الفصل الثاني والعشرون

149 31 49
                                    


كان الصمت مرعبًا، قارسًا، ثقيلًا، أحاط بالعالم كغطاء ثقيل حجب عنه كل شيء، ظن البعض أن الصمم أصابهم من شدة التباين بين الانفجار الصاخب قبل ثوانٍ والصمت الحالي، واحتاج جميعهم ثواني عديدة لتستوعب عقولهم أنهم أحياء وأن الأمر قد انتهى، عندها -وكأن أحدًا ما انتزع لثام البكم الذي كمم أفواههم- انفجروا جميعًا في حالة من الذعر والصراخ والتساؤل المرتعب.

تراجعت بدور وعيناها الجاحظتان مثبتتان على الألسنة المحمرة المنبعثة من مكان سقوط النيزك. فتحت فمها وأغلقته مرات عديدة إلى أن تمكنت أخيرًا من النطق، لكن صوتها خرج أقرب للهمس.

- إنه... مارد عصا المهوقني...

لم ينطق أحد ببنت شفة، بل لم يستطع أحد لشدة ازدحام عقولهم بالأفكار المتضاربة التي ألغت بعضها البعض إلى أن صارت أدمغتهم كالصفحة البيضاء. هل هذا بفعل مارد؟ هل من الممكن أن هذا هو مارد عصا المهوقني؟ هل هذا النيزك مماثل للذي دمّر السجن الشمالي؟ هل كان موجهًا نحو القصر وأخطأهم؟

لم ينتزعهم من وجومهم سوى صوت ارتطام شيء ما بالإرض.

- سمو الأميرة!

جثا مسرور أرضًا فورًا ليتفقد حال بدور، انهارت قدماها وسقطت أرضًا، لم تتفاعل مع مسرور بل ظلت جالسة مكانها بعينين متسعتين سارحتين وتابعت التمتمة بـ'إنه مارد عصا المهوقني'.

لم تسمع في حياتها بمارد يرمي بالنجوم حيث يشاء، حتى هذه اللحظة ظنت أن ذلك من صلاحيات الآلهة فقط، يستحيل أن يتفوق مارد على هذا، لا بد أنه المارد الأول، لا بد أنه مارد عصا المهوقني التي بيد لص هارب من السجن الشمالي.

لا بد أنه سيقضي عليهم في أية لحظة ولن يستطيعوا عندها فعل شيء سوى الموت.

لم يحتمل علاء الدين رؤية بدور بهذا الهلع، جلس أرضًا قربها ليحاول تهدئتها قليلًا، مد يده ليربت على كتفها لكنه توقف عندما رآى يده ترتجف بوضوح، إن كان هو مرتعبًا فكيف سيستطيع بث الاطمئنان في روح بدور؟

- لا تقلقي، لقد مر الأمر بسلام.

تابع مسرور الحديث برفق آملًا أن تستعيد أميرته وعيها، أما خالد فكان متسمرًا أمام النافذة طوال الوقت، للمرة الرابعة تشهد عيناه ماردًا يعيث خرابًا، "نوا" قتل والدته ثم والده، وكاد يقضي عليه هو الآخر لولا تدخل علاء الدين وبدور، لكن هذه المرة هذا المارد يستطيع القضاء على كل السلطنة في ثوانٍ.

دار خالد على عقبيه وهرول خارجًا من جناحه مناديًا على حرسه الخاص الموزعين في جناحه وخارجه، ركض أحد الحراس نحوه فورًا.

- أنا طوع أمرك، فخامة السلطان.

- أريد أن تُرسل فرقتان للتأكد من أحوال الناس في المدينة وأخرى لتفقد هذا النيزك الغريب.

مغارة الأربعين حراميحيث تعيش القصص. اكتشف الآن