2-احاسيس مضطربة

1K 4 0
                                    

طوال الطريق لم يستطع خالد ان يخفي مشاعره المتوترة ، فهو في طريقه ليلتقي باسرة والدته الذين نبذوها لسنوات طويلة حتى وفاتها، دون سؤال او اتصال باي وسيلة

ولولا وصية امه الراحلة له في اخر لحظاتها بألا يكرههم وان يتواصل معهم اذا وجد سبيلا لذلك ، ولولا تحفيز جده له ان يذهب لما فكر في السفر للقائهم

يعرف ان له خالا واحدا هو مصطفى البحيري ، وكما سمع من والدته فهو كان عاشقا للبحر ، فعمل بحارا وزهد في كل ما لابيه من اموال واطيان مقابل ان يعيش الحياة التي عشقها ،

حرا كطير لا تقيده حدود ، ولا تربط روحه المتوقة للانطلاق تقاليد عتيقة

لكن ما لم يعرفه ولم تعرفه امه الراحلة ان مصطفى وخلال اسفاره الكثيرة التي جاب فيها العالم تعرف في ايطاليا الى فتاة يونانية الاصل ، ايطالية النشأة وتزوجها وانجب منها فتاة اسماها " حبيبة " تيمنا باسم اخته التي فقدها بسبب تعنت والده وغروره

ثم هجرته زوجته بعد انجابها لابنته بفترة وجيزه لسؤ سلوكه وعلاقاته العابثة، وبعد تطليقه لها ساومها على ان تترك له ابنته مقابل مبلغا كبيرا من المال ، فرفضت ذلك واختفت مع ابنتها، وظل طوال خمس سنوات يبحث عنها حتى وصلته انباء عن وفاة طليقته بمرض السل وان ابنته اودعت احدى دور الرعاية الحكومية ، فقلب الدنيا حتى عرف مكان ابنته وعاد بها الى مصر مقهورا

ورحب هاشم باشا البحيري بحفيدته الجميلة ، واصبحت عوضا له عن ابنته التي فقدها بعنجهيته وطبقيته المتعجرفة ، ولم يلبث ان مات مصطفى بسبب ازمة قلبية ، اعزاها البعض الى تفكيره المزمن في طليقته ، التي لم يحب امرأة غيرها ولام نفسه على التفريط فيها ، وظل يتهم نفسه انه السبب في مرضها ووفاتها بعد هجره لها وتركها دون عائل لها ولابنتها

ونشأت "حبيبة " أميرة في مملكة جدها المترامية الاطراف ، الذي يعد اثرى اثرياء المديرية باكملها ، يحوز ما يزيد على اربعمائة من الافدنة ، تزرع بكل اصناف المحاصيل والفاكهة ، اضافة لمصنع الغزل ، ومزارع الماشية والمناحل واسطبلات لتربية الخيول العربية الاصيلة

ولما كان ابنه الوحيد هجره وامضى حياته في البحر كارها للارض وللزراعة ، اضطر هاشم باشا الى الاستعانة بابناء عمه واولادهم للاشراف على اطيانه ومزارعه ومصانعه

ورغم الثراء الفاحش لهاشم البحيري لم يكن من ذلك النوع اللعوب او المتكاسل ، فكان في شبابه لا يألو جهدا في قضاء وقته بين مباشرة اطيانه الشاسعه ، وبين ادارة مصنعه الذي يحتل مساحة واسعة وله شهرة كبيرة بين مصانع عاصمة صناعة الغزل والنسيج ، المحلة الكبرى

وبعد قيام الثورة و انتهاء العصر الملكي وصدور قانون الاصلاح الزراعي وبرغم خضوع الاقطاعيين ومنهم هاشم البحيري لتاميم ممتلكاتهم واعادة توزيع اقطاعاتهم الزراعية على الفلاحين وفقد هاشم على اثر ذلك الفا ومائتين من الافدنة ، الا انه استطاع ان يقف على قدميه ثانية ، وظل لاكثر من عشرين عاما بعدها يستعيد ما فقده ، خاصة انه كان عصاميا ولم يكن على شاكلة الاقطاعيين الذين حازوا املاكهم إرثا عن اسلافهم ، او نالها بالتواطؤا او الاذعان للنظام البائد ، بل حتى لقب (باشا) ظل لصيقا به -رغم انتهاء عصر الالقاب والمسميات الطبقية - محبة واحتراما من الفلاحين له

فلم يكن متسلطا او فاسدا او مستغلا قوته وثراءه على الضعفاء

ولم يتعارض ذلك مع كونه صارما ، وقلما راه احدا مبتسما ، جادا ومجتهدا ، وذو همة عالية ، متابعا لاحوال السوق اولا بأول ، وفوق كل هذا هو ايضا نائب دائرته بالبرلمان

ومن هنا استطاع ان يصل الى حفيده خالد ، فقد تعارف في احدى جلسات البرلمان على نائب الدائرة التي تحتكرها اسرة خالد ، فعرفه هاشم بنفسه وسأله ان كان يعرف شخصا يدعى "حسن المنشاوى" والد خالد ، فاخبره النائب بانه ابن عمه وحكى له عن حسن وزوجته (الحكيمة) وتفاجأ بخبر وفاة ابنته وزوجها في وقت متقارب

وحزن لذلك اشد الحزن ، إذ انه وبعد فقده ابنه مصطفى ، كان يعد العدة لاعادة ابنته واسرتها ليكون بينهم ويعيشوا معه في خريف عمره ، لكن هاهو الان بلا ابناء

ما اصعب هذا الاحساس وما اثقله على النفس

ينجب الاباء ابنائهم ليكونوا بجانبهم في خريف الحياة

اما ان تنعكس الاية

ويودع من في خريف العمر ذلك الذي في ربيعه

ألم لا تصفه الكلمات

لكن ما اثار فزعه وقذف الرعب في قلبه هو حديث النائب معه عن مسالة اخرى كانت تعنى خسارته حفيده للابد، مسالة وضعت رأس حفيده كبش فداء دون سبب او ذنب منه

لذا فقد اقسم هذه المرة انه لن يسمح بخسارة حفيده كما خسر امه من قبل مهما كان الثمن

واتصل بالمنشاوي جد خالد ، ووضعا الرجلين اتفاقا لحماية حفيدهما

فبادرهاشم بارسال رسالته الى خالد ليأتي اليه ويشم فيه رائحة ابنته التي ظلمها بدون شفقة ، ولم يرى حفيده طيلة السنوات الماضية

انت لي ..أنتِ ليWhere stories live. Discover now