الفصل العاشر

222 30 87
                                    


من المذهل كيف أن عقلك يمحو من ذاكرتك بعض ما حدث بالأمس بينما يعرض عليك ما حدث قبل سبع وعشرين عامًا بالتفصيل الممل كلما شاء.

ومن المذهل كيف أن نفس الذكريات قد تتغير مع مرور الزمن من كونها أسعد ذكرى في حياتك لكونها الأسوأ.

ومن المذهل كيف أن القدر يرمي بمن كانا غريبين ليعيشا تحت نفس السقف كعائلة ثم يبدأ بتقطيع روابطهما شيئًا فشيئًا إلى أن يعودا غريبين من جديد.

هذه هي الأفكار التي دارت في خلد علي بابا وهو يرى قاسم يجلس أرضًا خلف القضبان، بينما اتسعت ابتسامة قاسم عندما نهض ببطء، سار نحو علي بكسل قائلًا:

- اسأل، سأجيبك؛ فأنا لا أريد أن تشكوني للسلطان.

- توقف عن التظاهر بأنك الضحية يا قاسم.

قالها علي باشمئزاز، لكن اقتراب قاسم المفاجيء من القضبان غيّر النظرة على وجهه فورًا لأخرى مصدومة. ضرب قاسم على القضبان الحديدية بقبضته بقوة صارخًا:

- ومن سيلعب دور الضحية؟! ها؟! أنت؟؟!!

جفل علي بابا وتراجع خطوة للخلف رغمًا عنه، سمع ضحكة قصيرة من الزنزانة المجاورة لكن عينيه لم تستطيعا مفارقة عيني قاسم المشتعلتين غضبًا. أضاف قاسم باستهزاء:

- اعذرني لكنني لم أسمع برجل يرمي ابن عمه في السجن ويمسح الجميع على ظهره لأنه الضحية!

- لم أرمِ بك في السجن رغبة مني في ذلك!!

هذه المرة كان قاسم هو من وَجَم، سئم علي بابا من تظاهر قاسم بالبراءة رغم ما فعل ولم يستطع كبت غضبه، تابع غير آبه بالنظرات المستغربة التي رمقه بها الحراس- كأن استهزاء قاسم فتح الطريق لشلال كان مسدودًا:

- أنت من جنى على نفسه! أنت من أصر على سلوك هذا الطريق رغم تحذيري مرارًا من سوئه! لطالما كنت أنت من يخطيء وأنا من يتحمل أخطاءك!!

- وإذًا ماذا؟ جئت لتنتقم؟!

- جئت لأعطيك فرصة لتكفر عن ذنبك أيها المغفل!!

تراجع علي بابا ليمسح على وجهه بيد مرتجفة، أبعد بصره عن ابن عمه وهو يحاول التقاط أنفاسه. لهذا لم يرد القدوم، لهذا تجاهل قاسم للثلاث سنين الماضية؛ لأن الأمر سينتهي بجدال حامٍ لن يجني منه إلا المزيد من الألم.

حدق به قاسم بنظرات خاوية، لوهلة بدا كجثة هامدة تحدق بقاتلها ببرود، تنهد علي ببطء مستعيدًا بعضًا من هدوئه وتقدم مجددًا نحو الزنزانة.

- قاسم، أخبرني: هل أخبرت أحدًا من العصابة عن المغارة؟

أخفض قاسم بصره للحظة قبل أن تزحف تلك الابتسامة المقيتة راجعةً لوجهه.

مغارة الأربعين حراميWhere stories live. Discover now