الفصل الثامن

386 68 149
                                    

عجلة الحياة تمضي بدورتها الروتينية تتقلب فيها الأقدار وتتغير فيها الفصول فطالت السماء شيء من غيوم الخريف التي تلاعب الشمس فتخفي انوارها عن الأرض ثم تتنحى من جديد لتثبت الشمس انها أقوى مخلوقات السماء حتى يغلبها القمر بحبه فتتوارى خجلاً من امامه حين يطلع في سمائها ..
النسمات الباردة قليلاً بدأت تداعب أغصان الأشجار وتأخذ عنها القليل من حمولة أوراقها المصفرة لتتبدل بأخرى اكثر ازدهاراً .

وتحت أغصان شجرة الكرز المتباهية بألوان زهورها الوردية جلست كلارا على العشب الذي بدأت ألوانه تبهت رويداً رويداً
تضع شالاً قطنياً ناعماً على اكتافها ليغطي شيئاً من اكتافها ويمنحها القليل من الدفئ ضد تلك النسمات العابثة
تحمل بيدها كتاباً تقرأ سطوره بامعان حال بينها وبين ملاحظة زوجها الذي اقترب منها بينما يراقب أزهار الكرز التي رمتها النسمات عليها فتربعت احداها على صفحات كتابها
والأخرى امتلكت من الجرأة ما يكفي لتستريح على صدرها المكشوف فوق عظام ترقوتها البارزة مسحورة بنعومة بشرتها الحليبية وترتشف شيئاً من عطر سموها بشغف ..

قطب حاجبيه من تلك الزهرة العابثة التي تجرأت على ملكته فتنحنح بهدوء ليلفت انتباهها لوجوده ثم مد كفه لها يساعدها على النهوض
وضعت كفها براحة يده بينما اغلقت كتابها ووقفت امامه مباشرة تنظر اليه بحيرة لوجوده هنا بينما من المفترض تواجده في الميناء كما هو حال كل يوم في مثل هذا الوقت ..

تكلم بغير اكتراث لتساؤل نظراتها بينما حرك انامله بحذر على عظام ترقوتها ليلتقط تلك الزهرة ويبعدها عنها : أرى انكِ تقرأين هنا من جديد .!

باعتداد رددت : ألوذ الى عالمي الذي أجد فيه سكينتي ..

أضافت بمكر لعلها تزعج ملامحه الهادئة بكلماتها : ربما يتعذر عليك فهم ما اعنيه فلم ارَكَ تقرأ من قبل سموك !

لم يبالِ بتلميحاتها المبطنة تلك وانما كان غارقاً بابتسامة عينيها فتلكم مفتوناً : أفهم ما تعنينه تماماً كلارا ؛ فأنا ألوذ الى عالمي الكامن بين عينيكِ لأجد سكينتي ...

ارتبكت كلماتها لوهلة من غزله العذري الذي يصعب عليها تفهمه قبل ان تستعيد ثباتها وتكلمت تغير مجرى الحديث : لم تخبرني بحاجتك بعد سيدي !

رغم انها تبدي كل ذلك الثبات امام محاولاته لاظهار مشاعره لها ؛ ورغم صدها وامتناعها عنه الا انه لم يفوت ذلك الارتباك الذي يزور ملامحها من كلماته فكان فيه شيء من أمل .. لعله يؤثر بها ذات يوم وتصدقه !

رد عليها بذات هدوئها : أخبرني انهيوك عن وجود استعراض لرماة السهام اليوم ويريد مني حضوره للتأكد من قوة رجالنا الذين سنأتمنهم على أسوار المدينة ؛ فهلا ترافقينني الى ذلك الاستعراض ؟

" القمر الأزرق | Blue Moon "Où les histoires vivent. Découvrez maintenant