6-الفلاح

390 3 0
                                    

انتهى الحفل وانصرف الجميع ولم يعد بالمنزل سوى هاشم وحفيديه ، ومختار ابن عمه ، كان واضحا مدى السعادة التي تجتاح كيان هاشم ، فلم تره حبيبة بمثل هذه الفرحة من قبل ، ولاول مرة تسمع ضحكات جدها العالية تتردد في انحاء المنزل ، لم تدري لماذا احست بهذا الكم من الضيق والغيرة الغاضبة

فهي التي عاشت طوال عمرها معه والاقرب الى قلبه ، والتي نالت الحظوة والتدليل بما لم تحظ به انثى في عموم المديرية كلها ان لم يكن بالقطر باكمله

كان تعلم مدى حب جدها الكبير لها ، وانه لم يكن ليرفض لها اي طلب ، كان يعاملها كأميرة

لكنها الان ولاول مرة تسمع ضحكات جدها وترى مثل هذه السعادة التي هو فيها

نادى هاشم على احد الخدم ليجهز غرفة خالد وطلب منه ان يعد له غرفة مجاورة له

ودعهم مختار ليعود لمنزله بعد هذا اليوم المرهق له ، وقام الجد ليعانق خالد مرة اخرى واستاذن ليصعد الى غرفته ليرتاح، فهذه هي المرة الاولى التي يسهر فيها لوقت متأخر

ساد الصمت لفترة طويلة ، لم يقطعه سوى صوت احد الخدم يسال خالد ان كان يريد شيئا ، فطلب خالد منه فنجانا من القهوة

وعاد الصمت مرة اخرى

اذن انت ابن عمتى الراحلة

بادرت حبيبة بسؤال خالد وهي تتامله بتعالي ملحوظ لم يخف عليه

المفترض

اجابها خالد باقتضاب دون ان يلتفت اليها وعلى شفتيه ابتسامة هادئة ، اثارت غضبها ، لكنها سيطرت على نفسها ، فليس هناك ما يستدعي الغضب فيما قاله

اعتذر منك عندما رايتك فقد حسبتك احد الفلاحين الذين يعملون عند جدي ، فهذا الزي هو ما يلبسونه

بدا في لهجتها ما يشبه السخرية ، فاجابها وعينيه تجول في ارجاء المكان دون النظر اليها

وانا ايضا اعتذر فقد اعتقدت انني دخلت ملهى ليلي ، فهذه الكمية من الاجساد المكشوفة حسبما اسمع ..لا توجد الا في تلك الاماكن

اثارت عبارته غضبها بعد ان كررها ثانية وكادت ان تنفجر في وجهه الا انها ضغطت على اسنانها وهي تقول محاولة ان تبدو هادئة :

مؤكد ان هذه ستكون نظرة اي فلاح لا يتعامل مع المجتمع الراقي ،ولا علاقة له بالتحضر والمدنية ، فالارتباط بالارض والطين والحيوانات هي محور حياته

ابتسم دون ان ينظر اليها ، وازداد غيظها وحنقها بشدة وهو يرد قائلا

هذا شيء مؤكد . لكن حتى الحيوانات خلق الله لها ما يسترها عن الاعين ، والفلاح لا ترى عيناه الا ما هو متفق ومريح للفطرة السليمة ، لذلك يسيء الي عينه ما تراه منافيا لذلك

كان يتحدث بصوته الهاديء ونبرته العميقة ، الا ان حبيبة رأت في طريقته تلك كأنه يصفعها بهذا الهدوء المستفز لكنها واصلت اجبار نفسها على الهدوء ، وهي تسأله :

واضح انك على قدر من التعليم ، فاسلوبك يتجاوز اسلوب فلاح ، وكلماتك تشير الى انك نلت قسطا من التعليم

ابتسم دون ان يلتفت اليها وهو يرتشف رشفة من قهوته التي احضرها الخادم مردفا :

يمكنك قول ذلك

لم تعد تحتمل طريقته تلك ، لكنها خشيت ان تثور فتعلن بهذا خسارتها في هذا الحوار البسيط الذي يكشف مكنون كلا منهما ، فردت بطريقتها المغرورة وهي تنظر اليه مباشرة :

انا انهيت عامي الاخير بالجامعة وحصلت على الترتيب الثالث وساسعى الى اكمال دراستي العليا ، فهذه ضريبة الانتماء الى اسرة راقية ، لابد من استكمال التعليم بلا توقف

سالها : اي كلية انهيتي بها دراستك ؟

ردت مزهوة : كلية الفنون الجميلة ، وانت هل حصلت على الشهادة الاعدادية ام انشغلت عن التعليم بعملك في الزراعة ؟

اتسعت ابتسامته اكثر وهو يجيبها :

انشغلت بما هو اكثر من الزراعة

ردت عليه بضحكة قصيرة لا تخفي التهكم قائلة :

وما هو الذي يمكنه ان يشغل فلاح عن اي شيء اخر غير الزراعة ؟

التفت اليها لاول مرة ، وتصادمت عيناه العسليتين الحادتين ، بعينيها الزرقاوان العابثتين وهو ينهض مردفا :

موت أُمه

وتركها صاعدا الى غرفته بالطابق الثاني

انت لي ..أنتِ ليWhere stories live. Discover now