الفصل الثالث والتسعون

Comincia dall'inizio
                                    

-طب أعمل إيه؟

حدق في اسمها بنظرة مفتونة، ولهة، تنم عن حبٍ عميق، لا يمكن إنكار حقيقته أبدًا، مط فمه في ضيقٍ، عندما انقطع الاتصال، كما حل العبوس على قسماته المبتهجة، وكأن مصدر السعادة انسل من بين يديه؛ لكن عادت تعابيره للإشراق مجددًا، ونظراته للمعان، حينما ملأ اسمها الشاشة، دفعته اللهفة للإجابة على مكالمتها، بالنسبة له سماع صوتها كان الحافز المثالي لبدء يومه الطويل، والذي أصبح لا معنى له بدونها.

وضع "تميم" الهاتف على أذنه، حابسًا أنفاسه، عاجزًا عن إيجاد الحروف التي ينطق بها لتبادل الحديث معها، وقبل أن يجد مسعاه، انطلق صوتها ثابتًا، قويًا، يتخلل وجدانه وهي تتساءل باهتمامٍ:

-إنتي فين يا بنتي؟ من بدري باتصل عليكي وإنتي مش بتردي...

ابتسامة مسروة استقرت على شفتيه، ازدادت اتساعًا مع استرسالها الضاحك:

-فاتك نص عمرك إمبارح يا "هموسة"، كان لازم تكوني موجودة، "تميم" نفخ البغل "فضل"، عرفه مقامه الحقيقي، اقسم بالله كان واقف زي الكتكوت المبلول قصاده..

يا لقلبه الراقص طربًا لنطقها باسمه مجردًا من أي ألقاب! يا لعذوبة لسانها بحروفٍ تُدلل اسمه بنعومة مغلفة بالضحكات! أي شيء بعد يريده وقد نال السعادة بعد الشقاء؟ ودَّ لحظتها –بكل جوارحه- لو رأت ما يلوح على وجهه، وينعكس في وهج عينيه، من بهجة فاقت حد أي فرحة حظى بها في كامل حياته. تحليقه الحالم في سماء مُلبدة بالمشاعر الفياضة انتهى سريعًا كما بدأ، عندما أتمت جملتها:

-بصراحة اللي عمله فيه برد ناري شوية، وهو يستاهل أكتر من كده.

استشعر حنقًا دفينًا في صوتها الذي تبدل، وكبح ما اهتاج في عروقه من دماءٍ ثائرة، وذاكرته قد تنشطت بالتلميحات المبطنة السابقة عن تعرضه لها بالأذى، أصبحت أنفاسه ثقيلة، مشبعة بالحقد والغيظ، ومع صمته الطويل تساءلت "فيروزة":

-إنتي مش بتردي ليه؟

لم يعد هناك أي سبيل للمماطلة، فقد نال فرصته لليوم، لهذا تنحنح بخشونة طفيفة:

-احم..

سألته على الفور؛ وكأن نبرتها قد تحولت للتحقيق:

-مين معايا؟

تردد لوهلة قبل أن يبادر بالتعريف بنفسه، بتلعثمٍ محسوس، ودقات قلبه تتسارع بين ضلوع التي تحجزه:

-صباح الخير يا .. أبلة...

حل السكون على الطرف الآخر؛ وكأن الصدمة قد ألجمت لسانها، فأكمل ناطقًا باسمه، مُتمنيًا أن يحالفه الحظ وتناديه به:

-أنا "تميم".

لم يجد استجابة منها، فسألها متوجسًا:

الطاووس الأبيض ©️ - الجزء الثالث - كامل ☑️Dove le storie prendono vita. Scoprilo ora