الفصل مائة وأربعة

Start from the beginning
                                    

-تمام يا معلم.

اقتحم البناية عشرات الرجال الأشداء، على رأسهم كان "تميم"، يقفز على الدرجات صعودًا، وأبقى ثلاثة منهم أمام البوابة بعد غلقها بالقفل والسلسلة الحديدية الغليظة. أتاه صوت جده الأجش صائحًا وهو مازال بالطابق السفلي:

-ارمي البتاعة اللي في إيدك دي يا (...).

راح يسمع صوتًا مقيتًا إلى نفسه، يرد بازدراء حقير، جعل الدماء المغلولة تصعد من صدره لرأسه في كتلٍ محمومة:

-اتكلم على أدك يا راجل يا كُهنة، إنت مش هتستحمل ضربة مني، ده إنت رجلك والقبر.

وقبل أن يوبخه "سلطان" هدر "تميم" عاليًا بصوتٍ أرعب الجميع:

-القبر ده هتخشه النهاردة يا (...).

التفت الجمع المصاحب لـ "فضل" لمصدر الصوت المزلزل، وحدث كل شيء كالبرق في سرعته، امتدت يد "تميم" اليمنى القابضة على عصا غليظة نحو أحد الأوغاد، فأطاحت برأسه، والأخرى الممسكة بسكينٍ طويل أحدثت جرحًا غائرًا في عضدِ آخرٍ، وشتائمه اللاعنة لا تتوقف أبدًا. تبعه رجاله الذين تلاحموا بشراسة عنيفة، لا يمكن وصفها مع كل من تطاله أياديهم؛ وكأن بينهم ثأرًا قديمًا مضى عليه قرون.

تلاشت لغة العقل والمنطق، وحلَّ أسلوب الغابة والوحشية المُطلقة، فتناثرت الدماء، وتكسرت العظام، والتوت الأذرع، وضربت الرؤوس. كالجرذ المذعور تراجع "فضل" متجهًا نحو الجد يريد إيذائه، اعتبره فريسة سهلة المنال، وربما وسيلته المؤقتة لإخراجه من الجحيم الذي سقط فيه بإرادته؛ لكن الأخير باغته بضربة غير متوقعة من عكازه على كتفه، جمع فيها كل غيظه وغضبه من تدنيس حرمة منزله، فارتد للخلف فاقدًا اتزانه، وقدرته على الصمود، ليقع في يدِ من لا يرحم.

.................................................

رغم حالة الهلع المسيطرة عليها إلا أنه استجمعت نفسها، والتقطت هاتفها المحمول الذي أسقطته أرضًا أثناء المواجهة مع ذلك الدنيء النجس، بادرت بالاتصـال بالشرطة على أمل أن يأتوا في الوقت المناسب، لمنع "فضل" من اختطاف توأمتها قسرًا. لم تتوقف "همسة" عند ذلك الحد، بل هاتفت أيضًا "علا"، علها تنجح بطريقة أخرى في ردعه، إن نجح وأخذها عنوة. حمدت الله في نفسها أنها ما زالت تحتفظ برقم هاتفها لديها، فتوسلتها بصوتها المتقطع عندما أجابت عليها:

-كلمي "ماهر" بيه يلحقها بسرعة، أنا خايفة أوي عليها، ده ممكن يقتلها.

ردت عليها تطمئنها في نبرة كانت متلهفة كذلك:

-متقلقيش يا "همسة"، مش هايقدر يأذيها، البلد مش سايبة، و"ماهر" ليه صلات بناس كتير، اطمني، هيعرف يوصلها حتى لو كانت فين.

استعطفتها بمزيدٍ من الرجاء:

-أوام الله يكرمك.

الطاووس الأبيض ©️ - الجزء الثالث - كامل ☑️Where stories live. Discover now