بداية

754 53 116
                                    



دخل عبد العزيز بيته سعيدًا منتصرًا، هتف بصوت عالٍ قبل أن يغلق الباب خلفه:

- قبس! حذيفة! همّام! تعالوا وانظروا إلى ما أحضره أبوكم!

دوّى صوت خطواتٍ راكضةٍ في البيت إلى أن اقتحم الصالة ولدان بعمر السابعة والخامسة متبوعين بأمهما، تعلق الصغير- ذو الجلباب القصير الذي كان أبيض يومًا لكنّ الحروب الطاعنة أحالته ترابيّ اللون- بجلباب أبيه وسأل بحماسة شديدة:

- هل أحضرت لي سيفًا؟

- لا!

رفع الأب يده التي بدأ يربت بها على رأس ابنه من هول ما سمع، لكن الصغير أردف فورًا:

- خنجرًا؟

- حذيفة!

نهرته أمه بخوف، تساءلت عن مصدر هذه الأفكار المريبة التي تتدفق من لسان وليدها، لكن الأكبر قاطعها قائلًا:

- أرجو أن يكون شيئًا يخلصنا من حذيفة...

- رحماك يا ربي...

تنهدت أمهما بيأس ثم نظرت للشيء الملفوف بقماش بين يديّ زوجها، كان طويلًا ونحيلًا، لولا إخباره لها بماهيته قبل خروجه لما استطاعت الاستنتاج، لكن زوجها سبقها ونزع الرباط من حوله وهو يعتذر للصغيرين:

- للأسف هذا ليس سيفًا ولا خنجرًا ولا سلاحًا سريًّا للتخلص من الإخوة الصغار...

أماط عبد العزيز القماش عن ما بين يديه لتظهر عصا ناعمة من خشب المهوقني الداكن، كان مقبضها ثخينًا يملؤ الكف بينما نحفت إلى أن بلغت نهايتها التي طرق عبد العزيز بها الأرض بغبطة شديدة.

- لقد أحضر أبوكم إرث عائلة بني جابر؛ عصا المهوقني!

إن كان ما أمامهم مجرد عصا عادية كما التي يتخذها الرعاة عادة للمعونة لاحتجّ همّام بلا شك، لكن الألماسات المشذبة اللامعة التي أحاطت بالعصا من المنتصف صعودًا أخرست ثلاثتهم، التفت الماسات حول عنق العصا بشكل لولبي سبب الدوار لحذيفة، وكانت كل ماسة أكبر من سابقتها إلى أن تمركزت اثنا عشرة ماسة بحجم البازلاء في القبضة مشكلة دائرة احتوت داخلها ست ماسات أكبر احتوين بدورهنّ ثلاثًا أكبر توسطتهنّ ماسة أكبر منهنّ جميعًا.

تابع عبد العزيز سرد تاريخ عائلته بفخر:

- منح تاجر غني هذه العصا لوالد جدّ جدّي- أي جدّكم الأكبر جابر- لأنه قدّم العون للتاجر عندما احتاجه، منذ ذلك الوقت توارثها أبناء جابر جيلًا بعد جيل، كلما تزوج وريث مُنحت له العصا كهدية زواج ليزيّن بها بيته إلى حين زواج الوريث الجديد.

تقدم عبد العزيز وسط أنظار أسرته نحو حائط الصالة الأبعد عن الباب، حيث ثُبّت حامل خشبيّ بفخر على مرأًى من جميع مقاعد الجلسة، نفض عبد العزيز الغبار عن الحامل ثم وضع العصا برفق عليه وتابع:

مغارة الأربعين حراميWhere stories live. Discover now