٢

3 0 0
                                    

عقدت سما حاجبيها وراحت تنظر لها بوجهٍ يصرخ ’ومنذُ متى أصبح أصدقاء الجامعة ذهبيين!’

لترفع ليان كتفيها بلا مبالاة وقالت " لستُ أنا من أطلقت اللقب, ثم أن هذا الأمر لا يهم, المهم بأننا مدعوتان للقاء عند العاشرة مساءً".

فكرت سما بأن هل لذلك الفتى الذي أسترجعتْ ذكراهُ قبل قليل أن يكون حاضراً, ثم راحت تهزُ رأسها لتبعده عن أفكارها.

حدقت ليان بسما التي تهز رأسها كالبلهاء وهي تشرب قهوتها بلا حيلة, فـ ليان قد أعتادتْ عليها فهما تعرفان بعضيهما منذُ المدرسة.

"لقد دعوت جون.." قالت ليان وهي ترتشف من قهوتها لتبتسم سما بحنان لها وتقول " أنتما تليقان ببعض, لا تخسريه, هو بالفعل مستعد لفعل أي شيء لكِ" .

تنهدت ليان قائلة  " لا أعلم, تعلمين بأنني أخشى العلاقات, ثم حبهُ لي قد يتلاشى يوماً ما, لربما حِينما يحظى مني بالتجاهل قد يغير رأيه" رمشت سما وهي تنظر بليان ثم أستنشقت هواءً لتُهدأ من حدة ما ستقول.

"وما اللعنة التي ستجعلكِ تتجاهلين حبيبكِ" لتجيب ليان بنفس الحدة "بالضبط! أنا هكذا! حتى وإن كان حبيباً لي, سأتجاهله"
كانتا هكذا دائماً تتشاجران  بنقاشاتٍ كهذهِ, والواحدة ترمي بالإستهزاءِ لأفكارِ الأخرى, ثم ما تلبثْا تضحكان على نفسيهما.

" هيا لننهض, عليّ الذهاب للعمل الآن" قالت ليان وهي تحمل أغراضها مستعدة للرحيل, لكن سما بقيّت جالسة.

أصبحت تُرعبها فكرة أنها ستعود للمنزل وحيدة, على الرغم من أنها عائدة للمنزل الذي بناهُ شخصها لهما, وعلى الرغم من أنها لم تحظى بالذكريات الكافية لتذكره في أركان المنزل, فهما لم يقضيا وقتاً كافياً لصنع الذكريات فيه.

لكنها..وعميقاً داخلها, بدأت تتعب من حملها لكلِ هذهِ الذكريات الحزينة, وبدأت تنهار من البكاء حد إحتراق روحها, أو حد الذهاب بها للمشفى حتى.

أنتظرت ليان سما أن تنهض, ثم سألتها حينما لم تفعل ب " ما بكِ عزيزتي؟" هزت سما رأسها وأصبح صوتها عميقاً وحزيناً حِينما أكتفتْ ب " لا شيء..".

عادت سما للمنزل وأول شيءٍ فعلته هو تفقد حاسوبها, علّها تجد عملاً ليشغلها عن تفكيرها قليلاً , لكن ولسوء حظها فهي لم تجد شيئاً.

رمت بنفسها على الأريكة تنتظر أن تغفو لتعم بالهدوء قليلاً..راحت تتصفح مواقع التواصل الإجتماعي, وتقلب بين الواحد والأخر بملل.

رمت بهاتفها بعيداً بعدما انقضى وقتٌ طويلٌ لها وهي تتصفح.
نظرت للساعة, إنها الآن التاسعة مساءً, تذكرت الإجتماع الذي تكلمت عنهُ ليان, ضحكت مرة أخرى للإسم الذي أطلقتهُ مارينا صديقتهما بالجامعة , هم كانوا خير الأصدقاء نعم, لكن الإسم لا يزال مضحك.

نهضت سما لتتجهزْ لهذا الإجتماع العظيم, فتحت خزانتها تفكر بماذا سترتدي, لكنها لم تعرف حقاً ما عليها إرتدائهُ لهذا قامت بالإتصال بليان لتسألها فأخبرتها بعدم مبالاة بأن ترتدي اي شيء إنه مجرد لقاء أصدقاء.

كانت ليان هكذا دائماً, لا تهتم للمظهر, اي شيء سيفي بالغرض للقاءٍ تافه بالنسبة لها.

لا تفهموني خطأً, أنا لا أقول بأن ليان لا تهتم للأصدقاء, وهي جُل ما ترتديه يكون أنيقاً عليها, هي فقط لا تهتم إلا إن كان اللقاء لقاء عمل  أو اي شيء مهم عالمياً.

إتصلتُ بجيهان صديقتنا من المدرسة,  هذهِ الفتاة محبة لهذهِ الأمور فهي تجد فيها نوعاً من المغامرة, هي مجنونة أحياناً بكمية المغامرات والمواقف المحرجة التي وضعت نفسها فيها, لكنها لا تزال مستمرة.

"مرحباً مرحباً, كيف حالُ صديقتي المثيرة" قالت جيهان فور رفعها للمكالمة لتبتسم سما مجيبة " حباً بالله, عن اي مثيرة تتكلمين عنها, لستُ كذلك" لتجيب جيهان بجدية يتخللها المزاح " أأصبتيِ بالعمى؟ ألا ترين جمال عينيكِ القهوائي الساحر, أو شعركِ المموج القصير, أو خصركِ المنحوت ال.." أوقفتها سما قائلة " حسناً حسنا, لقد تم إيضاح الأمر".

" كيف حالكِ" سألت جيهان بحنان لتجيب سما " لا أعلم على وجه التحديد, لكنّي أحاول أن أكون بخير" سألتها جيهان مرة أخرى " أهذا يعني بأنكِ لا زلتي تنهارين؟" أجابت سما " نعم, لكني بدأت اتعلم كيف أن أتخطى الأمر بسرعة وأعود لحياتي" سألت جيهان مرةً أخرى " إذاً أنتي لا زلتي تتذكريه وتغوصي بالذكريات كثيراً" تنهدت سما مجيبة " نعم, لا زلت" .

أرادت جيهان تكملة أسئلتها التي لا تنتهي, لكن سما قاطعتها, هي هكذا دوماً, تُنسي سما والجميع عما أرادوه بسبب كثرة أسئلتها, هي تسأل عن حالنا وتريد المساعدة نتفهم ذلك, لكن حبذا لو تختصر فالاسئلةُ كلها تمتلك نفس الجواب.

"جيهان حبيبتي, أهدأي قليلاً أنا بخير" قالت سما لتجيب جيهان عليها قائلة " آسفة, لكن تعلمين بأنني كالأم في المجموعة, وعليّ تفقد أطفالي دوماً" .

أبتسمت سما لذلك, هي فعلاً كالأم, دائماً ما وبخت ليان لرفضها جون, وتخبرها بأنها لا تفهم معنى الحب وبأنها عليها الخوض في هذهِ التجربة.

ستقولون هنا كيف للأم أن تحث أبنتها على هكذا أمر, لكني سأخبركم بأنها الأم المتحررة التي تريد لأبنَتيها أن تعِيشا حياتهما وتخوضانِ الكثير من المغامرات حتى تكتَشفاها بنفسيهما.

ولطالما دأبت على القدوم لمنزلي طوال العام الماضي لتفقدي, كانت تطبخ لي وتنظف المنزل, هي حتى تغسل لي الملابس وتكويها.

ذات مرة كانت تغسل ملابسي الداخلية فعلّقت بأنها ملابس مثيرة وقد أحبتها فأجبتها بأنني كنتُ أغري بها شخصي, لتقول بأنني فعلتُ خيراً وبأنها فخورة بي, بينما ليان كانت تنظر لنا بقلة حيله, وتخبرنا بأن لا يجوز لنا التحدث عن هكذا أمور فأجيبها بأنني تزوجت وأننا كبيرات كفاية للتحدث بهكذا أمور, فتتنهدُ منا وتعيد حشرَ رأسها في عملها.

وإنتهىٰ بي المطاف لشراء ملابس لجيهان من ذات الماركة, ولقد فرحت لذلك, وأشتريت لليان كذلك التي صُدمت وقالتْ بأنها لن تغري اي شخص بها حتماً فأخبرتها بأنها ستفعل يوماً.

وجَـعي Where stories live. Discover now