الفصل الحادي والعشرون

9.7K 280 16
                                    


الفصل الحادي والعشرون

"' كل عام وأنتِ بخير لميا "'
'" صوما مقبولا وإفطارا شهيا "'
"' أنا آسف على آخر حوار لنا معا .. لم أقصد أن أجرحكِ "'
"' لماذا لا تردِ على رسائلي منذ أسبوع ؟ .. أين أنتِ ؟ "'
"' لميا من فضلك لا تتركيني هكذا وردي عليّ "'
"' منتصف الشهر وأنتِ لم تظهرِ ولا أعرف ماذا حدث لكِ .. هل أغلقتِ صفحتكِ هذه ؟! "'
"' لا أعرف إن كنتِ ستقرأين رسائلي مجددا لكني اشتقت لحديثنا جدا .. أشعر أني فقدت جزءا مني .. عامة حتى وإن لم تقرأيها .. كل عام وأنتِ بخير .. أنتِ أول مَن أقولها له بمناسبة العيد "'

فتحت لمياء المحادثة أخيرا بعد شهر كامل لم تقترب فيه من الانترنت .. لم يلزمها وهى تنجز أبحاث رسالتها على الحاسوب نفسه ..
رمضان أجمل روتين قد تجربه وتتمنى ألا ينتهي أبدا .. فكيف تشغل وقتها بسواه ؟.
تذهب لعملها الصباحي في الصيدلية وتعود لتفطر ثم تدخل غرفتها لتصلي العشاء تتبعها بالتراويح بصوتها العذب في القرآن ..
تعلمت تجويد القرآن منذ صغرها من إحدى أقاربهم التي شهدت لها بحلاوة صوتها وهى تقرأ .
وبعد أن تنتهي تنام لساعتين قبل أن تنهض مجددا لتكمل قيام الليل وقراءة القرآن .
وتبكي .. تبكي طويلا ولا تعرف ماذا تبكي بالضبط ؟.
تدعو الله بالستر والتوفيق والنجاح .. وألا تظل وحيدة .
دعوتها الدائمة يوميا حين تفطر وتثق أنها ستتحقق يوما ما .
لا تخاف الوحدة بل تحبها .. اعتادت عليها حتى ألفتها لتستتر بها من عيون الناس .
محادثة بسيطة كانت بينها وبين خالتها في منتصف رمضان على هاتف والدتها أدتها لمياء ببرود غريب ولطف مصطنع ..
رغم أن خالتها لا زالت تناديها طفلتي وصغيرتي وحبيبتي لكن لا حياة لكل هذا في قلب لمياء ..
ليست غاضبة منها ولا تلومها لأنها تزوجت وسافرت وتركتها صغيرة .. وكيف تلومها على حقها في الحياة وهى لديها والديها المسئولين عنها ؟!.
لكنها لا تشعر نحوها بشئ الآن سوى واجب القرابة وصلة الرحم وهذا يضايقها بشدة لكنها لا تملك زرا لتضغط عليه فيعود كل شئ كما كان .
تعاني جفاف مشاعرها في صمت .. ربما هذا ما جعلها باردة هكذا نحو خالتها .. أنها فقدت مصدر الدفء والمشاعر المشعة في حياتها .. فقدت الذراعين اللذين كانا يضما جسدها الصغير بقوة نابضة ..
لتدرك بعدها كم أن والدها كتوما في مشاعره .. ووالدتها صاخبة الغضب مفرطة العصبية من أقل كلمة .
لا تزال تذكر قطعا في أذنها وهى تهرب منها وهى صغيرة حتى لا تضربها ..
لا تتذكر ذنبها أو ماذا فعلت .. لكنها تتذكر كيف اهتاجت عليها والدتها لتجري منها لمياء تختبئ تحت غطاء الفراش فيشبك بقرطها خيطا سميكا من الغطاء لتندفع والدتها تسحبه بعنف ولمياء تصرخ تحته

'' انتظري الخيوط علقت بالقرط ... آآآه "

وقطع القرط أذنها .. والدتها لم تكن في حالة تسمح لها بالسماع لصرخة ابنتها .. كل ما يشغلها هو ضربها لمعاقبتها .

"' لم تردِ على رسائلي طوال رمضان "'

انتفضت لمياء على سريرها في غرفتها برنة الهاتف فوضعت يدها على أذنها تعود لواقعها ..
زال الأثر تماما من أذنها .. لكن أثر الروح عالقا لا يمحى .
هى فقط مواقف وهى صغيرة تركت بها جراحا كالوشوم المشوهة .. كلما كبرت ازداد برودها وصمتها وعزلتها عن الناس ..
وازدادت أيضا طيبتها وقلبها الحنون مع الأغراب كأنها تعوض النقص من الأقارب .
نظرت لمياء لرسالته القافزة على الشاشة وهى تعاود التفكير برسائله الكثيرة التي وجدتها حين فتحت ..
رسائل عادية .. عادية .. عدا الأخيرة ..
أشعر أني فقدت جزءا مني !! .. كيف وصل الأمر لهذه الدرجة ؟!.
وكيف وصل الأمر بها أن تستمتع بنهم وتعطش للمزيد منه متناسية أنها تكلم رجلا غريبا ومتزوجا ؟!.
في رمضان كانت مُحجَمة وقرارها لا رجعة فيه وهى تقرر الابتعاد عن كل هذا لتتفرغ لعبادتها ..
إذن كيف تطاوع دعوة الشيطان المغوية لفتح الحوار مرة أخرى ؟!..
يبدأ الشعور بالذنب يتلاعب بعقلها وهى تكتب بتحفظ

عِشقكَِ عاصمةُ ضباب(مكتملة)Where stories live. Discover now