39

393 14 0
                                    

الجزء التاسع والثلاثون


كان ينظر إلى الهاتف بعدم تصديق.. أهي لعبة من ألاعيبها؟ أهي مزحة؟ أهو يحلم؟
راودته ملايين الافكار المنكرة لما قيل.. ولكنه لم يجرؤ على التصديق
أتكون حقًّا تحمل ابنه؟

حاول إعادة الاتصال.. ولكنها لا ترد.. حاول مرة ثانية وثالثة ورابعة.. حاول إلى أن تعب من المحاولات.. وهي مصرة على ألّا ترد

رمت عليه بقنبلة.. وتركته ضحية لهواجيسه.. كما تركته سابقًا
لا ينكر بأنه قد قرر مسامحتها بينه وبين نفسه.. خصوصًا بعد أن رأى أمارات التغيير عليها
كان يفكر بالأمر ويلين كثيرًا.. ويغضب فجأة إن تخيل بأنها لعبة من ألاعيبها

ترك كل العمل الذي بيده وهرع إلى سيارته.. سيعود إلى منزل والديه ويستجوب شما بنفسه.. "هالسوالف ما تنحل في التلفون.. قالها متيقّنًا بها"


***


كان محمد يحاول اقناع والدته بالسماح لشما بمرافقته إلى مكة

أم خالد برفض تام: لا شما ما تسير وياك.. يسدها كل يومين سايرة مكان.. وعاد العمرة تعب والحريم في صوب والرياييل في صوب بتلعوزك

محمد: أميه خلاص شما كبرت أكيد بتطلع وتشوف الدنيا خلاص مب ياهل هي.. واذا على الفصل تراني بصلي عدالها عقب الحاجز وبترياها هناك ان شاءالله ماعليها شر

أم خالد: شما وايد صغيرة وماتعرف تتصرف اخاف تضيع او شي

محمد: لا وين امي الحين الدنيا تطورت تلفونات وخدمة ونت.. وحتى لو لا قدر الله ضاعت تطرشلي لوكيشنها وبحصلها على طول

أم خالد: حتى ولو بعدها صغيرة وماشافت الدنيا

شما بزعل: اماية حرام عليكم انا طول عمري ماعتمرت دوم تقولون صغيرة والحين كبرت وبعد تقولون صغيرة.. الواحد مايعرف متى يومه تبوني اموت مب شايفة بيت الله؟

أم خالد بغضب: شو هالطاري بسم الله بعدج صغيرة والعمر جدامج ان شاءالله بتسيرين بدال المرة عشرين

شما: خلاص خليني اسير عيل ويا اخوي.. كل البنات سارن وهن اصغر عني شمعنى انا لا؟

أم خالد: وانتي شعليج من البنات مب دوم تقولين انا غير وهن غير؟

شما بدلال: بس في الزين اقلد اما في الشين لا

أم خالد طفرت: اسميج وذى انتي

شما ابتسمت: مابخليج لين توافقين


***


مر على محل للكنافة والبسبوسة وأخذ شيئًا بسيطًا، بالاضافة إلى بعض صناديق الفواكه.. كعادة تقليدية اكتسبها من والده وشقيقه وأزواج أخواته إن زاروا منزلهم

اوقف سيارته عند المنزل المتواضع واتصل بخولة

حميد: حي الله العروس

خولة: الله يحييك

حميد: افتحولنا الباب ماعليكم أمر.. وطرشي عبدالله برع عندي سامان

خولة: شو يايب وياك؟

حميد: شي بسيط مب قدركم يا وساع العين

خولة: وليش كلفت على نفسك أنا مب قايلة ماتيب شي؟

حميد: هذا الواجب يالغالية.. يلا طرشي اخوج


ماهي الا دقائق حتى حضر عبدالله.. الشاب الطويل والنحيف بلحية خفيفة تنم عن عمره الصغير.. سلّم عليه واستقبله برجولة وحفاوة عربية تامّة.. من يراها يظن أن صاحبها لم يفارق مجالس الرجال قط
مما أثار إعجاب حميد أكثر.. هذه تربية خولة.. والنعم!

ساعده عبدالله على حمل الأغراض ووضعها في المطبخ.. بينما كانت خولة خلف باب الصالة تسترق النظر ولم تبادر إليه احترامًا لوجود عبدالله.. إلى أن ناداها بنفسه

دخلت خولة إلى المجلس وهي مبتسمة: تبارك بيتنا يوم زرته

نهض حميد وقبّل رأسها: متبارك بوجودج يا الغالية

خولة بتأنيب: ماقلتلك لا تتكلف؟ وبعدين يايب هالكثر خضرة وفواكه تتحرانا قبيلة؟ الا أنا وعبدالله حرام كلها بتخترب ولا حد بياكل منها

حميد: عادي قبل لا تخترب سويلكم عصير

ضحكت: والله انك مب هين

حميد: هي والا وزعي على المحتاجين

خولة: عشان يضربوني! بيقولون روحج محتاجة وفقيرة ومسوية عمرج تتصدقين

حميد: كم مرة اقولج لا تقولين مثل هالكلام؟

خولة بعدم اهتمام: هذي حقيقتنا.. ولو تغير وضعي المادي بس هذا الواقع وهذا اللي الكل يعرفه عني فليش استحي منه؟


***


كانا يستعدان في الجناح الفندقي وكأنهما ذاهبان إلى حفل زفاف

بو عبيد يطالعه: تعال أشوف خلني اعدل عقالك.. عنبوووه يالشيخ هالكثر اعلم فيك ولا نفع

حرب: لا تكثر الكلام والمنة يا ابو عبيدة

كشر بو عبيد: ازقر الرياييل باساميها!

حرب ابتسم: حاضر

بو عبيد: سيف يقول مايروم ايينا هني بيتأخر.. بنتلاقى عند القصر عيل

حرب بغموض: بو عبيد

بو عبيد: آمر

حرب: إن استلمت الجنسية بشكل رسمي.. هل سأستطيع خطبتها

بو عبيد بتفكير: يوم تسألني عن هالأمور ألاحظ إن حياتنا وايد معقدة يا ريال.. المواضيع عندكم اسهل

حرب ينظر إليه ليكمل

بو عبيد: عندنا للأسف في اختلافات في الأنساب والقبايل والمستوى المادي وغيره.. مابقولك ما في ناس تكسر هالحدود.. أكيد فيه.. لكن تبقى حدود موجودة والناس تاخذها بعين الاعتبار يوم توافق أو ترفض الخاطب

حرب يفكر: لدينا حدود مشابهة ما بين بنات المجهجه وما دونهن

بو عبيد: شفت.. عندنا نفس الموضوع

حرب: وما شأني أنا بهذا

بو عبيد: يعني انت والنعم فيك وبأصلك.. لكنك مب من قبايلنا ونسايبنا.. العلم عند الله لكن صعب والله يوافقون

حرب: لا تكن متشائمًا

بو عبيد: ما ودي والله.. بس افكر لو كانت أختي.. صعب بصراحة أهلي يوافقون يعني انتوا ناس يداد علينا وفي حدود وايد

حرب بإصرار: ولكنني اريدها.. وسأفعل كل مابيدي لأحصل عليها

بو عبيد يفكر: والله في طريقة وحدة تضمن لك اياها

حرب: الا وهي؟

بو عبيد: اطلبها من الشيخ


***


سمعت طرقًا على الباب

شما: تفضل

خالد: شما وين عليا؟

شما عقدت حواجبها باستغراب: انته شو يابك فجأة مب على أساس انك في الدوام؟ "ثم ابتسمت": حركااات ياي هني عشان تدور عليا!

كان خالد جادًّا.. وليس في نفسه متسع للسخرية: سخافتج هذي خليها لوقت ثاني.. عليا وين؟

شما استغربت أسلوبه: مادري ما رمستها اليوم

خالد: حرقت تلفونها ماترد.. اتصلي انتي

أمسكت هاتفها وبدأت بالبحث عن رقمها: اممم يمكن مشغولة

خالد: لا مب مشغولة.. شو هالشغل اللي ما يخلص!

شما: والله مادري بصراحة

خالد: ماعندج رقم الحرمة اللي عايشة عندها؟

شما: امممم لا والله.. عندي رقم بنتها بس عايشة في فرنسا

خالد ينافخ: وهذي بشو بتنفعني يعني

شما: مادري يعني انا قلت اخبرك باللي عندي بس

فتح تلفونه: عطيني رقمها اشوف

شما نقلته الرقم: شو فيك خالد معصب هالكثر

خالد بحدة: لا تسوين عمرج ماتعرفين شي ادري انها مابتخش عنج شي

شما سكتت

خالد صرخ: هي صدق حامل والا لا!!!

شما خافت: خالد شو فيك علي شوي شوي.. مادري انا شو عرفني بكل هذا.. لا تدخلني بينكم لو سمحت

خالد هدها وطلع: صدق.. ليش ادخلج بيننا

شما سارعت بالاتصال بعلياء مرة أخرى.. خالد معصب.. ومن النادر إنه يعصب في البيت.. فلا بد انه موضوع كبير ولازم تنقذ عليا منه.. كان تلفونها مغلق

كتبت لها مسج: عليوه ردي علي بأسرع وقت.. خالد ياني معصب شكله بيحرقنا كلنا.. انتي شو مسوية!!؟


***


ودّعت حميد وعادت إلى صالة المنزل المتواضع وهي تدندن بينما كان عبدالله ينظر للأعلى وهو متجهم

خولة: بسم الله الرحمن الرحيم بلاك جي مبوز

عبدالله: ماشوف إن في شي يضحك عشان اضحك

خولة بابتسامة: جربت الكنافة اللي يايبنها حميد؟ قصيت لك منها وايد لذيذة

عبدالله: مابا اجرب

خولة: ليش زعلان؟

عبدالله: مب زعلان

خولة لصقت فيه وحضنته: امبلى زعلان.. شو مزعل الحلو

عبدالله حاول يفك نفسه منها: قلتلج مب زعلان.. وأنا كم مرة قايل ما تلزقين فيني جي تراني مب بنت

خولة: انته اخوي الصغير وولدي بلصق فيك مثل ما ابا

عبدالله: كلها كم يوم وافتك منج

خولة: عبدالله! شو هالكلام

عبدالله: هذا الصدق.. ليش انتي ما بتسيرين بيت ريلج عقب كم يوم؟

خولة ابتسمت: والحين هذا مزعلنك؟ اني بسير عنك؟ تراني بييك كل يوم باذن الله وعقبها بتسير المعسكر تخلص دورتك العسكرية.. يعني ما بيمديك تشتاق لي

عبدالله قام: فكينا

خولة: عبدالله حبيبي شو فيك؟ تراني والله ما بهدك لين تقوللي شو فيك.. ليكون صدق زعلان لأني بعرس

عبدالله: ليش انتي سألتيني قبل لا تقررين؟ يهمج زعلان او لا؟ ولا جني عايش وياج خلصتي أمورج وما تذكرتيني الا يوم بغيتي اراكض عشان يوكلوني ولي أمرج بدال أبوج

خولة زعلت: حرام عليك متى نسيتك؟ مب أنا أول ما عرفت بالخطوبة طرشتلك كل اللي قالته عموه عويش عشان تسأل عن الريال؟

عبدالله: بس ماترييتي ردي وافقتي على طول

خولة تبرر: عموه حنت علي وايد تقول سألنا والكل يمدحهم ونعرفهم وعيب نأخرهم هالكثر

عبدالله: لو كان ابوي اللي يسأل جان ترييتيه

خولة بتأنيب ضمير: صح كلامك.. أنا غلطانة واعترف بغلطي

عبدالله: انا ترا الموضوع مايهمني.. بس اقولج عشان ما تفلمين علي وتحسسيني انج ماترومين تعيشين بدوني

خولة: صح اني غلطانة.. لكن ما يحق لك تقول هالكلام.. تعرف ان بعد الله انا مالي سند غيرك انته.. وبدونك انا ضعيفة.. وهالكلام قبل لا يخطبني حميد وقبل كل شي.. اسمح لك تأنبني وتعاتبني لكن ما اسمح تقلل من قدرك ابدا يا عبدالله


***


كانت جولييت تحضر حساء البصل الفرنسي وتحمّص الباغيت الفرنسي بينما كانت علياء بجانبها تحاول مساعدتها قدر الإمكان

جولييت: علياء عليكِ الجلوس فقط.. صدقيني.. ستخدمينني أكثر من تواجدك حولي هكذا

علياء ضحكت: ألهذه الدرجة أنا فاشلة في الاعمال المنزلية!

جولييت: لا ولكنني أحب الطبخ بحرية لوحدي.. ولا استطيع العمل مع أحد أبدًا

علياء: ولكن مالذي تحضرينه.. على الاقل اخبريني ان كنت ستحتفظين بالوصفة لنفسك

جولييت: آه ما هذا الظن السيء يا علياء! لا تقلقي لن ادعك تغادرين منزلي بدون كتيب الوصفات الذي اعمل عليه بالفعل! وبالمناسبة احضر لك حساء البصل اللذيذ.. فهو مشبع ولذيذ وغني بالفيتامينات والمعادن.. ليغذيك أنتِ وطفلك

علياء بحب: أنت طيبة حقًّا يا جولييت

جولييت: وأنت أيضًا.. وتستحقين ذلك

علياء قامت بنشاط: إذا ساحضر سفرة العشاء

جولييت: عليك هذا.. ألا زلت مغلقةً هاتفك؟

علياء بوزت: نعم.. لا استطيع المواجهة يا جولييت

جولييت: ستواجهينه عاجلًا أم آجلًا "ابتسمت" ولكن لا بأس من حرق أعصابه قليلًا

علياء: يبدو بأن اعصابه قد أُتلفت.. فلقد راسلتني أخته تقول بأنه ذهب إليها ثائرًا وتسألني مالذي قلته له ليثور هكذا

ضحكت جولييت: أخشى ألّا تغمض عيني الا وهو أمامنا يبدو بأنه ليس رجلًا هيّنًا

علياء بتفكير: ليس بهيّن أبدًا


***

دخل سيف، يتبعه بو عبيد، ويتبعهم حرب.. إلى بوابة القصر.. حيث مرّوا ببوابة أمنية.. تأكدوا من هوياتهم.. ومن خلوّهم من المعادن.. ومن ثم توجّهوا إلى حيث أمروهم أن يذهبوا

إلى مجلس القصر

كان المكان واسعًا.. في صدر المجلس صورٌ ضخمة.. لحكام البلاد.. ومن سبقهم.. رحمهم الله جميعًا

دخل الثلاثة بهيبة كبيرة، خصوصًا ثالثهم.. صحيحٌ بأنه جديد في المكان.. وغريب عليه.. ولكّنه لا يختلف عنهم بالمظهر أبدًا.. فلون البشرة نفسه، والعين نفسها، والشعر نفسه، والاختلاف الوحيد يكمن في الحجم

سرق الأنظار بالطبع، فعملاق، يمشي بثوب عربي تقليدي.. يتخلّف شخصان اقصر منه ب30 سم أو يزيد

سلّموا على الحاكم، ومن يقف معه من كبار الدولة والمسؤولين

أجلسهم الشيخ على مقربة منه، وبدأ بأخذ "العلوم" كما يقال.. عرّف بو عبيد عن نفسه.. عن أبيه وأخيه وتبادلوا بعض الأحاديث القديمة عن كبار قبيلته وأجداده

الشيخ: خبرنا عنك يا حرب.. وعن أهلنا اللي في قريتكم.. أنا سمعت الموضوع من فلان وفلان لكني أبغي اسمعه منك

حرب: نحن بني جلمود نعود بالنسب إلى سلالة عمليق بن لاوذ بن إرم.. انشقّ جدّنا لاوذ من قبيلته منذ 200 سنة أو تزيد.. بسبب اعتراضه على اعتداءاتهم على المدن الأخرى وتجرؤهم، وهاجر إلى هذه القرية بعيدًا عن العالم.. وقد حافظنا على سرية وجودنا ولم نغادر القرية أبدًا الا لجمع الزاد والغذاء
ولكننا تعرضنا لعدة محاولات للغزو.. وصددناها ولله الحمد.. ولأصدقك القول.. لقد تركت قريتي الآن وشعبي وهم مستعدون للحرب.. لآتي إليكم وأطلب ضمي إليكم.. وحماية قريتنا وخيراتنا
فكما سمعت أن هنالك لغط كثير عن قريتنا وأخشى عليها أن يهجم عليها الغزاة فيتركوها بلا عظم

الشيخ: دامك وصلت عندنا بإذن الله ما عليكم خوف.. وطمن شعبك.. كل شبر من قريتكم الحين يسوى دمنا كلنا.. مب دمكم بس.. واغلى علينا من دمنا.. والدفاع عنه واجب على كل اللي موجودين على هالارض الطيبة "صد على الرجال" والا شو رايكم

الجميع: اكيد سيدي

الشيخ: وشو عن شغلكم؟ تشتغلون؟ ما تشتغلون؟ خبرني عن وضعكم وحياتكم اليومية.. عاد سامحنا لكن قصتكم غريبة علينا ولا الغريب الا الشيطان.. لكن ودنا نسمع عنكم اكثر

حرب: نعتمد بالغالب على التجارة مابيننا البعض، فمنا الحدّادون ومنّا من يصيغ الذهب، ومنا المزارعون، ومنا الصيادون.. وبالطبع كنا نعتمد على الصيد والزراعة بشكل أساسي

الشيخ: ممتاز.. كنت افكر كيف بنشغلكم وكيف بنطور.. بس اذا عندكم اساسيات التجارة هذا بيسهل علينا وايد.. ونحن نطمح نزيد عدد التجار عندنا.. وأنت يا حرب في شو كنت تشتغل؟

حرب: قبل لا أتولى قيادة القبيلة كنت أعمل في التجارة يا صاحب السمو.. ولا زال لدي صبية يعملون في تجارة الخناجر وصياغة الذهب

الشيخ: ممتاز "كلم أحد الرجال" عيل شوفوا مطالبه وساعدوه يبني تجارته في البلاد ولا تقصرون عليه أبد

الرجل: حاضر طويل العمر

حرب: ولدي صديق.. كأخ.. هو قائد حربي بالأساس.. ولكنه منذ أن من عليه الله بالإسلام وهو شغوف بالعلوم الاسلامية.. وأوصاني بأنه يود تعلم العلوم الشرعية وإنشاء مركز لتحفيظ القرآن

الشيخ باعجاب: ماشاءالله.. والله شي طيب.. واعتبره تم.. لكن شو عن القرية.. خبرني أكثر عنها وطبيعتها شو تحتايون وأهلها شو قاصرنهم

حرب: كما تعلم يا صاحب السمو.. لغتنا هي العربية الفصحى.. ومعظمنا يتقنها كتابة وقراءة.. ولكن البعض وخصوصًا من المتواضعين قد لا يعرفوا الكتابة.. وبخصوص بقية العلوم فإننا لم نتعلم سوى التاريخ.. تاريخنا بالطبع وتاريخ الأمم السابقة.. وبفضل هذا الرجل الطيب "اشر على بو عبيد" قد تعلمنا ولله الحمد بعضًا من العلم الشرعي
أما عن القرية.. فهي عبارة عن واحة بها بركتي ماء رئيسيتين.. ويكثر فيها شجر الدوم وهو شجر يشبه النخيل لديكم
ليس لدينا شوارع أو مدارس أو مستشفيات.. كنا وللأسف نتداوى بطرق بدائية من قبل المداوي في القرية

الشيخ: أوفيت يا حرب.. بالنسبة لنا حاليًا بتكون أولوياتنا نجنّس الكل طبعًا.. بيمرون عليكم فريق من عندنا يشوفون حاجة كل شخص فيكم.. وبنبدا نسوي شارع يربط ما بينكم وبين باقي المدن.. ونبني مستشفى ومدرسة.. والباقي بإذن الله خير


***


رد بغضب: أنتي ما تفهمين؟؟؟ كم مرة اقولج خلاص اللي بيننا انتهى

فطامي: بس أنا بعدني على ذمتك

محمد: الله ياخذها من ذمة.. تبين الطلاق بعطيج اياه بس فكيني من حشرتج خلاص مب طايقنج تراني يبتيلي المرض

كانت تصيح: محمد والله حرام عليك.. انا فطامي.. انا.. جي تقوللي؟ نسيتني؟ نسيت ايامنا

محمد: ليش انتي بسواياج احترمتي ايامنا والا العشرة اللي امبينا؟

فطامي: ندمانة.. وايد ندمانة.. مابغي اقضي عمري الباقي بدونك.. دخيلك فكر في الموضوع.. انا اسفة واعتذر واطلب مسامحتك بكل الطرق.. اطلب مني اللي تبغيه والله اني بسويه.. بس سامحني.. انا كنت غلطانة يوم فرطت فيك.. سامحني دخيلك يا محمد

محمد: بسالج انتي ماعندج كرامة؟

فطامي: منو قالك ما عندي كرامة؟ تتحراها سهلة علي ايلس اترجاك تسامحني؟ لا والله انها صعبة وانته تصدني وتدور أخيس كلمة عشان تعقها علي.. لكني أعرف اني غلطانة.. وغلطت عليك بغلط كبير ولازم اتحمل نتايج غلطي.. وانا مابغي افرط فيك حتى لو على حساب كرامتي.. انا احبك يا محمد.. ومن يوم عرفتك وانا احبك.. وحتى يوم طلبت انفصل منك كنت احبك وقلتلك بنفسي انفصالي مب لشخصك انفصالي منك لاني ما كنت ابغي المسؤولية.. وافكار وايد غلط وطفولية بدرت مني.. بس انا اسفة

محمد تنهد.. سكت ماعرف شو يقول

فطامي: انا ابغي اقضي عمري الباقي وياك يا محمد.. فكر بس بالموضوع.. عطني فرصة وفكر.. ما اطلب اكثر عن هذا


***


فُض المجلس على خير.. ورافق الشيخ ضيوفه إلى الباب مع التوصيات على أنفسهم وأهلهم

حرب: يا صاحب السمو.. هل يمكنني أن احصل على لحظة من وقتك

الشيخ: اكيد تفضل

حرب: لدي طلب خاص.. وقيل بأنني لن أناله الا بكرم منكم

الشيخ: انت تامر يا ولدي واعتبره تم

حرب: لا أمر عليك ظالم.. واشكر فضلك وكرمك

الشيخ: وشو هو الطلب؟

حرب: فتاة من المدينة.. اود الزواج بها.. ولكن لكوني جديد في البلاد أنا وأهلي وقبيلتنا غريبة عليكم.. قد يستعر الناس مني ويرفضون تزويجي.. ولذا أود منك إن تكرمت التوسط لي

الشيخ: ما عليكم زود أنت وقبيلتك يا حرب.. وولا يهمك بيحددون الشباب وياك يوم وبنسير نخطبها لك

تهلل وجه حرب: جزاك الله خيرًا

ودّعه حرب وخرج بابتسامة.. ولأول مرة.. منذ فارقت قريته تلك الغريبة.. يتنفس الصعداء.. لأول مرة يستطيع التنفس بسلام بدون أن يشعر بثقل في قلبه

ركب حرب مع بو عبيد ليعودا إلى الفندق

بو عبيد: والله انك مب هين.. كيف تجرأت جي ترمس وتطلب من طويل العمر يخطبها لك؟ صح اني قلتها بس ما توقعت تسويها

حرب: مسألة حياة أو موت.. إما أن أمسك بالفرصة أو أن اقضي ما تبقى من عمري اتحسر عليها


***


نهض من مقعده وأخذ متاعه القليل ونزل من الطائرة
قد يكون هذا أكثر قرار جنوني يرتكبه في حياته.. لا.. بالاصح هو ثاني أكثر قرار جنوني.. الاول كان الزواج بها بالطبع.. الاثنان مرتبطان بها.. هي التي تدفعه للجنون.. ولا أحد سواها

حجز أول تذكرة وجدها إلى بريطانيا.. مكان علياء.. إن لم تجب على الهاتف سيجدها بنفسه

اتصل بالرقم الذي أخذه من شما.. رقم ابنة السيدة التي تقيم عندها عليا

كارين: مرحبا

خالد: مرحبا.. أنا خالد زوج علياء التي تقيم مع والدتك.. كيف الحال

كارين: بخير شكرا ماذا عنك؟

خالد: بافضل حال.. لقد اتصلت بعلياء وهاتفها مغلق قد تكون مشغولة.. هل يمكنك اعطائي عنوان المنزل؟

كارين: آه لم اعلم بأن علياء متزوجة

خالد يمثل الاستعجال: نعم لقد كنت مسافرًا للعمل وعدت الآن.. هل يمكنك اعطائي العنوان فإن سائق التاكسي بالانتظار

كارين: بالطبع.. العنوان هو........


***

كان حرب عند الهليكوبتر الخاص به الذي عيّنته له الحكومة إلى أن يتم تعبيد الشوارع

سلّم عليه بو عبيد وودعه

حرب: اتمنى أن يتم تعبيد الشوارع بأسرع ما يمكن فإن المروحيات هذه تصيبني بالصداع

بو عبيد: بتغمض عين وتبطل عين بتلقى الشارع جاهز لا تحاتي

حرب: إذًا نفترق هنا على أمل لقاء قادم قريبًا

بو عبيد: بس مايلست عندنا هالمرة

حرب: علي الذهاب بأسرع ما يمكن فلا أعلم ما قد فعل قومي بغيابي.. قد يكونوا تقاتلوا ولا أجد الا دماء بني جلمود على الأرض

ابتسم بو عبيد: بحفظ الرحمن


***


هبطت الطائرة بسلام.. على ديار العز.. المملكة العربية السعودية.. وتحديدًا في مطار أحد المدن المجاورة لمكة

كانت شما تمشي بنبضات تزداد مع كل خطوة.. تلبي بخفوت.. لبيك اللهم عمرةً.. تستشعر لفظ التلبية.. لبيك.. وكأنها تجيب دعوة الله لبيته الحرام.. لبيك اللهم لبيك

كانت تتجاهل شكاوي محمد المستمرة.. على طول الطريق أو الجوع والتعب.. كانت صامتةً تمامًا.. لا تردد شيئًا سوى الذكر والتلبية

هذه زيارتها الأولى لبيت الله الحرام.. ولا تريد تعكير خشوعها بأي أمر دنيوي أو التذمر من تعب العبادة
ايامها الأخيرة كانت صعبة
ذنوب كانت من نفسها والشيطان.. أرهقتها وأثقلت كاهلها.. ولا شيء سيشفيها سوى زيارة أطهر بقاع الأرض.. مكة المكرّمة

ومع أول نظرة للكعبة الشريفة بدأت دموعها بالنزول بلا شعور.. ومع كل خطوة تزداد حتى بدأت تجهش بالبكاء
كانت تبكي بشدة.. حتى أنها لم تستطع الدعاء.. كانت تكتفي بـ يارب.. وأنت أعلم
كلما بدأت دعوة ألجمتها العبرات التي تخنقها.. فيعلو صوتها بـ يارب
تشعر وكأنها مكبلة بقيود من حديد.. والطواف حول الكعبة يحررها

ألقت نظرة على محمد فكان هو الآخر مضطبع ويبكي بصمت.. ويمسح دموعه ولا يدرك نفسه إلا وقد تبللت وجناته من جديد


نهاية الجزء التاسع والثلاثون

سلالة من لهبWhere stories live. Discover now