بأمر الحب

By MennaMohamed047

3.7M 79.5K 5.1K

ل تميمه نبيل More

1
2
3
4
5
6
7
8
9
10
11
12
13
14
15
16
17
18
19
20
21
22
23
24
25
26
28
29
30
31
32
33
34
35
36
37
38
39
40 the end

27

77.1K 1.8K 223
By MennaMohamed047


رفعت رنيم عينيها الحزينتين الجميلتين و اللتين أخفت دهشتهما بعضا من حزنهما ... وهي تنظر الى وجه عمر المتجهم و الذي كان واقفا بجوارها ... يعلوها وهو يشرف على عملها الذي تقوم به بشرود و دون رغبة ....

همست رنيم مبتسمة بقلق

( لا أبدا .... ولما أكون حزينة ؟؟ ...... كل شيء بخير الحمد لله )

ثم أخفضت عينيها بسرعة ظنا منها أنه قد أفلحت في الكذب عليه ... الا أن ما لا تعرفه بأنها شفافة له بشفافية مياه بركةٍ صافيةٍ أول الصباح .....

زفر عمر بنفاذ صبر , وهو يكره ذلك الحاجز الذي تجيد إحاطة نفسها به ... ليحجبها عنه , ...

يكره حين تتجنبه و تتجنب الإفضاء اليه بما يحزنها و يفرحها كما كانت تفعل أحيانا ...

فهي أحيانا تكون منطلقة معه على سجيتها و تتكلم ... بل تثرثر طويلا , وهو يثمل من تلك اللحظات التي يراقب شفتيها و هما تنطلقان بكل ما يجول في خاطرها له وحده ....

هو وحده من تمنحه تلك المكانة ... الا أنها تعود في معظم الأحيان و تنغلق على نفسها و كأنما ندمت على منحه كل هذا القدر من الثقة ...

آآآه لو تعلم بأنه الوحيد الأجدر بنيل ثقتها .... لأنه قرر ذلك ....

كم يود في بعض الأوقات المجنونة , أن ينتهج أسلوب جاسر في الحصول على مبتغاه و خاصة حين يتعلق الأمر بالمرأة التي يريدها .... يريدها ؟؟ .... هل أصبح الآن يفكر بنفس أسلوب جاسر كذلك ؟؟ ....

زفر عمر للمرة الثانية , حينها انفعلت رنيم بأقصى ما قد تسمح به نعومتها الفطرية و هي ترفع رأسها اليه هاتفة بتوتر كالأطفال

( كف عن ذلك .... أنت توترني )

حينها قال عمر بجفاء

( ربما إن توترتي قليلا , ستتمكنين من التركيز على ما تفعلينه ... فهذه رابع مرة تخطئين بها نفس الخطأ )

زمت رنيم شفتيها وهي تقول بقوة على الرغم من الصدمة الظاهرة على ملامحها من جراء جفاؤه معها ...

( أنا أخطىء لأنك تقف فوق رأسي منذ أكثر من ساعة .... و انا لا أعلم لماذا أنا تحديدا المعنية بتلك المراقبة )

صمت عمر للحظة واحدة قبل أن تشتعل عيناه بغضبٍ غير مبرر و كأنه يكره انفعالها عليه و محاولتها تحديه بتلك الوقاحة ... ثم قال بخشونة و بلهجة مهينة

( ربما لأن الباقيين لا يحتاجون مراقبة .... اما أنتِ فلو ترتكت للحظة لأرتكبتي أربعة أخطاء ظاهرة للأعمى ........ )

اتسعت عينا رنيم بصدمة و فغرت شفتيها الجميلتين وهي لا تصدق أن عمر يكلمها بمثل تلك الطريقة .... و في لحظةٍ لمعت عينيها بدموعٍ لم تذرفها الا أنها زادت من نعومة و جمال عينيها ..... مما عصر قلبه ندما خاصة وهي تهمس بحزن

( لماذا تعاملني بتلك الطريقة ؟ .... أنا فقط متعبة ليس أكثر , و أنت لا تساعدني بوقوفك خلفي بهذا الشكل )

تاهت عيناه في شفتيها المرتجفتين الى أصابعها الأكثر ارتجافا ... ان التوتر يكاد يخنقها , و الهالات الداكنة بدأت في الظهور تحت عينيها ...

كم ود لو يضمها الى صدره و يتلاعب بخصلاتِ شعرها الناعم الى ان تهدأ من جديد , الا أن عدم ملكيته لهذا الحق يجعله كالمجنون لدرجة أن يؤذيها دون عمد مجددا ....

رمت رنيم رفعت رنيم كلتا يديها لتغطي بهما وجهها مستندة بمرفقيها الي سطح المكتب و هي تزفر مرتجفة .....

مد عمر يده رغما عنه و دون أن يجد القدرة على منع نفسه ...... بأصابعٍ غير ثابتة , اقترب من رأسها المحني باستسلام ...وهو يقنع نفسه جاهدا بأنه فقط سيلامس الهواء من فوق شعرها عله نقل اليها اعتذاره الذي هو غير قادر على التنازل به ....

حتى وصلت يده الي بعد شعرةٍ من رأسها , ولامست كفه بعض الشعيرات المتطايرة الدقيقة الناعمة فأغمض عينيه يكاد يتأوه من نعومته ....

كم مرت ... لحظة ... لحظتين ... كل ماحدث هو أن رنيم رفعت رأسها بسرعةٍ وهي تنتفض واقفة بقوة .... ليقفا متواجهين

بدا هو ثابتا بشكلٍ غريب مدققا في عينيها يكاد أن يخترق روحها , .... أخيرا قال بصوتٍ عميق بعمق عينيه اللتين رفضتا تحرير عينيها

( تلك الحياة المزدوجة التي تعيشينها تستهلكك تماما ....... فلما تحملين نفسك كل ذلك ؟ )

ارتجفت أكثر حتى كتفت ذراعيها و كأنها تشعر بالبرد لتهمس بخوف

( أية حياة مزدوجة ؟؟ ........... )

قال عمر بقوةٍ و دون مواربة

( إن كنتِ تخشين من معرفته بنصف حياتك تقريبا ... فلا وجود للثقة بينكما , اي نجاحٍ تترجينه من علاقة كهذه ؟؟ .......)

فغرت رنيم شفتيها و تلجلجت و هي لم تفق بعد من صدمة قربه منها لهذا الحد .. هل كان سيلامس شعرها بالفعل ؟؟ .... أتراها تتوهم ؟؟ .... هل جنت تماما ....

أخيرا حين وجدت صوتها تمكنت من الهمس باختناق ..

( كيف .. كيف تتكلم معي , بهذا الشكل .. و من أعطاك الحق في أن تتدخل بحياتي الخاصة بهذا الشكل ؟ )

لم يرد ... و رغم التجهم الذي انطبع على وجهه بشكل أوجعها أكثر , الا أن عينيه ظهر بهما شيئا ما لوهلة و كأنما قد جرحته عن قصد ...ثم لم يلبث أن قال بخفوت خشن

( من منحني الحق ؟؟ ........ )

فتحت فمها لتعتذر ... لتخبره بأنها لم تقصد أبدا .... لتخبره بأنها تمنحه كل الحق حتى و إن كان كلامه يطعنها كل مرة ,..... لكنه لم يلبث أن تابع ببرود

( اهمالك مؤخرا هو ما منحني الحق .... لكن بما أنك ترفضين محاولتي لمساعدتك , لذا فبإمكاني أن أجعل الأمر مهنيا تماما و أنا أخبرك بكل وضوح أنكِ بدأت تتهاونين في حق العمل .... وهذا هو ما لن أسمح به أبدا ..... أنا لا أسمح به لغيرك , و أنتِ لستِ مستثناة من تلك القاعدة ... و اعتبري هذا أول تنبيه لك )

و قبل أن يمنح نفسه الفرصة كي يظهر ما فعله به منظر عينيها في تلك اللحظة , استدار مغادرا باندفاع .... لكنه لم يكد يقترب من الباب حتى اصطدم بعلا التي دخلت مندفعة ....

هتف عمر بصرامة و غضب بعد ما أستوعب وجودها

( ماذا تفعلين هنا ؟؟ .....ليس هذا وقتك أبدا ... عودي للبيت من حيث أتيتِ .... )

تراجعت علا رافعة حاجب واحد وهي نفس حركة عمر بالوراثة و قد بدت شبيهة به بدرجة مضحكة حتى في غضبه و تجهمه

( لماذا تحادثني هكذا بدلا من أن ترحب بي ؟؟ .... ساعة و أنا أدور بحثا عنك الى أن وجدتك هنا , ثم في الآخر تكلمني بتلك الطريقة !!! ...... هذا الأسلوب مكانه في البيت و ليس أمام الناس و قد تكلمنا في هذا الأمر عشرات المرات ........... )

قال عمر بنفاذ صبر و عيناه تبرقان برعونة

( علا .... صبري يوشك على النفاذ , فلا تتحديني رجاءا و اذهبي الآن, اليوم ليس يوم زيارات ...... )

نظرت علا من فوق كتفه و قد غادرها بعضا من غضبها وهي تقول بلهجةٍ ذات مغزى

( احم ... يبدو أنه قد سبق و نفذ بالفعل , و لست أنا ضحيتك الأولى ............. )

التفت عمر الي حيث تنظر ... فتسمر مكانه وهو يرى رنيم تشهق باكيةٍ دون أي صوت ... فبدت مثيرة للشفقة بشكل يفوق الوصف و قد تورم كل وجهها بدءا من عينيها الى أنفها فشفتيها و وجنتيها ... حتى حاجبيها احمرت بشرتهما كالأطفال ...

عبس بصدمةٍ وهو يتسائل متى وصلت الى تلك المرحلة ؟؟ ... لقد التفت عنها منذ عدة ثوانٍ ....

الا أنه لم يطل الشرود وهو يراها تجمع اشيائها الصغيرة المبعثرة على سطح مكتبها ملقية بها في حقيبتها و في لحظةٍ كانت تحاول تجاوزه وهي تنوى المغادرة .. الا أنه لم يأخذ وقتا طويلا في التفكير حين سد عليها طريق الخروج , وهو يقول بصرامة

( الى أين آنسة رنيم ؟؟ ..... لا أعتقد أن موعد انتهاء العمل قد حان بعد )

حاولت أن تتجاوزه مرة أخرى الا أنه كان لها بالمرصاد وهو يسد الطريق عليها بطوله الفارع و كأنما سد عليها النور و الهواء فعجزت حتى عن التقاط أنفاسها , لتتراجع خطوتين ناظرة اليه بعينين حمراوين متألمتين وهي تهتف بانهيار طفولي

( ابتعد عن طريقي .... لماذا تعاملني بتلك الطريقة ؟؟ , )

قال بخشونة لا تقبل الجدل

( وهل هذه طريقة مهندسة في التعامل مع ضغوط العمل ؟؟ ....... )

رفعت يديها لتظلل بهما جبهتها وهي تحني رأسها يأسا هاتفة ببكاء

(كفى .... كفى أرجوك , لقد تعبت ......... )

قال دون رحمة

( اذن تستسلمين .... و ها أنت قد بدأت التنازل في الإهتمام بعملك , تماما كما سلكت طريقا طويلا في التنازل في حياتك الخاصة .... )

لم ترد و لم تستطع حتى الرد عليه بينما هي تنتحب مهدرة المتبقي من كرامتها ... و بعد عدة لحظات مشحونة قال عمر بلهجةٍ آمرة و عينيه مثبتتين على رأس رنيم المحني

( اخرجي الآن يا علا ......... )

للحظةٍ لم تفهم علا أن الأمر موجها لها و هي تراقب المشهد بكل اهتمام و فضول ... لكن ما أن نجح اسمها في العبور الى طبقات عقلها حتى عقدت حاجبيها و رفعت رأسها بتمرد و هي تقول بتوسل غاضب

( ربما أحتجتماني في ....... )

الا أن عمر كرر بلهجةٍ أشد صرامة دون أن يلتفت اليها

( الآن يا علا ........... )

تأففت علا بغضب و تذمر لكنها لم تجد بدا من الخروج صافقة الباب خلفها .... حينها اقترب عمر ببطء شديد من رنيم التي تأوهت وهي تستدير عنه لتعاود الجلوس الى كرسيها من جديد مغطية وجهها بكفيها

وصل اليها عمر وهو ينظر ببؤس الى انهيارها ... يود لو استطاع ان يضمها لصدره .... رغبة ملحة لا تبارحه في وجودها أبدا .... و في نفس الوقت يريد ان يهزها الى ان تقرقع عظامها الهشة , لربما استفاقت حينها من غفلتها ....

أخيرا قال عمر بخفوت حازم

( أنتِ تقتلين نفسك ..... الا ترين ذلك ؟؟ .... اقنعيني ... اعطني سببا واحدا يجعلك تتحملين ما تتحملينه )

رفعت وجهها المتورم اليه وقد توقفت دموعها تاركة عينيها الجميلتين منتفختين بشكلٍ مأسوي .... لكنها قالت بكبتٍ وغضب و كأنها تقذفه بالكلمات

( لست مجبرة على إقناعك بشيء ..... توقف عن ادعاء فهمك لكل شيء في هذه الحياة )

لم يرد عمر لعدة لحظات , ثم قال بقناعٍ جامد

( هل هكذا ترينني ؟؟ ......... )

ارتجفت شفتاها المشقوقتان ....و انحدر حاجباها بأسى , ثم همست بحزن

( و كيف تراني أنت ؟؟ ...... )

قال عمر بمنتهى الوضوح و دون تردد

( أرى أنكِ تستحقين الأفضل .... )

لم تدعي عدم الفهم و هي تنظر لعينيه القويتي التعبير .... ثم همست مبتسمة بمرارة تهز كتفيها باستسلام

( لكن الأفضل لم يريدني ...... فهل ذنبي أنني راضية بما منحته الحياة لي محاولة التأقلم معه ؟؟ )

حقا هل يمكن أن يضربها الآن ؟؟... وليحدث ما يحدث ؟؟ ..... ماذا لو طلب منها أن تتركه الآن , لأنه يريدها .... يريدها أكثر من أي امرأةٍ أخرى عرفها من قبل ... يريد برائتها و نعومتها و صفائها ....

فهل سيكون خادعا لنفسه ان وافقت مسرورة ؟؟ ....أم أنه سيعتبر بالنسبة لها الخيار الممتاح و الأفضل من المتاح ؟؟........

لن يتمكن حتى من الالقاء بهذا العرض المهين لها قبل أن يكون له ......

ظل صامتا طويلا يحدق لعينيها اللتين تحدقان به ... و الصمت بينهما يبعدهما ليعود و يقربهما مجددا كموج البحر ....

بينما في داخلها تهمس متضرعة

" أرجوك .... ارجوك انطق بكلمة .... امنحني لمحة أمل , .... اعطني اشارة .... فقط اشارة "

و كأنما كانت عيناها تنطقان من تعبيراتهما الشفافة .... وهو يقرأها طويلا , لا يمل من النظر اليهما مؤخرا بطريقةٍ تربكها و تذيبها شوقا .....

قال أخيرا بصوتٍ غامض خوفها مما يحمله و ارسل رعشة بقلبها

( من لم يريدك , فلم يكن هو الأفضل ..... بل هو أحمق ... و لا أعلم من منهم أكثر حماقة , ذلك الذي لم يردكِ أم من لا يقدر نعمة فوزه بكِ ........ أنتِ أغلى من هذا يا رنيم , أغلى بكثير .... و يوما ما سيدرك ذلك شخص محظوظ جدا....... )

ارتجفت شفتاها و اتسعت عيناها ..... لا تصدق ما تسمعه ,..... هل تعيش ذلك الأمل و تحيا الحلم أم أنها تخدع نفسها .......

مدت يدها تمسح دموعها ببطء بينما هو يتابع حركة أصابعها على بشرتها الناعمة .... دون أن يظهر أي تعبير على وجهه الرجولي الجذاب .....

سمعا طرقا على الباب بهدوء .... فتأفف عمر مغمضا عينيه وهو يقول متذمرا

؛( إنها لم ترحل بعد ........ )

ضحكت رنيم من بين دموعها المبللة لعينيها ... كم تحبه ... كم تعشقه ... متى و كيف ... هي نفسها لا تستطيع التحديد , لكنها لا تتذكر أي شيء قبل أن تعرفه .... وكأنها عرفته منذ بداية حياتها , لتتمكن من الحديث معه بتلك الخصوصية و هو الأمر الذي لم تفعله من قبل .... ولا حتى مع .... من ستتزوجه

همست بحزن مبتسمة

( انكما نسختان ...... حتى حركة حاجبيكما متطابقة )

عقد حاجبيه رغم ان عينيه كانتا تلمعان حنانا و مرحا و .....شيئا آخر غير مفسر ..... ثم قال بخشونة

( أول مرة أسمع أنني نسخة من تلك المجنونة ...... انها تكاد تصل الي مرفقي )

همست رنيم بخجل ( لكن جاذبيتها لا تقاوم ......... )

سكت عمر قليلا .... وهو ينظر اليها دون أن يبتسم ثم قال بخفوت

( وهل نتشابه في ذلك ؟؟ ......... )

احمر وجه رنيم بدرجةٍ مريعة و اخفضت عينيها وهي تشتم نفسها سرا على حماقتها .... لكن عمر رحمها مما تمر به لينادي بهدوء

( ادخلي يا علا ............ )

دخلت علا في لحظةٍ واحدة وكأن أذنها كانت ملتصقة بالباب .... مع حذف كلمة كأن ...

لتنقل نظرها بينهما وهي تكاد تتشرب الموجات المنتقلة بينهما ... ثم قالت اخيرا مبتسمة

( هل حللتما اموركما سويا؟؟ ...... فضحتمونا )

عادت رنيم لتضحك وهي تمسح عينيها من جديد .. تهز رأسها بيأس بينما قال عمر بصرامة

( احفظي لسانك ذلك والا عرفتك مركزك ..... و هيا الآن لنترك رنيم لعملها )

قالت علا بصرامة مفاجئة مشابهة لصرامته

( اذهب أنت ..... سأبقى مع رنيم قليلا , فمن المؤكد أن صحبتها أفضل من صحبتك )

كان عمر على وشك الإعتراض ,,الا أن رنيم سبقته قائلة بنعومة و ترجي

( اتركها معي قليلا ..... وأعدك الا تعطلني عن العمل أبدا ....... )

تردد عمر ناظرا بينهما بخشونة .... ثم أومأ باستسلام قائلا بصرامة

( بضع دقائق فقط يا علا ثم تعالي الى مكتبي .... أتفهمين ؟؟ ..... و لا تثرثري كثيرا ... هااا )

ابتسمت علا لعينيه المحذرتين القلقتين مما يمكن أن تفعله .... لكنها أومأت بوداعة مشيرة بتحية عسكرية للطاعة .....

فاستدار عمر ليغادر بعد أن القى عليهما نظرة أخيرة غير مطمئنة

بعد خروجه ... أشارت علا بذقنها الي الباب وهي تقول بسعادة

( أخي ........ )

ضحكت رنيم أكثر وهي تقول برقة ( نعم أعرف ..... )

فتابعت علا قائلة بلهجةٍ ذات مغزى

( انه رائع ..... قد لا يبدو عليه من فظاظته , لكنه رائع من الداخل )

ضحكت رنيم عاليا ثم همست من بين ضحكاتها

( بل هو رائع فعلا.. و أنت تشبهينه جدا ..... )

عضت علا شفتيها وهي تجلس على سطح المكتب , لتتلاعب ببعض الأشياء الصغيرة .... ثم قالت بشرود

( لقد التقينا من قبل ...... أتذكرين ؟؟ )

ردت رنيم مبتسمة بنعومة

( نعم أتذكر ..... كيف حالك من يومها )

ابتسمت علا قليلا وهي تقول ( بخير ..... و أنتِ ؟؟ ..... باستثناء ما يفعله بك أخي )

ضحكت رنيم لتقول ( بخير ..... باستثناء ما يفعله بي أخاكِ )

ضحكت علا بخفوت ... ثم بدتا في الكلام و التعارف , ولم تستطع رنيم منع نفسها من الضحك على كل ما تقوله علا .... انها طريفة و ذات جاذبية مميزة ... وقد انعشها وجودها في تلك اللحظة بالذات

حين نهضت علا أخيرا .. تنوى المغادرة , بدت مترددة قليلا ... ثم نظرت الى رنيم بحزم وكأنها قد اتخذت قرارها ...... ثم قالت بخفوت

( رنيم .... أتتذكرين حين رأيتك , كان معكِ خطيبك .... و أنا أعرف شكله جيدا .... لذا من واجبي أن أخبرك شيئا هاما , كنت سأفعله مع ايا من صديقاتي .....)

بعد أن أخبرتها بما رأته منذ فترة .... لم تقاطعها رنيم , بل اكتسى وجهها جمودا و عينيها عذابا و هي تستمع لكلِ كلمة نخرت في روحها كالسم ....

وما أن انتهت علا حتى همست بأسف

( أنا سأغادر ..... و أنا آسفة جدا جدا , لكن كان يجب أن أخبرك , لأني لو كنت مكانك لرغبت أن يطلعني أحد على ما يدور من خلف ظهري ....... اتمنى أن ألقاكِ قريبا إن رغبتِ في ذلك .... و انا آسفة مرة أخرى ......... )

بعد خروج علا ... بقت رنيم مكانها لفترة طويلة , مسمرة ... شاعرة بأن آخر قطرات كرامتها قد أريقت على الملأ ..... لم تلم علا ... فهي صغيرة و مندفعة كعادة سنها .....

لكنها لامت نفسها ألف مرة على هوانها في حق نفسها ..... واللوم الأكبر , أنها ...... لن تتخذ الخطوة المتوقعة ...... الا حين يعطيها عمر الاشارة التي تحتاجها .... وحتى هذا الحين هي مجبرة على القبول بعيوب خطيبها ... كما هو متقبل لعيوبها .....

.................................................. .................................................. ................

صرخ بغضب وهو يضرب مقود السيارة ... ليقول ببشاعة لم ترها عليه من قبل

( أي فتاة و أي عراك ؟؟ ..... هل جننتِ تماما ؟؟ ..... لساعةٍ كاملة و أنا أحاول اقناعك بأنها كلها أكاذيب لتشويه صورتي و أنتِ لا تقتنعين ..... لذا فلتطرقي رأسك بأوسع حائط , مادمتِ لا تثقين بي ...... )

ثم التفت اليها وهو يمسك بذراعها بأصابعٍ تنشب به كالمخالب وهو يقول ضاغطا على كل حرف مهددا

( ثم إياكِ .... إياكِ ... أن يعلو صوتك مرة أخرى ...... ضعي ذلك برأسك والا أقحمته بها ...... )

هتفت رنيم بشجاعة للمرة الأولى ...

( بل سيعلو صوتي و يعلو .......أنا بنت اسرة محترمة يجب أن تحترمها و لا تقلل من قدرها على هذا الشكل .... أتظن أنها المرة الأولى التي أسمع بها شيئا مشابه ؟؟ .... لكن كل مرة أقنع نفسي فيها بأنك سوف تتغير بعد الزواج ...... )

شدد قبضتيه على ذراعيها بقسوةٍ حتى تأوهت ألما .... وهو يهدر غاضبا

( أتظنين أن شخصا بعمري لم تكن له علاقات ؟؟ ..... و بعضهن لا يزلن على املٍ و محاولاتٍ أن يأخذن المكان الذي أخذتيه أنتِ .... و مع ذلك تتبجحين و تهددين ........ فإما أنها تفاهة لصغر عقلك ... و إما أنها وقاحة جديدة عليكِ ...... منذ أن خطبتك و أنا أراعيكِ دون أن أفعل ما فعله غيري من قبل .....

أتتذكرين ؟؟ .... اتتذكرين الخاطب الذي أرسل أمه لتعاينك كالبضائع و الذي حكيتِ لي عنه بنفسكِ باكية ؟؟ .... و الآن ودون أي تشرط مني على حالتك , تأتين أنتي لتتشرطين و تهددين .... )

ضربته رنيم في صدره بقبضتيها وهي تبكي

( لا تكلمني بتلك الطريقة .... إنها غلطتي أن وثقت بك يوما , و أنت لست أهلا لأي ثقة .... على الأقل أنا لا أدور باحثة في نزوات الماضي الحقيرة مثلك ..... )

ترك ذراعها و في لحظةٍ وجدت يده تهوى على وجنتها لتسكتها تماما .......

رفعت رنيم يدها الى وجنتها وهي تنظر اليه بذهول , غير مصدقة لما حدث للتو ..... و ساد الصمت بينهما طويلا ,في ظلمة السيارة ..... و دون وعي منها خلعت خاتم خطبتها لترميه بوجهه فيسقط على أرض السيارة المظلمة ... بينما تحررت من ذراعيه أثناء ذهوله بما فعلته و خرجت من السيارة صافقة الباب خلفها وهي تهتف باكية

( لا أريد أن أرى وجهك مجددا .... و سأخبر أبي , و سأخبر الجميع عما تفعله معي )

ثم استدارت لتدخل بيتها جريا .....

.................................................. .................................................. ..................

خرج صباحا كعادته مؤخرا يمشي على غير هدى .... الى أن يأتي موعد ذهابه الى العمل و الذي أصبح يؤديه دون أي حماسٍ كالسابق ....

واضعا يديه في جيبي بنطاله .... راكلا بعض الحصوات التائهة هنا و هناك .... شاردا في البعيد , ...

شيئا ما حثه على رفع رأسه حين شعر بأن هناك من يراقبه ... و حين فعل وجد عينين زرقاوين رائعتين تنظرانِ اليه بحزن و عتاب ....

رمش بعينيه مرة قبل ان يخرج يده من جيبه ليطالع ساعة معصمه عابسا ... ثم اقترب منها بسرعةٍ ليقف امامها قبل ان يقول بدهشةٍ

( ماذا تفعلين هنا ؟ و في مثل هذه الساعة .......... )

لم ترد عليه وهي تنظر اليه بنفس العتاب الغامض و قد غابت عنها ابتسامتها التي اعتادها ... ثم دون أي كلمة أخرجت من حقيبتها رزمة منتفخةٍ مغطاة بورقٍ ابيض و مدتها اليه لتقول بصوتٍ باهت

( تفضل ........ )

نظر مالك الي الرزمة البيضاء عابسا دون ان يمد يده ليأخذها قبل أن يقول

( ما هذه ؟؟ ......... )

قالت أثير بصوتٍ أجوف

( انه المال الذي دفعته في دار الرعاية الخاصة بوالدي .......... و أنا لا أقبل أن يدفع لي غريب )

ازداد عبوس مالك وهو ينظر الى وجهها الذي يماثل بياض الثلج , و خصلاتٍ ذهبية تتطاير من حوله بفعل هواء الصباح البارد .....

قال مباشرة و بلهجةٍ غاضبة

( من أين حصلتِ على هذا القدر من المال ؟؟ ...... )

لم تسحب أثير يدها بالرزمة و لم تهتز ملامحها وهي تقول ببساطة

( ليس المهم من اين حصلت عليه .... المهم أنه متوفرا و هو لك .... ومن فضلك لا تتكرم بتسديد شيئا يخصني بعد الآن ....... )

ظهرت ملامح الغضب جلية على وجه مالك وهو ينظر اليها بصورةٍ لم يعتد أن يراها بها من قبل عدا تغيرها الظاهر في الآونة الأخيرة ....لكنه لم يترك نفسه ليعاود سؤال نفسه عن سبب تغيرها .... فأعاد السؤال الاهم بالنسبة اليه حاليا بصوتٍ بدا مخيفا رغم خفوته

( أثير .... من أين حصلتِ على المال دون أي مقدمات )

رغما عنها ارتجفت من خطورة صوته ... لكنها التزمت الهدوء الظاهري و هي تقرر إخباره و ترك اسلوب التعامل كالأطفال فقالت وهي تتظاهر بالملل

( لقد بعت أثاث شقتي .... أنسيت ؟؟ .... وهذا هو معظم ثمنه )

نظر مالك الى الرزمة ثم أعاد نظره الي عينيها الزرقاوين .... قبل أن يقول بصوت جليدي

( و تظنين أنني سآخذ ثمن أثاث بيتك بكل بساطة ؟؟ ......... )

رفعت أثير ذقنها بتحدي وهي تقول بخفوت

؛( كما ظننت أنني سأقبل مالك بكل بساطة ..... ليست كل الأمور تسير دائما وفق حسابات مالك رشوان , فعليك تقبل ذلك ..... )

ثم مدت يدها الأخرى لتمسك بيده مفرودة و هي تضع بها رزمة المال بقوة .... لتقول بتهذيب

( الى اللقاء يا مالك .... أتمنى لك كل الخير )

و قبل أن يجد الفرصة للرد كانت قد استدارت لتمشي ... و رغما عنه راقبها مرتدية بنطالها الجينز المهترىء الذي يراها به غالبا ... و كم استفزه اليوم أكثر من قبل ...

عقد حاجبيه و هو يرى من بعيد شخصا مريبا يقترب منها بطريقة تثير التوجس , حينها لم يفكر مالك طويلا وهو يتبعها بكل سرعته ... لكن الحقير كان قد ارتطم بها عن عمد و هي تسير بمفردها في هذا الوقت و الطريق يكاد يخلو من المارة ....

صرخت به أثير و هي تدفعه من كتفيه بكل قوتها لكنها لم تكد تبتعد عنه خطوة حتى كان مالك قد أمسكه من كتفه ليديره اليه وهو يدفعه في كتفيه دفعا عدة مرات شاتما بوقاحة

حاولت أثير امساك ذراعه وهي تقول بهلع

( كفى يا مالك .... كفى فضائح .... كفى )

تجمع بعض الأفراد محاولين التفريق بينهما الى أن دفعوه بعيدا حينها اتجه مالك الى أثير بوجهٍ غاضب بشراسة وهو يقول محذرا لها من المجادلة

( هيا ......... أم لم تكتفين بعد ؟؟ )

استدارت أثير لتعود دون أن تزيد الوضع سوءا .... و ما أن وصلت الي بيت أحلام صعدت الدرج جريا يتبعها مالك وهو يصعد كل درجتين معا ....

و ما أن وصلت للباب و قبل أن تفتحه قال مالك آمرا بصرامة وهو مستمرا بالصعود لأعلى دون أن ينظر اليها

( اتبعيني الي السطح .... أريد أن أكلمك دون أن تسمع أحلام )

نظرت أثير بصمتٍ في اثره وهو يصعد متجاهلا إياها و كأنها غير موجودة .... شاءت لو تابعت عنادها و دخلت و لينتظر قدر ما ينتظر .... الا أن قلبها الخائن ترجاها كي تتبعه ليتمتع بضع دقائق بالارتواء من قربه .....

كان مالك واقفا و ظهره الى باب السلم حين صعدت أثير .... كان ينظر الي السطح المقابل , و هو السطح الذي تراقبه هي كل يوم ..... سطح بيته .... حيث يصعد اليه كل يوم .... في الشروق و الغروب ....

وها هو ينظر اليه الآن .... و كأنه قد اشتاق اليه على الرغم من أنه لم يغادره سوى من فترة قصيرة....

وقفت أثير خلفه دون أن يبدو عليه أنه قد شعر بوجودها ..... تتأمله بقلبها قبل عينيها و قبل أن تنهي اللحظات بتنبيهه لوجودها .....

الا أنه فاجأها حين قال بهدوء صارم

( ماذا جرى لكِ الفترة الماضية ؟؟ ......... )

لم ترد أثير عليه وهي تكتف ذراعيها ناظرة الي السماء الواسعة و البحر الصغير من بعيد .... فالتفت مالك اليها يتأملها قليلا قبل أن يتابع

( بماذا أغضبتك تحديدا ؟؟ ..... هل فاتني شيء و انا لا أعلم ؟؟ ..... لأنه حسب معلوماتي كان تعاملك مختلفا تماما آخر مرة قبل أن تنتقلي الي بيت أحلام ...... فهلا أخبرتني بصراحة رجاءا ....)

تطاير شعرها الأشقر من حول وجهها .... فمدت يديها معا لتضع خصلاتها الحريرية خلف اذنيها .... و نظرت اليه قليلا بعتابٍ لم يفهمه تحديدا قبل أن تقول بهدوء

( وماذا يهمك في تقلبات نكرة تشفق عليها مثلي ؟؟ ...... لا تشغل بالك يا مالك و اهتم بمشاكلك فأنت في غنى عن المزيد حاليا )

عقد مالك حاجبيه و اقترب منها ليقول بغضب حقيقي

( هل فعلت من قبل ما أشعرك بأنكِ نكرة و أنني أشفق عليكِ ؟؟ !!!......أتعلمين مقدار ما أمر به حاليا ؟؟ )

عادت أثيرا لتتأمله طويلا شاردة مكتفة ذراعيها ... و بعد فترة طويلة قالت ببساطة

( نعم ..... عندي فكرة عن مقدار ما تمر به حاليا , لقد سمعت من أحلام أسباب كل ما حدث ..... )

تفاجأ مالك مما سمعه و بان الغضب أكثر عليه وهو يقول

( ليس من حقكما التحدث في حياتي الخاصة ........ )

لم يرمش جفن لأثير و هي تنظر اليه ببساطة لتقول

( أيه حياة خاصة بعد الحرب التي دارت في الطريق منذ فترة ..... من الطبيعي أن يحاول الجميع معرفة أسباب ما حدث )

عقد مالك حاجبيه أكثر و احمرت عيناه غضبا ... بينما اشتدت قبضتاه لكن أثير تابعت تقول بخفوت

( لو كنت تريدها خاصة بالفعل لما تعمدت فضح الأمر بهذه الطريقة .... و كنت حللته بالعقل بدلا من أن يصبح اسم ابنة عمك على كل لسان هنا في الحي .....

لكن صفتك الذكورية رفضت أن تكون خطيبتك لغيرك اليس كذلك ؟؟ ..... حينها فليختفي كل المنطق و التعقل أمام مظاهر الرجولة الغبية التي تتلاعب بكم ..... )

همس مالك بذهول غاضب

( كيف تجرؤين على ذلك ؟؟ ..... ثم اياكِ و ذكر اسم ابنة عمي في حديث كهذا مجددا ... )

ابتلعت أثير ألمها قائلة بقوة

( أتعلم حين أنظر اليك ماذا أرى ؟؟ ..... أرى شابا مدللا .... لم يعرف معنى الألم الحقيقي في حياته , لذا حين وجد الفرصة و أن الحياة قد اختبرته في موقف بسيط .... كسر العالم من حوله و بقى أسير احزان رسمها لنفسه و ضخمها موهما نفسه بأنه هو المظلوم ....... )

لم يرد مالك , لكن ملامحهفي تلك اللحظة كانت كفيلة بان تفر من امامه .... لكنها ثبتت مكانها وهي تكمل بصلابة

( أخبرني ما الصعب الذي عشته في حياتك لتصبح عاجزا بتلك الصورة ..... أنك فقدت طفلة ؟؟ .....منذ ذلك اليوم و أنت تعيش في سجن أسود .... تبني جدرانه عاما بعد عام , مرددا للجميع بأنك المسؤول و أنك المقصر ..... أتعلم ماذا .... ربما بالفعل كنت مقصرا و كنت في حاجة لأن تنتبه أكثر ... نقطة آخر السطر و نهاية الموضوع ......

لكن أنت .... ظللت ترسم دور البؤس متجاهلا الألم الذي تسببه لمن حولك و أولهم أم تلك الطفلة ... و التي هي الوحيدة التي من حقها أن تحزن و تلتاع .... لا أنت ......

سنوات و أنت تسمح لها بأن تقنعك عاما بعد عام بأنك لست المقصر و أنها لا تلومك ..... عام بعد عام و انت ترضي ضميرك و دور الحزن الذي تعيشه بمحاولاتها لمواساتك .....

و ما أن دخلت ابنة عمك في الصورة .... حتى ظهرت أنانيتك و نسيت الجميع و أنت تقاتل الشخص الذي هو احق منك بها منذ البداية .....)

اشتعلت عينا مالك اشتعالا و بدا مخيفا ... لكن في زوايا الغضب كان هناك ألما مزق قلبها حزنا عليه .. ومع ذلك تابعت مصممة

( ان اردت ان اخبرك عن الصعاب تعال لاخبرك عن حياة بسيطة ... ليست بها كل تلك الدراما التي تعيشها و مع ذلك هي اصعب الف مرة ...

حين تفقد والدك وهو لا يزال حيا يتنفس .... ينظر اليك ولا يراك ... و انت تعيش على امل من ضروب المستحيل أن ينطق ولو لمرة واحدة و يتعرف عليك .... و أن تضمك ذراعاه من جديد ليخبرك بأنه معك .... و في مثل هذا الوقت تفقد والدتك فجأة .... دون أي انذار ... وهي الوحيدة التي تبقت في هذه الحياة لتساندك ..... بعد ان تكون قد بعت كل ما له قيمة في حياتك لتسدد ثمن علاجها .... دون جدوى ...

اتعلم معنى ان تبيع بضع اساور كانت متبقية لديها لتسدد الدفعة الاخيرة من علاجها ... بعد وفاتها !!!!!

اتعلم مقدار الالم حينها ؟؟ ......

أتعلم مقدار القذارة و الذل الذي تتعرض له صاحبة تلك الحياة يوميا ... لتتمكن من الحصول على مبلغا شهريا كافيا لدفع تكاليف دار الرعاية الخاصة بوالدها ؟؟؟..... و المؤلم .. أنه دون أي أمل .... دون أي أمل يذكر .... لكنها مجبرة على الدفع ... و مجبرة على دفع الكثير من كرامتها و احترامها لذاتها مع المال ... مع محاولة النجاة بشرفها بأقل الخسائر الممكنة ....

لتعود للبيت أخيرا .... وحيدة .... يائسة .... متعبة ...... مع ملمس يدٍ قذرة على جسدها ..... أو كلمة أشد قذارة خدشت سمعها ...... و طعامٍ تحن عليها جارتها به كل ليلة .... مثلها مثل القطة الوحيدة التي تعيش على سياج نافذتها و تأكل معها من نفس الطعام ........ )

اخفضت أثير رأسها و استدارت عنه ..... مع أول دمعة سقطت من عينها ..... و هي تغفل عن ذكر ذلك الفارس الذي أطل على حياتها ذات يوم ليمنحها حلم في غمرة كل ذلك البؤس ....

لكن لتستيقظ في النهاية مدركة أنه كان ....مجرد حلم ........

شعرت بيدين لطيفتين لكن حازمتين تمسكان بكتفيها لتديرها اليه ... قاومته لحظة لكنها اذعنت و استدارت اليه أخيرا لترفع عينيها الزرقاوين الشفافتين اليه و المبللتين بدموعها الى عينيه ...

الى أن قال أخيرا بجفاف

( لقد اهملتك مؤخرا اليس كذلك ؟؟ ..... لكن ذلك لا يستدعي كل تلك السهام التي قذفتني بها للتو ...... )

نظرت بعيدا دون أن تتحرر منه ....بينما انسابت دموعها على وجنتيها , فمد يده ليمسح دمعة .....نظرت اليه و قلبها يخفق بجنون .... و كأنه يلامس قلبها لا وجنتها ... بينما كان هو ينظر اليها متجهما بلا تركيز تقريبا .... ضائعا ما بين نعومة بشرتها و زرقة عينيها .....

ثم تابع قائلا بشرود دون أن يترك وجنتها بينما هي تكاد تسقط أمامه من فرط انفعالها وهو لا يشعر

( موضوع نوار ... مهما سمعتِ عنه , فلن تستطيعي تحديد ما بداخلي بخصوصه .... أتدركين ذلك الشعور الغير منطقي الذي ينتاب الانسان ... ليجعله راغبا في ادارة xxxxب الساعة بالقوة ؟؟ ..... و أن حياته كلها متوقفة على ذلك ؟؟ ........ )

همست أثير وكأنها تتأوه

( هل أحببتها ؟؟ ......... )

أفاق مالك من شروده لينظر اليها ثم ابتسم هامسا

( نعم أحببتها جدا .... بكل مشاعر عمري في ذلك الوقت )

انسابت دموعها فوق أصابعه دون أن يمسحها ثم همست مرة أخرى

؛( وهل ....... تحب ابنة عمك ؟؟ )

تنهد مالك بقوة وهو ينظر لعينيها ثم همس بخشونة

( كانت تلك هي الخطوة الصائبة و التي كنت غافلا عنها لإرجاع xxxxب الساعة للوراء .... الا أنها انتهت بأسوأ النهايات الممكنة ..... يبدو أنكِ محقة في أنني أسبب الألم لكل من حولي دون أن أدري )

همست أثير بعذاب وهي تبكي بنعومةٍ متأوهة

( لم أقصد ...... لم أقصد ....... )

همس مالك ( المزيد من الدموع ؟؟ ...... أكاد لا أعرفكِ بدونها )

و كان رأسه يقترب منها ببطء أثناء همسه , الى أن لامست شفتاه وجنتها دون أن يدري كلاهما ..... لحظات سكون حدقت بهما لم يسمعا خلالها سوى صوت تنفسهما الحاد ....

ضمها قليلا الي صدره و شفتاه تقترب من زاوية شفتيها ..... أغمضت اثير عينيها تكاد تموت بين ذراعيه , لكن فجأة صوت حركةٍ في أسفل السلم ... جعلها تفتح عينيها شاهقة برعب وهي تستعيد وعيها مدركة ما تفعله ... فدفعت مالك في صدره و هي تئن بفزع ....

تراجع مالك وهو يتنفس بصعوبة ناظرا اليها وهو لا يكاد يصدق نفسه ..... و ما أن وجد صوته حتى همس بذهول

( أثير .... أنا ...... )

لكنها كانت قد انتفضت و استدارت لتنزل السلالم جريا وهم أن يركض خلفها الا أنه من أعلى السلم وجد سيدة تنظف امام باب شقتها في الطابق السفلي ... ناظرة الي أثير التي كانت قد وصلت الي باب بيت أحلام ففتحته ودخلته و صفقت الباب برعبٍ خلفها ....

تراجع مالك بسرعة كي لا تراه تلك السيدة .... و لأول مرة في حياته يجرب شعور الاختباء من شيءٍ مخجل .....

استند الي تلك الزاوية التي كانت أثير تستند اليها منذ لحظات ... مغمضا عينيه وهو يضرب رأسه للخلف على الجدار مفكرا بطوفان غضب

" ما الذي دهاه ليفعل ما فعل ..... ما الذي دهاه "

.................................................. .................................................. ..............

دخل ليلا الي البيت ... كم استلزمه من السيطرة على النفس كي لا يذهب اليها .... استمر في عمله ساعاتٍ وهو يرغب في كل لحظة منها ان يندفع الي بيته ...

هل رحلت ؟؟ .. هل اخذت معتز معها ؟؟ ... هل لهذا السبب صمتت ليلة أمس ولم تخبره بما عرفته , كي تتمكن من الرحيل آخذة ابنه معها في غير وجوده كي لا يستطيع منعها ...

كان ذلك هو اسلوبها قديما كي يجري خلفها الي بيت اهلها و يعيدها ... بالرغم من معرفته بأنها لا ترحل الا وهي عاقدة العزم على العودة ....

لكن هذه المرة .... ان رحلت فلن تعود .....

دخل البيت وقلبه يخفق خوفا من أن يجد سرير معتز مهجورا وحيدا كما كان من قبل .... و كان هذا من اشد المشاهد بؤسا على قلبه ... وهو يدخل كل ليلة للسرير الفارغ متمنيا مرور الايام سريعة كي يأتي اليوم الذي يأخذ فيه معتز و يبيت ليلته معه ... هل ستعود تلك الأيام من جديد ؟؟ .... هل كانت تبكي وهي راحلة ؟؟

تنهد نادر ساحبا نفسا مرتجفا وهو ينظر الى أنحاء البيت المظلم و كأنه يلقى ستارا من الكآبة على روحه بعد أن كان هادئا مريحا الفترة الماضية ..... حسنا ليس مريحا كل الوقت مع بعض تقلبات حور الهستيرية ...

لكنه كان افضل حالا الف مرة من خلوه من ابنه ......

كانت غرفتهما مظلمة و بابها مفتوح كما توقع .... لكن ما جعله يتوقف مكانه هو ذلك الضوء الخافت المنبعث من شق الباب في فرغة معتز ...

ابتسم رغما عنه وهو يتجه اليها سريعا ليدفع الباب برفق ..... ثم يتوقف مكانه.... و هو ينظر الى حور النائمة بجوار معتز تحتضنه و كأنما تحتضن وسادتها المفضلة ....

لا يعلم تحديدا كم المشاعر المتناقضة التي انتابته حاليا ... مزيج غريب من الراحة لرؤيتهما هنا .. و السعادة ... و القلق لأنها عادت للنوم في غرفة معتز ....

اقترب نادر وهو يفتح أزرار قميصه العليا بتعب ليجلس على الكرسي المجاور للسرير ... و مال للأمام مستندا بمرفقيه الى ركبتيه وهو يراقبهما معا ....

ظهور سلمى في تلك الفترة تحديدا كان من آخر الأمور التي يحتاجها حاليا وهو يحاول بناء حياة أسرته من جديد ....

دائما كانت حور هي النقيض من سلمى في كل شيء .... و كانت سلمى هي الخليط من كل ما يحبه و يحتاجه ...

كانت الرقة و البساطة .... كانت النسمة التي تنعش حياته دائما .... كم أحب عفويتها ... و كم أحب بيتها البسيط .... حتى والدتها أحبها و كأنها أمه ....

كانت جلستهم الثلاثية في معظم الأمسيات يزينها الضحك و المرح .... و الارتواء بالنظر الي رقتها ....

كانت رقيقة و قوية ..... أحب استقلالها على الرغم من أنه كان يحب و يتمنى أن تحتاجه في أي شيء ... الا انه كان يحب قوتها و اتخاذها لقراراتها سواء خاطئة أو مصيبة و تحمل نتائج الحالتين بمنتهى الشجاعة ....

محبة و حنونة .... و مضحية .....

نظر الي حور طويلا متأملا كل ذرة من جمالها العشوائي ... لأول مرة يعترف لنفسه بأنه لم يسقط في فخ حور للزواج بها وهو مغمض العينين ....

حور دخلت حياته بعد فترة طويلة من خروج سلمى تاركة خلفها فجوة لم يستطع أن يملأها و يسد ألمها الا حين وجد فتاة تتلهف على كل تفصيلة من حياته ... على كل نظرة يلقيها اليها ....

كانت بالنسبة له هي آخر نموذج من النساء يمكن أن يجذبه ..... لكن خيطا وهميا كانت تلفه من حوله لتسحبه به الى حياتها ..... و لو كان لديه الرغبة لأستطاع المقاومة ...

الآن فقط يشعر بأنه ربما لم تكن حور وحدها المستغلة .... ربما كان هو أيضا من رغب في استغلالها ...

لكن ما أن بدأ حياته معها حتى تكونت لديه النية الصادقة و الرغبة في إنجاحها بشتى الوسائل .... لكن حور كانت تجهض كل محاولة بتصرف اسوأ من سابقه .... يترك بداخله أثرا غير قابل للمحو ....

نهض من مكانه ببطء و عينيه لم يرفعهما عنها حتى وصل اليها فانحنى اليها يزيح شعرها الأسود من على وجهها .... انه يحب تلك الحركة كثيرا ..... اضطر أن يعترف لنفسه ساخرا في مثل هذا الوقت الغير ملائم بأنه يحب تلك الحركة حين يرى الخصلات السوداء الكثة تغرق وجهها كله ... تستفزه و تستحث يديه دائما ليبعدها عن وجهها ... فيكشف عن ملامحها الواضحة و المرسومة بفن .... و عن عنقها الطويل ...

زفر نادر بغضب و استياء و هو يجد افكاره تشرد بعيدا ..... فتابع مرة اخرى ابعاد المزيد من الخصلات المبعثرة عن وجهها و اقترب بوجهه منها وهو يهمس برقة

( حوور ....... )

حين ناداها للمرة الثانية فتحت عينيها بصعوبة و هي ترمش عدة مرات ... لتنظر اليه بعدها دون أن تتكلم

" هل كانت تبكي ؟؟ .... هل عيناها متورمتان ام انه يتخيل من القلق ؟؟ .....

قال نادر بخفوت وهو يتلاعب بخصلاتِ شعرها خلف اذنيها برقة

( لماذا تنامين هنا ؟؟ .......... )

ظلت حور صامتة لفترة وهي تنظر اليه بعجز أوجع قلبه .... ثم همست أخيرا

( لقد حلم معتز بكابوس ... و اضطررت للبقاء بجواره )

ابتسم نادر قليلا ثم همس

( حسنا .... هيا الي سريرك )

عادت للصمت وهي تقرأ عينيه بطريقة زادت من قلقه اضعافا ... ثم قالت

( أريد أن أنام بجانب ابني اليوم ..... طعامك جاهزا في المطبخ , فقط قم بتسخينه )

استقام نادر واقفا وهو ينظر اليها بعدما انقلبت تعطيه ظهرها .... لا شك في أنها هي من كلمت سلمى ... انها غير طبيعية ... غير طبيعية بالمرة ....

لكنها هنا و لم ترحل !! ..... خرج من الغرفة وهو يفرك أصابعه بعصبية ...

" لماذا لم تتكلم .... و لم تذكر كلمة ... و ماذا تنوي على فعله ؟؟ ... "

فقط لو تتكلم .... لربما انفجر بها و عادت هي لتتراجع و تتخاذل ... حينها سيهدأ قلقه ... الا أن صمتها يحيره و يوجعه دون أن يعرف سبب لذلك الوجع منذ أن علم بما علمته هي ....

.................................................. .................................................. .................

صباحا و حين كان نادر يعد قهوته .... انتبهت حواسه كلها حين شعر بخطوات حور تقترب من المطبخ ... لكنه التزم الهدوء الى أن دخلت و كبست زر غلاية الماء ... مجهزة كوبها و بجانبه كوب معتز ...

تتنقل من حوله وهي تحضر علبة اللبن الخاصة بمعتز .... تقف على أطراف أصابع قدميها الحافيتين على أرضية المطبخ الباردة و هي تستطيل لتتناول علبة الشاي من أحدى الخزائن ....

صب نادر قهوته في فنجانه و هو يراقبها بطرف عينه .... و حين علم بأنها لن تتكلم قال بهدوء

( الناس تقول صباح الخير ........ )

ردت حور بعد فترة بهدوء وهي تستمر بما تفعل

( صباح الخير .................. )

التفت نادر اليها و استند الي الطاولة الرخامية ينظر اليها و قد بدأ الغضب يتخذ طريقه اليه وهو يقول بصلابة

( ما الأمر يا حوور ....... )

لم تنظر اليه حور وهي تقول بببرود ( أي أمر ؟؟ .......... )

مد يده وهي تتجاوزه ليجذبها من ذراعها ليديرها اليه بقوةٍ ثم مد يده ليبعد شعرها الذي تناثر على وجهها و نظر اليها عدة لحظات قبل أن يقول آمرا

( ماذا تخفين عني ؟؟ .........)

اخفضت حور نظرها ثم قالت بخفوت

( انا ..... سأذهب مع معتز الي النادي اليوم )

عقد حاجبيه وقد بدأت العصبية تنال منه بالفعل ... ثم قال بتشدد

( هل هذا هو ما تخفينه ؟؟ ........ )

رفعت حور عينيها الجميلتين اليه تنظر لعينيه ثم قالت بهدوء

( ليس عندي ما أخفيه عنك يا نادر ..... كل حياتي أصبحت مكشوفة لديك )

ابعد نادر شعرها من جانبي وجهها كي يراه بوضوح يرفعه اليه .... يتحقق من عينيها جيدا , يصعب عليه القول أنه لم يتمكن معظم الوقت من قراءة عينيها .... حور تجيد اخفاء أفكارها ببراعة ....

تماما مثل الآن .... وهي تخفي عنه ما تشعر به في تلك اللحظة , متقبلة يديه على وجهها ....

أخيرا حين طال الصمت , قال بهدوء رغم أن عينيه قد فقدتا المرح

( اذن ....هل أقبلك قبل أن أخرج ؟؟ ......)

ظلت صامتة قليلا دون أن ترد ... ثم رفعت كتفها بلامبالاة ....فما كان منه الا أن زم شفتيه غضبا وهو يجذبها اليه , فبدت مستسلمة تماما و كأنها تمثال من الشمع بين يديه ...

أخيرا تركها ليقول ببرود بينما أعصابه تحترق

( حسنا ..... كما تريدين , أراكِ مساءا , .... فقط أخبريني بموعد خروجك من النادي لآتي و اقلكما )

قالت حور بصوتٍ خافت

( نستطيع أن نعود بمفردنا .... لا تشغل نفسك )

قال نادر بصرامة و نفاذ صبر

( هاتفيني وقتها ..... و انتهى النقاش )

ثم استدار ليغادر تاركا حور خلفه وهي تتراجع لتستند بظهرها الي خزائن المطبخ ناظرة بعينين مشوشتين الى الباب الذي خرج منه للتو ..... أتكون تلك هي بداية النهاية الحقيقية ؟؟ .......

.................................................. .................................................. ....................

خرجت حنين من الحمام وهي تشعر بغثيان رهيب ... و ما أن نظرت في مرآتها حتى هالها اللون الرمادي الملون لوجهها .... بينما بدت شفتاها زرقاوان بدرجةٍ رهيبة ......

استدارت عن المرآة , لا رغبة لديها الآن تحديدا لأن تصدم بمنظرها البائس .... فهي تعاني من اكتئاب صباحي غير متقبل لأي انتقاد ذاتي اضافي .....

تكفيها الوحدة الموجعة التي تشعر بها .... لا تجد القدرة على مواجهة أحدا من سكان البيت بعد أن انتشر خبر حملها في انحائه ....

حتى أن دفعة الشجاعة التي انتابتها وهي تخبر عاصم بحملها .... عادت لتتراجع و هي تشعر بالصمت الذي أصبح يحل على الجميع ما أن يروها .... و نظرات الحسرة ما بين الشفقة و الغضب الموجهة اليها .... لذلك التزمت غرفتها ....

لكنها ضاقت بحياتها بشكلٍ غير قابل للإحتمال ..... تريد أن تضحك .... حقا تتمنى أن تضحك , الا أنها لا تجد القدرة و كأن وجهها قد تيبس ....

عادت لتملس بيدها على بطنها ناظرة اليها بفتور ... ثم همست

(كيف ستكون طفولتك في هذا البيت ؟..... مع ذلك الوضع المخزي .... أشعر و كأنك .... و كأنك .... ابنة ....)

صمتت حنين وهي تمسح وجهها بكفها مانعة نفسها في لحظة اخيرة عن نطق الكلمة المتوحشة الظالمة التي كانت ستنطق بها .....

ثم فتحت عينيها ببطءٍ وهي تأخذ نفسا مرتجفا ... كفى ... انها لا تزال حية و لم تمت بعد .... و يجب أن تتعامل مع حياتها الجديدة .... لن تظل سجينة الأربع جدران طوال عمرها المتبقي .... لن يفلح ذلك أبدا

.... يجب أن تتعامل مع حياتها .. و الأصعب أن تتعامل مع حياة طفلتها حين تأتي ....

ترى كيف سيكون وضعها بين أطفال عاصم و صبا ؟؟؟ ........

هزت رأسها بقوةٍ ترفض العودة لذلك التفكير من الجديد و الذي لا يكاد يبارح عقلها أبدا منذ فترة .....

جلست على حافة فراشها بيأس و هي تتطلع من نافذتها عن بعد ... كيف استطاعت أن تمنع نفسها عن البكاء بعد رحيل عمر في ذلك اليوم ؟؟؟

كانت تظن لحظتها بأنها ستموت ما أن غادر ..... لكنها نهضت من جديد كما تنهض بعد كل ضربة

يبدو أنها أصبحت أقوى و أقوى مع مرور الأيام ... و قد اكتسبت مناعة ضد تلك الصدمات التي تطعن قلبها دون أن تقتلها ........

تنهدت بحزن وهي تتحامل على نفسها لتنهض .... ربما ان نزلت لزوجة عمها لربما استطاعت أن تغير قليلا من مزاجها .... فلتعتبر اليوم بداية لبدء حياتها الجديدة ....

.................................................. .................................................. ..............

جلست الحاجة روعة بجوار تلك النافذة المطلة على الحديقة وهي تشغل بعض اشغال الصوف ... و عيناها تعبتا من البكاءعلى فترات متفرقة الأيام الماضية ....

اقترب منها عاصم مبتسما بحنان ليجلس بجوارها على الأريكة .... ينظر اليها منهمكة في القطعة الصغيرة التي تشغلها بسرعةٍ تحسد عليها ....

ثم قال أخيرا مبتسما برفق

( صباح الخير يا روعة ...... كيف حال المزاج اليوم ؟؟ )

هزت روعة رأسها دون أن ترد... فتنهد عاصم بتعب وهو يقترب منها ليربت على ساقها برقة وهو يقول بصوتٍ خافت

( ما الأمر الآن يا أمي ؟؟ ...... ما حدث قد حدث لماذا لا أستطيع اخراجك من حالة الحزن تلك ؟ )

قالت روعة بصوتٍ متعب

( الحمد لله على كل شيء ..... لكن القلب موجوع على حال أبنائي اللذين لا تفارقهم العين أبدا .... ابني قرة عيني الذي يرفض أن يعود الى أحضاني و يأتي ليحادثني من أمام الباب كالأغراب

و ابنتي و زواجها المعلق على الحبل ... و أنا أخشى كل يوم أن يعيدها زوجها الينا هي و ابنها ... و ابنها حبيب قلبي و الذي ابتلاه الله بما فيه ....

و الصغيرة اليتيمة التي تركها الحج أمانة ووصاني عليها قبل وفاته .... انظر لحالها , و ماذا سيحدث لطفلها و أي حياة سيحياها .... )

زفر عاصم بضيق ثم قال بهدوء

( امي ... لماذا تفعلين ذلك بنفسك , استغفري و احمدي الله ... كلنا بخير , كل من فضل الله ....

أنتِ تعلمين حساسية وضع مالك حاليا ...... سكنه هنا معنا أصبح غير ملائما ...

أما حنين فسيظل بيت عمها هو بيتها دائما .... و بيت طفلها ...... )

تنهدت روعة بيأس و هي تقول

( و هل ستكون تلك حياة يا ولدي .؟ ...........انا لن أدوم لها طويلا , و زواجها سيكون صعب جدا في مثل وضعها .... فهل ستبقى وحيدة مع ابنها دون سند في الحياة ؟ .... و انت رغم معرفتي بحنانك و رعايتك لها الا انني أخشى أن تلهيك حياتك و أولادك عنها و عن ابنها ..... )

سكتت قليلا ثم تركت ما بيدها ونظرت اليه باهتمام و هي تقول قبل أن يرد

( عاصم يا ولدي ..... ألم يبعث زوجها مرسالا اليك عارضا الصلح .... ربما إن ..... )

هتف عاصم يقاطعها بغضب

( بماذا تفكرين يا أمي ؟؟ .... أتتخيلين أن أضع يدي في يد ذلك الحقير ؟ .... بعد كل ما فعله بنا ؟؟ ... كيف سنأتمنه عليها ؟؟ ..... انه شخص الغدر في طبعه ...... )

وضعت روعة يدها تمسك بذراع عاصم بقوة وهي تقول

( اسمعني جيدا يا عاصم ..... الان هناك حياة طفل على الطريق تجبرنا على التروي .... و حتى ان كانت حنين ستتطلق في كل الأحوال , لكن أن تتزوج أولا أمام الناس لفترة معقولة ...

ثم ان لم يحدث نصيب سيكون حينها طلاقها مقبولا .... و قد تجد يوما ما رجلا مناسب ظروفه ملائمة لظروفها ....

لكن طلاقها الآن يثير الشبهة و الناس لا يعلمون بزواجها من البداية و خاصة حين تضع طفلا بعد عدة أشهر ... يا ابني فكر في سمعتها و سمعة ابنها قبل أي اعتبار آخر ...... نحن مجبرين يا عاصم يا ولدي )

قام عاصم من مكانه مندفعا وهو يهتف

؛( مستحيل ..... مستحيل يا امي , أنا لن أضع يدي في يده أبدا )

نظر عاصم الى أمه التي أخفضت رأسها و رمشت بعينيها من هتافه في وجهها و كأنها ارتعبت منه ... فاقترب منها ليربت على كتفها وهو يقول بصوتٍ خافت ... محاولا تهدئة نفسه

( لم أقصد أن أصرخ يا أمي ...... عامة اطمئني , أنا كنت ناويا إن شاء الله .... و بعد أن تلد حنين بفترة مناسبة .... أن أدبر لها زيجة مناسبة من أحد معارفي .... و حكم المعرفة لن تجعله يعايرها بماضيها أبدا ...... أنا لن أنسى حنين أبدا .... و لن أدعها تحتاج لأحد و لا حتى لمن ستتزوجه )

.................................................. .................................................. .................

ابتعدت عن باب الغرفة المفتوحة دائما و التي تجلس بها زوجة عمها كل يومٍ صباحا .... ابتعدت بظهرها ثم استدارت لتركض عائدة الى غرفتها بسرعة ...

غبية ... غبية ...... كم من المرات عليها أن تقتنع فيها بأنها ما أن تغادر من غرفتها حتى ينالها نصل خنجر مسموم .....

تماما كالمرة السابقة ... و التي سبقتها ... و التي سبقتها .... دائما ما تعود جريا الى غرفتها تتمنى الموت ....

وصلت الى غرفتها و أغلقت بابها خلفها بقوة وهي تركض الي السرير لتجلس اليه رافعة ركبتيها الى صدرها ... تهتز لا اراديا .... تلهث تقريبا و عيناها تلمعان بدون قطرة دمعٍ واحدة ....

فقط لهيبٍ ساخن تنفثه مع أنفاسها .....

صوت الرسالة المعتادة على هاتفها جعلها تنظر اليه بقوةٍ ..... رسالة كل يوم .... كي يضمن أن تسمع ما سيقوله قبل أن تغلق الهاتف أثناء كلامه ....

مالت على نفسها لتلتقط هاتفها ضاربة الزر بقوة لتقرأ رسالته اليومية

( صباح الخير ...... كيف حال أم ابني المفضلة ؟؟؟ .... و كيف حال ابني المفضل ؟؟ ... نعم سيكون هذا الولد هو المفضل عندي عن كل أولادنا ..... لأنه هو من سيجمعني بك , أما الباقين فسيأتون كتحصيل حاصل .... سأظل دائما أربطه بأنه جاء الى الدنيا في مهمة محددة و هي أن يعيدكِ الي )

ظلت تنظر الي الكلمات المتراقصة أمامها بعينين زائغتين و نفسٍ لاهب ... تعض على شفتها تكاد تدميها ,

تريد أن تصرخ ... تريد أن تحطم شيئا .... تريد أن ......

تريد أن تتكلم .... ربما كل ما تريده هو مجرد أن تتكلم ......

ضغطت زر الإتصال ورفعت الهاتف ببطءٍ شديد الى أذنها .... وهي تمسك أنفاسها ... و لم تمر لحظة حتى سمعت صوته الخشن يقول مذهولا بابتسامة مسموعة

( هل حقا تهاتفيني ؟؟ ......... )

قاطعته حنين وهي تهتف هتافا زائفا غاضبا

( ألن تكف عن محاولاتك لإختراق حياتي ؟ ..... الا يكفي أن ارسلت الينا صديقك الذي كان يتجسس علي طوال فترة غيابك السعيدة عني ؟؟ .....ابتعد عن حياتي .... أتفهم ؟؟..... ابتعد )

سمعت صوت ضحكة خافتة وصلتها عبر موجات الهاتف ... ثم وصلها صوته يقول عميقا

( هل طلبتني الآن خصيصا ... لتطلبي مني الإبتعاد ؟؟ !! ....... )

هتفت بغضب و هي تضغط على أسنانها

( كرهت رسائلك السمجة كما أكرهك .... ابتعد عني ... انسى أن يكون لك بي أي صلة ... ... أو بطفلتي )

قاطعها صوت هدير أنفاسه و كأنما لامست أذنها بسخونتها .... ثم قال بصوتٍ أكثر عمقا

( هل هي فتاة ؟؟ ...... كيف عرفتِ ؟ ..... أليس مبكرا قليلا )

لهثت حنين بجنون ... ثم قالت بحقد

( نعم إنها فتاة .... هل أغضبك ذلك ؟ ..... أتمنى ان أجلب لك كل ما يغضبك في هذه الحياة )

ساد صمت قصير قبل أن تسمع ضحكته مجددا ... الا انها كانت أكثر خفوتا و ذات نغمة غريبة عليها ثم قال أخيرا

( كل ما أحببته فيما قذفتِ به للتو .... هي عبارة " أجلب لك " .... في النهاية أنتِ تعرفين أنك ستجلبين ما يخصني أنا .... دون غيري ....

و لعلمك ... سأخيب ظنك و أخبرك أنها لو ورثت عيناكِ فسأكون أكثر من سعيد بها .... )

رفعت أصابعها الى شفتيها تقضمها بتوتر ... ثم قالت بحنق

( أنت مهووس .... أتعلم ذلك ؟؟ ..... أنت مهووس و يجب أن تتعالج ....... إنك تثير غثياني , تماما كما تثير هي غثياني كل صباح ..... )

قال لها و كأنه يستحثها للمتابعة بحذر كي لا تجفل و تغلق الخط

( هل تتعبك لتلك الدرجة ؟؟ ...........يا لها من شريرة !! )

هتفت حنين بصوتٍ حانق تريد أن تؤلمه بقدر ما تستطيع

( و بأكثر مما تتخيل ..... إنها شوكة في خاصرتي مثلك تماما )

سمعت صوت تأتأته آسفا ... ثم همس بعمق اثار رجفة في اطرافها

( انها شقية .... تماما كأمها التي كانت تركض حافية في زقاق حينا ... و تلعب فوق سطح بيتنا )

سكتت حنين ... ثم همست أخيرا بتجمد

( ذنبها في عنقك أنت .... ستحيا نفس الحياة التي عشتها أنا ببيت ليس بيتها مع أطفال أحق منها به , ..... و ربما سينتهي مصيرها كمصيري ... فالدنيا سلف و دين يا جاسر , و كما تدين تدان )

صمت مجددا .... ثم جاء صوته هادئا بشكلٍ مخيف

( طفلتي أو طفلي ... لن ينشأ الا في بيت والده .... حتى لو شاء القدر ولم أحيا له طويلا , ...لكنه سينشأ ببيتي أنا ...... )

ازداد غضبها كالجحيم ... و رفعت عينيها لأعلى ... تعض على شفتها بقوة حتى أدمتها ثم قالت أخيرا بهدوء

( لا أعتقد ...فما أن أحصل على طلاقي منك , حتى يسعى عاصم لتزويجي من أحد رجاله ... أتتخيل ما آل اليه حالي بسببك ..... أقنعني كيف سأتمكن يوما من مسامحتك ...... )

ساد الصمت مجددا .... الا أنها عدت في نفسها بصمت ...واحد ... اثنان .... ثلاثة ....

و ما أن وصلت لثلاثة حتى انفجر في اذنها كالثور المجنون صارخا

( على جثتي ..... على جثتي , سأحطم الدنيا فوق رؤوسهم ..... هل كان يخدر عمر وهو يمنحه املا خادعا بالتفكير في الموافقة ليكسب بعض الوقت ؟؟ ..... دائما هذا اسلوب ابناء رشوان الحقير في التعامل ....

لكن والله لن أتهاون بعد الآن ..... أنتِ زوجتي و لن أطلقك و سأخذك ولو بالغصب )

هل أقنعه عمر بأن هناك أملا من موافقة عاصم ؟؟....... ابتلعت حنين ذلك الألم بداخلها و نقت صوتها وهي تقول بكل هدوء و برود

( أخبرتك من قبل أنه لم يعد هناك قانون يجبرني على الرجوع اليك ..... إن أحببت أن أتطلق منك فسأحصل على الطلاق .... و صدقني عندي من الأسباب المقنعة للمحكمة الكثير .... أي أن الأمر كله في يدي أنا و بكلمة مني ..... و ليس من أي أحد آخر ......... و أنا لن أتزوج يوما الا بموافقة عاصم و مالك .... أهلى .....

لذا ربما .... ربما .... إن استطعت الحصول على مباركتهما , تكون قد اجتزت واحدا من المستحيلات الأربع في الوصول الي ......... )

و بعد صمت تشوشه أنفاسه الهادرة .... هتف بحيرة

؛( حنين ....... هل هذا شرطك ؟؟ .... أتعنين إن تمكنت من الحصول على موافقتهما ستعودين دون مشاكل ؟؟؟ ...... حنين .....حنين .... إياكِ أن تغلقي الخط .... حنين ردي علي حالا ..... حنيييييين )

الا أنها أغلقت الخط بكل بساطةٍ و يسر ....... ووضعته بجوارها وهي تنظر بجمود الى اللاشيء .... رفعت يدها تتحسس بطنها برفق وهي تهمس بفتور

( أنتِ تجبريني إجبارا على ما لا أتخيله حتى ..... و كأنكِ قد أتيتِ في مهمة محددة كما يقول , .... ربما سيجعلك ذلك تسامحيني على عدم تحمسي لمجيئك حتى الآن ..... لكني احاول , و تكفيكِ مؤقتا تلك التضحية الشنيعة التي تجبريني عليها )

سمعت صوت طرق على الباب .... تبعه صوت عاصم , فابتسمت بلا أي تعبير و هي تدعوه للدخول ....

دخل عاصم متجهما كعادته الا أن عينيه كانتا تحاولان عقد صلحا ما معها .... انها تستطيع قراءته بسهولة , و رغم ذلك قال عاصم بخشونة دون مقدمات

( حنين ...... سنرفع قضية الطلاق اليوم )

نظرت حنين اليه قليلا .... ثم ردت بهدوء بعد فترة طويلة و حين أوشك على الخروج يائسا من ردها

( أنا لست موافقة على الطلاق يا عاصم ....... حاليا على الأقل )

اتسعت عينا عاصم بذهول غاضب ... وهو لا يصدق بساطتها في تحدي أوامره بعد كل ما فعلت , و ما ان نطق حتى هدر

( ماذا قلتِ ؟؟ ..... هل تتخيلين أنني أستشيرك ؟؟ ..... هذا قرار يا حنين و لا رجعة فيه )

لم يهتز رمش لحنين و هي تسمع انفجاره ..... ثم قالت بهدوء بعد أن انتهى

( ليس هناك قانون يجبرني على الطلاقي إن لم أكن أرغب به يا عاصم ..... أي أن الكلمة هي كلمتى أنا و تلك هي حياتي ....... لا .... ليست حياتي وحدي .... هناك حياة طفل أصبحت مرتبطة بحياتي الآن

و الطلاق حاليا سيدمر حياته في ما بعد و سيشوه سمعتي و سمعته ......

لذا ..... أنا آسفة يا عاصم ..... لقد قررت الا أحصل على الطلاق حاليا )

كان عاصم ينظر اليها بعينين حمراوين بشكلٍ مخيف .... ثم هدر كالمجنون

( هل جننتِ ؟؟ ........ الا يكفينا ما فعلته ؟؟ ..... هل تتخيلين أنني سأقبل بأن تقحميه في حياتنا لمجرد أنكِ تحملين طفله ؟؟)

صرخت حنين كالمجنونة و هي تنتفض لتواجهه

( أنتم من أقحمتموه في حياتي ..... و لا يحق لأي أحد أن يحاكمني .... و إن كنتم قد ضقتم من وجودي المشبوه معكم فأنا أستطيع أن أرحل من هنا خلال لحظات بكل سرور ...... )

كانت صبا و الحاجة روعة قد دخلتا الي الغرفة على صراخهما الذي استمر قاذفا المزيد من الإتهامات بينهما ... حتى كاد عاصم أن يبطش بها حين تطاولت عليه لكن صبا وقفت صارخة و هي تحميها خلف ظهرها .....

( إياك يا عاصم أن تلمسها .... و الا والله سآخذها و أخرج من هنا )

و بينما كانت روعة تتشبث بذراع عاصم بقوة وهي تصرخ فيه ... كانت حنين تتطاول من خلف صبا وهي تهتف بجنون

( انا متزوجة و على ذمة رجل .... شئتم أم أبيتم .... و لن يستطيع أحد أجباري على شيء )

صرخت صبا وهي متمسكة بها خلف ظهرها

( اخرسي يا حنين ...... و الا والله سأتركك له )

صرخ عاصم يزلزل الغرفة بصوته الجهوري

( حسنا بسيطة ..... سأقتله لكِ ... الحقير الذي تتدعينه زوجك )

صرخت روعة تولول ... بينما صرخت حنين بغباء

( حسنا أقتله ..... ستكون قد أديت لي خدمة , و حينها ستكون قد أدخلت نفسك في ستين مصيبة )

المهم .... أن التراشق بالألفاظ في بيت الحاج اسماعيل رشوان استمر طيلة فترة الصباح ...

بينما كان هناك شخصا يتسم بكل صفات الجنون ... مستلقيا على فراشه في الجانب الآخر من الخط المغلق وهو يحدق في السقف هائما بذهولٍ ...

" هل حقا ظن ما سمعه منها ؟؟ ..... هل تفكر في العودة اليه برغبتها دون الحاجة لخطفها ؟؟؟ ....

هل هي الآن مستلقية شاردة مثله تفكر في اليوم الذي ستكون فيه بين ذراعيه مجددا ليعلمها اسرار الحب ؟؟؟.....

هذه المرة سيبذل كل ما في وسعه ليعلمها معنى أن يرغبها مجنون بها أكثر من أي شيء آخر في هذه الحياة



Continue Reading

You'll Also Like

258K 24.4K 19
تَبدأ حِكايتِنا بَين بِقاع اراضٍ يَسكنُها شَعبّ ذا اعدادٍ ضئيلَة ارضٌ تُحَكم مِن قِبل ثلاث قِوات و ثالِثُهم أقواهُم الولايات المُتحدَة | كوريا الجنوب...
458K 10.3K 38
للعشق نشوة، فهو جميل لذيذ في بعض الأحيان مؤذي مؤلم في أحيانا اخرى، فعالمه خفي لا يدركه سوى من عاشه وتذوقه بكل الأحيان عشقي لك أصبح ادمان، لن أستطع ا...
242K 8.3K 39
النساء لا مكان لهُنَّ في حياته، عالمه ينصب على أبناء شقيقه وتوسيع تجارته في أنحاء البلاد. هو "عزيز الزهار" الرَجُل الذي أوشك على إتمام عامه الأربعين...