20

87.6K 1.7K 113
                                    


أغمضت عينيها عن مرأى عينيه الجائعتين و حبست دموع القهر خلف جفنيها المطبقين .... لا مجال لأن يتراجع الآن , و لا سبيل لإيقافه , لذا فلتقبل بالأمر المحتوم و هو لا يتعدى أكثر من ميتةٍ و السلام .....بينما أبى جسدها الإنصياع التام لافكارها الميتة رعبا فأخذ ينتفض بقوةٍ بين ذراعيه ... و الدموع الحبيسة ثقلت و ضغطت بقوةٍ على جفنيها لتنساب من تحتهما على وجنتيها .....وهدير أنفاسه يطوف في اذنيها يخبرها أنها له ... بحكمه .... بأمره .... و أن لا مهرب لها .....حينها تصاعد بكائها كشهقاتٍ خافتةٍ تتوالى مع انتفاض جسدها الضئيل , و مع كل انتفاضة كان يضمها أكثر الى صدره و قد غاب عنفه مع استسلامها اليائس .....لم تدري كم من الوقت مر عليهما و حين ظنت الا أمل ... سمعته يهمس في أذنها بشوقٍ يستعر و غضبٍ لاهب( ماذا حنيني ؟ .... هل قررتِ الاستسلام أم أن ذرة منكِ لازالت تقاوم قدرك ؟ ...... )ازداد انطباق جفنيها بشدةٍ و تود لو تسد أذنيها كذلك لتوهم بنفسها بأنها بعيدة عما يحدث ...تشاهد فتاة أخرى أوقعها حظها البائس في قبضة الشيطان .......لتتأسف على حالها المحزن بفضل غبائها و ضعفها منذ أن وجدت في هذه الحياة .....لتبتعد بعدها لحياة اخرى مقنعة نفسها بأن لا دخل لها ......فقط فلتنتهي الدقائق و ربما الساعات السوداء لتبتعد عن تلك الفتاة ميتة الروح و الجسد و التي تستحق كل لحظة مرار تتجرعها ......و كانت شهقات بكائها تكذب استسلامها اليائس و هي تترجاه دون كلامٍ بأن يعتقها .......تتلقى منه عاطفة تخبرها بأن كل ما مضى بينهما كان لهوا .... بينما القيد الحقيقي هو ذلك الوشم الذي يدمغها باسم جاسر رشيد للأبد ...لم تدري أن تلك الفتاة الميتة قد دب فيها بصيص من روحٍ باهتة و أقصى ما استطاعته هو أن خرج توسل باكٍ لا يكاد يفهم أي حرفٍ من أحرفه من شدة الشهقات و النشيج الذي يشوهه( ارجوك ... ارجوك لا تفعل .... اتوسل اليك )للحظاتٍ يائسة كانت متأكدة من أنه لن يتنازل حتى للرد تاركا لحظة تمر من لحظات تذوق انتصاره .... لكنها صدمت حين سمعت همسه الأجش وهو يهدر في اذنها( هل ظننتِ حقا ...... ولو للحظةٍ مجنونة ..أن بإمكانك التلاعب بي ؟ ......... )تعالى بكائها و تنشج بمرارة محركة رأسها بقوةٍ من جانب لآخر وهي تختنق قائلة من بين نشيجها؛( أقسم لك ..... أقسم لك ..... ارحمني أرجوك )اصبح النشيج صيحات بكاءٍ كبكاء طفلٍ تائه ..... وهو يضمها بقوةٍ الى صدره و أنفاسه تشرف عليها من علو لتحرق جفنيها المطبقين بشدة .... و يده تستشعر قلبها الذي يخفق بصورةٍ مرعبة كأرنبٍ مذعورثم شعرت باصابعه تلامس دموعها الغزيرة على وجنتيها .... و ارتجف قلبها و جسدها اكثر منتظرة تقرير مصيرها ... بعد مقاومةٍ عنيفةٍ استهلكتها لتتركها كجثةٍ مرتجفة ترتعش ......و حين تكلم أخيرا .... كان صوته الخطير المجنون يهمس ليفهمها مدى حماقتها( لم أكن اريد أن أحصل عليكِ بتلك الطريقة ..... صدقيني , لكن أنتِ من أرغمتني على ذلك ..... و عليك تحمل تبعات خداعك )عادت لتبكي مرة أخرى و هي تتخيل ما سيعقب تلك الكارثة ... وإن كانت قد سلمت بانتهاء حياتها الا أن خوفها الأفظع و رعبها كان مما سيلي ذلك ...... كيف ستواجه مخلوقا بعد ما سيحدث ......لكن التفكير المرتعب لم يطل بها .... حين وجد همسه المخيف طريقه الى اذنها من جديد ليصدمها بقوةٍ في لحظةٍ حسبها بدقةٍ ليضرب ضربته ...(أتريدين أن أعقد قراني عليكِ رسميا قبلا ؟ ...... )للحظاتٍ لم تستوعب ... و لم تفهم .... ام أنها كانت تتوهم ... وحين طال الصمت تجرأت و فتحت عينيها المتورمتين ببطءٍ الى أن أصبحتا على أقصى اتساعهما .... تشاركهما شفتيها المتورمتين و المفتوحتين تطلبانٍ نفسا مرتجفا أعمق ....اهتزت حدقتا عينيها و هي تنظر الي ملامح وجهه الجذابة كجاذبية القراصنة ... و عينيه اللتين تبرقانِ شرا و متعة و ...... وغضبا ....نظقت أخيرا بهمسٍ مذعور لا يشبه صوتها( هل .... هل ..... هل تعني ما قلت ؟؟ ..... )ظهر طيف ابتسامة اجرام على زاوية شفتيه .... وهو ينقل عينيه الجائعتين من عينيها المتسعتين الى شفتيها اللاهثتين وهو يمنعهما قسرا من التمادي في تلك اللحظة الحاسمة كي لا يفقد ذرة السيطرة الأخيرة على نفسه .... لتكون الحركة الأخيرة له و ينتهى من تلك المهذلة و التي طالت .......قال أخيرا بصوتٍ خافت متمنن ... وكأنه يمنحها اكثر مما تستحق( أتريدين أن نتزوج رسميا ؟ ......... )ودون وعي منها لم تنتظر ان يكرر السؤال للمرة الثالثة.... و هي تهتف ببكاءٍ و توسل( نعم .... أرجوك ... أرجوك )ازدادت التواءة شفتيه قليلا وهو يلتهم ملامحها المحمرة المتورمة و المبتلة بدموعها ...... ثم حرك رأسه في شبه .... شبه ايماءةٍ تكاد أن لا تُلاحظ و كأنه يرضى مرغما و متمننا .....ثم قال بعد لحظاتٍ طويلة, احترقت فيها أعصابها ....... بصوتٍ كالنار و الجليد( حسنا ...... أنتِ تربحين , سأعقد عليك رسميا )و كأنها تعيش كابوسا لا قرار له ..... شاهدته وهو يخفض رأسه ليطبع قبلة قوية على شفتيها لا تحمل العاطفة السابقة .... بل حملت طعما مختلفا و كأنه يدمغها أو يعاقبها .....ثم و بمعجزةٍ ما نهض عنها و هو يتناول قميصه الملقى أرضا ليرتديه بينما يحاول استعادة أنفاسه .... و كانت حنين كمن يشاهد مسرحيةٍ ساخرةٍ بسوداوية .....نظر اليها جاسر من علوه و قال بصوتٍ لا يحمل أي تعبير ......( هيا انهضي ...... سنعقد زواجنا في التو )استقامت حنين ترتجف بقوة و هي تجلس مرتجفة على الأريكة ناظرة اليه بذهول و عدم استيعاب .... هل نجت فعلا من امتلاكه لها قبل أن تحصل على عقدٍ رسمي ؟؟ ..... كان كل ما يربطه بها هي كلمة يرفض أن يعتقها بها .... بكلمةٍ كان ليملكها دون رادع ....أما الآن فأفضل من الموت البطيء ... هو الموت السريع و يظل عقد الزواج أفضل من عدمه و أكثر اكراما لها .......رفعت ركبتيها ببطءٍ الي صدرها وهي تضمهما بذراعيها بقوةٍ و جسدها كله ينتفض بقوة .... فصدمها صوته من جديد وهو يقول بصرامة( هيا يا حنين انهضي ...... أم أنكِ غيرتِ رأيك ؟ ..... )رفعت اليه عينين متورمتين مذهولتين وهي تراه يزرر قميصه ... وظلت ترتجف ثم استطاعت الهمس بصعوبةٍ أخيرا( الآن ؟ ..... سنعقد زواجنا الآن ؟؟ )نظر اليها جاسر بنظرةٍ جانبية سريعة , ثم ابتسم دون مرح وهو يشيح بعينيه ليقول هادئا( نعم ..... على يد مأذون و شهود هذه المرة ....و ستمتلكين عقدا غير قابل للتمزيق )شردت حنين وهي تميل برأسها لتفكر .... بالخزي الذي كان سيلحق بها دون العقد الرسمي , وذلك فقط لأنها أصبحت ناضجة ...أما منذ عشر سنوات لم يكن خزيا أن تتزوج بورقة ... مجرد ورقةٍ يمزقها أيا كان ......و الآن هو تقريبا يخيرها بين خزي امتلاكها دون العقد الرسمي ..... و بين العقد الرسمي دون مباركة أهلها ........ و في كلتا الحالتين لن تخرج من هنا سليمة ... لقد تقرر مصيرها ....( هيا يا حنين ........ )انتفضت بقوةٍ مع ندائه الصارم .... و نظرت اليه دون تعبير .. بل بتعبيرٍ مذهول قليلا ثم أنزلت يديها لتستند الى الأريكة و تحاول النهوض بصعوبة ...( عدلي ملابسك ...... )الأمر الخشن نفذ الى أعماقها فأصابها بصدمةٍ وهي تخفض نظرها الى ثوبها المشعث و المكشوف لتستدير بسرعةٍ عنه وهي تحاول احكام أزراره بأصابعٍ مرتجفةٍ أخذت منها ضعف الوقت المطلوب ....عادت لتلتفت اليه لتجده واقفا أمامها بهمجيته ... يخرق ظهرها بنظراته القاتلة .... فارتجفت شفتاها و كانها على وشكِ البكاء من جديد الا ان عيناعا المتسعتان لم تستطيعا الفكاك من عينيه الغامضتين ...اقترب منها ببطء ليعتقل ذراعها النحيل في قبضة يده ثم يجرهها من خلفه وهو يتجه الى السلالم .... تعثرت على الدرجات حتى كادت ان تقع اكثر من مرةٍ خاصة و ان ساقيها كانتا كالهلام من بعد الهجوم الصادم الذي تعرضت له منذ دقائق ......لكنها استطاعت الهمس بترجي و توسل( الي ... الي أين تأخذني .... )لم يرد عليها الى أن وصل الى غرفةٍ من الغرف ... ففتحها ثم استدار الي حنين ليأسر عينيها المرتعبتين الزائغتين لعدة لحظات قبل ان يجذبها من ذراعها و يدخلها أمامه الى الغرفة والتي كانت غرفة نوم جميلة الطراز ذات سريرٍ مزين كبير في المنتصف .....فارتجفت أكثر تلقائيا و استدارت تبغي الهرب منه بأنينٍ مرتعب ..... الا أنه كان كجدارٍ من خلفها فاصدمت بصدره الضخم الذي منعها من الهرب ... وطوقها باحدى ذراعيه بقوةٍ بينما مد الأخرى ليغلق الباب من خلفها ....أخذت حنين تحاول التملص منه وهي ترتجف بشدة هاتفة برعب و هي على وشكٍ البكاء من جديد .....( أرجوك ..... أنت قلت ..... )قاطعها جاسر بكل عنجهيةٍ و ثبات .... وهو يضمها أكثر ليهمس فوق جبهتها الساخنة( ششششش لا تخافي ..... لقد قلت أننا سنتزوج رسميا أولا )لكن حنين كانت تشهق بصوتٍ يدمي القلب ووجهها مدفون في صدره .. فأخذ يربت على ظهرها مرارا لتهدأ ... دون أي احساس منه بالذنب و كأنه يعالج مريض بطريقةٍ حتمية حتى و إن تألم .....و بعد عدة لحظات مد يده ليرفع ذقنها ووجهها اليه .... و طال به النظر الي عينيها قبل أن يترك ذقنها و يمسك بكفها الصغير ليقودها الى درجٍ صغير في المنضدة الجانبية .... ففتحه وأمام عينيها الغير مستوعبتين أخرج قيد حديدي ....اتسعت عينا حنين وهي ترى القيد يتدلى من يده .... لتنقل نظرها المذهول منه الى وجه جاسر الهادىء الجامد ....لكن جاسر لم يمهلها وهو يعاود جذبها الي الفراش الواسع .... فدفعها برفق لتسقط جالسة على حافته بينما التقط يدها .... و أمام عينيها أغلق على رسغها أسورة القيد الحديدي ... وقبل أن يثبت الأسوارة الأخرى في أحد قوائم السرير ... كانت حنين تحاول أن تجذب معصمها منه باستماتة وهي تشهق هاتفة بخوف( ماذا تفعل ؟ .... اتركني ..... اتركنيييييي )الأ أن جاسر شدد قبضته على معصمها لينجح أخيرا في تثبيت الأسوارة الأخرى ... ثم نظر الي عينيها المذهولتينو قال( لا تخافي هذا مجرد اجراء أمني ....... لا أريد عند عودتي أن أجدك و قد قمتِ بعملٍ أحمق كالقفز من النافذة مثلا , بعد كل العناء غالذي تكبدته ...... لا يمكن أن أجازف بتركك لأذية نفسك في سبيل الهرب من زواجنا )هتفت حنين بمرارة و خوف( لن أفعل .... لن آذي نفسي .... حل ذلك القيد يا جاسر , هذا جنووون )وكانت تضرب يدها بقوةٍ وهي تجذب يدها ... الا أن جاسر أحكم يده على معصمها و انحنى اليها ليرفع وجهها اليه و ينظر لعينيها قائلا بهدوء( لا تخافي ...... دقائق و أعود لك ِ , و سيكون معي المأذون و شاهدين من رجالي )ثم انحنى أكثر ليطبع شفتيه بعمق على فكها قبل أن يستقيم و يستدير للمغادرة ..... فصرخت حنين بقوة( جاسر ..... جاسر ......... )الا أنه خرج من الغرفة بسرعةٍ و أغلق الباب دون أن يسمح للضعف أن يسيطر عليه و يجعله يستدير اليها ....

بأمر الحبWhere stories live. Discover now