كنت نائما في مرقدي اذ رأيت في ما يرى النائم قائلا يقول لي:
حجّ فانك تلقى صاحب زمانك (عجل اللّه تعالى فرجه الشريف).
قال علي بن ابراهيم:
"فانتبهت وانا فرح مسرور، فما زلت في الصلوة حتى انفجر عمود الصبح.و لمّا فرغت من صلواتي وخرجت اسأل عن الحج فوجدت فرقة تريد الخروج، فبادرت مع أوّل من خرج، فما زلت كذلك حتى خرجوا وخرجت بخروجهم اريد الكوفة، فلما وافيت نزلت عن راحلتي وسلّمت متاعي الى ثقات اخواني وخرجت أسأل عن آل ابي محمد (عليه السلام) فما زلت كذلك فلم أجد أثرا ولا سمعت خبرا وخرجت في اول من خرج أريد المدينة فلما دخلتها لم اتمالك ان نزلت عن راحلتي وسلمت رحلي الى ثقات اخواني وخرجت اسأل عن الخبر واقفو الأثر، فلا خبرا سمعت، ولا أثرا وجدت، فلم أزل كذلك الى ان نفر الناس الى مكة وخرجت مع من خرج حتى وافيت مكة، ونزلت فاستوثقت من رحلي وخرجت اسأل عن آل ابي محمد (عليه السلام)، فلم اسمع خبرا ولا وجدت أثرا، فما زلت بين اليأس والرجاء متفكرا في أمري وعائبا على نفسي وقد جنّ الليل.فقلت"
"ارقب الى ان يخلولي وجه الكعبة لاطوف بها واسأل اللّه عز وجل ان يعرّفني أملي فيها...فبينما أنا كذلك وقد خلالي وجه الكعبة اذ قمت الى الطواف فاذا أنا بفتى مليح الوجه طيب الرائحة، متّزر ببردة، متّشح باخرى، وقد عطف بردائه على عاتقه، فرعته، فالتفت اليّ وقال"
"ممّن الرجل؟"
-فقلت:
"من الاهواز"
-فقال:
"أتعرف منها ابن الخصيب؟"
-فقلت:
"رحمه اللّه دُعي فاجاب"
-فقال:
"رحمه اللّه، لقد كان بالنهار صائما وبالليل قائما وللقرآن تاليا ولنا مواليا"
-فقال:
"أتعرف بها علىّ بن ابراهيم بن مهزيار؟"
-فقلت : "أنا علىّ"
-فقال:
"أهلا وسهلا بك يا أبا الحسن، أتعرف الصريحين (الضريحين)؟"
-فقلت: "نعم"
-قال: "ومن هما؟"
-قلت: "محمد وموسى"
-ثم قال: "ما فعلت العلامة التي بيّنك وبين ابي محمد (عليه السلام)؟"
-فقلت: "معي"
-فقال: "أخرجها الىّ"
فاخرجتها اليه خاتما حسنا على فصِّه (محّمد وعليّ).
فلما راى ذلك بكى ملّيا ورنّ شجّيا فاقبل يبكي بكاء طويلا وهو يقول:
"رحمك اللّه يا أبا محمد فلقد كنت اماما عادلا ابن ائمة وأبا امام، اسكنك اللّه الفردوس الاعلى مع آبائك عليهم السلام"
-ثم قال:
"يا أبا الحسن صِر الى رحلك وكن على أهبة من كفايتك حتّى اذا ذهب الثلث من الليل وبقى الثلثان، فالحق بنا فانك ترى مُناك (ان شاء اللّه)"
-قال ابن مهزيار:
"فصرت الى رحلي اطيل واصلحته وقدمت راحلتي وحملتها وصرت في متنها حتى لحقت الشعب فاذا أنا بالفتى هناك يقول"
"اهلا وسهلا بك يا أبا الحسن طوبى لك فقد أذن لك"
فسار وسرت بسيره حتى جاذبى عرفات ومنى وصرت في اسفل ذروة جبل الطائف، فقال لي:
"يا أبا الحسن انزل وخذ في أهبة الصلوة"
فنزل ونزلت حتى فرغ وفرغت.ثم قال لي:
"خذ في صلٰوة الفجر وأوجز"
فاوجزت فيها وسلّم وعفّر وجهه في التراب، ثم ركب وأمرني بالركوب فركبت، ثمّ سار وسرت بسيره حتى علا الذروة فقال:
"المح، هل ترى شيئا؟"
-فقلت:
"يا سيدي ارى بقعة نزهة كثيرة العشب والكلاء"
-فقال لي:
"هل ترى في أعلاها شيئا؟"
فلمحت فاذا انا بكثيب من رمل فوقه بيت من شعر يتوقد نورا؟
-فقال لي:
"هل رأيت شيئا؟"
-فقلت:
"ارى كذا وكذا"
-فقال لي:
"يا ابن مهزيار طب نفسا وقَرَّ عينا فانّ هناك أمل كلّ مؤمّل"
-ثم قال لي:
"انطلق بنا"
فسار وسرت حتى صار في أسفل الذروة ثم قال:
"انزل فها هنا يذل لك كلّ صعب"
فنزل ونزلت حتى قال لي:
"يا ابن مهزيار خل عن زمام الراحلة"
-فقلت:
"على من أخلفها وليس ههنا أحد؟"
-فقال:
"انّ هذا حرم لا يدخله الاّ ولىّ ولا يخرج منه الاّ ولىّْ"
فخلّيت عن الراحلة، فسار وسرت فلما دنا من الخباء سبقني وقال لي:
"قف هنا الى ان يؤذن لك"
فما كان الّا هنيهة فخرج الىّ وهو يقول:
"طوبى لك، قد أعطيت سؤلك"
فدخلت عليه صلوات اللّه عليه وهو جالس على نمط عليه نطع أديم أحمر متّكيء على مسورة أديم، فسلمت عليه وردّ علىّ السلام ولمحته فرأيت وجهه مثل فلقة القمر لا بالخرق ولا بالبزق، ولا بالطويل الشامخ ولا بالقصير اللاصق، محدود القامة، صلت الجبين أزجّ الحاجبيّن، ادعج العينين، اقنى الأنف، سهل الخدّين، على خدّه الأيمن خال.
فلما ان بصرت به حار عقلي في نعته وصفته،
-فقال لي:
"يا ابن مهزيار كيف خلّفت اخوانك في العراق؟"
-قلت: في ضنك عيش وهناة، قد تواترت عليهم سيوف بني الشيصبان، فقال:
"قاتلهم اللّه أنّى يؤفكون كأني بالقوم قد قتلوا في ديارهم واخذهم أمر ربّهم ليلا ونهارا"
-فقلت:
"متى يكون ذلك يبن رسول اللّه؟"
-قال:
"اذا حيل بينكم وبين سبيل الكعبة باقوام لا خلاف لهم واللّه ورسوله منهم براء، وظهرت الحمرة في السماء ثلاثا فيها اعمدة اللّجين تتلاءلاء نوراً ويخرج السروسيّ من ارمينيّة واذر بايجان يريد وراء الرّي الجبل الاسود المتلاحم بالجبل الأحمر، لزيق جبل طالقان، فيكون بينه وبين المروزىّ وقعة صيلمانيّة يشيب فيها الصغير ويهرم منها الكبير ويظهر القتل بينهم، فعندها توقعوا خروجه الى زوراء العراق فيقيم بها سنة أو دونها ثم يخرج الى كوفان فيكون بينهم وقعة من النجف الى الحيرة الى الغرىّ وقعة شديدة تذهل منها العقول، فعندها يكون بوار الفئتين وعلى اللّه حصاد الباقين، ثم تلا قوله تعالى: (بسم اللّه الرحمن الرحيم أتٰها أمرنا ليلاً أو نهارا فجعلناها حصيدا كأن لم تغن بالأمس)"
-فقلت:
"سيدي يا ابن رسول اللّه ما الأمر؟"
-قال:
"نحن أمر اللّه وجنوده"
-قلت:
"سيدي يا ابن رسول اللّه حان الوقت؟"
-قال:
"واقتربت الساعة وانشقّ القمر"
#إشارة:
ورد في البحار للمجلسي ان علي بن مهزيار حج عشرين حجّة، وكان يأمل في كلّ مرّة ان يتشرف بلقاء المولى صاحب الزمان (عجل اللّه تعالى فرجه الشريف)، حتى يئس من ذلك.و قرر عدم السفر ثانية.
وذات ليلة سمع هاتفاً يأمره بالحج ليصل الى مناه، وفعلاً وصل الى مناه كما مرّ بنا عزيزي القاريء في الحكاية اعلاه.
ومن هذا، يتبين لنا مدى شوق اولئك الصالحين الى هذا الشرف الرفيع، وتحملهم عناء السفر المتكرر، وخصوصا في تلك الازمنة، حيث كان السفر الى بيت اللّه الحرام يستغرق وقتا طويلا مضافا الى المخاطر المحتملة فيه في الطريق.
وبمراجعة الحكاية يتضح لنا جليّا، بان ابن مهزيار الاهوازي لم يكن يأمل من تشرفه بلقاء الحجة (عجل اللّه تعالى فرجه الشريف)، شفاء مريض، أو اداء دين، أو دفع عدوّ وغير ذلك من الحوائج الدنيوية المباحة، كما هو ديدن الكثير من المؤمنين الذي يلتزمون بالاربعينات للقاء المولى وقضاء حوائجهم، وانما كان همُّ ابن مهزيار هو النظر الى تلك الطلعة الرشيدة والتملّي من تلك الغرّة الحميدة، وهذا لعمري غاية الشوق واشرفه واكمله.و هذه هي، الهجرة الى اللّه ورسوله.
فينبغي ان يكون ذلك، همّ طلّاب اللقاء والرؤية، بل وحتى زوّار مراقد المعصومين الطاهرة، لا الاغراض الدنيويّة وان كانت مباحة وأن يترفع الانسان عن مودة التجّار ليصل الى مودة العشاق، كي يحظى بلذّة الوصال، فتهون كلّ مصائب الدنيا عنده.
_______________
المصدر:الاربعون في الامام المهدي وقصة الجزيرة الخضراء.