يقول سماحة السيد حسن الابطحي:
حدثني جناب حجة الاسلام والمسلمين السيد القاضى الزاهدي الگلبايگاني قال:
سمعت في طهران من جناب السيد الحاج محمد علي فشندي وهو من اخيار طهران قال:
في ايام شبابي كنت ملتزما حدّ الامكان بعدم ارتكاب الذنوب، وان أذهب الى الحج مرارا حتى اتشرف برؤية مولاي بقيّة اللّه روحي فداه، ولذا تشرفت سنوات عديدة بزيارة مكة المعظمة.
وفي احدى تلك السنين وكنت متعهدا بامور جمع من الحاج، وفي ليلة الثامن من ذي الحجة ذهبت الى صحراء عرفات مع الاثاثية واللوازم وما يحتاجه الحاج، وكان قصدي ان اصل الى هناك قبل بقية الحجيج بليلة واحدة لانتخب المكان الانسب لقافلتي.
وصلت الى صحراء عرفات عصر اليوم السابع، فانزلت الاثاث واللوازم ووضعتها في خيمة كانت قد أعدَّت لنا (وقد وجدت بان احدا من الناس لم يصل بعد الى عرفات فكنت وحيدا فيها).
في هذه الاثناء، جاءني احد الشرطة الذين كانوا موكلين بحفظ الخيام هناك وقال لي: لماذا جئت بكل هذه الوسائل والاثاث في هذه الليلة، الم تعلم بانه يمكن ان تتعرض للسرقة في هذا الصحراء الواسعة؟! وعلى اي حال، الآن وقد جئت، عليك ان تبقى يقظاً حتى الصباح لتحرسها.
في تلك الليلة، وفي ذلك المكان، اشتغلت بالعبادة والمناجات مع ربّي وبقيت مستيقظا، الى ان كان منتصف الليل، فرأيت سيدا جليلا على رأسه شال أخضر، جاء الى خيمتي وناداني باسمي وقال: السلام عليك يا حاج محمد علي!
قلت: وعليك السلام، وقمت من مكاني، فدخل ذلك السيد الى الخيمة.
وبعد عدة لحظات، جاء جمع من الشبّان الذين نبتت لحاهم للتوّ، وكانوا كالخدم لذلك السيد.
في البدء خفت منهم، ولكن بعد ان تكلمت عدة كلمات مع ذلك السيد ذهب الخوف من روعي ودخل حبُّه في قلبي فوثقت بهم واطمئننت اليهم.
كان الشبّان يقفون بباب الخيمة، وامّا السيد فقد دخل الى داخل الخيمة.
قال لي ذلك السيد: يا حاج محمد علي هنيئا لك ...هنيئا لك.
قلت: ولم ذاك؟
قال: لانك تبيت في صحراء عرفات في هذه الليلة التي بات في مثلها جدي الامام الحسين (عليه السلام) فيها.
قلت: وماذا علىّ ان افعل في هذه الليلة؟
قال: تصلي ركعتين تقرأ في كل منهما بعد الحمد سورة قل هو اللّه احد، احد عشرمرة.
ولذا، قمنا وصلّينا مع السيد وبعد الفراغ من الصلوة قرأ السيد دعاء بمضامين لم اكن قد سمعت بمثلها، وكان يقرأها بتوجه وخشوع والدموع تجري من عينيه.
حاولت ان احفظ ذلك الدعاء، فقال السيد: هذا الدعاء خاص بالامام المعصوم: وانك ستنساه!
ثم قلت للسيد: اريد منك ان تسمع الى عقائدي في التوحيد وهل هي صحيحة؟
قال: قل.
فشرعت بالاستدلال على وجود اللّه بالآيات الآفاقيّة والآنفسيّة، وقلت: انني اعتقد بوجود اللّه لهذه الادلة.
قال: يكفيك هذا المقدار من معرفة اللّه.
ثم عرضت بخدمته اعتقادي بمسألة الولاية.
فقال: اعتقادك حسن.
فسألت منه قائلاً: بنظرك اين الامام الحجة (عجل اللاه تعالى فرجه الشريف) الآن؟
قال امام الزمان في الخيمة الآن!
سألت منه: يقولون بان حضرة ولي العصر (عجل اللّه تعالى فرجه الشريف) يكون في عرفات يوم عرفة، ففي ايّ مكان من صحراء عرفات يقف؟
قال: في حدود جبل الرحمة.
قلت: فلو ذهب احد الى ذلك المكان فهل سيراه؟
قال: نعم يراه ولكن لا يعرفه.
قلت: غدا مساء ليلة عرفة، فهل يأتي حضرة ولي العصر (عجل اللّه تعالى فرجه الشريف) الى خيام الحجّاج ويتلطف عليهم؟
قال سيأتي الى خيمتكم، لانكم ستتوسلون بعمي ابي الفضل العباس (عليه السلام) في الليلة القادمة.
وفي هذه الاثناء قال لي السيد: يا حاج محمد علي هل عندك شاي؟
(وفجأة التفت الى اني جئت بكل الوسائل الاّ الشاي)
قلت: سيدنا، اتفاقا لقد نسيت ان اجلب الشاي معي، والحمد لله ان ذَكَّرتَني، فانّي ساذهب غدا واجلب الشاي للمسافرين.
قال السيد: الشاي علىّ الآن.
فخرج من الخيمة وجاء بشيء ظاهره انه شاي ولكن عندما قمنا بتحضيره كان معطرا وحلوا بحدٍّ تيقنت معه انه ليس من شاي الدنيا، فشربت من ذلك الشاي.
ثم قال لي: هل عندك طعام ناكله؟
قلت: نعم، عندي خبز وجبن.
قال: انا لا آكل الجبن.
قلت: وعندي لبن ايضا.
قال: هاته.
فقدمت له مقدارا من الخبز واللبن، فاكل شيئا منهما ثم التفت الىّ وقال: يا حاج محمد علي، ساعطيك مئة ريال (سعودي) لتأتي بعمرة نيابة عن والدي.
قلت: سمعا وطاعة، فما اسم ابيك؟
قال اسم أبي (سيد حسن).
قلت: وما اسمك انت؟
قال: سيّد مهدي.
فاخذت المال، وفى هذه الاثناء قام ذلك السيد ليخرج من الخيمة، ففتحت ذرّاعي وعانقته مودعا وعندما اردت ان اقبّل وجهه شاهدت على وجنته اليمنى خالا أسوداً جميلا، فوضعت شفتي على ذلك الخال وقبلت وجهه.
وبعد لحظات من افتراقنا، تفحّصت الصحراء يمينا وشمالا فلم أرَ احدا، وفجأة انتبهت من غفلتي وعرفت ان ذلك السيد هو حضرة بقية اللّه ارواحنا فداه، خاصة وانه؛ كان يعرف اسمي!
ويتكلم الفارسية!
واسمه مهدي!
وابن امام الحسن العسكري!
وعلى اي حال، جلست تلك الليلة ابكي وانحب وانشج نشيجا عاليا حتى اسمعني الشرطة فظنوا ان السرّاق سرقوا متاعي، فاجتمعوا حولي وسألوني فقلت لهم: كنت مشغولا بالمناجات، فاشتد بكائي!
وفي اليوم التالي وعندما وصلت مجموعتي، وذكرت القصة لروحانىّ المجموعة، نقل بدوره ذلك الى الحجّاج، فازداد شوقهم وحنينهم للمولى (عجل اللّه تعالى فرجه الشريف).
وفي اوائل وقت الغروب من ليلة عرفة، صلّينا صلوة المغرب والعشاء، وبعد الصلوة (ومع اني لم اكن قد قلت لهم انَّ الامام (عجل اللّه تعالى فرجه الشريف) كان قد ذكر لي باننا سنتوسل بعمه العباس (عليه السلام) وانّه سيتلطف ويشرفنا بقدومه الى الخيمة) قام روحاني المجموعة وبدأ بقراءة مصيبة أبى الفضل العباس (عليه السلام) وكان البكاء والنحيب والتوجه يسيطر على أجواء المجلس، ولكنني كنت دائما اترقب مجيء الامام بقية اللّه روحي وارواح العالمين لتراب مقدمه الفداء.
وعلى اي حال، كاد مجلس العزاء ينفض ويُختِم، فنفذ صبري وقمت وخرجت من الخيمة، فرأيت حضرة ولي العصر روحى فداه، واقف بباب الخيمة يستمع الى مجلس العزاء ويبكي، فاردت ان اُعلِمَ الناس بوجوده الشريف فاشار بيده المباركة اليّ ان اسكت، فكأنّ يدا قد تصرفت بلساني فلم استطع ان اتفوه بحرف واحد ولذا وقفت بجانب باب الخيمة والامام بالجانب الآخر وكنّا نبكي على مصائب ابي الفضل العباس (عليه السلام)، ولم أقدر ان اتحرك خطوة واحدة باتجاهه (عجل اللّه تعالى فرجه الشريف) وعندما انتهت قراءة المصيبة، ترك بقية اللّه الأعظم (عجل اللّه تعالى فرجه الشريف) المكان وانصرف.
إشارة:
يستفاد من هذه الحكاية امور؛
منها: ما ذكرناه سابقا من تشرف الديار المقدسة بزيارة الامام (عجل اللّه تعالى فرجه الشريف) لها في كل عام، فهو يقف مع الحجيج في عرفة ويطوف حول البيت ويسعى بين الصفا والمروة مع الناس، ولذا فان الكثير من الناس يكرر السفر الى بيت اللّه الحرام للحج وللتشرف بخدمة المولى مخصوصا في صحراء عرفات فانه قطعا يكون موجودا من الزوال الى الغروب يدعو للمؤمنين ويؤمِن على دعاء الصالحين.
ومنها: علاقة الامام (عجل اللّه تعالى فرجه الشريف) الخاصة بمصيبة عمّه ابي الفضل العباس (عليه السلام) ولذا ينبغي على المؤمنين الاكثار من التوسل بساحة ابي الفضل العباس (عليه السلام) فان في ذلك ادخال السرور على قلب الامام الحجة (عجل اللّه تعالى فرجه الشريف).
ومنها: جواز النيابة بالعمرة عن الائمة عليهم الصلوة والسلام، بل ان في ذلك ثواب عظيم حتى للنائب، وقد وجدنا كيف ان الامام (عجل اللّه تعالى فرجه الشريف) استناب الحاج فشندي للزيارة عن ابيه الامام العسكري (عليه السلام)، وحرىّ بالمؤمنين ان يعتمروا نيابة عن ائمتهم فان في ذلك عظيم الثواب لهم.
_________________
المصدر: الاربعون في الامام المهدي وقصة الجزيرة الخضراء.