الفصل التاسع عشر

355 91 116
                                    

يومين انقضيا سريعاً لم يتمهل فيهما الوقت رأفة بحب ذُبِح صغيراً في المهد ولم تكتب له نهاية ولا تتمة ..
وعند شواطئ مدينة برادايسوس وقف هودج الملك آثاليوس وثلة من كِبار المملكة الذين احتشدوا لتوديع الحاكم ورجاله الذي عزموا امر الرحيل والعودة الى العاصمة بعد غياب طال لمدة عام .

وبعد وقت قصير انضمت الملكة كلارا للجمع ووقفت بثبات الى جوار والدها تراقب رحيل ذلك الرجل الذي ترقبته طويلاً متأخرة لسوء حظها عن اللحاق به ..
لكن بشكل ما يبدو لرحيله وقع مختلف في داخلها ، وكأنه بكل خطوة يخطوها مبتعداً حتى صعد الى سفينته كان يدوس على زجاج قلبها المهشم ويزيده فتاتاً .!
عوضاً عن الشعور بالفرح لرحيله أخيراً من أرضها هناك شعور مختلف يخفق بقلبها ألماً يكاد يزف الدموع الى عينيها لولا انها عاهدت نفسها على الصمود دون ان تترك شيئاً يؤلمها من جديد ..

حدقت بظهره البارد بصمت مطبق ؛ منذ محادثتهما الاخيرة تلك لم يقترب منها ابداً ، لم يحدثها ولم يودعها ..!
اختار الجفاء باتقان كأنما اقتلعها من حياته تماماً كما ارادت له ان يفعل ؛ فلماذا يخالجها ذلك الشعور المبهم الذي لا تكاد تفقه مغزاه ؟!
لربما تكون هذه هي المرة الأخيرة التي تراه فيها ، قد لا يكون بينهما لقاء بعد هذا اليوم أبداً .. لكنه اختار القسوة بحذافيرها ولم يمنحها ولو نظرة واحدة !

كانت تتأمل مظهره الثابت بعينين غائبتين هدهما الأسى فكان ضبابهما قاتماً لا يُرى ما خلفه من شعور
لكنه لم يلتفت اليها أبداً ...!
رفعت مرساة السفينة وأبحرت فوق الأمواج مبتعدة عن الشاطئ ، ورغم ذلك لم يلتفت ولو لمرة واحدة ..!
لم يمنحها الفرصة لرؤية وجهه للمرة الأخيرة ..!

عند مقدمة السفينة الضخمة وقف دونغهي باعتزاز يولي ظهره للمدينة بينما يوجه نظره لامتداد البحر امامه بهدوء و وقار
لتوه ودع الملك آثاليوس وأتمنه على المدينة وأهلها وزوارها من التجار والقوافل التجارية التي ستصبح في عهدة المملكة بعد ان تم افتتاح الميناء التجاري .
وعلى يمينه وقف انهيوك ينظر اليه بهدوء متردداً ان كان عليه ان يقول شيئاً ام ان التزام الصمت هو الحل الأفضل ؟!

تنهد بقلة حيلة ليتكلم أخيراً : سيدي ؛ هل انت واثق تماماً مما تفعله ، لا اعتقد ان ترك سمو الملكة خلفك وان تعود الى العاصمة بدونها أمر مقبول !

لم يبعد عينيه عن الأمواج التي تبتعد في المدى المجهول امامه في حين احتاج برهة من الصمت قبل ان يجيبه : لقد انتهى ما كان يجمعني بسموها لذلك لا تأتِ على ذكرها من جديد امامي ..

انهيوك : سيدي لازالت جلالتها زوجتك امام العالم أجمع فكيف ..

قاطعه ببرود : لازلت زوجتي إكراماً لوالدها الملك وحفاظاً على سمعته ومكانته امام شعبه ، لا يمكنني التعدي عليه بالانفصال عن ابنته الوحيدة بشكل علني ، هذا كل شيء .

" القمر الأزرق | Blue Moon "Where stories live. Discover now