الفصل المائة وخمسة عشر - الأخير

Start from the beginning
                                    

ظل الألم يوغر صوته وهو يحاول إفشاء ما خبأه كثيرًا:

-في حاجة كمان لازم تعرفيها، أنا مش عايز أخبي عليكي أي حاجة نهائي.

توترت تعبيراتها من هيئته المستريبة، بينما بلع "هيثم" ريقه، ونطق بتلعثمٍ:

-أنا ... آ..

سكت ولم تسكن أوجاعه، كان بحاجةٍ لتفريغ ما اعترته نفسه من هموم، استجمع جأشه ليكمل جملته، والدموع تنساب من طرفيه تأثرًا بالذكرى الأليمة:

-السبب في موت أبويا.

شهقت "همسة" مصدومة، وارتفع حاجباها للأعلى في ذهولٍ، سرعان ما وضعت يدها على فمها تلقائيًا لتكتم أنفاسها، واستمرت تتطلع إليه بنظراتٍ متسعة لبرهةٍ، إلى أن تمالكت أعصابها، خفضت يدها، وسألته بقلبٍ واجل:

-طب إزاي؟

نكس رأسه في ندمٍ، وحادثها بصوتٍ شبه متقطع:

-هاقولك.

.........................................

بدت في بعض الأحيان مأخوذة وشاردة، تتأمل بعينين فاحصتين الأوجه المحبة المتطلعة إليها؛ كانت مشاعر البغض والحقد أبعد ما يكون عنهم، حقًا تخلل تحت جلدها إحساسًا عميقًا بأنها تنتمي إلى هذه العائلة، وإن لم تجمعهم صلة الدم أو القرابة! رأت في نظراتهم المهتمة كافة مشاعر الود، الألفة، والحب. انتبهت "فيروزة" وسط تأملاتها إلى صوت "بدير" الذي يخاطبها:

-عايزك يا بنتي في كلمتين كده.

أدارت رأسها في اتجاهه، وأبدت ترحيبها قائلة:

-اتفضل يا حاج.

نهضت معه متجهة إلى الخارج، وأشارت له ليجلس بالبهو، على أحد المقاعد، تتبعته بنظراتها وهو يخرج من جيب جلبابه محفظته الجلدية العريضة، ليناولها ورقة مطوية، وهو يستطرد:

-ده يخصك.

أخذتها منه متسائلة في استغرابٍ:

-إيه ده؟

فتحتها لتقرأ ما كُتب فيها، وصوته يوضح لها:

-وصل أمانة.

ما زال وجهها يعكس دهشتها وهي تسأله:

-بتاع إيه؟

بدا وديًّا لأقصى الحدود وهو يخبرها:

-رد اعتبار عن اللي حصلك.

فهمت من تلميحه الحذر مقصده، فأعادت الورقة إليه مبدية رفضًا شديدًا:

-مش عايزاه.

أصر عليها بهدوءٍ:

-ده حقك، وضمان إنه مايكررش اللي عمله.

الطاووس الأبيض ©️ - الجزء الثالث - كامل ☑️Where stories live. Discover now