4

106K 2.2K 179
                                    


ارتبكت صبا للحظة وهي تسمع ذلك المديح الغير صريح من ذلك البشري الشديد الوسامة المتمثل أمامها بينما عيناه تطوفانِ بعينيها دون أن تتجرآ أكثر من ذلك ...... حتى أنها في تلك اللحظة البسيطة شعرت به يتوه سابحا في بحورِعينيها فقط .... دون أي شيءٍ آخر ....ارتبكت ... واحمرت خجلا بالرغم من أنها اعتادت على نظرات الإعجاب الهادىء بجمال وجهها .... لكن هذا الشخص المفزع بهيبته أثار مشاعرا غريبة من التوتر بداخلها ...... رفعت يديها مرة أخرى وهي تتأكد من اعتدال حجابها ثم رفعت نظرها تحاول أن تعود لإتزانها المعروفة به ثم قالت بهدوء( السلام عليكم .....أية خدمة ؟)أفاق عاصم الذي كان لايزال مسحورا بحلمٍ جميل من النعومة و الدفء ... الى أن سمع الصوت الرائع يعيد السؤال مرة أخرى ... فهز رأسه هزة غير مرئية ليستعيد نفسه من جديد ثم قال و كأنه يسأل نفسه هامسا( الآنسة ..... صبا عمران ؟؟)للحظة أدركت لهجته الشاردة قليلا .... هذا الشخص يتسائل إن كانت صبا .... والتي يعرفها قبل أن يراها , هذا الشخص جاء خصيصا لها ..... لهدفٍ محدد , والآن تعتقد أنها بدأت تتعرف هويته .....اذن فقد بدأت الحرب الفعلية , وكانت تتسائل متى ستندلع نيرانها ..... رفعت ذقنها عاليا و ارتدت نظرتها الحازمة ..... تنظر اليه في عمق عينه وكأنها فتاة أخرى غير تلك الخجولة التى فتحت الباب منذ دقيقة واحدة ...... ثم قالت مبتسمة بهدوء( أعتقد أنني أتشرف الآن بالنظر الى ....... السيد عاصم رشوان , إن لم أكن مخطئة )اتسعت عيناه قليلا .....لكن الإندهاش اختفى في لحظة ليعي نظرة التحدي التى ظهرت جلية في عينيها الرائعتين ... ارتفع حاجبه قليلا و ظهر طيف ابتسامة ساخرة على زاوية شفيه ..... القطة الصغيرة أمامه تستعد لإبراز مخالبها ..... وسيكون أكثر من سعيد لأن يقلمها لها ...... لا تخلو من الذكاء بحيث أدركت شخصه .... وحين أدركته أخفت الخجل والرقة بمهارة تثير الإعجاب ........ابنة المستشار ليست سهلة أبدا ..... إنها خصمٌ ..... لطيفٌ للغاية .... ويبدو أنه سيحب جدا التعامل معها على عكس غضبه منذ ساعاتٍ قليلة ...... ...... لم تكن تلك الفتاة المستفزة التي توقعها قبل أن يراها بل هي نسمة ما أن فتح الباب أطلت تلامس وجهه بنعومة ......للحظةٍ أراد أن ينسى أمر ذلك البيت الذي جاء من أجله ....... أراد أن يتأملها فقط طويلا الى أن يتشرب كل ذرة من هذا الجمال الملائكي أمامه ...... أراد أن يتوه أكثر في سحر عيني الغريبة التي لا يعرفها بعد ... و ليست تلك التي الفيصل بينهما هذه الأرض التى يقفانِ عليها الآن ........والتي تحولت من نسمةٍ الي ريحٍ عاتية ما أن أدركت شخصه ... كله فقط من نظرة عينيهاأخفض نظره قليلا و ابتسامته الجميلة التى عادة تسحر الجنس الناعم به دون قصدٍ منه ...... تزداد تدريجيا دون أن يعرف سببا وجيها لذلك ..... تبدو الأيام القادمة مثيرة للإهتمام ......رفع رأسه لينظر اليها من جديد محاولا السيطرة على ابتسامته المتسلية ..... ثم قال بصوته العميق الرخيم( وعليكم السلام و رحمة الله و بركاته .........هل سبق أن تعارفنا يا آنسة ....... صبا )ابتسمت هي الأخرى ببرودٍ وتحدي ...... صامتة تتطلع اليه من طولها الأقصر منه بحوالي الشبرين ...... ومع ذلك ارتفاع ذقنها المستفز و نظرتها التي ضيقتها بتحدي جعلته يشعر بأنها تفوقه طولا ........أجابته بصوتٍ أثار بداخله مشاعرا غريبة لا يستطيع تحديدها( لم أحظى بهذا الشرف .... وإن كانت المسألة لا تحتاج الى ذكاء , لكن أخشى أن تكون قد ضيعت وقتك الثمين هباءا بهذه الزيارة ......... الغير مسبوقة بموعد )تحركت عضلة صغيرة في فكه و قد بدأ الغضب يتسلل اليه وهو يقف هنا على الباب .... تجادله فتاة لا يصل طولها الى كتفه , مهما بلغ جمال محياها .... وتنظر اليه أيضا باستعلاءٍ مستفز ...... , إن تجرأ أشد الرجال بأسا النظر اليه بهذه الطريقة لكان له تصرفا آخر لم تكن لتتحمله ابنه المستشار ....حاول أن يبتسم بهدوء ثم قال ببرود ( هل تصرفينني من على بابك .... دون حتى دعوة للدخول أو تقديم ضيافة ...... لا أعتقد أنك بهذا البخل )قست عيناها و اشتد بأسها وهي تبادله بنظرة اعتادت أن توقف بها المتطفلين عند حدودهم فلا يتجاوزوها .... ثم قالت بحزم لا يقبل النقاش( الضيوف لا بد أن يأتون بموعدٍ مسبق يا سيد عاصم ..... كما أن دخولك غير مقبول بالمرة فكما تعلم جيدا ..... أنني أعيش بمفردي , لذا أعتذر منك , خاصة وأنه لا سبب وجيها للزيارة ..... )قست عيناه حتى بدتا مخيفتان للغاية لكنهما لم ترهباها ولو لمثقال ذرة ....... ثم قال بصوتٍ خطير( لما لا تدعيني أنا لأقرر إن كان سببا وجيها أم لا ........ثم أنني لم آتي الا بمعرفتي أن هناك سيدة تقيم معك, الكذب صفة غير محمودة على فكرة ....... )اشتدت قسوة شفتيها و اتسعت عيناها وهي تجيب بخفوتٍ خطير( من الواضح أنك قد جمعت المعلومات التي تحتاج اليها ....... عمل جيد , لكن هذا لا يمنحك الحق في أن تدخل بيوت الناس وقت أن تحب ......أنا لا أدخل غرباء الى هنا ......)قال بغضبٍ لايزال يسيطر عليه ( لم يكن هذا ما أجبت به الوسيط الذي بعثته ..... فحسب علمي أنه دخل الى البيت أكثر من مرة , ألم يكن رجلا غريبا هو الآخر ؟......)لم تصدق فعلا شدة وقاحته .... بالتأكيد , وماذا كانت تنتظر من ابن أحد تلك الطبقات الحديثةِ الطافيةِ على السطح و التى اختلطت لديها المفاهيم .... فابتعد الدين عن القانون و ارتبطت السياسة بالمال ..... و أصبح الحال مستعصي الفهم على أمثالها ..... أصحاب الطراز القديم ..... ذلك الطراز الذي أنشأها عليه والدها .... رجل القانون و الشريعة .......ظلت تواجه نظراته بنظراتها المشعة المتحدية لعدة لحظات دون أن يرف لها جفن ..... بينما بداخلها تشعر بأنها تود رميه بالكثير من آرائها المتعلقة بشخصٍ مثله ........ لكنها لزمت الصمت فلا جدوى من الجدال معه .... فقالت بهدوء( الوسيط الذي أرسلته بالنيابةِ عنك ...... هو مجرد مأمورا من سيادتك , لذا ليس من العدل أن أرجعه صفر اليدين حتى و إن لم أستسغ عروضه و التي تبدو و كأننا في سوقٍ للبيع و الشراء ..... لكن كما قلت , هو مجرد رسولا حرصت تماما على تحميله رسالتي لك على أمل الا أتشرف برؤيتك ..... لكن يبدو أن رسالتي لم تصل ..... لذا فها أنا أقل بكل وضوح حتى لا نضيع وقت كلانا ..... عرضك مرفوض ....... والآن هل تسمح بالإنصراف ؟....)أصابتها عيناه بشكلٍ أعنف و أقسى .... يبدو أنه لم يعتد الرفض يوما ......لكن لسيت مشكلة فلكلِ شيءٍ بداية .... لكنها سمعته يقول بصوته الهادىء هدوءا خادعا؛( ومع ذلك أفضل لو تكلمنا قليلا ..........لن آخذ من وقتك طويلا , .... يا ابنة المستشار )عقدت حاجبيها وهي تسمع كلمته الأخيرة ..... ابنة المستشار !!!..... لماذا شعرت بأنه ينطقها كإهانة .... لم تشعر يوما بالبغض تجاه شخصا تقابله للمرة الأولى و لمجرد عدة دقائق .... كما تشعر الآن , ما مشكلته هذا الكائن العضلي الضخم ... يبدو أن عقله الرأسمالي قد تحور مع مرور السنين الى كتلة من العضلات لا تعمل الا لحساب الصفقات الرابحة ..... تماما كمن يعمل بساعده .... بل أن من يعمل بساعده يفوقه شرفا و عقلا .......لكنها و بالرغم من كلِ ما تشعر به من غضب , الا أن شعورا بالحرج انتابها ...... لم تعتد أن تترك أحدا على باب بيتها كل هذه الفترة .. مهما كان ..... هي لم تغلق باب بيتها تجاه ضيف أبدا ..... أخذت نفسا عميقا ثم تنحت وهي تفتح الباب اكثر دون أن تنظر اليه متعمدة وهي تقول بتهذيب مجبرة عليه( تفضل ...... لكن رجاءا , لا تعقد الآمال , فلن تحصل الا على واجب ضيافتك .......)ضحكة رجولية ضاربة .... هزت المحيط حولها فجأة , لكنها ظلت مصممة على عدم النظر اليه منتظرة أن ينهي ضحكته المستفزة و يدخل ......خفتت ضحكته تدريجيا الى أن صمتت تماما ..... لكنها لم تشعر بحركة , لحظة ...لحظتين ... فلم تستطع منع نفسها من النظر اليه بغضب ظاهر ..... ففوجئت به ينظر اليها بنظرةٍ كالسهم الذي يكاد أن ينفذ الى روحها ..... يتخلل أعماقها .... غابت التسلية عن عينه , وزال المرح عن شفتيه ......أخفضت عينيها رغما عنها و زفرت بحنق .... ماذا به ؟... ألم يرى نساء من قبل ....مدت يدها مرغمة في حركة دعوة غير نابعة من القلب .....دخل بعد لحظة يتخطاها بصلفٍ و عنجهية ...... فنظرت الى ظهره العريض بحيرة ثم هزت رأسها متعجبة من ذلك الشخص الغريب المتناقض .....ما أن دخل عاصم حتى شمل البهو كله بنظرةٍ واحدة ... متمعنا في كل تفصيلة بعينه المسجلة لكل ما حوله بدقةٍ لم تتعد لحظاتٍ من الزمن .... ثم اختار مقعدا وثيرا ليجلس عليه مستندا بظهره مرتاحا واضعا ساقا فوق الأخرى ...... يتصرف و كأنه في بيته , دمدمت في داخلها بغضب ..... وهي تغلق الباب ثم اتجهت اليه لتقف أمامه ... صامتة للحظات ثم قالت بأدب( ماذا تحب أن تشرب ؟........)شعرت بقلبها يغلي غضبا وهو يرمقها بنظراته المتفحصة , من جلسته المتعالية ..... ابتسامته الجانبية المستفزة وو هو يتفحص عبائاتها المنزلية الرقيقة .... الوشاح الوردي الذي يغطي شعرها ..... ها هو يعود لعينيها من جديد .... ما باله لا يتركهما ....رد بهدوء مبتسما ( هل تجيدين صنع القهوة ؟....... لا أحب أن أتناولها الا إن كانت ......., ذات وجهٍ..... !!!.......)صمت ولم يكمل .... ظل محدقا بها الى أن قالت بتهديد( أكمل من فضلك ..... )اتسعت ابتسامته قليلا .... ولم يرد حالا فنظرت الي عينه رافعة أحد حاجبيها بنفس ذلك التحدي .... الى أن قال بتسلية( نعم .... الا اذا كانت ذات وجهٍ صبوحٍ كوجهك ....... يا ابنة المستشار )لم تستطع هذه المرة أن تسيطر على الغضب الأسود الذي عصف بداخلها تجاه ذلك الوقح الذي يغازلها وهو ممسكا بسبحة في يده فقالت بنبرةٍ خطيرة اعتادت أن تستعيدها لحظات اللزوم( سيد عاصم ...... إن كنت قد سمحت لك بأن تدخل من باب الأدب فهذا لا يعني أن تتجاوز حدودك و تستخدم تلك عبارات الغزل السخيفة تلك )ارتفع حاجباه في دهشة مصطنعة ثم قال بهدوء ( غزل ؟ّ!!....... اعذريني لا أقصد الإهانة لكن ما الذي يدعوني لأغازلك .... وجهك الصبوح كلمة أستخدمها عادة كل صباح لأدلل بها ابنة مدبرة المنزل .... رضا الصغيرة ..... عفوا يبدو أنني قد اعتدت الكلمة .....)شعرت صبا فجأة كمن سكب عليها دلوا من الماء البارد .... ماذا بها ؟.... لماذا يخرجها عن طورها الى هذا الحد الأحمق باهانته المخفية المتعمدة .... ولكي تداري احراجها قالت بعصبية( سأذهب لأعد القهوة .....فأنا أجيد صنعها تماما )ثم سارت مبتعدة شاعرة بنظراته النافذة كالسهم في ظهرها ...... لم يضيع عاصم الفرصة , بل قام من مكانه ليتجول في أنحاء هذا البهو و الذي يغلب عليه طابعا مميزا .... عتيقا , محملا بعبق ماضٍ راقي ..... أثاثه البسيط ذو اللون الدافىء المخملي .... يتناقض مع ذلك المذهب بزخرفةٍ ضخمة والذي يحتل منزله ..... تلك المكتبة العريضة التي تحتل عرض حائطا بأكمله ..... اتجه اليها ..أرففٌ من كتبٍ في القانون ... الكثير منها خط عليه اسم محمود عمران ..... كتبا في القانون و الشريعة , هل عاش عمره كله ليكتب هذه الكتب ؟... الم يكن لديه ما يشغله غير كتابة هذه الكتب ؟..... صحيح أنه يعتبر نفسه مثقفا للغاية و خاصة سياسيا و اقتصاديا بما يلائم أعماله و يفيدها .... لكن غير هذا لم يفكر يوما في قراءة الأدب مثلا .... أو تلك المدعوة فلسفة ....أو..... القانون ..... فلديه فريقا قانونيا كاملا يزوده بما يريده .........عجبا لهذه الدنيا .... بعض الناس يفني عمره بين الكتب و المبادىء ..... فقط ليقوم الآخر باختراقِ ثغراتها ...... كلا يقوم بدوره في هذه الحياة ..........انتقل الى تلك المدفأة الحجرية .... والتي تعلوها صورا عديدة في إطاراتٍ ذهبية و فضية مزخرفة .... لرجلٍ خط الشيب شعره مبتسما لا يحمل للدنيا أي هم .... يبدو كمن ضميره مرتاحا فلا يخيفه في هذه الدنيا أي شيء .... بجواره صورا عديدة لنفس الشخص.... ... بزي القضاة ... بعضها الآخر بجوار امرأة في نفس جمال ابنتها ... وأخرى بجوار فتاة شابة تشبه البدر في تمامه ..... صبا عمران .... لكم يليق اسمها بها ... فهي الصبا و كل الصبا .....صورة أخرى مندسة خلف الصور .... نفس الوجه القمري و نفس الصبا ... لكن وهي في نسخةٍ طفولية ,.... ابتسم دون وعي وهو ينظر الى تلك الطفلة ذات الجدائل الذهبية النحاسية الناعمة كأمواج البحر ساعة الذهبية لحظة الغروب ......ضحكة واسعة تضيء الكون .. غمازتين عميقتين في وجنتيها الحمراوين ..... لم يرى الغمازتين ... بالتأكيد فابنة المستشار لم تبتسم في وجهه منذ رأته .....أمسك تلك الصورة ليخرجها من مخبئها خلف الصور الأخرى ليتطلع اليها مبتسما .... تلك الجميلة لم يقلل الحجاب ذرة من جمالها .... لكن تلك الروعة التي يراها في الصورة تعد بالكثير .....في لحظةٍ واحدة وجد الصورة تختطف من يده بقسوةٍ ...... ليجد القطة البرية الذهبية تقف ممسكة بها ناظرة اليه بشراسة .... تكاد أن تقتله بسهام عينيها الغاضبتين .....ثم هدرت بصوت ٍ حازم( أنت تتخطى كل حدودك في هذا المكان يا سيد عاصم ...... فإما أن تحترم حرمته و إما أن تغادره حالا )نظر اليها بهدوءٍ دون أن يرف له جفن ... ثم قال بصوتٍ خافت فاتر( وأنتِ ثان مرة تهددين بطرد عاصم رشوان يا ابنة المستشار ....... ماذا كان والدك ليقول لو عرف بقلة تهذيبك ؟ )نارا جامحة أطلت من عينيها ...... وفتحت شفتيها تنوي برمي كلماتِ الطرد النهائية حتى يكون له سببا وجيها يدعوه لقول .... أنها قليلة التهذيب مرة أخرى ........لكنه لم يمهلها لتنطق حرفا واحدا ..... بل اتجه الى مكانه في كرسيه الوثير وجلس بكل ثقةدخلت في تلك اللحظة سيدة متقدمة في السن .. ترتدي عباءة و وشاح على رأسها ... تبدو على وجهها علامات الرضا و الطيبة وبابتسامة بشوشة و ضعت صينية القهوة امام عاصم الذي ينظر اليها هو الآخر مبتسما... ثم قال مكلما صبا مازحا( لم تصنعي القهوة بيدك ؟؟ .... الا تعلمين أن الفتاة التي لا تجيد إعداد قهوة جيدة لا تجد من يتزوجها بسهولة ؟.....)للحظةٍ وقفت أمامه دون حراكٍ وهي تنظر اليه بلا تعبير بينما العينان العسليتانِ تستعدان لشنِ الهجوم المتوقع ... ومن موقعه رأى متسليا أنه الهدوء الذي سيسبق عاصفة منفجرة الآن ...لكن تلك السيدة الطيبة لم تمنحها الفرصة وهي تهب مدافعة بحماس( من تلك التي لا تجيد اعداد القهوة ؟..... صبا ؟..... لقد أعدتها بيدها كما كانت تعدها دائما للمستشار رحمه الله .... وماذا ستقول أن تذوقت طعام يديها ؟....... صبا سيدة منزل ممتازة ... هنيئا لمن سيتزوجها ........)ثم غمزت لصبا و الفرحة تكاد تغرق وجهها ظنا منها أن هذا الضخم الجالس بفخامةٍ واضعا ساقا فوق الأخرى هو خاطبا محتملا ......أغمضت صبا عينيها غضبا منها ..يالهي انها تقوم بالدعاية لها ... عادت لتفتح عينيها و ترمقها شزرا تهز رأسها لتنصرف من أمامها الآنفأومأت فتحية برأسها و الجدية المضحكة ترتسم على وجهها ..... بينما هي ابعد ما تكون عنها ... ثم أهدت عاصم ابتسامة أمل وحنان و زادت أن اقتربت لتربت على كتفه بيدها المكتنزة .... فضحك عاصم وهو يربت هو الآخر على يدها الموضوعة فوق كتفه ...بعد انصراف فتحية ... حاولت صبا أخذ نفسا لتهدىء نفسها من هذا الوضع المستفز .بينما كان عاصم ينظر مبتسما الى فنجان القهوة الموضوع أمامه على الطاولة ...... و الذي كان .... ذو وجهٍ صبوح ......و رائحةٍ تماثل سحر المكان و سحر صاحبته الآتية من زمن الفرسان ....... أعاد وضع ساقه فوق الأخرى ثم أشار بكلِ عنجهية بيده دون أن يتكلم الى الأريكة بجواره .... في دعوةٍ سمجةٍ منه....... لأن تجلس بقربه ......... ظلت واقفة للحظات تتمرد على غطرسته .... لكنها آثرت أن تجلس في النهاية حتى يلقي الكلمتين المحجوزتين في حلقه ثم يخرج سريعا .......اتجهت بإباءٍ ثم جلست على الأريكة لكن في أبعد نقطة منه ..... جلست على حافتها كأنها تريد أن تخبره كم هي متشوقة لرحيله ......نظر اليها متغلغلا أعماقها لا تعلم إن كان بوقاحةٍ أم سيطرة ... ثم التقط فنجانه يرتشفه بصمتٍ متلذذا بكلِ رشفة .... تاركا إيها تتأمله بغضبٍ يتزايد في كلِ لحظة ......لم يتكلم الى أن أنهى قهوته لآخرها ..... تطلع اليها بعدها في تحدٍ صامت للعيون ..... وظلت هي تنظر اليه تريد أن تتحدى نظراته , الى أن تغلب عليها حياؤها فطرفت بعينيها تبعدها عن حينه لتنزل متحججة بالنظرِ الى سبحته التي يتلاعب بحباتها ......أنزل ساقه فجأة فباغتها وهو يميل في مقعده الى الأمام مستندا بمرفقيه الي ركبتيه .... حتى يقترب منها على قدر استطاعته , رفعت ذقنها تنتظر كلامه ..... وتكلم بالفعل .... بكلِ هدوءٍ قال( أريد البيت يا صبا ..... فقط ضعي الثمن الذي تريدينه و لا داعي لتضيع وقتينا أكثر )لمعت عيناها بوحشية .... مصدومة من وقاحته التي لم تر لها مثيلا .....قالت بمنتهى الهدوء بعد لحظة( و البيت ليس للبيع ..... سيد عاصم )لاحظ كيف شددت على لفظة سيد تهدده بأنها لا تسمح له بلفظ اسمها دون ألقاب ...... لكنه لم يأبه وهو يبتسم ابتسامة لم تصل الى عينيه ثم قال بنفس الهدوء لكن مع لمحة أعلى من الخطر( لا يوجد في قاموسي ما هو ليس للبيع ...... يا صبا )شدد هو الآخر على اسمها فردت عليه بعينين اشتعل فيهما العسل ليصبح حمما لهبية ( قاموسك لا أعترف به ...... يا سيد عاصم )مالت ابتسامته بشكلٍ خطير وهو يبعد نظره عنها و كأنه يفكر في الأمر .... ثم قال بصوتٍ خافت منذر( لكنه القاموس المفعل في عالمي ..... يبدو أنكِ لا تدركين حجم الأشخاص اللذين يريدون هذه الأرض , ولا حجم المشروع الذي سيخدم اقتصاد المدينة ..... هل تتخيلين أنه من الممكن أن نتنازل عن هذا كله , لأنه قطة صغيرة قررت اظهار مخالبها ..... معجبة بشجاعتها في مواجهة الأعاصير القادمة )كانت نظراتها معلقة طوال الوقت بحباتِ سبحته التي يتلاعب بها بين أصابعه أثناء كلامه ......لا تعلم لماذا تثير انتباهها بهذا الشكل .. ولماذا يتمسك بها بهذه القوة ......رفعت نظرها اليه لتقول بنعومةٍ وخفوت ( هل تهددني سيد عاصم ........ )لم يرد عليها للحظة ... وهو يتطلع الى عمق عينيها لا يحيد عنهما ثم قال أخيرا بوضوح( العند للعند لا فائدة منه .... بل على العكس , قد يؤذيكِ يا صبا ..... لقد باع كل أصحاب المنازل المجاورة لك , لذا لا تحاولي الوقوف في وجه التيار ...... الأمر أكبر منكِ ومني صدقيني )قامت من مكانها في حركةٍ واحدة وهي تقول بصوتٍ قاطع ( لقد انتهت الزيارة يا سيد عاصم .......)رفع رأسه ينظر اليها بوجه قد من حجر .... لاتعبير له , حتى عيناه الجامدتان بدتا و كأنها صخرتين من حجر الرخام الأسود ... لكن هذا الجمود كان يخفي خلفه غضبا يهدد بإحراق المكان ..... ابنة المستشار تنظر اليه من عليائها و تنهي الزيارة ......قام من مكانه ببطء .... يعدد حبات السبحة بيديه الاثنتين انتقل نظرها الي أصابعه مرة أخرى فأفتر فمها عن ابتسامة واهية لترفع نظرها من السبحة اليه ..... وكأنه سمع ما تقوله فاشتد ضغط شفتيه و تضاعفت قسوة عينيه .......وقف أمامها كجبلٍ عالٍ يطل عليها وهو على بعد خطوةٍ منها .....ثم قال لوجهها الذي أشاحته بعيدا رافضة النظر اليه أكثر ,( لا قبل لكِ على مواجهتي ....يا ... صبا , ولا مواجهة من يريدون الأرض و أنا لا أحب أن أكون طرفا في الضغط على امرأة )ابتسامتها ظلت على شفاهها وهي تنظر اليه ..... لتقول بعد لحظة(أمثالك من ..... الرجال قد انقرضو منذ زمن يا سيد , أفق , فتلك ..... المرأة قادرة على مواجهتك أنت ومن خلفك , لذا فقم بدورك و أبعد قلقك المخزي ....... أنا لا أخاف الا من خالقي )ماهو ذلك البريق الذي اشتعل في عينيه لحظة , لمحة اعجاب .....أم أنها تتوهم وهي اشارة الخطر , أيا يكن فهو لا يهمها , فليشعر بما يريد وليفعل ما يستطيع ....... الوقح الذي مجرد وقوفه في هذا المكان يعتبر جريمة في حق صاحبه ..... المستشار الذي تثير مجرد ذكراه الاضطراب في أمثال ذلك الواقف أمامها .......لذا فستريك ... ابنة المستشار .....أنها تستحق ذلك اللقب الذي جعلك تأتيها بنفسك لترى غريمتك ........قالت بأدب ( الى لقاءٍ قريب ..... سيد عاصم , لكن بالتأكيد ليس هنا )نفث نفسا ساخنا ضرب وجنتيها فابتعدت بحدةٍ عنه لتتجه الى الباب المفتوح وتمسكه متعمدة تنتظر خروجه لتغلقه خلفه للأبد ........خرج مندفعا الى الباب .....لكن قبل أن يخرج وقف أمامها عندما مر بها ليقول بقوة( تذكري أنني قد أتيت الى بابك يوما ....... وأغلقته خلفي )نظرت اليه مبتسمة وقالت برقة ( سأتذكر ...... حين أضحك مرة تلو مرة على محاولاتكم الفاشلة , فلتركبوا أقوى خيولكم .....حتى وإن لم تكونوا فرسان هذا الزمن ...........)قال لها بصوتٍ هدر الغضب فيه بالرغم من خفوته .... ( حسنا يا صبا .....قرار الهزيمة كان لك , تذكري هذا )ثم خرج دون كلمة أخرى , و لم يكد يمر من الباب حتى تسمر مكانه بصوت انصفاق الباب بشدةٍ خلفه ...حتى اهتزت عواميده النحاسية بزجاجه الملون حتى ظن أن سيتحطم الى شظايا ..... التفت لينظر الى الباب المغلق ثم أعاد ارتداء نظارته الداكنة التي دخل بدونها و خرج بها .... ليخفي غضبه و الذي يكاد أن يشتعل في صدره في تلك اللحظة .......من هي تلك التى تجرأت للتو على رفض عرض عاصم رشوان !!.... تحدي عاصم رشوان!! .... صفق الباب خلف عاصم رشوان ..!!!!........لم يشعر أنه أهين يوما كما أهانته تلك الوقحة الآن ..... رجلا أشداء لم يتجرأو أبدا على فعل جزء من ذلك الذي فعلته ,.... أخذ يتوعدها و هو ينظر من حوله الى العمارات التى صار يملكها .... بينما هو يقف في الأرض الوحيدة التي لم يملكها بعد ......حسنا يا صبا .... يا ابنة المستشار .... فلنرى من سيضحك في النهاية ...................................................... .................................................. .........................................نظر الي ساعة يده وهو يفكر ....أين هي ؟..... لقد جاء موعد القاء القمامة ..... لقد تأخرت اليوم .... يبدو أن حدثا جلل قد أخرها فهي لا تتأخر عن موعد إخراج الحقيبة البلاستيكية السوداء الضخمة و التي تعادل نصف طولها تقريبا الى خارج المنزل حيث السلة الضخمة الموجودة بجانب السور لتأتي عربة القمامة لتأخذها ككل يوم .......لقد تأخر على عمله و يجب أن يتحرك الآن .... ألن تخرج هي وقمامتها ككلِ يوم ؟......وأثناء انتظاره أبصرها أخيرا تخرج من باب البيت تتوازن وهي تحمل القمامة عبر الحديقة الصغيرة لتصل الى البوابة ....اتسعت عيناه قليلا وهو يدقق في جسدها الذي كانت أشعة الشمس تغطيه من الخلف ليتحول ثوبها البيتي الخفيف و الذي يحف بركبتيها الى شاشةٍ سنيمائية شفافة أظهرت جسدها بكل تفاصيله .........للحظاتٍ قليلة ترك لعينيه حرية الاستمتاع بهذا الصباح المذهل المكلل برؤية مثل هذا القوام .... لكم تغير قوامها !!! غادرت عباءة الطفولة .... والجسد المسطح أصبح ذو انحناءاتٍ خلابة تكاد تخطف أنفاسه و هي يتذكر يوما لامس جسدها الطفولي بشوقٍ تفجر في أعماقه .... فكيف سيكون حاله ما أن يلامسها الآن ....أغمض عينيه وهو يشعر بدقاتِ قلبه تتسارع كحالِ أنفاسه الغاضبة ..... يبدو أن الصيف قد وصل و ستكثر من ارتداء تلك الأشياء القليلة التي لا تغطي سوى القليل خاصة مع أشعة الشمس الفاضحة ......شعربرغبةٍ في كسر عظامها حتى تتنبه الى ما تخرج به الى الطريق العام ...... ثم زفر بحنقٍ وهو يخرج ورقة من مفكرته ليكتب عليها شيئا بقلمه الذهبي .....دق جرس البوابة الخارجي فخرجت حنين الى الصبي الصغير الممسك بملابسهم الآتية من التنظيف الجاف .... ابتسمت له حنين كالعادة وهي تمازحه قليلا قبل أن تأخذ منه الملابس ... لكن قبل أن ينصرف أخرج من جيب بنطاله ورقة مطوية وناولها إياها مبتسما ببراءة .... وهو يقول ( هذه لكِ آنسة حنين ..... شخصا ما أعطاني إياها ثم انصرف )تناولت حنين الورقة و هي تقطب جبينها بحيرةٍ لتقرأها قبل أن يأخذها الشك طويلا ..... لحظة واحدة و اتسعت عيناها صدمة وهي تقرأ( الثوب الذي ترتدينه شفاف الى درجة الكرم القصوى ..... و سيشكرك كل ابناء الحي ما أن يرون هذا العرض الصباحي )شهقت حنين عاليا وهي تغطي نفسها محتضنة الملابس التي تحملها بينما أخرجت أخذت تتلفت برأسها يمينا و يسارا تتطلع الى من يراقبها .... ثم صرفت صبي التنظيف لتدخل جريا كالمجنونة الي البيت ....... وهي تفكر ... يالهي .... من ذلك الذي شاهدها بهذا الشكل .... يبدو أنه بالفعل أحد أبناء الحي و أراد تنبيهها دون أن يظهر نفسه حتى لا يحرجها ...... ياللغباء .... ياللغباء ....................................................... .................................................. .................................................كان من أصعب الايام بالنسبة اليها في العمل ..... منذ أن وطأت قدماها الى مقره وهي تحاول تجنب النظر الى أي شخص .... بالنسبةِ الى الجميع فمن المؤكد أن ما من أحدٍ سيتذكر موقفا تافها كالذي حدث في المقهى ..... لكن بالنسبةِ لها , فإن خللا معينا لا يعرفه الا المقربين ينتابها بين الحين والآخر ...... على مر السنين نجحت في إخفاء تلك الحالة عن معظم من عرفوها ..... الا أنها فشلت مع قليلين , حين سقطت علنا في مراتٍ قليلة ...... قد تكون بسبب شيئا أخافها ... وأحيانا تكون سقطة بلا أي سبب ......اختلال في التوازن ... اختلال في نفسها .... هي لا تعرف تحديدا ولم تحاول المعرفة يوما ...... ولا تريد أن تعرف أبدا .... فقط فلتكون أكثر حرصا في مداراتها .......حين أتى موعد الإستراحة في منتصف اليوم , كانت قد نجحت في تجنب الجميع .... متشاغلة بعملها عما حولها ....لكن الآن الى أين ستذهب , فلتظل هنا في مكتبها ..... قطعا لن تتوجه الى المقهى .... لن تتحمل دخولها أبدا بعد اليوم ......لكن دخول عامل النظافة الى المكتب لينظفه أجبرها على الخروج ....... الى أين ستتجه الآن فهي لن تستطيع الوقوف في الممر هكذا الى وقتِ الراحة كله ...... أمسكت بلفافة الشطائر التي أعدتها في البيت نفسها ..... تحتضنها وهي تنظر حولها , ثم عقدت القرار الى الخروج الى سلم الطوارىء ........ فخرجت منه و اغلقت بابه خلفها ...... جلست على أولى درجات السلم الضيقة وهي تفتح لفافة الشطائر متنهدة بأسى ....... وهي تقضم الشطيرة بعنف .... تمضغها بقسوةٍ وكأنها نشارة خشبية ........ لكم تختلف حالتها الآن عن حالتها بالأمس وهي تدخل الى ذلك المقهى اللعين باحثة عنه ....... بينما هي الآن تجلس على الأرض مختبئة عن الجميع .......انتفضت مكانها وهي تسمع صوتِ الباب يفتح من خلفها ..... أغمضت عينيها وهي تدعو الله أن يكون عامل النظافة , لكن من تخدع ......فهي تعرف هذا العطر جيدا ..... وتعشق صاحبه ......... ما العمل ؟..... ما العمل الآن ؟...... هل ترمي بنفسها من فوقِ سور السلم لتهرب منه نهائيا و ترتاح .........شعرت به يجلس بجوارها على درجة السلم ..... ففقد قلبها خفقاته .... وتجمد الدم في عروقها بينما اختارت وجنتاها اللون الفاضح المعتاد للتزين به في وجوده .......لقد ملأ وجوده المكان و ساقه كادت أن تلتصق بساقها القصيرة ..... حجمه الضخم يكاد أن يحجب الضوء الأبيض عنها ليغيبها في ظلهلم تنظر اليه ..... ولم تنطق بكلمة ....... وهو أيضا منحها الوقت لتهدأ قبل أن يقول بهدوء( لماذا تجلسين هنا بمفردك ؟............ )يالهي إن صوته رجولي للغاية .... يبعث رعشة دفءٍ غريبةٍ بداخلها .... لكنها لن ترد .... لن ترد .....لن ترد ..... ستتظاهر بالصمم , وحينها سيبتعد للأبد ..... وستموت بعدها !!....... لذا اختارت بعد تفكيرٍ عميق أن ترد باختناق( كيف عرفت بأنني هنا ؟.......... )ضحك قليلا ثم قال ( حين لم تظهري في المقهى عرفت بأنك ستختبئين في مكانٍ ما ......فذهبت الى مكتبك لأحضرك , وحين لم أجدك قادتني قدماي الي الباب التالي ....... )أطرقت برأسها بينما قلبها لازال يضرب صدرها كأرنبٍ مذعور ..... أخذت تدعو الله لألا يفتح موضوع السقوط الآن ...... كفى ما شهدته من احراج ...... لن تتحمل أن تتحدث به أيضا ..... ومع من ؟!!.... معه هو ........( ماذا تأكلين ؟.......... )قاطعها هذا السؤال الذي لا أثر للمزاح فيه .... فنظرت اليه بطرف عينيها من تحتِ عدساتِ نظارتها ..... و خدها ممتلأ بقضمةٍ كبيرةٍ منتفخة ...... وشعرها .... تلك الضفيرة قد تمردت و مالت خلال الساعات الماضية الى احد جانبي رأسها منسابة على كتفها.... مفلتتة الكثير من الخصلاتِ الناعمة ...........أي أن ملخص القول ....شكلها يرثى له كالعادة ......أجابت على مضض وكأنها تتمنن عليه بالإجابة ( شطائر جبن ..... بالخيار )مد يده ليلتقط الخيارة الصحيحة الموجودة بين الشطائر ..... وقضم نصفها في مرة واحدة وهو يقول( كانت شطائري المفضلة في أيام الدراسة ........... )بعد لحظةٍ مدت يدها ليه بواحدٍ .... هو الأغلى على قلبها .... فتناوله منها مبتسما , لتلتقي عيناهما ..... فتتوه منها الكلمات بينما هو ينظر مبتسما متناولا نصفه هو الآخر في قضمةٍ واحدة .....فكرت وهي تنظر اليه مسحورة ..... بأنها لم ترى من هو يملك فما أوسع من فمه من قبل ...... كيف يمكن لشيءٍ كهذا أن يجعله أكثر جاذبية ........... استمر الصمت بينهما أثناء تناولهما الشطائر ...لا تجرؤ على تصديق أنها و صدىء القلب يجلسانِ معا ... يتناولانِ من الشطائر التي أعدتها بيدها ....... الى أن قاطع شرودها صوته الرجولي وهو يقول دون أن ينظر اليها( حنين ...... حين تستنبت زهرة في صوبةٍ زجاجية , فهي تنجح في الحياة التي صممت من أجلها...... أما حين تنمو زهرة برية بين الصخور فهي تصمد ......... فما عليك سوى الاختيار ..... لكن في كلتا الحالتين ..... ستنجين بنفسك )نظرت اليه مذهولة .... هل يتكلم معها ؟ ..... عنها ؟؟ ....أم عن ماذا ؟...... زهرة مستنبتة ..... أم زهرة برية ؟؟ ....... نظرت أمامها لتكمل طعامها بصمتٍ امتد بينهما ...... مع ابتسامةٍ متسعةٍ حمقاء على شفتيهما .......ومرت بهما الدقائق القليلة وهو يحاول جذبها الى موضوعاتٍ مبهجة... تارة تصمد و تارة تبتسم ... وأخرى تفقد القدرة على التحمل فتنفجر ضحكا .....وهو ينظر اليها مبتسما سعيدا برؤية ضحكتها التي لم يرها من قبل ... والتي حولت تلك البطة الخرقاء الى أوزةٍ رائعة ... فقط إن كانت تدرك ذلك ..... بينما من الواضح أن الغبي الذي يهاتفه كل يوم لا يعلم كم هي قابلة للعطب تلك البطة الصغيرة ......هل يمكن أن يحسب عمر الإنسان بعدد الدقائق الثمينة الماسية التي تمر به ؟.... هكذا فكرت حنين و هي دائخة في هواه ... شاردة فيما يقصه ..... تاهئهة ما بين سحر عينيه الحنونتين و دفء فمه المتكلم ...... والذي يتوقف فقط ليلتهم المزيد من شطائرها ثم يعاود الكلام مبتسما ........هل يمكن أن أكون أكثر سعادة يوما ؟؟...... هل سيحمل لي القدر يوما أجمل من هذا ؟...... هل ستعود تلك الدقائق الماسية من جديد لتطويني بين ثنايها و تغيبني في نظراته ؟.........
 

بأمر الحبWhere stories live. Discover now