بصوت مكتوم اسفل اللاصق بأن يتوقف ويبتعد عنه يتحرك في كرسيه بهستيرية وقلبه يرتجف من الخوف وهو يري وجه بدر يكاد أن يُدمي من الضرب الذي يتلقاه ، دخل رجلين إلي القبو يتجها نحو زين
ثم يفكا قيوده فحاول زين أن يركض إلي بدر كي ينجده ومازال يصرخ بصوته المكتوم أسفل اللاصق الذي لم يزل بعد لكن جذبه الرجلان بعنف يتحركا به إلي خارج القبو تاركان هذا اللعين يفرغ غضبه بقسوة أعمت عينيه لسنوات..
وبداخل الڤيلا..
دفع الرجلان زين ليقع أرضاً فرفع عينيه ليجد أحداً يقف أمامه بحذاء أسود لامع ليحرك عينيه تدريجياً لأعلي حتي ظهر وجهاً ينظر إليه من علو بثبات لا يزول..وجهاً تشوق لرؤيته ليبوح به بأسئلة لا تحصي فأعتدل ببطئ جالساً علي ركبتيه وعينيه تنظر له بتوهان وألم فاق طاقته ودموع تجمعت بعينيه لا إرادية ، تنفس عثمان بعمق ومال قليلاً يجذب اللاصق من علي فمه يرميه أرضاً
لينطق زين بصوت جاهد للخروج بكلمةٍ كتمها بداخله لأيام ثقيلة حتي يراه لتخرج نبرته واهنة بأهتزاز :
_ ليه ؟...ليه ؟
حدق به عثمان بجمود ألتصق بكلماته التي طعن بها قلب هذا المسكين طعناً بلا رحمة :
_ لأني بكرهك يا زين..بكرهك وبكره ليث
وديالا حتي ريم كرهتوني فيها..بكرهكم كلكم ومش عارف أبطل كرهي ليهم.
ابتلع زين غصته التي آلمته وهمس بوجع :
_ ليه ؟..عملنا ليك ايه عشان تكرهنا بالطريقة دي ؟
أجابه بغلّ جعله في عينيه كالمجنون حقاً لا يستحق أبداً ولو حرفاً من كلمة أب :
_ عملتوا كتير..تجاهلتوني كتير ومسمعتوش كلامي كتير ودايماً واقفين مع بعض ضدي في أقل حاجة بعملها حتي أمكم كانت بتعارضني عشانكم ، وأنت..أنت بالذات عارضتني أكتر واحد ودايماً لاصق في ليث زي ضله وأنا كأني مش موجود في حياتك.
وقف زين تزامناً مع هبوط دمعتين حرقتا وجنتيه من سخونتهما يرمقه بقهر لا يُوصف وارتعش صوته أكثر :
_ للأني ..مملقتش منك حب..ملقتش منك اهتمام كأب يحسسني إني مهم عندك..
ملقتش منك غير عصبية وزعيق وعدم اهتمام بأي حاجة تخصني حتي لما كنت صغير بجري عليك أقولك علي حاجة وانا كلي حماس وفرحة كنت بتحبطني بردة فعلك المتجاهلة للحاجة وشايفها تافهة رغم إنها تهمني...مرة ورا مرة ورا مرة في خلاص سنة ونص بالضبط نجحت إنك تخليني أحس إني مليش لازمة في البيت أو في الدنيا كلها..خليتني أحس إني نكرة بجد ..متخيل طفل تسع سنين شاف أبوه وهو بيزرع جواه إنه نكرة من غير ما يحس لحد ما صدق إنه نكرة خلاص !
طبيعي هيدور علي حد يعرف قيمته وأكيد مش هيلاقي أحسن من أخوه ..
حتي ليث وديالا كنت بتزعق فيهم وتعاقبهم لمجرد إنهم مش متفقين معاك في حاجة !
وبعد ده كله انت اللي بتكرهنا ؟
ختم كلماته صارخاً بقهر ويراقبه عثمان بلا أي شعور سوي تبلد القلب وقسوة الملامح هاتفاً بجمود :
_ أيوة بكرهكم..وأنا جايبك هنا عشان أنتقم وأرد حق غضبي منكم طول السنين دي.
همس زين بألم :
_ ومصارحتناش بشعورك ده ليه ؟ جربت في مرة تقعد مع حد فينا و..
قاطعه عثمان بصرامة حادة :
_ أنا مش جايبك عشان نتكلم في الماضي ونعاتب بعض علي حاجات خلصت خلاص ،
وده غير إني عايز انتقم أنا جايبك هنا تعمل خدمة إنسانية هتشكرني عليها لو اتقابلنا تاني.
ثم أمسك يده يجذبه خلفه ليصعدا الدرج إلي الطابق العلوي وهو يتحرك معه بتوهان حتي وصلا إلي غرفة ما كان بابها مفتوح ، فدخل عثمان و دفعه بحدة أوقعته أرضاً علي ركبتيه أمام الكرسي المتحرك حيث يجلس جوني الذي تفاجأ بما يحدث وتوسعت عينيه باستغراب ، رفع زين نظراته يحدق بهذا الشاب الأجنبي الذي يماثله في العمر وقطب جبينه أيضاً باستغراب لا يفهم ما يحدث ، دخل فرانكو إلي الغرفة بجمود يبتسم كأن لا يحدث شيئاً ووقف بجانب عثمان يوجه حديثه إلي ابنه :
_ يا ابني ، أعرفك علي المتبرع بقلبه لك..إنه يدعي زين.ابن عثمان.
اضطربت عيني جوني بعدم فهم وهتف بريبة وقلق :
_ أبي ماذا يحدث ؟ ماذا تفعل ؟
وقف زين يتنفس عالياً والتفت برأسه إلي عثمان بأنفاس عالية هامساً بعدم تصديق :
_ انت ناوي تعمل فيا ايه ؟
أجابه عثمان مبتسماً بثبات :
_ اخترتلك موتة اشرف من سرقة الأعضاء ، ده جوني ابن السيد فرانكو ده..عنده تضرر في القلب ، ومحتاج زرع قلب جديد..ولحسن الحظ او لسوءه انت الشخص المناسب للتبرع.
شعر زين بكتفيه يتخدل من ثقل الخذلان الذي يتلقاه ممن يدعي والده هذا فرفع يده يشير إلي جوني بخذل وقهر :
_ انت بتضّحي بأبنك..عـ عشان واحد زي ده متعرفهوش يعيش !
تولي فرانكو الإجابة بهدوء في نفس اللحظة التي دخل بها رجلان إلي الغرفة يقف خلفه :
_ المال يفعل كل شىء يا فتي ، الآن أعذرنا يجب أن تذهب إلي القبو مجدداً فالعملية ستحدث في غضون ساعات قليلة..حاول أن تودع صديقك الذي بالأسفل.
ثم أشار إلي الرجلين الذين تقدما نحو زين الذي تراجع للخلف يرتعش بخوف وعدم تصديق وقد هبطت دموعه مرة أخري ليجذباه من ساعِديه بقوة إلي الباب وهو ينظر إلي عثمان يصيح ببكاء للمرة الأخيرة باستنجاد بأبيه لعل يستمع إلي نداء ابنه :
_ ببابا متعملش كده..أرجوك متعملش فيا كده..انا عايز أعيش أرجوك يا بـــابـــا..متعملش فيــا كــده..
اخرجه الرجلان من الغرفة وهو مازال يصرخ لكن لا حياة لمن تنادي فقد يقف بجمود رغم نغزة قلبه التي آلمته وهو يستنجد به أن يساعده بهذه الكلمة"بابا" التي نادراً ما ينطقها لكن رفع رأسه بشموخ يغلق قلبه عن أي شعور فهو يري هذا الصواب وسيفعله مهما كان..
وأثناء حدوث ذلك استغل جوني اللحظات وأمسك هاتفه الذي بجواره علي الكرسي المتحرك دون أن يرفعه يلمس بأصابعه سريعاً يكتب رسالة إلي أخيه روي يسنتجد به فهو يشعر بالخطر قريباً منه وللأسف هو يفهم العربية قليلاً وقد فهم بضع كلمات مما قاله ذلك الرجل البغيض ، لكن لم يستطع الشرح أكثر لأنهم أخرجوا زين بالفعل فلم يبقي سواه معهما فأخفي الهاتف سريعاً ونظر بتوتر إليه هاتفاً بغضب لم يستطع كتمه :
_ ماذا يحدث هنا يا أبي ؟ ، من هذا الشاب وماذا يفعل هنا ؟ ،  أخبرني الآن ماذا يحدث بحق السماء ؟
أقترب فرانكو حتي وقف أمامه يحيط وجهه بحنان يخترع كذبة أخري :
_ لا تقلق يا عزيزي هذا الشاب هو المتبرع وسبب صراخه هو أنه قد رفض أن يتبرع بقلبه بعد أن وافق في البداية ، لكنني لم اقبل برفضه لأنني بالفعل أعطيته المال ولكن الآن هـ..
قاطعه جوني يدفع يده بعصبية صارخاً :
_ كفاك كذباً يا أبي ، أخبرني بالحقيقة..أنت تفعل شىء خاطئ أليس كذلك ؟
حسناً اكتفي فرانكو بالكذب الذي قاله اليوم منذ بدايته ونظر إلي أبنه بجمود :
_أجل يا ابني أنا أكذب ، أنا أفعل شيء خاطئ ومُحرم أيضاً و زين هذا لن يفعل العملية بإرادته بل نحن من اختطفناه وأحضرناه إلي هنا لتتم العملية..اليوم.
ذُهل جوني مما يثرثر به والده الذي لم يتوقع أبداً أن يفعل هكذا شئ ونفي برأسه بذهول رافضاً هذا الحديث :
_ ماذا ؟!..لا لا يا أبي هذا لن يحدث أبداً..لا يمكنك أن تجبر هذا الشاب علي التضحية بحياته لماذا تفعل هذا الأمر ؟
هتف فرانكو بصرامة :
_ لأجلك...افعل كل هذا لأجلك ولأجل أن أنقذ حياتك ..فأنا لن انتظر أكثر حتي يظهر متبرع ما وأراك تموت أمامي بالبطئ ، أنا لن أفعل ذلك بعد الآن..لقد جهزت كل شيء والعملية ستحدث اليوم..انتهي الأمر.
ازداد ذهوله أكثر من رؤية هذا الوجه الجديد علي والده الذي أخافه أكثر ، ازدرد ريقه بإرتباك واراه خلف جديته :
_ أبي هذا حرام..أنا لن أفعل هذا الأمر.
ابتسم فرانكو بتهكم :
_ كأنني أطلب أذنك.
انفعل جوني أكثر صائحاً :
_ لذلك أبعدت روي ورفاييل من هنا ! لأنك تعلم أنهما لن يسمحا بحدوث هذا الجنون ؟
لمح فرانكو هاتف ابنه فجذبه من جواره لكي لا يحادث أياً منهما بجمود قائلاً :
_ أجل فعلت ذلك ولن يعودا حتي تنتهي العملية ، الآن ارتاح قليلاً فقد اقترب الطبيب علي الوصول.
ثم التفت يتحرك إلي خارج الغرفة يشير إلي عثمان :_ هيا بنا.
تحرك معه بجمود وأغلق الباب خلفه ليخلل جوني أصابعه داخل خصلاته بأضطراب غاضباً مما يفعله والده داعياً بداخله أن يعود أخيه سريعاً كي يوقف كل ذلك .
********
كانت السيارة علي مشارف الوصول إلي الغردقة وكان روي ينظر من النافذة شارداً كالعادة في أفعال والده الغريبة رغم أنه حذر رفاييل أن يكف التفكير بها لكنه لا يستطع إيقاف نفسه فحدثه الداخلي يتنبئ بحدوث أمراً سيئاً ، استمع إلي رنة هاتفه تعلن عن وصول رسالة تابعها رسالتين فأخرجه من جيب سترته البنية يفتحه فقطب حاجبيه بشدة وأشتعل القلق بداخل قلبه وعينيه تقرأ رسائل أخيه الثلاثة التي رغم صغرها أنتفض علي أثرها وكان محتواهم..
_ روي..عُد بسرعة الآن..
_ أنا أحتاج إليك..
_ هناك كارثة..
قرأهم عدة مرات يشعر بحاجته إليه فرفع رأسه إلي السائق صارخاً :
_ توقف..توقف الآن.
نظر له رفاييل بتعجب متسائلاً :
_ روي..ماذا بك ؟
كذلك رمقه السائق بتعجب وأكمل قيادته قائلاً بتردد :
_ لقد منعني السيد فرانكو أن أفعل ذلك.
حدق به روي بشراسة أخافته هاتفاً بصوته الجهوري وأعطي الهاتف إلي رفاييل:
_ لقد قلت توقف..وأعدنا إلي المنزل.
نظر السائق إلي الحارس الذي يجلس بجانبه علي المقعد الأخر فنفي الحارس برأسه بحذر لكي لا يتوقف وقد رأي روي إشارتهما مما أثار الريبة أكثر بداخله وتعاظم غضبه فأندفع يقبض علي عنق الحارس بغضب و سحب بيده الأخري المسدس من خصر الحارس الذي يختنق بشدة يوجهه إلي رأس السائق صارخاً بعصبية :
_ أعدنا إلي المنزل..الآن.
مازال السائق يعاند ولم يوقف قيادته ليتفاجأ برفاييل الذي يجلس خلف مقعده يمد يده قابضاً علي عنقه بقسوة ومال هامساً بحدة :
_ ألم تسمع ما قال ! أدر السيارة الآن و أعدنا إلي المنزل
بأقصي سرعة هل تفهم ؟
تمسك السائق بالمقود بصعوبة وقرر الإنصات لهم صائحاً باختناق :
_ حسناً حسناً..سوف أعود.
تركه رفاييل بعنف وسحب سلاحه من خصره أيضاً يوجهه إلي رأسه فالتقطت السائق أنفاسه وأدار مقود السيارة حتي فعلت احتكاكاً عالياً علي الطريق وبدأ برحلة العودة بسرعة عاليةً ، بينما التفت روي برأسه ينظر إلي الحارس وهو مازال يختنق بشر و هزه بحدة يلصق فوهة المسدس في جبينه قائلاً بغضب :
_ والآن سوف تخبرني بكل شئ عن ماذا يفعل سيدك بالضبط ؟
********
جالس في غرفة بدر التي لازمها الأيام الماضية يسند ظهره علي حافة الفراش يفرد رجليه ويشبك يديه خلف عنقه شارداً في الفراغ وبداخله يشعر ببعض الحنق مما فعله بهذا الشاب حتي حصل علي المكان الذي أُخذ فيه أخيه ..
____فلاش باك منذ بضعة أيام____
حدق الشاب به بتردد يضع الهاتف فوق أذنه ينتظر الرد من أخيه تحت نظرات دامر الحادة و قد ذهب علي ليبعد الموظفين عن هنا طالباً منهم بصرامة أن يذهبوا جميعاً للطابق الأرضي فنفذوا طلب رئيسهم ورحلوا ثم عاد هو إلي حيث يققفا يراقب ما يحدث بصمت..
أُجاب أخيه من الطرف الأخر فأبتلع الشاب ريقه بتوتر يتحدث بتلعثم :_ اايوة يا ناجي.
جذب دامر الهاتف بعنف يضعه فوق أذنه هاتفاً بنبرة حادة :
_ في خلال نص ساعة لو ملقتكش قدامي في الشركة اللي بيشتغل فيها أخوك صدقني هحسرك عليه.
انتفض المدعو ناجي وابتعد سريعاً عن الرجال التي بجانبه هامساً بحاجبين مقطبين
:_ انت مين ؟
ابتسم دامر بتهكم :
_ تعال وأنا أعرفك عليا.
همس ناجي بغضب رغم القلق الذي ساوره علي أخيه :
_ عارف لو لمست شعره منه هـ..
قاطعه بنبرة باردة ساخراً :
_ والله ما انت مكمل.
ثم حرك يده التي بها المسدس وأطلق رصاصة بغتةً علي ركبة الشاب الذي أطلق صرخة عالية بألم وهو يقع أرضاً يئن بشدة وقد نزف جرحه بغزارة ليفزع ناجي من صوت الطلقة وصراخ أخيه الصغير وأنينه الذي أصابه بالخوف وخلل أصابعه بين خصلاته السوداء باضطراب ، و فُزع أيضاً علي من فعلته ليجثي أرضاً بجانب الشاب صارخاً :
_ ايه اللي أنت عملته ده ؟!!
في حين رفع دامر رأسه بجمود يغمغم  بخواء :_ ها لسه هتكمل تهديدك ؟
أضطرب ناجي أكثر يحاول جاهداً ألا يعلي صوته هامساً بغضب :
_ أنت مين وعايز مني ايه ؟
أجابه بنبرة قوية :
_ في أقل من نص ساعة تكون قدامي وإلا فكر من دلوقتي هتدفن اخوك فين.
ثم أطلق رصاصة أخري علي كتف الشاب الذي صرخ مجدداً وهبطت دموعه من شدة الألم ليحدق "علي" بصديقه بعصبية وأغمض ناجي عينيه مختنقاً بشدة ليختم دامر قوله في الهاتف بجمود :
_ مستنيك.
وأغلق الهاتف دون إضافة حرف واحد يلتفت بجسده إلي "علي" الذي يحاول كتم نزيف الشاب المتألم في كتفه وقد أمتلئت يديه بالدماء اللزجة وهو يحدق به بعصبية مما فعل هاتفاُ بحدة :
_ دامر ؟!
أجابه بنبرة جامدة بها حدة قوية يشير برأسه إلي الشاب :
_هو ملوش ذنب وأخويا ملوش ذنب.
ثم تراجع للخلف ليذهب إلي أحد المقاعد يجلس عليها منتظراً وصول ذلك اللعين علي أحر من الجمر.
وبعد مرور دقائق عديدة كان "علي" قد أحضر سترته ووشاحه الأسود ليعقده علي جرح الشاب في ركبته ويحاول بسترته كتم نزيف الكتف ليعقدها عليه و كان أنين الشاب لا يتوقف وقد امتلئ وجهه وجبينه بالعرق وتنفسه ينخفض وهو علي وشك أن يفقد وعيه لكنه مازال يعافر ، بينما ابتعد "علي" يهاتف سريعاً أحد موظفينه ليخبره بأن يذهبوا جميعهم إلي منازلهم فالأمر أصبح خطرً الآن وبالفعل رحلوا ومن ثم هاتف الإسعاف حتي تأتي من أجل الشاب ، عاد إليهما يحدق في دامر بغضب يغمغم :
_ انا كلمت الإسعاف.
التفت برأسه إليه وثني شفتيه بتهكم :
_ مش هتاخده غير لما أخوه يشرف.
قطب "علي" حاجبيه بحدة :
_ دامر متجننيش ، الواد ملوش ذنب وممكن تجراله حاجة.
أجابه بقسوة يكره التحلي بها لكنه مضطر :
_ وانا مستحيل أضيع الفرصة الوحيدة اللي هعرف منها مكان بدر حتي لو عشان حد ملوش ذنب.
تأفف "علي" بضيق وجلس أرضاً بجانب الشاب ينتظر ، مرت أكثر من نصف ساعة ولم يصل ناجي بعد وقد تأخرت أيضاً سيارة الإسعاف
و الشاب يصرخ من حين لآخر ودموعه تهبط من الألم مما جعل "علي" يفزع ساخطاً علي تأخر السيارة كل هذا الوقت.
لم يكترث دامر ورفع هاتف الشاب الذي بيده يتصل مرة أخري بعد أن لم يجيبه لعدة مرات حتي فاض غضبه وهو يقف يضع الهاتف علي أذنه يتجه بخطي غاضبة حتي وقف أمام الشاب في نفس اللحظة التي أجاب ناجي علي المكالمة فلم يدع له دامر مجال للكلام هاتفاً بحدة :
_ ده انت شكلك مستغني عن اخوك بقا..اترحم عليه.
ووضع فوهة المسدس علي رأس الشاب لكن صرخ ناجي غاضباً بفزع :
_ انا وصلت تحت والأمن مش راضي يدخّلني.
حدق دامر بصديقه بحاجبين مقطبين بجدية
:_ كلم الأمن خليهم يدخلوه.
وقف "علي" يدخل إلي مكتبه ليحادث فرد الأمن من هاتف الشركة الذي يُوضع علي طاولة مكتبه ثم خرج مجدداً ، وفي سرعة قياسية كان ناجي يركض نحوهما وقلبه يقرع بخوف ازداد حين رأت عينيه حالة أخيه الأصغر الذي رغم ما يعانيه لم يستطع ألا يرمقه بنظرة خذل مما قد وصل إليه الأمر لكنه أيضاً شعر بالأمان قليلاً لأنه جاء من أجله لكي ينقذه ، توقف محله اثر طلقة نارية صُوبت أمام قدميه بغتةً ليقف علي بعد أمتار منهم تابعها صوت دامر الثابت
:_ مكانك.
وقف ناجي يلهث وعينيه القلقة لا تنزاح عن أخيه في حين أعاد دامر يده يلصق فوهة المسدس برأس المسكين يتطلع إلي ناجي بعينين جامدة رغم حدتها الواضحة التي صاحبت كلماته المهددة بهدوء :
_ بهدوء كدا ومن غير مقاوحة ، عثمان متخبي فين و أخويا خاطفه فين ؟
ارتفعت وتيرة أنفاسه بأضطراب وزاغت عينيه بأهتزاز وهو يتمتم :
_ معرفش.
ابتسم دامر متهكماً يضغط بالفوهة علي رأس الشاب :
_ يابني انت كده كده رايح في داهية ، أخوك ده قالي إنك مختفي من ساعة ما عثمان هرب
وأكيد يعني مكنتش بتستجم ، انطق بالذوق بدل ما اعمل اللي هيزعلك مني.
ابتلع ناجي ريقه الجاف ولم يقو علي الحديث مما أزاد من غضب دامر أكثر وغلّق عقله عن التفكير يرفع قدمه يضعها بعنف فوق جرح الشاب في ركبته ضاغطاً عليه ليجعل الشاب يصرخ أكثر طالباً بداخله الرحمة فالألم الحاد لا يحتمل وارتعد ناجي يرفع يديه صارخاً بهلع :
_ خلاص خلاص هتكلم ، ابعد عنه.
أزال دامر قدمه بجمود رافعاً حاجبه ينتظر حديثه بنفاذ صبر ، تنهد ناجي وقد أُهلكت أعصابه من الضغط يصرخ بلاحيلة :
_ صدقني معرفش..معرفش عثمان فين ومعرفش أخوك أي واحد من اللي اخدناهم.
قطب دامر حاجبيه بتعجب ليهتف بعصبية :
_ هما كتير كمان؟
ابتلع ناجي غصته يتمتم بتحشرج :
_ أا..عشان..تجارة أعضاء !
توسعت عينيه بصدمة من إجابته وانتفض قلبه منها بل شعر أنه وقع بين قدميه واقتحم مشهد مخيف عقله يظهر صغيره الحبيب ممدد علي فراش عاري الجذع يغمض عينيه ساكناً وحوله شخصين لعينين يُفرغان جسده من الأعضاء بوحشية وقد انتثرت الدماء حولهم
رفض عقله ومنطقه مجرد تخيل هذا فهز رأسه بعدم تصديق سرعان ما صرخ بغضب ساحق يطلق سبة بذيئة علي هذا اللعين وعثمان وجميع رجاله وترك العنان لقدميه تهرول إلي ناجي يباغته بلكمة علي وجهه أوقعته أرضاً ، جثي دامر عليه يسدد له عدة لكمات يفرغ قطرات من غضبه الذي يكاد أن يحرقه من الداخل حرقاً ، أمسكه من تلابيه صارخاً بوجهه بكامل صوته :
_ أخــويـا فــيــن ؟ مـكــانـهـم فــيــن انــطــق يـا إمــا والـلـه العـظـيـم همّــوتــك هنــا ، انــطـــق ؟!!
لإدراكه أنه بالفعل هالك كما قال ولأن ضميره الخائن لا يتوقف عن جلده حتي هذه اللحظة بسبب ما فعله مع هؤلاء الشباب البريئون قرر ناجي الإفصاح عن مكانهم الذي أتي منه ليومأ برأسه هامساً بيأس :
_ هقولك ، هقولك علي كل حاجة.
____باك___
وعي دامر من شروده زافراً يمسح علي وجهه بضيق ، لم يندم ولو للحظة علي ما فعله طيلة تلك الأيام إذاً لما يشعر الآن بالندم لأنه أذي ذلك الشاب وهو برئ لم يفعل شيئاً ، برر لنفسه انه اضطر لفعل ذلك حتي يعرف مكان صغيره
وقرر إلهاء نفسه قليلاً التي تحثه أن يقف الآن ليذهب إلي منزل الشاب ويعتذر منه وهذا مؤكداً لن يفعله علي الأقل ليس الآن.
نظر إلي الكومود بجانبه يفتح أول درج به ليري ألبوم صور متوسط باللون الكحلي يزينه اسم " Badr "بخط ذهبي أنيق ، يعرفه جيداً فهو من أهداه له حين نجح بالثانوية العامة لكنه قد تنساه ولم يسأله إن كان ملئه بالصور ام لا فأخرجه دامر بيده يعود ليسند ظهره للخلف ثم فتحه فارتسمت بسمة صغيرة حين رأي الصورة الأولي والتي كانت تجمعه به هو حيث كانا يرتديان نفس الكنزة السوداء الشتوية يرفعا قبعتها أعلي رأسهما وعلي عيناهما وُضعت نظارات شمسية سوداء متطابقتان ، يقفان متجاوران في حديقة ما فبدوا كتوأمان حتي ابتسامتهما الجميلة إلي الكاميرا كانت متطابقة ، كان ذلك في اليوم الأول له بالجامعة حيث أنه أصر علي وجوده معه ولم يحل عنه حتي رضخ له وذهب معه ليقضيا يوماً لم يخل من المرح هناك ضارباً محاضرته الأولي بعرض الحائط
كان يوماً لا ينسي بلحظات مميزة قضاها معه بل في الحقيقة كل لحظة يقضيها مع بدر تكون مميزة و تُخلد في عقله فهو بدون مبالغة يعتبره حرفياً..رفيق روحه.
تنهد دامر طويلاً ولم يكمل مشاهدة باقي الصور فأغلقه غامضاً عينيه يستمع إلي قلبه القلق علي صغيره لا يتوقف عن الدعاء له بأن يحفظه الله أينما كان ويعود إليه سالماً.
دخل سليم إلي الغرفة لعلمه أنه سيكون هنا ، أغلق الباب خلفه وتقدم نحوه بصمت فتحدث دامر بفتور دون النظر إليه :
_ لو بدر حصله حاجة مش هسامحك يا سليم.
تنهد سليم بهدوء :
_ مش ناجي قالك إنهم لسه هينفذوا بعد كام يوم !
اثني فمه بسخرية يغمغم بنبرة ممتلئة باليأس :
_ وأهو عدي كام يوم ، ايه ضمنا إنهم منفذوش لحد دلوقتي !
نهره سليم بضيق :
_ بلاش النبرة دي انا علي أخري.
لم يتحدث دامر مجدداً وتمسك بالصمت حتي اقترب سليم يجلس أمامه مردفاً بجدية :
_ دامر انت لما جيتني القسم مكنش عشان تقولي المكان ، لا ..أنت جيتلي عشان أمنعك من تهورك إنك تروح للمكان ده لوحدك بعد ما ناجي قالك إنهم كتير هناك ومسلحين..وأنت جيتلي عشان اترددت لتروح وتحصل حاجة غلط سواء ليك أو للشباب اللي هناك ليغيروا مكانهم وكده الوضع هيبقي اسوأ وندمك هيتضاعف لأنهم راحوا من بين ايدينا بعد ما عرفنا مكانهم.
حدق به دامر بصمت ثم أشاح بوجهه عنه بحنق لعلمه أنه محق فراقبه سليم ثم تنهد مرة اخري مردفاً :
_ مش لوحدك اللي قلقان وخايف عليه ولو كنت انا متماسك فده عشان زينة والناس اللي في البيت اديك شايف حالتهم عاملة ازاي.
نظر إليه يمزق الصمت قائلاً بجمود :
_ وأخرتها ؟
أجابه بنبرة جادة :
_ النهاردة..هنرجع بدر وزين والشباب دول النهاردة ، انا كلمت اللوا غنيم وهو بيجهز القوات وبالليل هنتحرك.
نظر دامر أرضاً يتنهد بحرارة غامضاً عينيه وهو يشعر بأخيه يربت علي يده يعطيه أملاً بنبرته الهادئة يغمغم :
_ انت عارف كام واحد في البيت بيدعي ليهم ! ، أكيد ربنا مش هيخيب دعواتهم ولا دعاوتنا.
رفع دامر رأسه بعينين تلمع بالإصرار هاتفاً :
_ هيرجع يا سليم..بدر لازم يرجع مفيش خيار تاني.
عدة طرقات علي الباب تابعها دخول ساهر يقترب نحوهم بخطي بطيئة وملامح تحمل من الهم ما يكفي ثم جلس بجوارهم علي الفراش متنهداُ بألم :
_البيت كله هُس هُس ، كأن الواد ده واخد روحه ، محدش بيتكلم مع حد ولا في اصوات ولا حاجة.
زفر دامر يسند رأسه للخلف بإنهاك ساخراً بيأس :_ اومال لو عرفوا إنه ممكن يرجعلهم مـ
قاطعه سليم بتحذير :_ دامر !
أشاح بوجهه عنهما بينما قطب ساهر جبينه بتعجب وأعتدل متسائلاً بحذر :
_ يرجعلهم ايه ؟ فيه ايه انتم مخبيين حاجة !
ألقي سليم نظرة حانقة عليه ثم نظر إلي ساهر متنهداً :
_ مفيش حاجة يا ساهر ، احنا عرفنا مكان بدر والنهاردة هنرجعه.
توسعت عينيه بلهفة :
_ بجد ؟ عرفتوا ازاي ومين اللي خطفه وليـ..
أشار له سليم بهدوء :
_ متقلقش هتفهم كل حاجة بعدين بس المهم دلوقتي بدر يرجع.
ثم وقف ينظر لهما :_تعالوا نطمن زينة.
وقف ساهر أيضاً يتنهد :
_ لسه قافلة أوضتها مش راضية تفتحها ومش هترد علينا كالعادة.
جذبه سليم زافراً يتحركا نحو الباب :
_ تعال بس نحاول تاني ، يلا يا دامر.
وقف دامر صامتاً وتحرك في اتجاه الشرفة لينظرا إليه باستغراب وتساءل سليم :
_ رايح فين يابني ؟
لم يجيبه وفتح باب الشرفة ينظر علي يساره حيث الشرفة المجاورة الخاصة بغرفة زينة تبعد متراً واحداً عنه ، تمسك بحافة الشرفة يصعد علي حافة السور وقد جاء شقيقانه خلفه ينظرا إلي ما يفعله بدهشة وسليم ينهره بتعجب رغم استنتاجه لما سوف يفعله :_ انت بتعمل ايه ، انزل..دامر أا..
كان قد صعد وانتهي ثم مد قدمه وقفز إلي داخل الشرفة ليمد يديه يفتحها دون أن يجيب أياً منهما لينظر ساهر إلي أخيه زافراً :
_ عنده حق الصراحة وأنا برضه عايز اتطمن عليها.
ثم تمسك بالحائط يصعد هو الأخر علي حافة السور يتجاهل بُعد المسافة عن الأرض فهو يريد الاطمئنان علي والدته بأي شكل ثم قفز إلي جانب دامر الذي فتح الشرفة ودخل ، لم يجد سليم خيار أخر لأنه يريد الاطمئنان أيضاً عليها لذا صعد وقفز إلي جانب ساهر ثم دخلا معاً ، توقف الثلاثة بجانب بعضهم لتقع أعينهم علي تلك الجالسة علي أحد المقاعد تسند ساعدها اليمني علي حافته وتخفض رأسها فوقه تواري عينيها الباكية دون صوت ، آلمت هيئتها قلوبهم فلأول مرة يروها بهذا الضعف والإرهاق لطالما كانت مصدر قوتهم ونشاطهم ولكن يبدو أن مصدرها هي سُحب منها بوحشية لتطغي الكآبة والحزن عليها.
كان أول من تحرك هو ساهر ليقترب منها خافياً حزنه داخل قلبه ليحيط كتفيها من الخلف ويميل مقبلاً رأسها بحنو وتابعه سليم الذي أقترب ليقف علي يمينها يجذب يدها بعيداً عن وجهها رغم مقاومتها ورفضها لذلك فظهرت عينيها المتورمة ودموع عالقة في عينيها المحمرة بالمرارة تأبي النزول كأنها اكتفت بما نزل لذلك توقفت ، وكان الأخير دامر الذي تحرك نحوهم راسماً علي وجهه الهدوء والتفائل حتي وقف أمامها ثم جثي علي ركبتيه يُثبت عينيه في عينيها التي تراقبه بصمت متنهداً بخفة قائلاً يشير برأسه إلي شقيقيه:
_ يعني لو كان حد فيها هو اللي اتخطف كنتي هتزعلي علينا كده ؟ ، ولا عشان هو أخر العنقود يعني !
نكزته زينة في كتفه بحنق فأبتسم دامر وأردف بإصرار :
_ هيرجع يا أمي والليلة ، غاب عن البيت كتير وأظن كفاية مينفعش يبعد أكتر من كده تاني.
تمسك سليم بيدها وهتف بنبرة هادئة :
_ عرفنا مكانه يا زينة.
حدقت به بلهفة ترجو التأكيد فأومأ برأسه بشبه بسمة ومال ساهر يعانقها من الخلف يبتسم ببهوت :
_ اللي هادد حيلك وحيلنا هيرجع يا زينة اتطمني.
تنهدت زينة تحرك لسانها الثقيل تتحدث بعد صمت دام لأيام هامسة بتحشرج :
_ يرجعلي بخير.
مسح دامر دمعتها الهاربة بأبهامه بحنان هامساً :_ هيرجعلك بخير بس انتي قولي يارب
أغمضت عينيها بألم تهمس بوجع :
_ يارب.
ضغط سليم علي يدها بدعم ليستمع إلي رنة هاتفه تعلن عن وصول رسالة فأخرجه ليراها من رقم مجهول سرعان ما توسعت عينيه بفزع رأه دامر جيداً فهز رأسه بحذر يسأله عما به ليدير سليم الهاتف إليه ولم يري زينة أو ساهر ما بالهاتف ، تجمدت ملامحه بصدمة وهو يري هذه الصورة المؤلمة..بدر مقيد علي كرسي خافضاً رأسه قليلاً بإنهاك وذو وجه مُدمي من الدماء واللكمات !..سأبتر يد من فعل هذا
نظر إلي سليم بعينين غاضبة ثم انتفض الاثنان و ركضا بسرعة يخرجان من الغرفة دون أن يجيبا نداءات ساهر وتساؤلات زينة القلقة ولم يفكر ساهر ثانيةً وهو يلحق بهما إلي خارج الشقة بأكملها تاركاً زينة تضع يدها علي قلبها تتنفس بهلع داعية أن يعودوا سالمين .
********
انطلق سليم بالسيارة بسرعة شديدة يصرخ في الهاتف :
_ سيادة اللوا انا مش هستني دقيقة تاني وهروح أرجع أخويا واللي يحصل يحصل..
أجابه غنيم بجدية يخرج من مكتبه يسرع في خطواته :
_ انا هبعت للقوات تجهز وهنتحرك عالمكان دلوقتي.
********
وصل لعيناً أخر مع رفاقه داخل سيارة الأسعاف وكان عثمان باستقبالهم أمام باب الفيلا الداخلي فصعد الطبيب الدرجات الفاصلة حتي وقف أمامه قائلاً بجدية :
_ أنا مش راضي عن اللي انت بتعمله ده ، قولتلك نستني شوية لحد ما نلاقي طريقة ونعملها في مستشفي ،  العملية دي مش ساهلة دي عملية قلب مفتوح ولازملها استعدادات كتيرة قبلها و..
قاطعه عثمان بجمود وملامح باردة :
_ ميهمنيش..قولتلك إن العملية دي لازم تتعمل النهاردة وأنت قابض وزيادة وكل حاجة طلبتها جاهزة يبقي تنفذ وانت ساكت.
زفر الطبيب بحنق وهز رأسه بجدية :
_ ماشي..بس لو حصل أضرار وده أكيد هيحصل بعد العملية أنا مش مسئول عنها لأني حذرتك.
********
بعد أن انتهي ذلك الجبان من تفريغ غضبه به ابتعد للخلف يخرج هاتفه يلتقط له صورة واحدة يخبره بابتسامة لعينة بأنه سيرسلها إلي أخيه حتي تُهلك أعصابهم أكثر ومن ثم خرج يصفر بتلذذ وتركه ليلتقط أنفاسه..
خافضاً رأسه الثقيلة وأنفاسه تخرج بتعب شديد يشعر بالألم يحتل كامل وجهه الذي تحولت كدماته المتفرقة إلي اللون البنفسجي والأزرق والدماء  تملئ فمه يضطر إلي ابتلاع طعمها اللاذع الصدئ حين يزدرد ريقه ، كان غامضاً عينيه من شدة الألم لكنه شعر بدخولهم إلي القبو ومعهم زين الذي لم تهدى صرخاته وهم يعيدون تقييده في الكرسي بالحبال الغليظة ثم خرجوا مجدداً دون الحديث بحرف واحد ، كانت دموع زين المريرة ما زالت تهبط دون إرادته و يلهث يدخل بعضاً من الهواء إلي صدره ثم صرخ مجدداً ببكاء :
_ لـــيـث فـــيــن ؟ ، هــمـا فـــيــن ؟!!
اتــأخـروا كــده لـــيــه ؟!!
رغم آلامه الحادة اثني فمه بتهكم مما صرخ به الأخر وجاهد لكي يتحدث بيأس عظيم يأسر كلماته :
_ لسه عندك أمل أنهم هييجوا ؟!
رمقه زين بعينين خائفة يرتجف يهز رأسه بدموع فلم تزيده جملته تلك إلا يأساً فوق يأسه فقد هُدمت كل ذرة أمل بداخله بأن سينقذهم أحداً فأغمض عينيه بشدة وقد ازداد بكائه رافعاً رأسه لأعلي صارخاً :
_ يـــارب.
********
استسلم زين للأمر الواقع ولم يحاول أن يقاوم أيدي الرجلان الذان يفكا قيوده ثم جذباه يتحركا به إلي ركن الموت وهو يمشي معهم بصمت لا يصرخ لا يتحدث ، جعله الرجلان يتمدد علي الفراش المعدني وهو أغمض عينيه بإستسلام ويأس..فات الآوان..لن يأتي ليث لإنقاذه ، كان يقف ثلاث أطباء بجانبه ووأربعة من الممرضين بعد أن تجهزوا وأرتدوا الملابس الخاصة بالعميلات وجهزوا كل المعدات حولهم
ليبقوا بانتظار أن يأتوا بجوني وبعد مرور لحظات كان يدخل رجلاً ضخماً يحمل جوني الذي لا يكف عن الصراخ بغضب ويصرخ بوالده ألا يفعل ذلك ثم تحرك به ليضعه فوق الفراش المعدني الموازي لزين ثم ثبته بيديه وأقترب الطبيب ليخدره تخديراً كلياً فانخفضت صرخاته وهو يفقد وعيه تدريجياً حتي سكن جسده ، التفت الطبيب ليخدر زين أيضاً الذي حرك رأسه للجانب يلقي نظرة علي بدر الذي مازال مقيد لكنه ينظر له بعينين دامعة خائفة فابتسم زين ببهوت كأنه يودعه ثم شعر بالظلام يسحبه فأغمض يفقد وعيه علي الفور
في حين كان بدر يراقب ما يحدث بضعف وقلبه ينبض ألماً يتمني أن يقتلوه الآن حتي لا يري مما هم مقبلين علي فعله ، وبالفعل اقترب منه رجلان يفكا قيوده ثم جذباه نحو الفراش الثالث وتحرك معهم بضعف وعينيه لا تنحاد عن جسد زين الساكن يحدق به بألم علي هذه النهاية البشعة لحياتهما وكان أيضاً مستسلماً لأيدي الرجلين الذين مددوا جسده علي الفراش وأقترب منه طبيباً وممرض ليلقي بدر نظرة أخيرة علي زين وهو يشعر بالمخدر يسير في أوردته فابتسم للمرة الأخيرة في الحياة وأغمض عينيه غارقاً في الظلام بعد أن يأس من أنه سيأتي احداً من أخوته لإنقاذه..
شق الطبيب كنزته حتي ظهر جذعه العاري فأمسك قلماً يرسم خطاً مستقيماً في منتصف جذعه ثم دهن مادة عليه فمد الممرض يده بالمشرط ليمسكه الطبيب ويخفض رأسه ليغرزه ويبدأ بفتح الجذع نزولاً إلي الخط المستقيم.
كان جوناس يقف بالقرب يرفع هاتفه يُصور ما يفعله الطبيب ببسمة خبيثة تحتل ثغره وهو يتخيل في عقله حسرة سليم حين يري هذا الفيديو ويري أخيه في هذه الحالة يُفرغ من أعضاءه.
بينما في بالجانب وقف طبيب بجانب فراش زين والأخر بجانب فراش جوني وكلا منهما يشق كنزة الشابين حتي أصبحا عاريين الصدر ومن ثم وضعا جهاز الأكسجين فوق الفم والأنف وبعض من المعدات فوق جذعهما ثم بدأوا بالعملية بدقة وتركيز والتي سيتراوح وقتها من ثلاث إلي ست ساعات.
....وبعد فترة من الوقت قرابة ساعة..
أخرج الطبيب الكلية اليسري من جسد بدر تغرقها الدماء اللزجة ومن ثم وضعها في صندوق متوسط لحفظها والتفت ليكمل إخراج الباقية بدقة و بحرص.
وفي نفس الوقت بالخارج...
يقف فرانكو في الحديقة يمشي ذهاباً وإيابا بصمت وبالقرب منه يجلس عثمان علي مقعد وبداخله صراع لا يعلم لما يباغته بهذه القوة..فقلبه رغم تبلده يحثه علي الوقوف والركض لإنقاذ ابنه الذي يُقتل الآن ببطئ خوفاً من جيوش الندم التي ستلاحقه طيلة الحياة..
و عقله يهاجم قلبه أن يصمت فالذي يحدث الآن هو الصواب حتي يكتمل انتقامه من ليث..
....
وفجأة اقتحمت سيارة دفع رباعي بوابة الڤيلا تُقاد بسرعة مجنونة حتي ضُغط علي المكابح ووقفت وبلحظة كان روي يهبط منها وملامح وجهه مشتعلة بالغضب لا تنذر بالخير أبداً فلقد  علم من الحارس ما يحدث هنا بالضبط ،  وخلفه رفاييل و غضبه أضعافاً ، خطي روي خطوات سريعة و بيده المسدس اتجاه والده الذي تفاجأ بعودتهما لكن سرعان ما صرخ بالحراس الذين عند البوابة ليركضوا ويمسكوا أبنائه الاثنان.
التفت رفاييل للخلف الذي لم يتقدم للأمام ليري أربعة حراس يركضون باتجاهه وبدون أدني تفكير رفع مسدسه يطلق أربعة رصاصات متتالية في أقدامهم بالضبط جميعاُ فوقعوا أرضاً يئنوا بألم شديد ومن ثم التفت ليلحق بأخيه روي الذي فعل مثله وأطلق النار علي اي حارس يقترب منه دون أن يتوقف عن المشي اتجاه والده لكن اطلق بعشوائية يصيبهم فقط حتي يقعوا أرضاً ، وأصبحت الحديقة ينتثر بها الحراس المصابون وأنينهم عال.
توقف روي بهيبته الواضحة أمام والده مباشرة صارخاً بصوت جهوري فاق الأقاويل :
_  أنا أكرهك..أنـــا أكــرهـــك.
ثم هم أن يلتفت لكن أمسكه فرانكو بعنف من ساعده هاتفاً بتحدي:
_ أنا لن أدعك تفعل هذا فالعملية بدأت بالفعل.
حدق به بغضب هامساُ :
_ حاول أن تمنعني.
اخرج فرانكو سلاحه يصوب فوهته علي رأس ابنه صائحاً :
_ لا تُرغمني علي فعل شئ يؤذيك.
ابتسم.روي باستهزاء :
_ وماتفعله الآن داخل القبو لا يؤذيني ؟.
شد فرانكو اجزاء سلاحه صائحاً بتحذير :
_ روي توقف أنا أنقذ حياة جوني صغيرنا.
هز رأسه بسخرية :
_ وأنا أيضاً أريد ذلك لكن ليس عبر قتل نفس بريئة.
ثم قام فجأة بإطلاق النار علي ركبة والده الذي خر أرضاً صارخاً بألم فسحب روي المسدس من يده ومال عليه بشراسة هامساً :
_ لقد أخبرتك أن تحاول منعي لكنك لم تسمع ويبدو أنك نسيت أنني قد ورثت القسوة منك
ثم تخطاه راكضاً بسرعة جهة اليسار حيث القبو وكان رفاييل يقف بجانب عثمان بعد أن كاد يخرج سلاحه ليقتل ليث لكنه جذبه منه رفاييل بعنف وسدد له لكمة قاسية علي فكه أوقعته علي المقعد مرة أخري وبغضب من هذا الغليظ أطلق رصاصتين في فخده ليصرخ عثمان بقوة وتركه رفاييل يركض حيث جهة القبو.
وبداخل القبو كان قد توقف الأطباء جميعهم عن العمل بعد أن استمعوا إلي ضجيج عالي بالخارج ينظروا إلي بعضهم باستغراب.
شعر جوناس بالخطر فأوقف تصوير الفيديو وتحرك بسرعة هارباً لكن لم يسعفه الحظ فما أن فتح الباب علي مصراعيه وجد روي في وجهه الذي هتف بتهكم :
_ أوه ، ها أنت.
ولم يمهله وقتاً للرد فقد اطلق رصاصة في جانبه الأيسر لتنفجر الدماء وهو يصرخ يخر أرضاً ليمسك روي الهاتف الذي رأه وهو يتابع حديثه بسخرية أثناء وقوعه :
_ بالطبع أنت لست هنا لتنقذهم.
رأي صورة من الفيديو المسجل فقطب جبينه بحدة ونظر له بشرار ليركله بقدمه في وجهه بعنف صارخاُ بأشمئزاز وغضب :_ أنت قذر..
ثم التفت برأسه ببطئ وعينين تحمل غضب العالم أجمع إلي الأطباء والممرضين الذين شعروا بالتوتر من هيئته المخيفة وهو يقترب نحوهم ببطئ يرفع يديه التي تحمل مسدسين اتجاههم هاتفاً بخواء يشير برأسه إلي الثلاث الشباب رغم انتفاضة قلبه من هيئتهم المؤلمة '
_ من يريد منكم أن يعيش..فليعيد كل شيء كما كان.
نظروا إلي بعضهم بتردد فأجفلوا من صراخه الجهوري :_ الآن..
انضم له رفاييل الذي شهق من بشاعة المنظر وباغتت جسده رجفة ليتمالك نفسه بصعوبة  وهو يرفع مسدسيه كأخيه نحوهم..
كان الطبيب الذي بجانب فراش بدر يرتعد خائفاً من الموت فأسرع يبدأ بتقطيب الجرح وهو يرتعش قليلاً يحاول التركيز.
لكن لم تكن حالة الأطباء كحاله بل نظر الطبيب الذي بجانب فراش جوني ومازالت يده تمسك معدات طبية بالقرب من صدر جوني بعد ان فتحه إلي الممرضين الأثنين وحرك رأسه بخفة ليركض الممرضين بهجوم حيث روي ورفاييل بعد أن جذبا مشارط طبية حادة لينقضا عليهما و...
********
كانت الشمس علي مشارف الغروب..
وفي منزل بسيط نزوره لأول مرة طرق ناجي علي باب غرفة شقيقه فلم تأتيه إجابة من الداخل ، لذا زفر و دخل إليها يغلق الباب خلفه فوقعت عينيه علي صاحب الغرفة الذي يجلس علي فراشه يدون بقلمه في مذكرة بتركيز و ذراعه الأيسر مُوضع داخل حامل طبي ورغم علمه بهوية الذي دخل لم يلتفت له بل تجاهله كما يفعل منذ أيام ، تنهد ناجي يتقدم خطوة للأمام قائلاً بضيق من تجاهله :_ حازم.
لم يرفع رأسه عن المزكرة التي توضع علي جانبه بالفراش وتابع تدوينه فتابع ناجي بحنق :
_ هتفضل مخاصمني كده لحد امتي ؟
أجابه حازم بجمود يعطيه نفس الإجابة حين يسأله نفس السؤال دون النظر إليه :
_ لحد ما تعمل اللي أنا عايزه.
هتف ناجي بنزق :
_ قولتلك مقدرش ، عثمان بيه ساعدني كتير في حياتي وياما خرجني من مشكلة قبل ما اتسجن وأنت عارف لإني حكيتلك ، مقدرش دلوقتي أنسي كل اللي عمله وأبلغهم عن مكانه.
لوي حازم شفتيه بتهكم وأشاح بوجهه بعيداً :
_ مهما عمل هيفضل برضه حقير ، وخلاص طالما مش هتقدر تعمل كده يبقي تنسي إن ليك أخ اسمه حازم ، وأنا لما جرحي يخف همشي من البيت كله لأني مش طايق أقعد في مكان قدام واحد واطي زيك.
ازدرد ناجي غصته هامساُ :
_ للدرجة دي ؟
أحتدت نبرة حازم أكثر :
_ وأكتر ، لأن اللي يشترك في عملة سودا زي دي يبقي واطي وستين واطي كمان ، انا ورغم اخطائك مكنتش متوقع إنك توصل لكده ..لتجارة الأعضاء يا ناجي ! ، عشرين شاب بحالهم هتحرقوا قلوب أهاليهم عليهم وراح منهم اتنين اصلا !
ازاي فكرت تشترك في حاجة زي دي وليه توصل للحقارة دي طب مفكرتش فيا ! مفكرتش ليجي يوم ويتعمل فيا نفس اللي عملته في الشباب دول ؟
هتف ناجي بغضب رافضاً تخيل ذلك :
_ محدش يقدر يلمسك طول ما أنا..
قاطعه حازم بحدة شديدة يحاول ألا يعلي صوته حتي لا يستمع أحداً من عائلتهم بالخارج :
_ انت هتتسجن ، هتتسجن وتكسر عين أبوك وأمك اللي قاعدين برا وتسيبني انا لوحدي سنين و ياعالم هتخرج تاني ولا لا ، ليه يا أخويا كده للدرجة دي بايع أخرتك واحنا مش فارقين معاك ! ، ده لولا ستر ربنا اني قابلت الراجل ده في الشركة وحصل اللي حصل رغم إني اتأذيت وبسببك بس يهون قصاد إنه عرف مكان أخوه والشباب دول وهيرجعهم..
كان زمان دلوقتي أهاليهم بيدفونهم ويتحسروا عليهم ، ولو ده حصل مش هسامحك أبداً يا ناجي وهفضل طول عمري أتمني موتك وبطريقة أبشع من سرقة الأعضاء
عايزني أوصل للحالة دي !
كلماته كانت بمثابة صفعات تهبط علي وجهه بقسوة تزامناً مع صفعات ضميره الموبخ لقلبه الذي طاوعه لفعل هذا فها هو يري شقيقه الوحيد أحب الناس إليه وأقربهم يباغته بكلمات سامة لم يتوقع أن يسمعها منه يوماً بل والاسوء هذه النظرات الكارهة التي يوجهها له لا يتحملها قلبه ولا عينيه ، لا يعجبه بغضه له هذا وسيعمل علي إزالته حتي إن كان سيهلك لكن لا يكرهه حازم أبداً..إلا حازم.
تنهد ناجي بحرارة ونكس رأسه خافضاً صوته وطالباً السماح بقوله :
_ لو قولتلهم علي مكان عثمان ، هتسامحني ؟
تنفس حازم عالياً ونظر إليه بثبات هاتفاً بنبرة صادقة حزينة :
_ هحاول يا ناجي..أوعدك هحاول ، ما انت في الأول والأخر أخويا الوحيد ومهما زعلت منك هييجي يوم وقلبي هيصفالك ، بس عشان خاطري الغالي عندك بلغ عن الراجل ده..لأنه لو هرب ممكن يكرر عملته دي تاني وذنب أي حد هيروح هدر هيبقي في رقبتك انت لأنك كنت عارف مكانه وجاتلك الفرصة تقول وسكتت.
هز ناجي رأسه بتنهيدة طويلة ثم اقترب يجذب هاتف حازم الموضوع أعلي الكومود يمد يده به قائلاً بعد أن أتخذ قراره الصائب :
_ كلم مديرك"علي" في الشركة وهقوله عشان يبلغ صاحبه بالمكان.
رمقه حازم بشبه بسمة ارتياح وجذب الهاتف منه سريعاً يتصل علي مديره بلهفة ورفع ناجي يده يمسح علي خصلات أخيه بحنان رغم بسمته المريرة مما هو مقبل عليه.
********
وفي المستشفي المهجورة..
حيث حرب كارثية وتبادل إطلاق رصاص شديد بين الجهتين الشرطة والخاطفين
ركض دامر بسرعة وهيئته مشعثة ما بين قطرات الدماء والتراب التي تنتثر في قميصه الأسود ، يركض لاهثاً وقلبه يكاد ان يتوقف من قوة نبضاته المتلهفة حتي وصل إلي غرفة ما فوقف عند بابها سرعان ما توسعت عينيه بصدمة صارخاً :_ لااااااااااااا..
......

شوقنا أكثر شوقنا☺🤺
توقعاتكم ايه🙆
الفصل ده أهلك أعصابي حرفياً و بقا من الفصول المميزة اللي كتبتها قبل كده ولسه كمان الجاي أقوي وأكبر ، يارب تكونوا حبيتوه ونال إعجابكم❤
كان نفسي أكبر البارت اكتر من كدا بس قولت كفاية ونخلي باقي التوتر والتشوق والنكد للبارت الجاي ، تفاعل حلو بقا يستركم ده انا شوفت ضغط في كتابة البارت ده مش طبيعي
ويعني ضغطة لايك أو لاڤ مش هتخسركم حاجة ولا هتكهرب صباعكم وياسلام لو كومنت كمان يفرحني من وسط نزلة البرد اللي عندي هبقي شاكرة أفضالكم وهدلعكم في اللي جاي 😘🤓...
سؤال أخير بقا..
....
هو انتم بتحبوا مشاهد الاخوة زيى وبتعشقوها كده ولا دي عقدة عندي انا ولا ايه ؟ 🤓🏃..

قسوة ثم حنين 2 ( كاملة )حيث تعيش القصص. اكتشف الآن