الفصل الخامس والعشرون ج١

8.2K 254 20
                                    

الفصل الخامس والعشرون الجزء الأول

يدخل رائد المنزل صافقا الباب خلفه بحدة لتتوقف خطواته الغاضبة وهو يسمع صوت الموسيقى ..
عزفها المثير على البيانو حين تختار الأغاني التي تعزفها بغرابة شديدة واختلاف لا يجد له تفسيرا ..
لكنه يمسه بشكل ما .. ساحر .. واثق .. غامض .. كأنها تقصد كل حرف من كل كلمة ..
وأصابعها البيضاء على البيانو حكاية الفتنة مع سوار قدمها وخصلات شعرها الحرة ..
لكن غضبه اليوم منها فاق تأثره بها وقلقا غريبا يحتل مشاعره يجعله راغبا في رؤيتها بشدة .
يدخل رائد للغرفة التي صارت بهجة الأنغام فيقف عند بابها وعيناه محتسبقانه لمكانها أمام البيانو تعزف أغنية جديدة قبل أن توقفها ثم تبدأ عزفها وحدها كعادتها .
أذناه ترهف السمع للكلمات العذبة وعيناه تتفحصان جسدها من أي خدوش .. يمر بساقيها في بنطالها الأبيض ثم بلوزتها المظهرة لأعلى كتفيها بلون الزرع الأخضر لتتبارى ألوان الربيع في الوشاح الخفيف حول عنقها.
تفترق شفتاه بما ينوي قوله غضبا لكن شفتاها تهمسان بالكلمات بعينين شاردتين فتلهو عيناه عن الغضب ..

عذب بما شئت غير البعدِ عنك تجد
أوفى محبٍ بما يرضيك مبتهجٍ
خذ بقيةَ ما أبقيت من رمقٍ
لا خير في الحبِ إن أبقى على المُهج
لله أجفانُ عينٍ فيكَ ساهرةً
شوقاً إليك وقلبٌ بالغرامِ شجيّ
أصبحت فيك كما أمسيت مكتئباً
ولم أقل جزعاً .. يا أزمةُ انفرجي
ما بين معترك الأحداق والمُهجِ
أنا القتيلُ بلا إثمٍ ولا حرجِ
ودعت قبل الهوى روحي لما نظرت
عينايّ من حسنِ ذاك المنظر البهجِ
أعوام إقباله كاليومِ في قصرٍ
ويوم إعراضه في الطولِ كالحججِ
فإن نأى سائرا يا مهجتي ارتحلي
وإن دنا زائرا يا مقلتي ابتهجي
تراه إن غاب عني كلُ جارحةٍ
في كلِ معنىً لطيفٍ رائقٍ بهجِ
لم أدرِ ما غربة الأوطان وهو معي
وخاطري أين كنا غيرُ منزعجِ
لله أجفانُ عينٍ فيك ساهرةً
شوقاً إليك وقلبٌ بالغرامِ شجيّ

بين إحساس وآخر تمده به تسيل دمعة من عينيها فتمتد أناملها تمسحها بابتسامة حزن شجيّ..
مَن أوفى من قلب يظل باقيا على حبه رغم الفراق ؟..
فهو مَن يستحق أخذ بقية كل شئ وإن أراد مهجة القلب .. مَن يستحق جفن عين ساهر بعدما تأمل حسن عينيه ..
أيام إعراضه الطويلة كرحيل لبلاد المنفى .. كالأيام التي تعيشها معه الآن وهو ينأى بعدما حكى لها ..
وحين يدنو بنظرة .. تشع عيناها بنبض قلب يعود من غربته .
تسيل دمعتها بنقطة دماء حارقة على قلبه .. كم ستتلو اعترافاتها صمتا ..
وكم سيقتلها بعد بلا إثم ولا حرج ..
دمعة من امرأة تحتار لغات الحب في وصفها .. لها لون الأزهار وضياء النهار ..
امرأة .. ليست مجرد فتاة عابرة .. نظرتها وجه الثقة .. وجه الحنان .. وجه الصفاء ..
بسمتها نبع الغيظ الفتاك .. نبع الهلاك الثغري ..
برموش عينيها عدو الفرسان حين ترفرف كلؤلؤة تتدحرج قفزا كالنبضات..
وبسوار قدمها إمضاء الإغواء والدلال .
لو كان عرفها قبل ليلى لكانت دارين .. اختياره بلا منازع .
تنتهي الأغنية فيناديها رائد قبل ان تبدأ عزفها المنفرد :

عِشقكَِ عاصمةُ ضباب(مكتملة)Where stories live. Discover now