الفصل مائة وعشرة

Start from the beginning
                                    

-لأ .. ده أنا .. كنت بأطمن عليه.

تنحنح بخشونة طفيفة، وسألها كنوعٍ من المراوغة لتغيير اتجاه الحديث، وإبعاد الريبة عنه:

-إنتو مش ناقصكم حاجة يامه؟

جاوبته بنبرة لامس فيها الرضا:

-خير ربنا موجود وزيادة، تعيش يا ضنايا.

أنهى معها المكالمة قائلاً بتعجلٍ:

-ماشي يامه، سلام.

زفر الهواء سريعًا، ولام نفسه لحماقته في إظهار مبالاته بخروج جده غير الاعتيادي، تمنى في قرارة نفسه ألا تستريب والدته من الأمر، خاصة لعلمها أن لذهابه علاقة بزيارة طاووسه المتعافي. التفت متجهًا نحو باب الدكان، فوجد والده يخاطب أحدهم، كان على وشك الاستدارة والعودة إلى مقعده ليستأنف مراجعة الفواتير؛ لكنه نــاداه بلهجةٍ جادة:

-يا "تميم"، تعالى عايزك شوية لو خلصت اللي في إيدك.

أبدى اهتمامه متسائلاً:

-خير يا حاج؟

أجابه "بدير" مستخدمًا يده في الإشارة:

-هنتكلم برا في الطل.

هز رأسه موافقًا، وتبعه إلى الخارج ليجلس إلى جواره على الكرسي الخشبي، رفع أنظاره إليه متسائلاً في فضول:

-كنت عايزني في إيه يابا؟

استند والده بكفيه على رأس عكازه، وأجابه:

-في عريس جاي لأختك ...

تحفز "تميم" في جلسته، وانعكست على تعابيره أمارات الدهشة، فتابع موضحًا له:

-هو فاتحني، وأنا عرفت جدك، بس قولت أخد رأيك الأول، قبل ما نكلم "هاجر" ونعرفها، لأنه ...

بتر عن عمدٍ باقي جملته ليضمن حوزته على كامل انتباهه، فواصل القول على مهل:

-كان السبب في حبسك.

برقت عينا "تميم"، وتساءل بقسماته المندهشة:

-إنت بتكلم عن مين يابا؟

أجابه بحذرٍ:

-قصدي على "سراج"!

صمت مدهوشًا للحظات محاولاً استيعاب المفاجأة، فأكمل والده مفسرًا:

-قبل ما نديله أي كلمة لازم الكل يكون موافق عليه، ورأيك عندي يهمني زي أختك.

توقع أن يرفض رفضًا قطعيًا جراء الماضي المشؤوم بينهما، ولن يلومه على ذلك؛ لكنه فاجأه بمدحه:

-هو.. ابن حلال، وجدع، معدنه الحقيقي بان وقت الشدة ...

هل حقًا يتحدث عن "سراج"؟ من زج به في السجن وقضى على زهرة شبابه هناك؟ حملق فيه والده مصدومًا لبرهةٍ، غير مصدق ما يسمعه بأذنيه، أضاف ابنه مسترسلاً، وهو يستحضر في ذهنه دعمه الكامل له في أكثر من موقف تطلب مروءة كبيرة، ناهيك عن موقفه الأخير إبان عمليته الطبية الحرجة:

الطاووس الأبيض ©️ - الجزء الثالث - كامل ☑️Where stories live. Discover now