الفصل الثلاثون

14.6K 288 14
                                    

الفصل الثلاثون

لأول مرة بحياتها تجرب كيف تقع الكلمات كوقع البلور ؟..
شيئا ثقيلا نزل فوق رأسها فحطمها ثم تناثر حولها ليصنع حجابا مكسورا حجب عنها أي شعور سوى كلمة قالها قبل دقائق .. كان يقسم منذ قليل ..
وكانت تريد قول المستحيل .. قالها هو حين اتهمت نفسها وحان دورها ..
قدماها تثبت متجمدة حتى لا تميل لأنها تشعر أن الأرض هى المائلة ..
أي شئ مما عرفته عن ماضيه كان يحذرها ألا تستسلم لمحيطه المسالم .. ألا تخطو إليه فتعبره .. لأن طوفانه سيهيج ويبتلعها .. لكنها هى أيضا بكيانها ماضي يخدشها .. فخُدِعَت بهدوء المحيط وعبرته ..
وبوقع كلمة توقفت سفينتها تائهة العبور لا مرفأ لها ولا ميناء ..
ووجدان تلقي مرساتها الصخرية فوقها أكثر لتجمدها بلا رحمة بكل ما بها من خبث شيطاني :

" آه .. آسفة مجددا .. أقصد كنت زوجته ... كنت الوَجْد "

حلقها يجف كجفاف عينيها القهويتين وهى تشعر بنار صدمتها تحرقهما ثم تشققهما ورئتاها تزودان عن أنفاسها الهاربة ..
عيناها لا تحيد عن عينيّ وجدان ترى بهما ما تخشى قراءته لكنها تقرأه بسهولة ووجدان تلتفت تغمز له بابتسامة قاسية ثم تلقي عليها نظرة شامتة وتستدير لتغادر أمامهما بكل هدوء قائلة بتلاعب :

" سأذهب حتى لا أعطلكما عما كنتما ستفعلانه "

قرأت الوجه الآخر له .. وجه يرفع الكأس ويعبث بالشهوة ..
وجه رأته قاسيا لكنه يعرف كيف يداوي ما تصنع يداه .. حتى فقدت حيطتها .. ووقعت بهواه ..
لا تعرف أيبرد جسدها أم يشتعل أم يرغب بنشب أظافره بوجه تلك المرأة الـ.. الفاتنة .. التي غادرت ظافرة ..
بالطبع .. يحب الشقراوات ! .. أنى لها أن تنس المزاح الذي تجسد حقيقةً أمام عينيها ؟..
عيناها انخفضت حيث كانت قدميّ الشقراء الشيطانية وصوتها يتردد بصدى مهول في عقلها حتى أصم أذنيها..
كنت الوَجْد ..
وَجْد .. وَجْد .. وَجْد ..
أسمى الشركة باسمها ..
نغزها قلبها صراخا كأنه استيقظ فجأة فاعتصر نفسه يتضرع الرحمة ..
لم تكن ترغب بالبكاء قدر رغبتها بالصراخ النابض انفعالا هذه اللحظة بجسدها المرتجف ..
الصراخ بوجهه هو .. وهو .. حيث يقف مكانه ظل .. بلا كلمة .. طاعن ومطعون ..
كالطود شامخا لا ينحني برياح الغدر لكنه لم يمنع سهم ذاك الغدر من طعنه ..
ورده فيها بلا عمد .. طعنها ..
بنظرة إلي صمتها الجامد علم بحلول الشتاء المفاجئ بعد نسمة الصيف ..
ترفع شمس رأسها رافضة النظر إليه تستدير تتجه للأريكة فتأخذ حقيبتها ثم تلتفت مجددا لتسير ببطء نحو الباب وحين مرت أمامه ..
أمسك أكمل مرفقها بتصلب فيقول بنبرة مشتدة :

" انتظري ... وسافهمكِ "

ولا زالت ترفض النظر لعينيه .. لا تعرف أتقاوم بكاءا أم انفجارا وشيكا أم .. تخاف ضعفا ؟..
لكنه اصطدم بتشنج ذراعها بيده وهى تسحبه بقوة بجمود ملامحها ثم تتجاوزه مغادرة المكتب وظل يراقب ظلها الغارب حتى استقلت المصعد للأرض.

عِشقكَِ عاصمةُ ضباب(مكتملة)Where stories live. Discover now