5-عودة الماضي

457 3 1
                                    

ظل جسد هاشم يرتجف بشده ودموعه تنهمر بغزارة وهو جالس على الاريكة الواسعة بمكتبه ، وبجانبه خالد يحتضنه ويقبل راسه ويديه بحنان بالغ ، لم يكن يتصور ان جده ذلك الارستقراطي المتعجرف كما كان يتخيله -والذي ترك ابنته في خضم الحياه تواجه مصيرها دون ات يابه لها طوال سنوات طويلة – ان يكون بهذا الضعف والمشاعر المرهفة

كان مختار يجلس بالجانب الاخر يربت على كتف ابن عمه ، ودموعه تسيل رغما عنه تاثرا بما يشاهده من ضعف ومشاعر جارفة من هاشم والذي لم يعهده ابدا هكذا

كان مختار بمثابة اخ لهاشم ، ومستودع اسراره ورفيق عمره المؤتمن ، وهو الوحيد الذي كان يعلم بالالم والحزن اللذان اعتصرا قلب هاشم طوال سنوات غياب ابنته الاغلى على نفسه ، كثيرا ما كان يبكي امامه اشتياقا لها ورغبة في رؤيتها

لكنها النفس البشرية العجيبة التي تحوز بعض الاحيان من الصفات ما يجاوز صلابة اقسى الاحجار ، فرغم حبه الجارف لابنته الا ان كبرياؤه وعناده ابت الا ان تجعله يعاني من فراق ابنته عنه ويحرم نفسه من حفيده

عناده الذي حرمه من ابنه الوحيد الذي غادر كل هذه الحياه المترفة ليعمل بحارا ويعيش حياة الصعاليك في مدن اوربا

كل هذا الثراء والترف ، والاملاك التي لا حصر لها والاسم الكبير لعائلته

اختزلت امامها عائلته في شخصين ، وياللاسف لا يعرف احدهما الاخر

بل وبينهما بونا شاسعا من الاختلاف

فحفيدته من ابنه الراحل ، نصف اوربية ، ورغم تربيته لها على الثقافة والتقاليد المصرية ، الا ان ذلك النصف الاجنبي فرض وجوده الجيني على هيئة عنادا وغرورا لا ينكسر ، فجمعت المتضادات كلها فيها

الجمال والرقة ، الفتنة والجاذبية ،الغرور والكبرياء ، العناد والتحدي

مزيج كفيل بأن يجعلها أليق بملكة على عرش ، تأمر وتنهي

اما الحفيد من ابنته الراحلة هو الرجولة كما يجب ان تكون ، نمت تحت لهب شمس الجنوب الحارقة فاكسبته لونه القمحي ، وخشونة الطباع

حيث لا مجال للرفاهية او الاستهتار ، فالكلمة بحساب والتصرف بحساب

عززه جده لابيه بحرصه على اعداد الوريث الجدير بحمل اسم عائلته العريقة

فكان هو الاخر تقاليدا وطباعا على النقيض من حفيدته

رغم ذلك كان الرجل مثله مثل اي انسان طبيعي يريد ان يحيا اواخر ايامه بين احفاده الوحيدين الذين يمثلوا امتداده واستمرارا اسمه بعد مغادرته للحياة

هدأ هاشم وهو يمسك وجه حفيده بين يديه ويقبله بين الحين والاخر ، ثم استدار الى مختار قائلا في فرحة طفل صغير :

انت لي ..أنتِ ليWhere stories live. Discover now