ملكة بلا عرش

529 4 0
                                    

ارتفعت ضحكات مجموعة من الفتيات والشباب الذين احاطوا بـ "حبيبة" في تلك الامسية التي ازدانت فيها فيلا هاشم البحيري بالانوار والزينات ، بمناسبة نجاحها في السنة النهائية بالجامعة

وانتشر الخدم والطهاة لاعداد العشاء وتجهيز الموائد للضيوف

بينما هي تمشي مختالة توزع ابتساماتها الساحرة على المدعوين وتتلقى التبريكات من المهنئين

كانت اشبه بملاك في هذا الرداء الازرق ، الذي يتماشى مع عينيها ، فلا يدرى الناظر اليه هل هو لون الرداء ام انعكاس عينيها عليه

وتمادى الشباب المدعويين من الاسر الراقية في التأنق لهذا الحفل وكلا يراوده حلم الظفر بهذه الفاتنة

لكن بلا امل

لقد استنفذوا كل الوسائل وكل حيل الشباب التي يمكنها اسقاط حصون اي فتاة امامهم

لكنهم فشلوا فشلا ذريعا ،، فلم يرف لها جفن ، ولم يحرك لها ساكنا

وكانها لا ترى ايا منهم

كانت "ثريا " و "نادية" ابنتا اعمام لها من الدرجة الثانية

ثريا هي ابنة (عبدالمجيد البحيري) وحضر معها شقيقها الوحيد " عماد"

اما "نادية " هي ابنة (مختار البحيري) وحضر معها شقيقها الاكبر (منتصر)

وشقيها الاصغر (بهاء) ذو العشر سنوات

ولم ينل الاهتمام من حبيبة سوى بهاء الذي تميز بخفة دمه مع صغر سنه ، وكان يغيظ الشباب المحيطين بـ حبيبة ، ويضع ذراعه بذراعها وكانه يتحداهم بانه فاز بها

فارتفعت ضحكات الفتيات والشباب على ما يفعله

في هذه اللحظة دخل خالد ، ووقف على مدخل الردهة وهو يتطلع الى ما يراه امامه بملامح هادئة ، مرتديا جلبابه وعمامته التي يتدلى منها طرفا الى الخلف يصل الى منتصف ظهره

دخل السائق حاملا حقيبة خالد فوق كتفه، لكنه اصطدم باحد الخدم بدون قصد فوقع مع الحقيبة محدثا صوتا لفت انتباه الجميع

واتجهت العيون كلها في تلك اللحظة الى خالد

الذي بدا هادئا كأنه لا يرى احدا ، يقف شامخا متعجبا بداخله على بعض الشباب الذين يتراقصون بميوعة على انغام تلك الموسيقى الغربية الشهيرة مع بعض الفتيات اللواتي يرتدين ملابس تكشف اجسادهن وهن يتمايلن في خلاعة

وعقد حاجبيه بما ينم عن سخطه وعدم رضائه لما يراه

التفتت حبيبة الى حيث ينظر الحضور ، وراته فتقدمت نحوه قائلة بغرورها المعهود

انت .. باب الخدم من الناحية الاخرى .. هيا اذهب

اتجه اليها خالد بهدوء ، وعيناه تضيق وهو ينظر اليها، ومسحها بعينيه من اسفلها الى اعلاها قائلا :

يبدو انني اخطأت العنوان .. ودخلت الى ملهى ليلي

ساد الصمت الغاضب بعد عبارته ، واتسعت عينا حبيبة في غضب

وبدا انها ارعدت وستضرب صواعقها ارجاء المكان

و ...

: خالد

ارتفع صوت هاشم البحيري الذي نطق الاسم وهو بالطابق الاعلى خارجا من غرفته فاتجهت الابصار اليه ، وتعجب الناظرين من ملامح السعادة والتي بدت واضحة من رقرقة الدموع في عيني هاشم البحيري

: نعم .. انا خالد

عادت العيون تنظر الى خالد ، وتحولت عيني حبيبة الغاضبتين الى التساؤل وهي تنقل بصرها بين جدها وبين ذلك المدعو خالد

فوجيء الحضور بهاشم ينزل السلالم بنشاط وهمة رغم سنه الكبير الذي جاوز السبعين عاما وجسده الممتليء ، ليقف امام حفيده ويفتح ذراعيه قائلا بلهجة متاثرة :ألن تسلم علي ايها الشاب ؟

كان خالد يعتقد قبل وصوله انه سيكتفي بالقاء التحية على جده بصورة رسمية

فهو لا زال بداخله ساخطا على ترك جده لامه طوال سنوات دون ان يسال عنها

لكن عندما اقترب منه جده ونظر اليه خالد ورأى ملامح جده عن كثب انتفض قلبه بقوة وهو يرى في وجه جده ملامح من والدته الراحلة

فوجد نفسه دون ارادة يحتضن جده ، الذي بدأ في النحيب والبكاء بطريقة اثارت عاطفة معظم الموجودين وهو يستقبل خالد بين ذراعيه بقوة واشتياق واضحين

كانت حبيبة كمثل الطفل التائه ، لا تفهم ما يجري امامها

من هذا الفلاح الذي يحتضنه جدها بهذه القوة والتاثر ؟

ان هاشم البحيري اقوى من ان يرى احدا دموعه ، فمن يكون هذا الغريب الذي انتزع رصيد الدموع المتراكمة في عيني جدها طوال عمره بهذه الغزارة ؟

تحرك مختار البحيري ليحتوى الموقف وجذب خالد وهاشم نحو المكتب ، وهو يشير لابنه منتصر ان يستكمل الضيوف الحفل ، فاشار منتصر للفرقة الموسيقية ان تواصل عزفها

وعادت اجو اء الصخب مرة اخرى ، واستدار المدعوين لمواصلة الاحتفال

وكأن شيئا لم يحدث ..

باستثناء حبيبة

التي انزوت الى ركن خافت الاضاءة ويكاد ينفجر بداخلها بركان من الفضول

وعلامة استفهام ضخمة ترتسم في عقلها

وفضول لا حد له يستولي علي كيانها

من هذا الغريب ؟

انت لي ..أنتِ ليМесто, где живут истории. Откройте их для себя