الفصل الخامس والثمانون

Start from the beginning
                                    

عقب رفيقه بغصةٍ حارقة:

-اللي حازز في نفسي أكتر إني كنت مأمنه على أختي وأهلي ومالي، وفي الآخر يطلع (...).

أطلق "منذر" زفرة طويلة، تمتم بعدها:

-هو استغفل الكل، ووقت الحساب جه.

استقام "تميم" في وقفته، ومرر عكازيه أسفل إبطيه ليساعداه على السير، وقال بلهجةٍ قاتمة:

-شوفلنا العربيات يا "منذر"، أنا مش هاقدر أستنى لحد ما الناس تمشي، أبويا موجود وجدي، هما موجودين يسدوا مكانا.

أدرك صديقه أنه لن يستطيع إثنائه عن رأيه، فتنهد مرددًا:

-ماشي يا سيدي، هاشوف "دياب" وراجعلك.

تركه بمفرده ليستدعي شقيقه، ويرتب معه في عجالةٍ ما قد يحتاجون إليه للانتقال بالعدة والعتاد للقبض على "محرز"، بجهد جهيد حاول "تميم" تثبيط الانفعالات الثائرة بداخله، فما زال إحساسه بالتراخي في حماية جزءٍ من عائلته يعذبه؛ وإن لم يعلم بعد بالمؤامرات الخبيثة التي حيكت ضده لإهلاكه.

.................................................

سحقًا لأمثاله من عديمي المشاعر، مقتنصي الفرص لإظهار الشماتة علنًا، هكذا كان "فضل"! يستمتع بنشوةٍ منفرة بإظهار نواقص غيره؛ وكأنما يخلو شخصه المقيت من العيوب، فحينما لمح "تميم" يقف بعكازيه، وعلامات الألم تبدو عليه كلما جاهد ليتحرك قليلاً على الرصيف، حتى أحس بسرور غريب يتفشى في روحه العليلة، ظن أنها فرصته المناسبة لرد الصاع صاعين له، والاقتصاص منه لإهانته الوقحة له، بكلماتٍ تستثير غيظه، وتجعل في نفس الآن غير قادرٍ على مجابهته. دنا منه، ورمقه بنظرة استعلاءٍ متشفية، قبل أن يستوقفه صائحًا بنبرةٍ شبه هازئة:

-سلامتك يا .. معلم، مين اللي عَلم عليك كده؟ شكله واحد إيده طارشة، مايعرفش أبوه.

لم يكن مراعيًا لمشاعر غيره الحزينة، وقاحته تخطت المقبول، استدار "تميم" ليواجهه، ونظراته توحي بغضبةٍ على وشك الاندلاع فيه، زجره متسائلاً بصوته الأجش:

-عَلم عليا؟ إنت اتجننت يا بنى آدم؟

واصل سخريته منه، غير مكترث بتبعات لغو لسانه الأحمق:

-أومال اللي حصلك ده من إيه؟ أوعى تقول قشرة موزة مثلاً دوست عليها بالغلط وإنت بتنقل الأقفاص؟

هدر به "تميم" بخشونةٍ، وهو يرفع عكازه في وجهه ليهدده به:

-القفص ده هتلبسه في دماغك لو مغورتش من قدامي.

أزاحه "فضل" بيده، قاصدًا دفع "تميم" بعدائية للخلف لطرحه أرضًا، رغم كون الأخير قد حافظ على اتزانه، إلا أن ذلك الوقح تابع استفزازه البارد بقوله السمج:

الطاووس الأبيض ©️ - الجزء الثالث - كامل ☑️Where stories live. Discover now