الفصل المائة وواحد

ابدأ من البداية
                                    

-هو إنتي ناسية حاجة على النار؟

ردت نافية على الفور، بتعابيرٍ تبدلت للاسترابة:

-لأ، أنا نضفت البوتجاز، وفصلت محبس الغاز.

أزاح الغطاء عن جسده، وتساءل في حيرةٍ قلقة:

-أومال دي جاية منين؟

منحته جوابًا عائمًا وهي تعتدل في رقدتها:

-يمكن من برا ولا حاجة، أنا متأكدة إن مافيش حاجة عندنا.

تقدم "هيثم" نحو باب غرفة نومهما، فاقتحم أنفه المزيد من الرائحة الخانقة، تلقائيًا وضع ذراعه حول أنفه ليقلل من نفاذها إليه وهو يهتف في توجسٍ:

-ده الريحة بتزيد.

مثلما فعل، هبطت "همسة" عن الفراش، ودنت منه وأنفها يشم بقوةٍ تسرب الرائحة إلى داخل الغرفة، سعلت قليلاً، لتعقب بعدها بقلبٍ يدق في ارتعابٍ:

-معاك حق، الموضوع كده يخوف.

أشار لها لتبقى وهو يخبرها:

-استني كده أنا هاطلع برا أشوف في إيه.

أصرت على الذهاب معه بقولها:

-أنا جاية معاك.

غادر الاثنان الغرفة، ليجدا سحبًا من الدخان الكثيف تنبعث في الصالة، وتغطي الفراغ، بل وتنتشر بسرعة البرق في أرجاء المنزل، أسرع "هيثم" أولاً في خطاه باحثًا عن مصدرها، وكان اتجاهه الأول هو المطبخ، تجمد عند أعتابه ناظرًا بعينين على كامل اتساعهما من الصدمة المرعوبة، عندما رأى ألسنة اللهب تتصاعد من أعلى الموقد، من المقلاة تحديدًا، لتصل إلى السقف. هلل في فزعٍ، مع شحوب مخيف لوجهه، وقد رأى والدته تجلس على المقعد أمامها تحملق فيها في هدوءٍ عجيب؛ وكأنها تستمتع بمنظرها:

-يا ساتر يا رب، حاسبي يامه.

صرخت "همسة" مستغيثة:

-يا لهوي، الحقونا يا ناس، البيت بيولع!

حاول زوجها تهدئتها، ودفعها بعيدًا عن مرمى النيران، وهو يصيح بصوتٍ اختلط بالسعال:

-اهدي، خليني أعرف اتصرف.

من بين سعالها المؤذي لحلقها أمرته بلهجتها المذعورة:

-افصل محبس الغاز بسرعة.

امتثل لنصيحتها الهامة، وأسرع بغلق المحبس الموصول بالموقد، ليقطع إمداده بالغاز الذي يزيد من تغذية النيران المتوهجة، بالكاد استطاع الاقتراب من والدته الجالسة في ثباتٍ عجيب أمام الألسنة؛ وكأن ما يحدث نصب عينيها لا يهز شعرة من رأسها. جذبها بقوةٍ من على المقعد وهو يأمرها بصوته المختنق:

الطاووس الأبيض ©️ - الجزء الثالث - كامل ☑️حيث تعيش القصص. اكتشف الآن