18

541 15 4
                                    

الجزء الثامن عشرة



فتح الباب بقوة أربكت كل من خلفه

بنظرة واحدة خرج جميع الرجال
مجابهة حرب هي مجابهة الموت.. ولا أحد يريد الموت على يديه

استبشرت برؤيته وتهللت أساريرها
توجه إليها فورًا.. ناسيًا كل العتب الذي كنه لها بسبب عفريس

رآها بنظرة المتلهف: أذوكِ؟

لم تقل شيئًا.. ولكنها هزت رأسها بالنفي

لم يسعها قول شيء سوى أن دموعها بدأت بالنزول بهدوء

كان سيلمس وجهها بطرف إصبعه، ليمسح دموعها ولكنها هزت رأسها بالرفض واحترم رغبتها

فك عنها الحبال بمهارة وسرعة عالية
واتجه إلى الأخرى ليفعل المثل

علياء كانت تنظر إليه بحقد وخوف.. وإن كان منقذهم، فهو السبب الأول لخطفهم.. لم تقل شيئًا لأن حرب فرصتها الوحيدة في الهرب.. فضلت تأجيل الشتائم لحين تصل مخيمها بسلام

لم تنتظر أي أحد ولا أي شي.. توجهت للخارج بسرعة كبيرة.. ولحقت بها شما التي تطلب منها التريث لكيلا تؤذي نفسها

أما هو، فقد لحق بهم كعادته، يحرسهم إلى أن يصلوا مخيمهم بسلام

أمسك بمعصمها الذي سحبته بدورها كالملسوعة

حرب بحب صلب: سأنتقم لك منهم.. هذا وعد مني.. وعد الجلمودي سيف على رقبته

شما بنظرات متنقلة ما بينه وبين علياء الهاربة: لا تنتقم لي ولاشي.. بس خلاص.. خلنا نرتاح من هالعذاب.. نحن بنرجع بلادنا.. وكل شي بينتهي وقتها

حرب حضنها من قلبه

شما بغضب تحاول تفكك نفسها منه: ابتعدددد عني "زجرته" قلت لك بأن هذا لا يجوز

حرب يشد عليها: سأبتعد.. الآن.. الوداع

ما أن شعرت بارتخاء يديه حولها حتى جرت بعيدًا عنه.. لاحقةً بعلياء.. هاربة من إحتضانه، ومن خفقان قلبها المؤذي، بسبب مشاعرٍ تشعر بها لأول مرة

***

خولة: ألوو

حميد بصوت ناعس: هلا

خولة: وينك؟ من متى اتصل بك ولا ترد

حميد يتثاوب: راقد

خولة بعتاب: قلتلك طول على صوت الرنة ليش ما تسمع الكلام

حميد بكسل: راقد ياخي

خولة: وليش ترقد هالكثر؟

حميد: ليش ما ارقد؟

خولة بحيا: لاني اشتاق لك

حميد: خلاص من اليوم ما بنرقد لعيون الحب

خولة: استاهل

حميد: لا تتغلين وايد بس يسدج اللي عندج

خولة ابتسمت

حميد: فديت هالابتسامة

خولة نفضت مشاعر الحيا: يلللاااا نش استوت اربع متى بتسير الجم تتمرن عشان تستوي معضل وتضرب الاشرار؟

حميد ضحك: انتي كم عمرج؟

خولة: يتغيرعلى حسب المزاج

حميد: فديت مزاجج.. يلا بنش الحين عطيني حماس وتشجيع عشان اكسر لج الجم

خولة: ههههههه يلا يلا نش

***

في منتصف الصحراء.. بعيدًا عن ضجيج الحياة وتطور الكوكب.. كان يجلس على ركبتيه في مجلس يضج بالرجال.. رجال بدائيون.. لا يعرفون من العالم إلا العنف والبساطة

كان يستمع بصمت إلى افتراءات العم ثوبان التي لم تعرف الحدود أو الخطوط الحمراء

بدأ بالطعن بشرفه وأمانته، ورجولته، وانتهى باتهامات تثير دمَ أي جلمودي بدمٍ من لهب

كان الجميع يستمع إليه.. بآذان مفتوحة وأعين مدهوشة.. كانت ادّعاءات صادمة، قاهرة، لم تكن هيّنة أبدًا

كانت الأعين متجهة إلى حرب الذي لم يرد بشيء سوى الصمت.. بالرغم من رفض الشيخ كليب المستميت لكل ما تفوّه به ثوبان

بالرغم من دفاع الشيوخ والكبار عنه، ومحاولتهم حثّه على الدفاع عن نفسه.. بالرغم من ذكر الرجال، كبيرهم وصغيرهم، إنجازات حرب ومواقفه الرجولية منذ كان ناعم الأظفار.. ابتداءً من معاونتهم في بيوتهم، وقضاء حاجاتهم، والدفاع عنهم، إلى التكلف بزادهم وإطعامهم وأهليهم.. وأفضال كثيرة معلّقة برقاب بني جلمود

حاول الجميع استخراج كلمة رفض من شفتيه.. ولكنه أبى.. لم يجب بشيء.. وعدم الاعتراض على الاتهامات، يعتبر إقرار بها

كان يجلس برباطة جأش لا تقهر.. موجِّهًا عينيه للوحيد الذي يعنيه بين الجمع الغفير من الرجال

كان يرى نظرة الهزيمة بعيني والده المجعّدة لأول مرة.. ويعزّ عليه أنه السبب

هدأ المجلس فجأة.. لم يسمع به أي صوت.. وكأن أحدًا قد وضعه على وضعية الكتم
وفي غمرة الصمت.. كان هنالك ضجيج صامت.. وعتاب غير منتهٍ.. عتاب بالعيون.. بدون أي صوت.. ما بين الوالد والأب

نظر إلى دمعة الخيبة التي نزلت من عيني والده.. والتي دفعته لإشاحة وجهه عن الرجال

قال الشيخ كليب بصوت ثابت به نزعة ألم: أبعدوه عن ناظري

اقترب منه الرجال بتردد.. خوفًا منه ومن ثورته.. فيبقى حرب هو حرب.. وإن حكم عليه بالخيانة

ابتسم ابتسامة جانبية عندما استوعب ترددهم، ونهض مادًّا يديه إليهم باستسلام تام.. أمسكوا به.. ربطوه وقادوه إلى بيت مخصص للمجرمين

***

استقبله صياحها قبل أن تطأ رجله المنزل.. كانت تصرخ وتلطم وجهها وتقطّع ملابسها بهلع

ابنها الأول، وربيب قلبها كما تسميه.. يقاد إلى بيت المجرمين، ومن ثم إلى نار السعير!!! لا يعقل

صرخت ما أن رأت وجهه: واااا حربااااه.. واااه يا من انتزعت ابني مني.. وااااه يا زوجي وسيدي.. سلبته مني.. وليس بيدي سوى الصياح والنواح

اقتربن منها الخادمات محاولات تهدئتها، قالت كبيرتهن بهدوء: سيدتي.. لا يمكنك الصراخ بوجه الشيخ هكذا، ولا تنسي مكانتكِ في القرية.. الجميع يستمع إلى صياحك وسيكون حديث القرية

تعلقت بها أم قبيصة: دعيني يا مسرة دعيني.. فأنا اليوم أم ثكلى لابنٍ على قيد الحياة، لست بسيدة ولا زوجة شيخ.. أنا مفطورة القلب يا مسرة.. أنا من تبكي زوجها الذي قاد ابنها إلى المحرقة.. أنا أم يا مسرة.. أم

الشيخ كليب بصوت متحشرج: اخرجن

انصرف جميع الخدم بالإضافة إلى قبيصة الذي رافق والده وشهد كل المواقف.. بفم صامت وعين دامعة

الشيخ كليب: يا أم قبيصة.. قد بكيت عليه قبل أن تبكي عليه.. وقد برأته قبل أن تفعلي.. ولكنه مصر على فعله.. ارتجيته مرات أن ينفي عنه التهم.. أن يدلي إلي ولو بحرف.. وأقسم بأن النار لن تمس جلده.. ولكنه أبى.. أنتِ أعلم الناس بابنك يا يسيرة.. لا شيء أصعب من انتزاع كلمة من شفتيه

أم قبيصة بحزن: لديه دوافعه.. ولديه عذره.. محال أن يرمي نفسه إلى الهاوية بلا سبب.. ابحث عنه.. ارجوك.. ابحث عنه وانقذه.. وإن كلفك ذلك أغلى الأثمان.. ارجوك يا كليب ارجوك

الشيخ كليب: قد نطقت بالحكم.. وقد رفض هو حتى محاكمة الشرفاء.. ليس بوسعي شيء لأفعله.. فقد أغلق بوجهي كل الأبواب

أم قبيصة تنوح كالحمام الجريح: واويلتاااه يا بني.. ماذا دهاك يا بني؟ مالذي أصابك؟ مالذي دفعك لتفضيل الجحيم علينا.. وااا حرباااااه واااه يا بني

***

كنَّ يمشين بصمت.. الأولى تصمت بمشاعر لوم وعتب.. وكأنها تبحث عن أحد تنفث به نار القهر والألم الجسدي التي شعرت بها لأول مرة.. ولم تلقَ سوى شما تستقبلها حسن استقبال
وبالرغم من وقاحتها، ولومها المستمر.. الا أن شما كانت مستمرة بجلد ذاتها مع علياء.. فهي بالفعل تحمل نفسها ذنبها

كانت تتأرجح ما بين الخوف والرهبة ومشاعرَ تغزو قلبها لأول مرة
تصرّفه كان متهوّرًا، رغم تحفظه طيلة هذه الشهور
تهوّر المحب المودّع.. أيعقل أنه لا يزال يتذكر بأن موعد رحيلهم قد اقترب؟ وأنها النهاية؟ ولا اجتماع آخر لهذين القلبين؟

قطع حبال أفكارهن صوت رجولي قلق

بو عبيد: ما بغيتن تردن!!!

عليا تأففت وشما استغفرت بهمس

بو عبيد: خير؟ شعندكن؟؟؟ وأنا الي ذابح عمري ادور عليكن من مكان للثاني

عليا باشمئزاز: تدورنا ليش ان شاءالله "بتهكم" مخطوفات والا ضايعات؟

بو عبيد بصدمة: ليش اللي شفته شو؟ ماكان اختطاف؟

عليا تغيرت ملامحها: نعم؟ شو تقصد

بو عبيد: شفتهم يخطفونكن ويفرونكن على النوق "شافهن بنظرة خوف" الله أعلم شو سووا فيكن

شما بتعب تحاول تنهي الموضوع: صح خطفونا اللي مايخافون الله.. بس حصلنا ريال زين وطلعنا الحمدلله وردينا بدون لا تنمس منا شعرة

بو عبيد: منو الريال؟

عليا: يعني بتعرفه؟

بو عبيد يتكلم بثقة في غير محلها: أكيد حرب

عليا وشما انصدموا وصدوا على بعض

بو عبيد بابتسامة جانبية: ترا أنا اللي خبرته عنكن.. والا جان متتن ولا حد درابكن

عليا بضجر: بدينا خريط بو عبيد

بو عبيد قهقه: ههههههاااي ردي واسأليه

شما: وأنت كيف تعرفه؟

بو عبيد: المشكلة انج ماتعرفيني.. أنا بو عبيد لو تحطيني في سابع بحر بتحصلين عندي ربع ومعارف

شما بعدم تصديق: مستحيل!

ياهم صوت خالد من بعيد: السلام عليكم

شما وعليا توتروا: وعليكم السلام

بو عبيد بوقاحته المشهورة: حي الله خالد بن راشد.. وين الرياييل.. قمنا نشوف اختك اكثر عنك

خالد بنظرة باردة: اللي يبا الرياييل بيحصلهم.. بس العيب في اللي يبا يتخشش عند الحريم

حرك نظره على شما اللي تحركت من أول ماشافها

شما سبقته بالكلام: والله إني ماسولف وياه ولا أكلمه.. وهذي ثاني مرة التقي به.. وهو يقول هالكلام عشان يقهرك واضح إن علاقتكم مب لهناك

خالد: ليش زايغة؟ اللي مايغلط ما يخاف

شما بلعت ريجها: خايفة من عصبيتك بس

خالد: بمشيها لج هالمرة.. بس تحملي وحاسبي.. واذا اللي وياج ولهانة عليه خليها تسيرله بروحها انتي مالج خص

شما بصدمة: خالد كيف تقذف البنت المحصنة

خالد سكت

شما: اتكلم جد.. حرام والله يشهد.. والله إنها ما خضعت له بكلمة.. هو يحاول اييها من كل باب بس هي تصده

خالد يغير الموضوع: تتحريني مهتم عشان تبرريلي؟ سيري تسبحي وبدلي تعالي بنتعشى رباعة

***

حمدة منسدحة تتطالع فطامي كل شوي تتأفف

حمدة: هاه ما اتصل بج زفت الطين؟

فطامي تفلعها بكرتون الكلينكس: زفت الطين فعينج.. احترمي ريلي مسودة الويه

حمدة بضحكة شريرة: هاهاهااااي من الحين اونها ماترضى عليه.. وهو مسولها طاف ويالس عند ربعه

فطامي: تتحريني بسكت عنه؟؟؟ إن ما خليت ليلته سودا ماكون أنا فطامي

حمدة: حشى حشى مايسوى عليه

فطامي: مشكلته "في نفس الوقت رن التلفون"

محمد: هلا والله بالزين يا هلا

فطامي: لا هلا ولا مسهلا.. توك تتذكر إن عندك حرمة

محمد: لا إله إلا الله.. قلتلج بسير عند ربعي عطيني فجة شوي

فطامي: حشى شو هالربع اللي لين الساعة 11؟

محمد بتغاضي: تغارين منهم وتبين الوقت كله حقج صح

فطامي: مايخصه ما اغار بس مصختها يعني

محمد: خلاص من اليوم مابطلع بتم وياج على التلفون 24 ساعة لين تلوع جبدج

فطامي: هيه صدقتك.. انته ترمسني جنه حد مشغللك تايمر وتبند كل شوي عندك شغلة يديدة

محمد بدا يطفر: استغفر الله العظيم.. يعني ريال.. أكيد عني مشاغل.. تتحريني يالس فالبيت ماعندي الا السقف اطالعه

فطامي: بدينا معاير

محمد: وأنتي ماعندج الا هالرمسة.. كرهتيني بالسوالف وياج كل ما قلت كلمة قلتي تعايرني.. مينونة انتي في ريال عاقل يعاير حرمته؟؟؟

فطامي بصوت باكي: هي بس هاللي تبا تقوله من البداية كرهتيني بالسوالف ومابا أسولف وياج

محمد يزفر: اسمعيني.. فطامي.. حبيبي.. عمري وقلبي.. وحرمتي الغالية.. أنا منو لي غيرج قوليلي؟ الواحد يحصل إجهاد ومسؤوليات في كل مكان يبا يرد للحب عشان يرتاح.. يسمع كلام حلو ويستكن عليه.. مابغي نيلس نتضارب مع كل مكالمة

فطامي: يعني انا اللي ابغي؟

محمد: لا.. ادريبج انتي بعد ما تبين.. بس مشكلتج انج ماتبين تستوعبين إن عندي وايد اشغال.. بخبرج شو سويت اليوم وانتي احكمي.. رديت من الدوام تغديت ورقدت.. مانشيت الا حزة المغرب صليت وطلعت على طول اشوف موضوع القاعة.. ومن خلصت شفت ريال وحلف علي الا اتعشى عنده.. وتأخر عشاهم وتوني مخلص.. بالله عليج ريال مسكين مثلي يستاهل كل هاللوم

فطامي: لا

محمد: عيل خفي علي "بمزح" إذا من الحين جي عقب العرس شو بتسوين؟

فطامي بدلع: بقفل عليك الباب مابخليك تطلع

محمد: ههههههه الله يعين.. تصدقين وأنا أرمس الريال يلس يخبرني عن فندق توهم ساكنين فيه هو والشباب يقول انه يديد ونظيف وبسعر لؤطة.. قلت لازم نحجز فيه

فطامي بحماس: صدق؟ شو اسمه؟ كم نجمة؟

محمد: عاد مادري كم نجمة بس اظن هذا اسمه ****

فطامي: بسوي سيرج عنه

محمد يضحك: يالله انزين

فطامي عقب دقايق: تمزح صح؟

محمد: ليش؟

فطامي: الفندق 3 نجوم وفي منطقة يديدة

محمد: شو المشكلة ترا عندنا سيارة.. ومب من كبرها البلاد

فطامي: لا والله تباني اسكن في 3 نجوم وانا عروس؟؟؟؟ جي خلصوا الفنادق المعروفة تسكنني في هذا؟؟

محمد: لا إله إلا الله

فطامي: محمد رسول الله.. قلتلك انا هالفندق ما ابغيه.. شو ناقصني ان شاءالله عشان اسكن في فندق محد يعرفه غيرك انته وربيعك

محمد: وليش الناس تعرفه هم بيسكنون والا نحن؟؟

فطامي: نحن بس يوم بيسالوني وين بتتي شو اقول!!!

محمد: قولي ما يخصكم

فطامي: لا والله يعني اقول حق الحريم مايخصكم

محمد: هي قولي سوالف خاصة وريلي مايحب ارمس

فطامي: كلامك مب مقنع

محمد بنرفزة: عيل كلامج المقنع؟؟؟

فطامي: ماقلت شي غلط.. أبا أسكن في فندق معروف وخمس نجوم حالي حال أي عروس ثانية

محمد بعصبية: وأنا قلتلج ماشي.. يا هالفندق.. يا تباتين عندي في الحجرة انتي وكيفج

فطامي بصدمة: مستبخل علي يا محمد!!!!

محمد: عقب كل هذا تقولين مستبخل علي؟ مابغي ايلس اقولج سويت وسويت انا مب منان.. لكن ابغيج تفكرين في الكلمة هاي اللي قلتيها

فطامي: اخر كلام.. مابتغير الفندق

محمد: لا

فطامي: اوكي باي "وسكرت"

كان محمد مرهقًا بالفعل.. وافتعال فطامي المستمر للمشاكل أرهقه أكثر.. وليس مستعدًّا للجدال أكثر من ذلك.. سك وفر التلفون

***

كانت تراقبها وهي تضع مستحضرات العناية الواحد تلو الآخر.. بتأني وتفاني وكأن مصير جمالها متعلق بقوة ضغطة القطنة على وجهها.. أو عدد قطرات المصل الذي يبدو باهض الثمن

عليا: إذا فخاطرج تحطين تعالي ما يغلى عليج

شما: لا بس مستغربة عقب هالاكشن واليوم الفضيع لج خاطر تسوين كل هذا

عليا: طبعًا بدون الskin routine ماقدر ارقد بسلام ضميري يأنبني

شما بصدمة: يأنبج ليش؟ ترا كلهم على بعضهم كم كريم

عليا: شو عرفج انتي بنت الصحرا

شما بتفكير: ما تتعايزين ساعات؟

عليا: اتعايز بس خلاص غصبًا عني أسويه.. يعني اتخيلي انج تنشين الصبح ماتغسلين ضروسج، يستوي؟

شما: لا طبعا

عليا: بالضبط انا احس بنفس الشعور

شما بضحكة: عيل ما سمعتي خالد وهو يقوللي تسبحي وتعالي بنتعشى.. شكله عانى من ريحة العفن

عليا بتقزز: الله لا يعيده من يوم والله كرهت عمري.. وثيابي عقيتهن في الزبالة اللي برع

شما تضحك: لهالدرجة!!!

عليا: وعقيت ثيابج بعد

شما فتحت عيونها بصدمة: ع كيفج!!!

عليا: هي إن خليتهم هني بيخيسون ريحة الحجرة

شما: لا والله انزين ثيااابييي!! المفروض تستأذنين

عليا: ولا يهمج باخذلج دبلات الدبلات بدالهن.. وماركات بعد.. ما باخذلج من محل رياضة

شما: خليني انا مرتاحة بمحلات الرياضة

عليا: بس صدق هذا الزفت شو عرفه بحرب؟؟؟ صدمني والله.. معروف هو بو الواسطات وصدق لو تفرينه في جلعة ابليس بيطلعلج معارف.. بس كيف هني!!

شما: مستحييل احس في جذبة في الموضوع.. تحيدين صدمتهم يوم شافوني وكانوا بيذبحوني بس عشان شكلي

عليا تتذكر: هيه صح كلامج

شما: بس ياني فضول الصراحة

عليا: اذبحي فضولج.. بو عبيد انسي تاخذين منه حق او باطل.. مالج الا الغجري "شافتها بتحدي" وطبعا مابتسيرين تشوفينه

شما بضيج انسدحت: طبعًا

***

كان الرجال يتناوبون على حراسته، فبالرغم من تكبيله.. قد شدد الشيخ ثوبان الحراسة عليه.. لعلمه بمدى قوته ومدى بطشه وصعوبة مراسه

كان فريق الحراسة اليوم بقيادة أبيض المذنب ابن عم غمد المذنب، والذي قد حصل على مكانة رفيعة مؤخرًا.. لم يكن ليحلم بها لو لا الشيخ ثوبان.. الذي رفع من قدره هو وأهله

كان صامتًا منذ اليوم الأول.. لم يبح بحرفٍ
كان يأكل الطعام على مضض.. لئلا يضعف جسده.. ويُمضي بقية اليوم ينظر في اللا شيء

شعر بأحدٍ يقترب منه ولكنه لم يأبه به.. من سيكون؟ سوى رجل من رجال العم ثوبان

: هل فقدت حدسك القوي؟

حرب بهدوء: ومِمَّ علي الاحتراس؟

: من عدو قد يغدر بك قبل أن يحاكموك

حرب: لقد رفضت محاكمة الشرفاء

: ولكن الشيوخ والنبلاء رفعوا عريضة لإقامتها

رفع عينه للرجل لأول مرة ليقيّم صدقه.. وبالفعل يظنه صادقًا

: إذا كنت تنتظرها لم رفضتها من البداية؟

حرب: لا أريدها، وسأرفض مرة أخرى

: قد تكون لك فرصة

حرب بابتسامة جانبية: احترس مني.. ولا تقف بالجانب الخطأ

جلس الرجل بجانبه: بل قادوني إلى الجانب الخاطئ بلا رغبة مني

حرب: من يريد الحق.. يلقاه بين عينيه

الرجل: لن تفهمني، ولن تصدقني.. لكن لا سبب لي للكذب عليك.. لقد كنت أنوي بك شرًا من البداية.. لا أكذب.. ولكن كل هذا كان لاعتقادي بأنك تكن نوايا خبيثة.. وأردت أن أظهر الحقيقة لا أن اخترع وأكيد لأحد

حرب بتلاعب: إذًا تعلم بأنها مكيدة

الرجل بإحراج: للأسف

حرب: وتعلم بأن رئيسك هو قائدها

الرجل أنزل رأسه

حرب: يمكنك إنقاذ الوضع قبل أن يسوء

الرجل: لا يمكنني ذلك.. فرصتك الوحيدة هي محاكمة الشرفاء.. لقد جئت إليك لأنني أعلم بأنك ستبقى على صمتك وتغرق نفسك في الوحل أكثر

حرب: يبدو بأنك قد درستني جيدًا

الرجل: لا يجهلك إلا كاذب أو مجنون.. صيتك يذاع في كل بيت.. محب أو كاره

حرب ببصيص أمل: إن كنت تريد مساعدتي حقًا، فابحث عن عفريس وأخبره بما جرى

الرجل بسخرية مريرة: ما دام والدك عاجزًا، فكيف سيستطيع عفريس إنقاذك

حرب: افعلها ولا تفكر بأي شيء آخر

الرجل: لا أعلم إن كنت استطيع ذلك

حرب: لا بأس إن لم تستطع، أو لم ترغب، ولكن إن رأيته بعد أن يتم حرقي، أخبره بأنه على حق

الرجل بفضول: بماذا؟

حرب بادله بالصمت

الرجل نهض: لقد أتيتك خلسة.. وسأعود وكأنني لم أكن هنا.. احفظ سري.. أرجوك

حرب: لا تقلق

***

خرجت من الغرفة مسرعة.. تتجاوز درجات السلّم المؤدي إلى حيث تجلس والدتهن
وتلحق بها المعنية.. خائفة ومرتعبة مما ستتفوه به شقيقتها

حمدة تمشي عند أمها بسرعة: أماية الحقي على بنتج تبا تتطلق

أم مايد نشت بصدمة: شووووو؟؟؟؟ هاي تخبلت؟؟؟

حمدة: شدراني عنها.. يوديها.. أنا حاولت انصح فيها مب طايعة تسمع تتحرا ولد ال***** بيموت بدونها

أم مايد قامت متجهة صوب فطامي اللي واقفة عند الدري: تعااالي مسودة الويه

فطامي برعب: أماية جذاابة والله أنا قلتلها إني مب جادة وبس بقوله أخوفه

أم مايد: شووووو؟؟؟ تخوفينه بالطلاق؟؟ ليش منو تتحرين عمرج؟؟

فطامي: أماية والله اني مب قاصدة.. بس قلت بلوي ايده "قالت تبرر موقفها" اتخيلي يبا يحجزلي في فندق 3 نجوم
قلتله يا تحجزلي فندق خمس نجوم والا طلقني وكنسل العرس

أم مايد يودت راسها: لااا مب مصدقة.. انتي بنت بطني؟ تربيتي؟ مسودة الويه.. والله اني ماعرفت اربي.. تفو على هالايدين اللي كبرت ويابت وحدة شراتج.. حمدوه ييبي العصا.. ان ما أدبتج اليوم ماكون انا بنت سعيد

فطامي شردت بتصعد الدري

أم مايد: ردي.. ردي مسودة الويه.. والله إن مارديتي لأخلي ابوج هو اللي يمرغج لين تتأدبين

فطامي تصيح: أماية خلاااص دخيلج سامحيني والله ماعيدها

أم مايد: والله ما سامحتج.. تعالي خليني ابرد خاطري بهالعصا

وأول ما وصلت فطامي شاطتها أمها كم شيطة بالعصا وروحت

فطامي ميتة من الصياح وتشوف حمدة المصدومة من الوضع

فطامي: تمثلين اونج خفتي علي؟؟؟ انتي اخت والا عدوة "صرخت" انتي اخت؟؟؟؟

حمدة ترد تصارخ: والله شو تبيني اسوي يوم اشوفج متخبلة وطالبة الطلاق تتحرينه لعبة

فطامي تصارخ: أنا فهمتج كل شي وتوقعت تفهميني.. بس طلعتي غبية وفلسفجية نفس عنودوه.. الله ياخذج يالغبية الله ياااخذج

بو مايد دخل: خير ان شاءالله كل وحدة صوتها أعلى عن الثانية؟؟؟ تبون الخيزرانة تلعب على ظهوركن؟

فطامي أول ماسمعت اسم الخيزرانة شلت بعمرها وركضت على الدري

حمدة تحاول ترقع الوضع: ماشي ابوية فطامي زعلانة تقول زايغة من العرس

بو مايد باستسخاف: أختج هاي لين متى بتتم ياهل وعقلها صغير

حمدة: ماعليه ابوي تعرفها فطامي حساسة

بو مايد: الله يهديها بس سيري شوفيها

حمدة تلحقها: ان شاءالله

***

كان يمشي بصعوبة بالغة، بفعل العدد الهائل من الحبال، مشدودة لأقصى درجةٍ ممكنة.. كل طرفٍ كان ممسوكًا من قبل أحد الرجال، وكل هذه الاجراءات المشددة كانت خوفًا من هروبه

أسنده ذات الرجل الذي حدّثه في الخيمة

قال حرب بصوت منخفض: هل أبلغته؟

لم يرد الرجل، بل ابتعد عنه خوفًا من التقاط أحد هذا المنظر، الذي سيؤدي إلى أجله.. فلا أحد يرغب بأن يكون بصف الخائن، وإن كان مظلومًا

أدخلوه إلى منزل بفناء واسع.. يخلو من كل شيء، ما عدا كراسٍ خشبية معدودة وضعت في صدر المنزل لكبار القبيلة

أجلسوه على ركبه عنوةً، جلسةً أصدرت صوتًا غير هادئ، بفعل ارتطام ركبه الخشنة بالأرض المستوية

جلس مطأطأً رأسه، ليس خجلًا كما يظن الجميع، بل تجنبًا لرؤية الانكسار والحسرة في عيون أبيه

تقدّم المتحدث أحنف بن آهار وبصوت جهوري افتتح المحاكمة:

اليوم، ضحى الثلاثاء

المحكوم: الشيخ حرب بن ضرغام بن ثوبان المجهجه الجلمودي

التهمة: الخيانة
التآمر بالتعاون مع الغزاة البيض للإطاحة بشيخ القرية "الشيخ كليب المجهجه"، والسيطرة عليها، بالإضافة إلى نهب الأموال العامة، وسرقة المساكين، واستغلال السلطة والنفوذ بطرق غير أخلاقية

الدفاع: الشيخ ثمّال بن نوفل المجهجه، الشيخ عبيدة أبو حمزة المجهجه، الشيخ لاوذ بن أبلج المجهجه

النائب عن القبيلة والمتضررين: الشيخ ثوبان بن جمر المجهجه

الحكم: شيخ القبيلة، الشيخ كليب بن جمر المجهجه

الحضور الكريم، الشيوخ والنبلاء

..

وبدأت المحاكمة، والجميع في حالة توتر غير طبيعية
الجميع يشعر بالاضطراب، سواء كان من فريق المحكوم أو النائب، الجميع بأنفسٍ محبوسة، ونبضات غير مستوية

كان الشيخ ثوبان على جرف من الانهيار، خوفًا من تبرئته بعد كل العناء الذي تكبّده، بعد أن بلغ مبلغًا لا رجعة فيه.. فقد أمسكه بمقتل، وهذا لن يحدث مرتين.. عليه أن يقضي عليه بكل ما أوتي من قوة، ومهما كان الثمن غاليًا

أما شقيقه الأكبر (الشيخ كليب) فقد كان يمارس أصعب مهمة أوكلت إليه في حياته.. محاكمة ابنه بالتبني، وابن صديقه الوحيد بالدم، والتي ستنتهي إما بالبراءة أو الحرق حيًا.. والأشد بأنه يرى البراءة في عينيه، إلا أنه يأبى الدفاع عن نفسه

وأخيرًا هو.. كان يجلس وكأنه مغيّب عن الواقع.. كان جالسًا كمن يعيش في عالمٍ آخر.. أو كمن يحضر مسرحية لا تخصه.. كان مشاهدًا، مستمعًا، ولكنه لم يكن مشاركًا.. مهما حثّوه وشجعوه

كان يشعر بالألم والأسى لرؤية الجميع يتكبدون العناء لأجله
هو يستحق أن يجتهدوا لأجله.. لن يتواضع وينكر أفضاله عليهم

كان يقلّب الموازين في ذهنه، وكانت كفتها دائمًا الأثقل، وهو آسف على ذلك

ولكن ما دام ثوبان حر طليق، ستكون حياتها مهددة بالخطر
إلا إن اختفى هو، ستصبح حياتها بلا معنى أو ثمن بالنسبة لثوبان ولا يستطيع ابتزاز أحد بها

نعم، سيضحي بنفسه ومستقبله لأجلها.. لأجلها فقط

صحى من سرحانه ومن عالمه عندما نُطق بالحكم ببطء وغصة لم تخفى على أحد

الشيخ كليب: الحرق حتى الموت

***

منذ عُقِد قرانهم، دخلت قلبه واستحلّته.. منذ رآها تجلس في وسط صالة منزل أبيها المتواضعة، بفستان أزرق فاتح هادء وناعم مثلها

كانت كالحورية التي تتوسط أمواج البحر.. بملامح عربية صارخة، وشعر أسود طويل.. وحياء عذري سرق قلبه.. أحبها بقلبٍ لم يذُق حلاوة الحب من قبل

كان جاهزًا ومستعدًّا لهذا اليوم بمشاعره وخططه وكل عتاده، للتي ستكتبُ باسمه، وتصبح حلاله

لكنّه يشعر بغضب شديد، لم يهدأ منذ الأمس.. منذ تعرّف عليها وهو يحاول إرضاءها بشتى الطرق.. وفي كل نقاش كانت تبكي، تصرخ وتستخدم كل أسلحتها الأنثوية لتُخضعه.. ولكنه لن يخضع هذه المرة.. وعليها أن تتعلم بأن اهتمامها بصغائر الأمور وتضخيمها لن يكون خيارًا متاحًا في حياتهم الزوجية

أمسك بهاتفه بطريقة روتينية، فكانت الفاجعة.. قصة طويلة وعريضة.. كتبتها زوجته.. انتهت بتهديد شديد اللهجة، مفاده "لبِّ رغباتي، أو طلقني"

كان ردّه قصيرًا، بسيطًا، وبليغًا: أنتي طالق



نهاية الجزء الثامن عشرة

سلالة من لهبWhere stories live. Discover now