الفصل التاسع

9.8K 259 24
                                    

الفصل التاسع

يحدق رائد في العينين السوداوين فيضايقه نظرة الثقة الكامنة بهما..
أخذ نفسا طويلا من سيجارته فتتوقد نار السيجارة في عينيه بلمحة خطر باتت جزءا منه..
تناظره دارين بثباتٍ تُحسَد عليه غير آبهة بطيف إجرامي أصبح يسكن ملامح سمرته الوسيمة في مواقف محددة بحكم العادة..
استند رائد لظهر كرسيه وبيده الأخرى يلتقط قداحته من الطاولة أمامه فيشعل نارها كما يشتعل ..
تظل النار لحظات ينعكس لهبها بأعماقه قبل أن يرفع إصبعه عن القداحة ثم يلقيها أمامه بإهمال..
لتنتقل عيناه عفويا لشعرها الأسود الثابت مثلها رغم قوة هواء البحر .. فقط بضع خصلات حول وجهها تتحرك مع الهواء لكن الباقي راسخا هادئا كهدوء صاحبته..
يراها تنظر إليه بصمت هادئ فيتذكر نظرة والده المتفحصة فيتسائل عن سر التشابه بين النظرتين ؟!.
يمج نفسا آخر شعر به حارقا فى صدره ثم يسأل بصلف نافثا الدخان الضبابي فى وجهها مجددا :

" وماذا تعلمين عني أيضا ؟ "

يتداخل الدخان مع الهواء في تموجات ضبابية سرعان ما تتلاشى ليميز إبتسامتها المغيظة على فمها القلبي وهى ترد السؤال بسؤال بمنتهى الهدوء :

" ما الذي يجب علىّ معرفته عنك أيضا ؟ "

يأخذ نفسا آخر من سيجارته ويجيبها بنبرة باردة وقحة :

" شئ بسيط مثل أني .. ' رد سجون ' "

لا زالت إبتسامتها تزين ثغرها الوضاء وهى تقول بنبرة راقية متفهمة :

" وهذا أيضا أعلمه "

يشتعل صدره أكثر بدخان سيجارته ناظرا لابتسامتها فيشعر برغبة لا يعرف سببها لمحو تلك الإبتسامة عن شفتيها .
يعاوده الألم – النفسي – في بطنه فيغمض عينيه لحظة لتتجسد صورة ' ليلى ' أمامه ليحاول التشبث بها ولكنها تهرب منه .
فتح عينيه ولسبب ما لا يشعر بالراحة فيرغب في إنهاء اللقاء قائلا بحدة بما يقارب الإهانة :

" إذن فيمَ نتحدث ؟! ... تطلبين مقابلتي لتسأليني سؤالا بالرغم من أن إجابتكِ مسبقة .. مؤكد فتاة مثلكِ لن تقبل بشخص مثلي .. لا أعرف سببكِ الحقيقي وراء هذا اللقاء الفاشل وربما جئتِ لتشمتِ في رائد زهران رد السجون .. و لكن لأريحكِ سأجيبكِ عن سؤالكِ "

عقد حاجبيه وهو يميل للأمام قابضا يده على الطاولة فيضيف بوقاحة :

" كما قلت لكِ ... أنا .. لا أعرفكِ .. ولم أركِ .. ولم أتقدم لخطبتكِ من الأساس "

ثم يعود بظهره يستند للكرسي مجددا وهو يشعر براحة غريبة لاغضابها ونظرة إنتصار تحتل عينيه بشراسة وهو يتابع بلا مبالاة :

" والدي فعل ذلك .. وأظن أنني الآن في عمر يسمح لي بإتخاذ قراراتي بنفسي حتي وإن كانت ضد رغبته "

يا إلهى .. ألن تختفي هذه الإبتسامة ؟!
تبدو وكأنها التصقت بوجهها لتعذبه غيظا وقهرا .. تفور الدماء فى عروقه من برود هذه المخلوقة المبتسمة أمامه فينفث دخان سيجارته ببعض الحدة
لا يرى أي تأثر بها من كلامه .. ربما فقط إرتفاع طفيف – مستهين – لحاجبيها ..
ولا يعرف سببا لجلوسه أمامها إلي الآن بدلا من أن يغادر تاركا إياها وحدها .
حين رآها ترفع يدها بأناقة وهى تنظر خلف كتفه بإبتسامتها الرائقة وبعد لحظات وجد النادل أمامهما مجددا فتوليه دارين إنتباهها وهى تقول بإبتسامتها تلك :

عِشقكَِ عاصمةُ ضباب(مكتملة)Where stories live. Discover now