قطار الذكريات

2.7K 10 1
                                    

استغرق خالد في تامله وهو ينظر من خلال نافذة القطار الى الحقول المزدهرة الممتدة امامه ، وبدت كانها لوحة طبيعية ابدعها الخالق سبحانه في عظمة يصعب بل يستحيل ان ترسمها ريشة اعظم الفنانين بمثل هذا الجمال

ثم اسند راسه الى المقعد ومضى يسترجع ما حدث قبل يومين ، عندما وصلته رسالة من جده (هاشم البحيري) يطلب منه فيها القدوم الى فيلته الواقعة في ارياف مدينة المحلة

كانت امه قد احبت ابيه الذي التقى بها اثناء دراسته بالجامعة وعشقها بجنون، وتحدت لاجله كل تقاليد عائلتها الارستقراطية بافكارها الطبقية ، وقبلت ان تترك حياتها الرغدة وعائلتها ذات الاسم العريق ، وتهديد والدها (هاشم ) بحرمانها من الميراث والتبرأ منها للابد

لكنها تمسكت بوالد خالد الذي رغم انه كان من عائلة المنشاوي وهي عائلة معروفة حسبا وجاها، توارثت منصب العمدة لعقود في عدة قرى كبيرة اضافة لمقعد دائم بالبرلمان

الا ان جده هاشم كان رافضا لفكرة ارتباط ابنته بشخص من اقصى الصعيد

حيث الاختلاف الثقافي والخشونة التي الفها اهل الجنوب ، وتقاليدهم الصارمة فيما يخص تقييد حرية النساء وخاصة المتزوجات ، الا ان والدة (خالد) تحدت الجميع وتزوجت والده ، والذي بدوره واجه معركة شرسة مع عائلته الذين كانوا قد ارتضوا له زواجه من احدى بنات عمومته التي كان والدها عضو مجلس النواب عن دائرة مركزهم

وواجه والده ووالدته في بداية حياتهم من الصعوبات والتحديات ما كان كفيلا باجبارهم على الاستسلام والانفصال وعودة كلا منهما الى عائلته ، بيد انهم تخطوها باصرار وتماسك عجيب ، كان حبهما لبعضهما يجري بعروقهما مجرى الدم

وفي النهاية رضخ جده لابيه للامر الواقع واعاد ولده مرة اخرى لاحضانه ، خاصة عندما راى في زوجة ابنه من المحبة لزوجها ولاهله ، واحترامها لتقاليدهم ما اكبرها بنظره ، وتيقن جده انه ما من انثى كانت لتتحمل ما تحملته هي من مشاكل وصعوبات

افاق من افكاره على صوت عجلات القطار وهي تتوقف في محطة المحلة الكبرى ، ولفت انتباه العديد من الفتيات بملبسه الصعيدي وهيبته التي اضافت الى وسامته الكثير

خرج من المحطة ليجد سيارة فخمة وامامها يقف سائق في زيه الرسمي

فتوقف وهو ينظر اليه ، وبدا واضحا ان السائق لم يلتفت بعينيه اليه حتى ، برغم ان رسالة جده كانت تخبره بانه سيجد على المحطة سيارته الكاديلاك وسائقها بانتظاره فتقدم هو ناحية السائق ليساله :

هل هذه سيارة هاشم باشا البحيري ؟

حدق السائق فيه وهو ينظر اليه متفحصا ملابسه وعمامته ويسأله بحذر :

هل انت خالد المنشاوي ؟

اومأ خالد برأسه في ثبات ، فاسرع السائق ليحمل عنه حقيبته الكبيرة ، معتذرا عن عدم انتباهه ، وكيف انه تصور انه سيجده مرتديا حلة او قميصا وبنطالا كالمعتاد في المدينة ، خاصة انه لم يلتق به مسبقا ولا يعرفه

تقبل خالد اعتذاره بابتسامة هادئة وركب السيارة لينطلق سائقها الى حيث يلتقى خالد بعائلة والدته لاول مرة دون ان يعرف احد منهم او يعرفه احدهم قبل ذلك ... ابدا

لم يكن يريد ان يذهب الى اسرة والدته ، لكن توسلات جده في رسالته المفاجئة وحثه فيها على القدوم على اسرع وجه ووعده لامه الراحلة اضطره الى الاستجابة لذلك الامر صاغرا

فهل تغيرت مشاعر جده الان؟

انت لي ..أنتِ ليحيث تعيش القصص. اكتشف الآن