بأمر الحب

Oleh MennaMohamed047

3.7M 79.5K 5.1K

ل تميمه نبيل Lebih Banyak

1
2
3
4
5
6
7
8
9
10
11
13
14
15
16
17
18
19
20
21
22
23
24
25
26
27
28
29
30
31
32
33
34
35
36
37
38
39
40 the end

12

66.6K 1.7K 123
Oleh MennaMohamed047


وقفت أمامه ... في نفس مكانهما , قلبها ينبض خوفا مما تفوهت به للتو ..... لقد قصت عليه كل ماضيها , وها هو يستمع اليها مطرقا برأسه مستندا الى الجدار ..... في أغرب مكان ممكن أن تختاره لتحكي له حكايتها ,,,,



لكنها ما أن عرفت برحيل جاسر عن الشركة حتى عادت لتطلب عمر و أخبرته أنها في إنتظاره في مكانهما عند سلم الطوارىء ... إنها الفرصة الأخيرة لها , فما أن تعمل تحت إمرة جاسر حتى ستصبح عبدته و لن يغيبها عن نظره للحظة واحدة ......

وقفت مستندة الى الحائط المقابل و يديها خلف ظهرها .... لكنها لم تكن تنظر الى الأرض مثله , بل كانت تنظر اليه مباشرة و قلبها يخفق بعنف ..... عيناها دامعتانِ و وجهها شاحب بعد لحظات الخوف التي عاشتها على يد المجنون جاسر ....



حين لم يرد عمر للحظات طويلة , همست كنشيجٍ مختنق


( كنت طفلة ..... ولم أكن أملك أمر نفسي وقتها )


لم يرد أيضا .... لكن صوت أنفاسه أخبرها أنه غاضبا هل سيرفضها الآن ؟ ..... رفعت يدا مرتجفة من خلف ظهرها لتهدىء بها قلبها النازف بداخل صدرها المرتجف ....و دموعها تنساب على وجنتيها بضعف في شهقاتٍ معذبة ...


همست بخوفٍ و أنينٍ باكٍ


( عمر ...... )


قال عمر بصوتٍ أجش وهو ينتظر الإسم المحتوم دون أن يرفع رأسه اليها ......


( من هو ؟.... ..... )


أنت ببكاءٍ خافت ضعيف ثم همست أخيرا من بينِ بكائها


( ليس المهم من هو الآن .....إنه .... أنه يريدني كمجرم ....... و أنا لم أجد من يساعدني )


قال عمر بخفوت


( لديكِ أبناء عمك .... لكنك لم تخافي من إخبارهم كما أخبرتني ....لقد خفتِ الا تجدي ردة الفعل العنيفة التي تتخيلينها .... تخافين من أن يخذلوكِ كما فعلو دائما )

كما أنا أنتظر ردة فعلك التي تخيلتها ..... هكذا فكرت في نفسها وهي تنظر اليها لا يجرؤ على مواجهة حتى عينيها ......



ظلت تنظر اليه و الوجوم يتزايد ليجمد قلبها النازف أكثر و أكثر كم جمد دموعها ......


همست بعد لحظات بثبات و كأنها تنتظر الحكم بموتها


( ماذا أفعل ؟؟ ....... )


أيضا لم يرفع عمر رأسه .... و ساد صمت طويل , حتى قال أخيرا بلا تعبير في صوتٍ أجوف خافت


( لما لا تعطينه فرصة يا حنين ؟....... قد .... قد يكون شخصا أفضل مما ترينه )


أخذ صدرها يعلو و يهبط بسرعةٍ لكن دون دموع ... دون ملامح لأي مشاعر ... بينما تم التصديق على حكم اعدامها .


همست بصوتٍ كصوته تماما


( هل هذا رأيك ؟؟ .........)


لم تصدر عنه سوى همسة مختنقة ( نعم ...... )


أومأت وهي تنظر اليه بعينيها الجامدتين ..... ثم تمكنت من الهمس أخيرا


( أنا .......)


لم تكمل .... ببساطةٍ لم تجد القدرة على النطق , فتحركت لتفتح الباب و هي تولي الأدبار جارية في الممر الطويل و شعرها يطير من خلفها بينما صدى شهقاتِ بكائها يتردد صداه بين جدران الممر ..


و لم ترى ذلك الواقف في انحنائة الحائط و هو يضم قبضتيه حتى ابيضت مفاصلها و توحشت عيناه و أصبحت كعيون المجرمين ... و لم يشعر بنفسه الا وقد تحرك الى الباب الذي خرجت منه للتو ففتحه ودخل .....


ليجد عمر على نفس وقفته المتخاذلة و الضاربة لرجولته ... حيث خذل فتاة صغيرة احتاجت لمساعدته .....


اتجه جاسر اليه في خطوة واحدة ليقبض على مقدمة قميصه ليرفع قبضته و يلكمه بكل قوته حين لم يستطع عمر أن يتدارك لكمة جاسر الذي صرخ كالوحوش


( أيها الحقير .... )


حين رفع عمر رأسه وهو يتلمس شريط الدم الذي انساب من شفتيه ..... نظر الي جاسر للحظة واحدة ثم صرخ بغضب


( أيها الغبي أنت لا تفهم شيئا ..... أيها الغبي )


لم يكمل حيث لكمه جاسر مرة أخرى .... حينها رفع عمر قبضته ليلكمه هو الأخر , فسقط جاسر لعدة درجات , لكن عمر لم يمهلم وهو ينزل اليه فأمسكه جاسر من قميصه صارخا ( حقير ... قذر )


ليرميه بكل قوته الدرجات المتبقية حيث ارتطم ظهر عمر بقوةٍ بحائط الطابق الأسفل ..... لكنه تحامل على نفسه وهو يجذب جاسر ليضربه وهو يصرخ


( أياك أن تعيدها ........ أنا لست حقيرا مثلك )


بينما رفع جاسر ركبته ليضرب بها معدة عمر ... انحنى عمر ليتأوه ..... ثم نهض ليلكم جاسر مرة أخرى و يرميه للدرجات التالية .....


حينها لم يسكت جاسر الا و قد قبض على قميص عمر بكلتا قبضتيه ... ليرجع رأسه الى الخلف ثم يعود بها بكل قوته ليضرب بها جبهة عمر ......و يرميه الى الطابق الأسفل كذلك .....


ولم ينتهيا حتى وصلا الى اربع أو خمس طوابق نزولا .... الى أن ارتمى كلا منهما على السلالم يلهثانِ بعنف و وجهيهما مكدومين بمنظرٍ مرعب ........


قال عمر وهو يلهث بعنف


( لقد سلمتها لك ..... بكلِ خسةٍ تركتها الى مصيرها معك )


كانت عينا جاسر كعيني حيوانٍ مفترس وحمراوين بشكلٍ مرعب ..... قال بعد فترةٍ طويلة ٍ وهو يلهث هو الآخر


( هل أحببتها ؟.......... )


أغمض عمر عينيه وهو يرجع رأسه للخلف .... ثم قال بهدوءٍ كئيب على الرغم من أنفاسه المنقطعة


( تماما كما أحب شقيقتي الصغرى ......)


لم يرد جاسر .... وهو يرجع رأسه الى الخلف هو الآخر يلتقط أنفاسه المجهدة ..... حينها قال عمر بكل قوة


( لم أكن لأخونك ..... أنت دونا عن كل البشر , و لو كلفني حياتي ......)


أيضا لم يرد جاسر .... توقف الكلام بينهما , وهما مرتميانِ على درجاتِ السلالم يلهثان ...........


.................................................. .................................................. .....................................


دخل مالك وهو يصفر الى البيت .... يشعر وكأن هواء البحر قد تغلغل في صدره ليريحه قليلا , كان بحاجة لهذه النزهة وهو الآن يشعر أنه بحالٍ أفضل ....


لكن ما أن دخل الي البيت حتى وجد الحاجة روعة تسير جيئة وذهابا على قدميها المنتفختين وهي تفرك أصابعها بقلق ... تهمس وكأنها تدعو سرا ....


اقترب مالك منها وهو يمسك بكتفيها ليقبل وجحنتها الممتلئة وهو يقول مبتسما


( ماذا بك يا روعة ؟؟ ..... قلبي يحدثني أنكِ قد تسببتِ في كارثة أخرى كالعادة )


ضربته الحاجة روعة على ظاهر يده وهي تقول


( تأدب يا ولد ........وهل من تنجبكم تخلو حياتها من الكوارث )


ضحك مالك وهو يقول محتضنا إياها


( اذن ماذا بك ؟ ...... تقيسين المسافة بين المطبخ و باب البيت , هل هذا فراغ مثلا ؟؟ ..... )


قالت الحاجة روعة بقلق وهي عاقدة حاجبيها و قلبها ينبض بعنف


( أخوك عاصم ...... بات ليلته خارج البيت , وأنا أكلمه منذ الصباح لكن هاتفه مغلق )


قال مالك يهدئها


( وماذا فيها ؟؟.....إنها ليست المرة الأولى التي يبات خارجا , أحيانا يقضي الليلة يتابع عملا ما أو مشروعٍ ما ..... أنسيتِ المرة الأخيرة التي قضى فيها الليلة خارج البيت .... ثم عاد صباحا و قد أتحفنا بخبر انفصاله عن تلك الإبرة التي كان مرتبطا بها ...... إن كان سيأتي كل مرة بخبر مماثل , فليبقى خارجا دائما ....... )


ازداد انعقاد حاجبيها وهي تقول بقلق


( ابعد ما تقوله عن فمك ...... ادعو الله الا يحرمني من طلتة أخاك في البيت الي يومِ القاه )


قال مالك برقة و هو يشعر بقلقها قد بدأ يتسرب اليه .. فالحاجة روعة تمتلك ردارا ... دائما ما يصيب في احساسه


( طبعا ...... فأنتِ لم تنجبي سوى عاصم حبيب القلب وحور زينة البنات ...... , أما أنا فابن البطة السوداء في هذا البيت )


ضحكت الحاجة روعة وهي تحتضنه بقوة من خصره وهي أعلى منطقة أصبحت تتمكن من الوصول اليها منذ ان شب مالك عن الطوق .... قالت وهي تضع رأسها على صدره الرحب


( يا حبيب أمك ...... أنت الأحب الى قلبي , دائما و أبدا .... لكن لا تخبر أخوتك بذلك )


ضمها مالك بحنان وهو يتنشق تلك الرائحة المسكية التي نمى عليها منذ طفولته .. لم تتغير و لم يسرقها منها الزمن .... أخفض رأسه حوالي الشبرين ليتمكن من تقبيل رأسها وهو يبتسم بحنان .....


فجأة رن هاتفه .... فابتعد عنها قليلا وهو يخرجه من جيب بنطاله ....ليرد بهدوء مبتسما


( السلام عليكم ...... نعم أنا )


تبدلت ملامحه وهو يستمع قليلا ... شحب وجهه وهو يستدير بجذعه قليلا بين أحضان أمه التي كانت تنظر اليه بقلق ... ليكمل قائلا


( نعم ..... نعم ........أين ؟.... حسنا .... الحمد لله ... الحمد لله ......)


اغلق الهاتف ببطء وهو يستدير لأمه قائلا محاولا أن يجلي صوته وهو يبتسم


( اذن .... م .... ماذا كنا نقول يا بطة ؟؟.... )


بهتت ملامح الحاجة روعة وهي تتشبث بخصره قائلة


( من كان يهاتفك ؟..... بخصوص عاصم , اليس كذلك ؟؟ )


ابتسم مالك باهتزاز وهو يقول


( نعم .... انه احد رجال عاصم , يخبرني أن هناك .... مشكلة في العمل و عاصم ..... وعاصم يحتاج حضوري )


ظلت الحاجة روعة تنظر اليه بترجي ... ثم قالت


( أنت تكذب علي يا مالك ..... اليس كذلك ؟ هل أصاب أخاك مكروه ؟ )


ابتسم اكثر قليلا و شفتاه متيبستان ترفضان اطاعة الأمر وهو يقول


( ابعدي هذا الكلام عن فمك يا روعة ..... عاصم بخير و أنا ذاهب اليه الآن ...., صدقيني أنا ذاهب اليه )


ابتلعت ريقها ثم همست بعينين ترمشانِ قلقا


( اذن ما أن تصل دعه يكلمني ..... أريد أن أسمع صوته )


انحنى مالك ليمسك بيدها و يقبل ظاهرها وهو يهمس برقة متحاشيا مواجهة عينيها


( من عيني هذه قبل عيني تلك ...... لا تقلقي, اتفقنا ؟؟ )


أومأت برأسها وعيناها تحملان عدم اقتناع ... بينما قلبها يخفق عنف و جفنها الأيسر ينبض بقوة .... لذا خرج مالك مسرعا وهو يدفع يديها عن قميصه برفق قبل أن تهزمه عيناها .....


 دخل مالك ركضا الى المشفى و بعد أن سأل عن عاصم رشوان الذي انقلب له المكان لحظة وصوله .... هو و رجاله ,


صعد مالك الى غرفة العمليات .... حيث وجد أحد الرجال واقفا أمامه وهو يبدو مصابا و مضمدا .....


اتجه مالك اليه بسرعةٍ ليهتف بعنف ممسكا بكتفيه يهزه .......


؛( ماذا حدث يا منصور ؟...... كيف حدث ذلك منذ الأمس ولم يصلني أي خبر ؟.... ماذا ..أين ....كيف حال عاصم الآن ؟ )


تأوه الرجل قليلا وهو يمسك بذراعه المصاب ثم قال بضعف وهو يستند الى الحائط


( لم يخبرني أحد الى الآن .... منذ أن دخل السيد عاصم الى غرفة الجراحة و لم يخرج أحدا منها بعد ........ لم أستطع الوقوف على قدمي سوى الآن يا سيد مالك بعد أن ضمد الأطباء جراحي .... و هاتف السيد عاصم ليس معه , السيد عاصم ..... السيد عاصم أصيب برصاصة ٍ في صدره )


نشبت أصابع مالك أكثر في كتفي الرجل ... وقد اشتعلت عيناه غضبا و رعبا ... ثم قال يهدر


( من فعلها ؟؟ ..... من فعلها ؟؟ )


أوجز له الرجل ما حدث منذ فترةٍ في بضع كلمات واهنة جعلت عينا مالك تتسعان أكثر و أكثر مع كل كلمة .... أين كان و عاصم يواجه كل ذلك .... لربما استطاع حمايته ..


ترك الرجل ليستند الى حائط المشفى وهو ملامحه جامدة قاسية .... وأغمض عينه وهو يدعو الله بلا توقف أن ينجي عاصم من تلك المحنة و يخرجه سالما ....


كيف سيواجه أمه إن حدث شيء لعاصم .... بل كيف سيكون بيتهم لو غاب عنه صوت عاصم الجهوري .....


هز رأسه لينفض تلك الأفكار المرعبة وهو يستغفر الله و يعود للدعاء له ... خوفا عليه و على أمه ...إن وصلها هذا الخبر ...


طال وقوفهما في انتظار أي خبر يطمئن قلبيهما .....


حتى اقترب الرجل قليلا من مالك ليلمس كتفه هامسا


( سيد مالك ..... أعلم أن هذا ليس وقتا مناسب , لكن لو كان السيد عاصم معك الآن لطلب منك الإطمئنان على الآنسة التي أتت معه ....... )


نظر اليه مالك بحيرة وهو يقول ( أي آنسة ؟......... )


قال الرجل ( صاحبة البيت ......إنها مهمة جدا للسيد عاصم , وقد كان مستعدا أن يدافع عنها بحياته ....... وقد تعرضت ...أوشكت أن تتعرض ل ...... قبل دخولنا , ....... الحيوانات الذين اصابو السيد عاصم أوشكو أن ........إنها في الطابق السفلي ... لا أعلم أين تحديدا )


اتسعت عينا مالك رعبا وهو يستمع الى الكلمات المتقطعة ..... كيف كان ذلك , وأين كان هو .... هل تلك هي الفتاة التي أخبرهم عاصم أنه سيتزوجها ؟.....


اشتعل الغضب و هاج في أعماقه حتى شعر برغبةٍ في تحطيم المكان .... بالفعل إن كانت هي من سيتزوجها فمن المعجزات أنهم ظلو أحياءا حتى هذه اللحظة ... لكن الأوغاد الجبناء كانو محملين بالسلاح


على عكس عاصم ورجاله حيث كان يرفضه تماما ..... نظرا لخلفيته و ماضيه المتهور كان أدرى الناس بأنه في لحظات غضبه ممكن أن يطول سلاحه في لحظة طيش أو تهور .... لذا منع الأسلحة النارية تماما ....


تابع الرجل كلامه وهو يقول


( السيدة التي كانت تعيش معها وجدوها في المطبخ على الارض حيث ضربوها بأداة حادة على رأسها ..... وحالتها خطيرة كما سمعت ...... و رجلنا الذي أصيب بطلقٍ ناري هو الآخر في حالةٍ خطرة )


أظلمت عينا مالك بشدةٍ ثم قال بعد أن نظر لغرفة الجراحة بتردد للحظات .... ثم وضع يده على كتف الرجل للحظةٍ بحزم وهو يقول ....


( سأذهب لأسأل عنهم جميعا ..... ابقى هنا و لا تتحرك .... و لا تقف أيضا , ارتاح على أحد المقاعد , لن أتأخر )


أومأ الرجل براسه بجهد وهو يربت على ذراع مالك .... ........


وقف مالك أمام الغرفة التي وجدها أخيرا ... قف أمامها و صدره يعلو ويهبط غضبا و حزنا و أسى .... خوفا و رعبا على عاصم الذي تركه بالأعلى ... لكن معرفته بعاصم جعلت وجوده عند هذه الغرفة حتميا ....


وجد طبيب يخرج منها في نفس اللحظة فأسرع اليه ليقول بقلق


( كيف حالها الآن ؟...... )


نظر اليه الطبيب ليقول (هل أنت قريبها ؟.....)


قال مالك بتردد ( أنا .... أخ خطيبها )


قال له الطبيب متفهما


( انها بخير نوعا ما الآن ..... بخلاف الكدمات و الجروح السطحية, كان لديها تجمع دموي داخلي نتيجة ركلة من أحد مهاجميها ..... لكنه ليس خطيرا , بالإضافة الى الحالة النفسية ..... لم تصل بعد لمرحلة الإنهيار لكنها في حالة صدمة حاليا )


أومأ مالك وهو يبتلع ريقه غير مصدقا لما تعرضت له من يريد عاصم أن يمنحها اسمه .... اراد في تلك اللحظة أن يقتل أحدا وهو يقول


( هل يمكنني أن أراها ؟؟ ......... )


قال الطبيب قاطعا


( بالتأكيد لن يكون هذا جائزا .... لابد وأن تكون من أقارب الدرج الأولى خاصة و أن الحالة الآن ستخضع للتحقيق بسبب ما حدث )


قال مالك وهو يحاول أن يبدو هادئا قدر الإمكان


( من فضلك ....... خمس دقائق فقط , هي ليس لها أي أقارب الآن ...... وأنا يجب أن أرها ولو للحظات )


ظل الطبيب مترددا قليلا ثم قال أخيرا


( حسنا .... لكن لمدة خمس دقائق لا أكثر ... والممرضة ستكون معك )


دخل مالك بسرعة الى الغرفة .... ليجد فتاة شابة قد تكون أصغر منه بثلاث أو أربع سنوات على الأكثر , راقدة بإجهاد على الفراش ... اقترب منها ببطءٍ شديد , فأحس بغصةٍ في حلقه وهو ينظر الى وجهها المكدوم في كل مكان تقريبا ...ومع ذلك بدت كفراشة رقيقة , نائمة بتعب ....


أقترب منها مالك أكثر وهو يطيل النظر اليها .... ثم نظر الى الممرضة التى كانت تقف بسكون عند نهاية الفراش ليقول بخفوت


( هل هي بخير ؟..... لا تبدو بخيرٍ أبدا .... )


قالت الممرضة بعطف


( انها بخير ..... حالتها الجسدية أفضل مما كان متوقعا , أنها أقوى مما تبدو ....... )


همس مالك بتردد و صدره يخفق بعنف


( وهل ...... هل هي ...... هل تعرضت ل ...... )


فهمت الممرضة سؤاله دون أن ينطقه فهمست بخفوت


( انها بخير .... لقد انجاها الله )


أغمض مالك عينيه للحظة ثم فتحهما و نظر اليها مرة أخرى ... لينحني اليها قليلا وهو يميز شيئا ما يعرفه حق المعرفة


إنها قلادة والدته ... ال ماشاء الله ...


انه يعرفها حق المعرفة , وهي تبدو حمراء ملطخة بدمٍ متجمد عليها ....جمدت عيناه وهو يتطلع اليها جيدا ....ها قد حصل على الإجابة التي كان يريدها ..... تلك الفتاة تخص عاصم دون أي مجال للشك


همس قريبا منها


( ستكونين بخير ..... ستكونان بخير , و ستنيرين بيتك قريبا باذن الله )


ثم ابتعد عنها و قلبه ملتاعا على أخيه الذي يبدو أنه وجد سعادته متأخرا ليسرقها منه بعض الحقراء و أقذرهم ....خرج من الغرفة ليذهب الي الباقين قبل أن تتخاذل قدميه من هول تلك الحرب الشعواء التي وقعت لهم .....


.................................................. .................................................. ........................................


وصل مالك مسرعا الى رجل عاصم المصاب الذي تركه أمام الغرفة ليسأله بخوف


؛( ما الأخبار ؟...... هل من جديد ؟؟ )


هز الرجل رأسه نفيا ببطء وهو يقول بقلق


(؛ لم يخرج أحد من غرفة الجراحة الى الآن ...............)


أغمض مالك عينيه وهو يستند بظهره الى الحائط ....لم يشعر بهذا الشعور منذ ....منذ وقتا طويلا , ذلك الخوف على شخصٍ قريبٍ له ....


وعاصم تحديدا !! ..... عاصم شقيقه و صديقه ..... على الرغم من اختلافهما التام الا أنه يشعربأن عاصم شيء كبير بالنسبة له و لهم جميعا ....


قال مالك بصوتٍ مختنق


( وكذلك محمود ... ليس هناك أي خبر عنه الى الآن , هل اتصلتم بزوجته ؟ ....)


قال الرجل ببؤس


( لا ..... لم استطع , لديه خمسة أطفال و لم أجرؤ على الاتصال بزوجته .... لقد سمعت أن حالته خطيرة )


شعر مالك بالغصة تتضخم في حلقه أكثر و أكثر ..... وهو يدعو سرا لهم جميعا و لا يعرف كيف سيكون مصير هؤلاء الأطفال إن فقدو أباهم ....


ومهما عوضهم فكيف سيعوضهم عنه إن رحل ..... أبعد تلك الأفكار عن رأسه وهو يعود للدعاء منتظرا.....


في تلك الأثناء سمع رنين هاتفه .... فنظر اليه بهلع ليرفع عينيه الى السماء شاعرا بخوف ... انها أمه ......رقم هاتفهم الأرضي , ماذا يفعل الآن ... إن لم يرد ستقلق و قد يصيبها شيء


أخذ نفسا وهو يحاول أن يهدىء من ضربات قلبه ... ثم رد على هاتفه بأكبر قدر من الابتسامة استطاعه


( السلام عليكم ........)


ردت الحاجة روعة بلهفةٍ وصوتها يرتعش خوفا


؛( مالك يا ابني ..... لماذا لم تكلمني الى الآن ؟ أين أخاك ؟ )


قال مالك و ملامحه تعتصر ألما و بصوتٍ متحشرج


( سامحيني حبيبتي ...... كان لدينا مشكلة في موقع xxxx ... لذا لم ....... )


هتفت أمه بقوة تقاطعه ( أعطني أخاك .... أريد أن أكلمه)


سكت مالك للحظةٍ وهو غير قادر على تحمل اللوعة في صوتها فقال بعد فترة


( عاصم لن يستطيع حاليا أمي ..... إنه ....مع العمال .... )


سكت و ذهب صوته الهامس ... وما لبث أن سمع صوت نهنهةٍ باكية ... وهمسٍ ضائع لا يكاد يُسمع ... و صوت ضربات يدها على صدرها


قلبي كان يعلم .... قلبي كان يعلم ......


دمعت عينا مالك حتى تشوشت الرؤية لديه .... فابتعد بخطواتٍ تائهة ليقول ثم مسح عينيه بعيدا عن مرأى أي إنسان وهو يقول بقدرٍ من الإتزان


( أمي ..... أمي .... اهدىء حبيبتي , عاصم بخير .... أقسم لكِ أنني لن أعود الا وهو في يدي )


وضع يده على صدره وهو يستمع الى نحيب أمه ... من الممكن أن يحدث لها شيء مما هي فيه ... فظل يقول مهدئا على قدر استطاعته


( صدقيني يا أمي ... عاصم بخير ... أنا ... يجب أن أذهب اليه الآن )


أغلق مالك الهاتف على صوت بكاء والدته وهي تترجاه هاتفة ... ليكلم حنين بعدها و يطلب منها دون مقدمات أن تذهب الى أمه حالا .... قالت حنين بخوف


( ماذا حدث يا مالك ؟ ........... )


قال مالك بصوتٍ خاوىٍ وعينين دامعتين


( عاصم في المشفى ..... أصيب بطلقٍ ناري وهو في غرفة الجراحة الآن )


شهقت حنين بعنف فقال مالك بحزم


( حنين.... حنين .... استمعي الي جيدا , لا أريد لكلمةٍ أن تصل أمي , واذهبي اليها فورا )


حاولت الكلام لكنه هتف بقوة


( حالا يا حنين .......)


ثم أغلق الهاتف وهو يتنهد بقوةٍ و يدعو الله أن تمر تلك الساعات المقبلة على خير ........


لم يخرج الطبيب سوى بعد ساعةٍ كاملةٍ ..... ليطمئن مالك الذي جرى عليه ,... فقال له الطبيب


( حالته مستقرة الآن بعد أن استخرجنا الرصاصة من منطقة حساسة بجانب الكبد ...... فإن مرت الفترة المقبلة دون مضاعفات سيكون بخير باذن الله .........)


تنهد مالك بقوة وهو يقع على الحائط من خلفه ليستند اليه وهو يحمد الله و يدعو أن تمر الفترة الآتية على خير .....


لم يتمكن مالك من الدخول الى عاصم بعد خروجه من غرفة الجراحة الا بعد عدة ساعات طويلة معذبة ...... اقترب مالك منه بخطواتٍ ملهوفة وهو يراه متصلا بالعديد من الأسلاك و الأجهزة .....



وما أن وصل اليه حتى وقف يتطلع الى وجهه الشاحب بشدة وقد اختفت منه الدماء تماما ثم مال اليه يقبل جبهته برفق وهو يتلمس خصلات شعره ... ثم همس


( عاصم ..... سلامتك يا أخي و يا صديقي )


وكان أجمل منظرا من الممكن أن يراه في تلك اللحظة ... هو منظر عينا عاصم تفتح قليلا بضعفٍ و اجهاد ....فأمسك مالك بكفه وعيناه تدمعان وهو يهمس


( الحمد لله .... حمدا لله على سلامتك يا اخي )


نظر عاصم أمامه بصعوبة وكأنه لا يرى مالك الى جانبه .... وهمس بصوتٍ لا يُسمع


( ماذا ...... ماذا حدث ؟؟ )


قال مالك برفق ممسكا بيده


( الا تتذكر ؟........)


فجأة شد عاصم يده على كف مالك بقوةٍ وهو يقول متحركا وكأنه ينوى القيام .. الا أن الكلام خرج بتأوه و شبه هذيان


( صبا ...... صبا ... يجب أن اذهب اليها )


شدد مالك من قبضة يده وهو ينحنى أكثر واضعا يده الأخرى على كتف عاصم قائلا بقوة حتى يتكمن عاصم من سماعه


( إنها بخير ... إنها بخير .... انها تحت عيني كل لحظة )


تمكن عاصم من النظر اليه ليقول ببطءٍ اخذ في التخاذل الى أن غاب عن الوعي في آخر كلماته


( صبا .... لا تتركها ..... للحظة )


قبل مالك جبينه بقوةٍ وهو يهمس


( إنها تحت حمايتي منذ الآن ...... ومن سيقترب منها سأمحوه من على وجه الأرض )


ثم ترك كفه و ربت عليها قبل أن يخرج و قلبه صارخا متوجعا .. ...


.................................................. .................................................. ........................................لم يدري مالك كم مر من الوقت ؟ ...الا أن الليلة انقضت و جاء الصباح وهو مرابطا لغرفة عاصم لا يتركها أبدا ....ومنها الى غرفة صبا ... ثم الى غرفتي رجل عاصم المصاب و فتحية ..... دون أي تقدم يذكر في حالتيهما


وفي إحدى المرات ... استطاع مالك الدخول الى غرفة صبا , بعد أن أبلغته الممرضة بأنها قد أفاقت و لم تتكلم حتى الآن .....


طرق مالك لباب برفق ثم دخل ...... وجدها جالسة مستندة الى ظهر الفراش .. تنظر أمامها دون تعبير وهي شاردة تماما .... ولم يبدو عليها أنها قد سمعت دخوله ولم تره أصلا .....


اقترب مالك منها ... ليقول همسا حتى لا يجفلها ( صبا .......)


التفتت صبا بحدة اليه وهي تشهق ارتياعا وتراجعت أكثر واكثر في الفراش و هي تبحث بأصابعٍ مرتجفة عن جرس استدعاء الممرضة ..... و هي تنظر اليه برعب


رفع مالك يديه بسرعة وهو يقول بصوتٍ خافت سريع


( لا تخافي .... لا تخافي .... أرجوك , أنا مالك شقيق عاصم ........)


هتفتت وهي ترتجف رعبا


( ابتعد عني..... ابتعد , سأصرخ وستأتي الشرطة )


قال مالك يهدئها


( لا تخافي الشرطة موجودة في المشفى لحمايتك ..... لا تخافي , صدقيني , ..... لقد وعدت عاصم أن أطمئن عليكِ )


لم تستطع الرد عليه وهي تنظر اليه بعينين واسعتين كبيرتين مرعوبتين ... بينما حاجبيها منعقدان بقوة و صدرها يخفق بعنف وحين رآها مالك صامتة تشجع وقال برقة


( عاصم خائف عليكِ للغاية ....... ووصاني أن أطمئن عليكِ باستمرار )


ازداد انعقاد حاجبيها و ظن أنه رأى كرها شديدا في عينيها ..... لكنه لم يصدقه و همس


( عاصم كان يريد الإطمئنان عليكِ ..... لكنه مصاب ... هو بخيرٍ الآن ... لكن إصابته كانت شديدة )


أيضا لم ترد عليه وهي ساكنة كتمثال و يدها مجمدة على الجرس ... صدرها فقط يعلو و يهبط بعنف ....


فحاول مالك مرة أخرى برفقٍ أكبر


( أنتِ بخير .... لا تخافي , لن يستطيع أحد أن يمسك ثانية )


ارتعشت رعشة مفاجئة منتفضة و اتسعت عيناها أكثر ...فشتم مالك نفسه سرا و قال بسرعة


( بسوء ..... لن يمسك أحد بسوء ...أبدا )


سكت وهو غير قادر على المتابعة .... فهدأ نفسه قليلا و قال بعد لحظة


( هل هناك أي أحد من أقاربك تريدين أن أطلبه لكِ؟ ........)


لم يسمع ردا أيضا ... فأخذ نفسا متعبا وهو يتخلل شعره بأصابعه ينظر أرضا بيأس ... الى أن سمع صوتها الهامس المختنق


( فتحية ..... أريد فتحية )


رفع مالك رأسه اليها بسرعة مستبشرا بكلامها .... لكن سؤالها عن فتحية قد ألجمه , فقال ببطء


( فتحية ... إنها .... )


سكت مالك يحاول ان يجد أي كذبة بيضاء ... لكن صبا همست تفاجئه


( لقد آذوها .... أنا أعرف ذلك .... أريد أن أعرف ماذا أصابها ؟...)


تعجب من قوتها التي تعتبر معجزة في مثل ما تعرضت له .... مجرد همستها الضعيفة كانت قوة لا تضاهى , وحينها عرف لماذا وقع عاصم رأسا على عقب في طرفة عين


حين طال صمت مالك .. عادت صبا لتهمس


( ماذا فعلو بها ؟........)


قال مالك بتردد وهو لا يدرك مدى خطورة حالتها


( انها في .... غيبوبة , لقد ضُربت بأداة حادة )


رفعت يدا مرتجفة الى فمها المفتوح دون صوت ... و قد تجمدت عيناها دون القدرة على البكاء و كأن الدموع قد نفذت منها


قال مالك وهو يشعر بالندم لأنه صدمها بهذا الخبر و قد اعتقد أنها قوية و ستتحمل ....


( ستفيق منها باذن الله ... لا تخافي .... باذن الله ستكون هي و عاصم بخير )


نظرت اليه للمرة الأولى ... و همست دون تعبير


( ماذا حدث له ؟..........)


تردد مالك قليلا ... ثم قال لها بصوتٍ خافت حتى لا يخيفها


( أصيب هو و رجلين من رجاله أثناء مواجهته مع .........)


سكت مرة أخرى وهو لا يعلم كيف لا يجرها الى نفس الموضوع مرة أخرى .... في تلك اللحظة كانت صبا تنظر أمامها بشرود و ملامحها متجمدة كتمثالٍ نُحت من صدمة ٍ ساكنة ..... كانت ذاكرتها تتوقف عند لحظةٍ سوداء و لمسات حقيرة ... لكن همسا أجشا نبض في أذنها


أصمدي حبيبتي .... أصمدي حبيبتي .....


حانت منها التفاتة من رأسها لتنظر الى القلادة المرتاحة على صدرها .... فمدت يدها المرتجفة لترفعها و ترقدها على كفها لتنظر اليها عن قرب .... تلك الماشاء الله الذهبية .. والدم المتجمد عليها ....


هل جاء والدها لينقذها ؟ .... أم أنه مجرد حلم , ستستيقظ منه لترى أن كفها فارغة و أنها لازلت بين مخالبهم التي كانت تنهش جسدها نهشا ...


انتفض جسدها مرة أخرى فقبضت على القلادة و أطبقت أصابعها عليها بقوةٍ وهي تغلق عينيها بشدة ......


حين رآها مالك على هذه الحالة .. خرج مسرعا لينادي الممرضة و التى دخلت الى الغرفة لتطمئنه أنه ردة فعل متوقعة ... وهي أفضل من المعتاد في مثل هذه الحالة ...


.................................................. .................................................. .......................................


اليوم التالي


ألقت الجاحة روعة بنفسها على صدر عاصم وهي تبكي و تنتحب بشدة ٍ حتى أنها لم تلمح تأوهه المتألم ..... لكنه ابتسم بجهد وهو يأخذها في أحضانه ليهدئها ....


أخذت تقول من بين نحيبها


( يا ليتني أموت قبلك .... يا ليت كل ما أصابك يصيبني ... يا ابني يا حبيب قلبي )


ابتسم عاصم بضعف وهو يشدد عليها قدر الإمكان ... هامسا


( بعيد الشر عنك حبيبتي ..... لا تقولي هذا ابدا )


ازداد نحيبها و اهتزاز جسدها فوق صدره ....


بينما وقفت حنين في الخلف تبكي لعاصم ... و تبكي للمنظر الذي ذكرها بيتمها ذكرها بوحدتها .... ذكرها بأنها مهما كانت قريبة منهم الا أنها لن تحصل على ذلك الحب الذي تراه الآن .... إنها الفطرة و التي حرمت منها و لن تنال مثلها أبدا ....

بجانبها وقفت حور بملامحٍ شاحبة وكأنها ليست من الأحياء ... تراقبهم بصمت دون أن تجد القدرة على النطق بكلمة وهي تفكر عما كانت ستشعر به لو رحل عاصم عنهم و هو غاضب عليها ....



لم تره منذ أن خرجت من البيت ... ولم تسمع صوته حتى , لم تشعر بذلك قويا ...كهذا الصباح حين دخل نادر بعد ساعتين فقط من خروجه باكرا ....ليقترب منها ببطء وهو يمسك بكتفيها بينما ينظر اليها بحنانٍ قلق لم تره في عينيه أبدا فأدركت أن كارثة قد حدثت ...


ليقول برقة ( حوور ..... عاصم في المشفى لقد أصيب في حادث ..... لكنه بخير الآن )


لم تدري وقتها كم مر من الوقت و هي واقفة تنظر الي نادر الممسك بها بقوة .... وكأنها تراه للمرة الأولى , ... وكأنها لم تفهم ما قاله للتو ...... ولا تتذكر حتى اللحظات التي تبعت ذلك حيث تركا معتز لعلية و أقلها نادر الى المشفى ....


لحظاتٍ طويلة , لم تعش أطول منها وهى موقنة أن عاصم سيموت ولن تتمكن من رؤيته ... أو الإعتذار اليه .

اقترب مالك من أمه ليرفعها عن صدر عاصم وهو يقول مازحا ....



( ابتعدي قليلا يا روعة ..... أعلم أنكِ رشيق كالغزال الا أن جرح الغالي لن يتحمل و سينفجر تحت وزنك ...... )


ابتعدت الحاجة روعة بسرعةٍ وهي تربت على صدر عاصم بلهفة قائلة من بين دموعها التى لا تتوقف ...


( يا حبيبي ..... يالغبائي ... آذيتك فوق ألمك ... )


امسك عاصم بيدها بمجهودٍ كبير وهو يرفعها لفمه ليقبلها .......ثم نظر من خلفها و قال بضعف


( تعالي ياحوور .... لقد اشتقت اليكِ )


اقتربت منه حور ببطء وكأنها لا تريد ..... حتى توقفت بجانبه و همست بلا تعبير


؛( حمدا لله على سلامتك يا عاصم ....... )


ابتسم عاصم قليلا وهو يقول


( هكذا كالرغيف الحاف ........ )


في لحظةٍ ضاعت الرؤية منها وقد أغروقت عينيها بالدموع .... فشهقت شهقة عالية وهي تنحني لتتعلق بعنق تبكي .....


و تبكي ...... و لم تسمع صوت الباب الذي فتح و نادر يدخل في تلك اللحظة ... ليقف مذهولا من منظر حور و صوت بكائها العالي الأقرب للأطفال .....


ظلت تقول من بين بكائها


( أنا آسفة يا عاصم .... أنا آسفة .. آسفة )


أخذ يلامس شعرها الناعم و همس باختناق


( أنا أخاف عليكِ جدا .... أنت.... أكثر من الجميع ..... حين أتخيل أنه من الممكن أن تتعرضي لأي شيء , أكاد أموت .....لقد رأيت ما كنت ....أخاف منه دائما , على أحب ..... الناس لقلبي , .....صبا )


رفعت رأسها قليلا و نظرت اليه متحيرة بعينيها المتورمتين الحمراوين كالدم ......وهمست


( صبا من ؟...... .....)


كان الإجهاد قد بدا يصيب عاصم .... حتى أنه أغمض عينيه و تراخت يده عن خصلتِ شعرها ..... حينها اقتربت الممرضة لتطلب منهم جميعا الخروج ليرتاح .....


أثناء خروج حور من الغرفة وهي تمسح عينيها المتورمتين .... شعرت بذراعٍ قويةٍ تلتف خلف ظهرها , فنظرت بجمود الى نادر الي كان ينظر اليها برقةٍ ... ثم قال بصوتٍ خافت


( لا تقلقي يا حور ..... لقد اطمئننت من الطبيب المسؤول عن حالة عاصم بنفسي و تأكدت بأنه في مرحلةٍ مستقرة الآن )


ظلت تنظر اليه نفس تلك النظرة الطويلة المبهمة و الغامضة لعينيه .... ثم دون أن تجيبه هزت كتفيها بقوةٍ لتبعد ذراعه عنهما و سارت أمام أنظاره المدهوشة لتلحق بأمها وهي تتشبث بذراعها لتحتضنها .....


.................................................. .................................................. ........................................


حين كانت تمشي خلفهم في ممر المشفى ... سمعت صوت هاتفها , فنظرت اليه لتجد الرقم الذي لا تتمنى أن تراه أبدا ... نظرت الى زوجة عمها وحور اللتين تبتعدان .... ثم انتحت جانبا لترد هامسة


( نعم .......)


( أين أنتِ؟...... )


( لقد أخذت اذن من العمل اليوم ........ )


( ليس ذلك ما أسأل عنه ...... أين أنتِ ؟)


أغمضت عينيها وهي تشعر بالكره له يتزايد في كل لحظة .. ثم همست


(عندي ظروف في البيت اضطرتني للغياب اليوم .... )


(لقد أخذتِ اذن و خرجتِ بالأمس و لم تأتِ اليوم ........ أين أنتِ الآن ؟.........)


تنهدت بقوةٍ ثم قالت بعنفٍ مكتوم


( اسمع ..... لقد نفذت كل أوامرك .... فلما لا تتخلص من دور التسلط ذلك قليلا , نحن نمر بظروفٍ قاسية الآن , ..... ارجوك .... ارجووووك اتركني لحالي ولو قليلا , دعني أنساك ولو ليومٍ واحد ...... )


ساد صمتٌ مخيف تتخلله هسيس أنفاسه الساخنة و التي أنبأتها أنها قد أخطأت للتو ... , لكنها لم تأبه به و لم تسمح له بأن يخيفها كالعادة ..... وهي تشعر برغبةٍ قاهرة في قتله هذه اللحظة بالذات ....


ارتابت في الصمت الذي طال فهمست بغيظٍ و توتر


( أين ذهبت ؟.......)

لم تسمع ردا بل فوجئت بالخط يغلق بفظاظة ....نظرت الى الهاتف بدهشة و هي لا تصدق بأنها قد انتصرت عليه و كانت الكلمة الأخيرة لها ... 

 

اليوم الذي يليه .. ..



ذهب مالك الى غرفة صبا ليطمئن عليها بعد أن اطمئن على عاصم و الذي كاد أن يخلع الأسلاك رغبة في الذهاب الى صبا , لكن مالك أقتعه بصعوبةٍ شديدة أنه سيطمئن عليها و لن يغفل عنها .....


لكنه و بعد أن طرق الباب و دخل ... أجفل حين وجد غرفتها خالية ........


.................................................. .................................................. .......................................


كانت جالسة على أحد المقاعد , ممسكة بمصحفٍ صغير و هي تقرأ منه بصمت......


تنهد بارتياحٍ ما أن رآها ... فاقترب ببطءٍ ليجلس بهدوء على المقعد بجوارها , انتظرها الى أن انتهت ثم أغلقت المصحف و أمسكت به بشدةٍ دون أن تنظر اليه ....


قال مالك بخفوت ( لماذا تجلسين هنا ؟ .......)


لم ترد عليه وهي تتحصن بمصحفها و شالها الأبيض الهفهاف ملتفا حول وجهها الذي لم تمحو كدماته جماله ... تنظر الى الأرض البيضاء اللامعة دون تعبير ....


حاول مالك مرة أخرى


( كنت أظن أنكِ ستكونين أمام غرفة فتحية .... لكن لماذا أنتِ هنا ؟ ..... )


لم ترد صبا عليه لفترةٍ طويلة ... ثم همست أخيرا بتقطع


( لقد .... لقد كنت واقفة هنا .... لفترةٍ طويلة , و رأيت زوجته و أولاده .... ماذا إن تيتم أولاده ؟ ....)


سكت مالك للحظة ثم همس أخيرا برفق


( الأعمار بيد الله ..... نحن لن نستطيع تغيير القدر )


قالت بصوتٍ أكثر خفوتا


( لكنه .... كان يحاول انقاذي )


رد عليها مالك بهدوء بينما يشعر بغصةٍ في حلقه


( أي شخص محله و عنده ضمير كان سيقوم بنفس الشيء ........ )


هزت رأسها قليلا وهي تهمس باختناق و صوتٍ لا يكاد يسمع


( لا ... ليس الجميع )


اراد مالك أن يغير ذلك الموضوع حتى لا يسيطر عليها أكثر .. فسألها


( هل ذهبتِ الى فتحية ؟......)


همست صبا دون أن تنظر اليه


( لازالت كما هي ..... لن تعود .... لقد فقدتها هي الأخرى )


قال مالك بهدوء حازم


( لا تقنتي من رحمة الله .......)


همست باختناق ( ونعم بالله ........)


قال مالك بتردد بعد فترةٍ


( الن تذهبي لرؤية عاصم ؟؟ .......إنه يموت رغبة في رؤيتك , لكن الأطباء يمنعونه من الحركة .... جرحه ليس هينا )


لم ترد صبا , و لم تلن ملامحها الجامدة و لم تنظر اليه حتى ..... فسكت مالك و هولا يعلم بعد أبعاد تلك العلاقة الغريبة التي تربطها بعاصم ... مجرد بعض المعلومات الواهية التي وصلته ....


قال مالك بصوتٍ خافت بعد أن يأس من ردها


( هيا لتذهبي الى غرفتك .....أنتِ لازلتِ مجهدة و مصابة )


قامت صبا من مكانها بسكونٍ و هي تسير في ممر المشفى الطويل وهي تكاد الا تلامس الأرض من فرط رقتها و ضعفها ....


.................................................. .................................................. ....................................


كان مالك وحنين يقفان أمام الغرفة ... كما يفعلانِ منذ يومين ...


بينما تقف تلك الزوجة ضئيلة الجسد و بجوارها ابنتها التي لا تتعدى الثانية أو الثالثة عشر من عمرها .... ممسكة بذراعِ أمها البسيطة الملبس و التي هي الأخرى لا يتعدى عمرها الثامنة و العشرين أو السابعة و العشرين .....


فكرت حنين وهي تراقب تلك الشابة أنها على الأرجح قد تزوجت وهي في عمر الخامسة عشر ....و ها هي عندها بنت تقريبا قاربت أن تكون عروسا ... وهناك أربع غيرها في البيت


لكن تلك الزوجة كانت تهمس ... تتطلع الى السماء مغمضة عينيها ... تدعو و تبتهل ..... إنها تحبه ... وذلك يظهر عليها بوضوح ....


كانت حنين تائهة في منظرها الى أن شعرت بالطبيب يخرج بهدوء من الغرفة بوجهٍ غير مبشر ..... حينها علمت ... علمت دون الحاجة الى سماعة .... لكنه نطقها على كلِ حال برفق


( البقاء لله ........)


تعالت شهقة من الزوجة الواقفة في الزاوية و هي تضرب صدرها .... و صرخة مختنقة صدرت عن ابنتها ...


بينما جلس مالك يتهاوى فوق المقعد القريب منه ...... وهو يغرز اصابع يديه في شعره مخفضا رأسه .....

ولم يرى أيا منهم صبا الواقفة في آخر الممر من البعيد...... والتي شهقت وهي تغطي وجهها بكفيها لتسقط جالسة على الأرض وهي تبكي بعنف ..... ونحيب الزوجة و بكاء ابنتها قتلاها قتلا .......



.................................................. .................................................. ....................................


أثناء بقاء مالك في المشفى لإنهاء الإجراءات .....أصر على الحنين أن تعود الى أمه و الا ستأتي هي بنفسها و قد منعاها بالقوة الجبرية من أن تأت الى المشفى اليوم حيث أن ضغطها لن يحتمل ما حدث اليوم إن علمت به ......


مشت في ممر المشفى تجر قدميها بزحفٍ بطيء و حقيبتها المتدلية من يدها الساقطة الى جنبها تكاد تلامس الأرض زحفا هي الأخرى ... وصوت البكاء و العويل لا يزال يتردد في أذنها و يكاد يصيبها بالصمم


ومشهد السيدات المتشحات بالسواد النائحات يتردد في ذاكرتها .....


كانت جامدة التعابير , متحجرة العينين و هي تتذكر الأيام التي تلت موت والديها .... و السنوات التي تلت ذلك .


و لم ترى أمامها الى و قد ارتطمت بصدرٍ ضخم لم تبصره و كأنها كانت تسير في كوابيسها لتلتقي أسوأها في تلك اللحظة بالذات ......


شهقت بعنف وهي تنظر اليه بارتياع ... ثم استدارت لترى إن كان مالك موجودا في الأنحاء .... وحين لم تجد له أثرا استدارت اليه وهي تهتف بصوتٍ خافت مرعوب ..


( ماذا تفعل هنا ؟؟ ..... هل جننت ؟؟ ..... هل جننت ؟؟ ..... الا تعلم الظروف التي نمر بها الآن ؟ ..... )


امسك بذراعيها بقوةٍ ينفضها نفضة أرجعت رأسها الى الخلف بعنف حتى تنظر الى عينيه و عيناها متسعتان بشدة .... فقال بقسوة


( لذا .... كان من الحكمة أن تردي سؤالي حين هاتفتك .......)


قربها منه أكثر حتى كادت أصابعه أن تقطع لحم ذراعيها حتى انحنت رأسها أكثر الى الخلف وهي تحدق به بخوف


فقال بهمس خطير


( أين ابن عمك مالك ..... أرى أنني يجب أن أكون بجواره في مثل ذلك الظرف الصعب )


شهقت حنين بقوة وهي تهمس بترجي


( أرجووك ..... أرجووك ..... سأقبل يدك أن أردت , فقط ارحل عن هنا ..... أرجوك , إن لم يكن من أجلنا جميعا فمن أجل زوجة عمي التي لن تتحمل شجارا بين مالك و بينك في مثل ِ ما نمر به .....)


ضحك بصوتٍ مكتوم ينذر بالشؤم و همس أمام وجهها


(شجار ؟؟ ..... يالكِ من بريئة يا حنين .... هل ارتقيتِ عن ذكرى حروب الماضي .... لن يكون الأمر مجرد شجارا يا حنين , ستكون حربا مسلحة حبيبتي من جهتهم , ولا تظني أنني لن أدافع عن نفسي ..... )


رفعت كفيها و أخذت تضرب بهما وجنتيها وهي تهذي


( ياللمصيبة التي سقصت علي ...... ماذا فعلت يا ربي ؟ .... ماذا فعلت لأستحق ما أنا فيه ؟ )


ترك ذراعيها ليمسك بكفيها بين يديه و يمنعها من ضرب وجهها و هو يهمس


( هششششش ...... )


أخذت تتلوى حتى حررت كفيها من بين يديه و أخذت تضرب صدره بقوةٍ وهي تصرخ ...


؛( أنا أكرهك ..... أنا أكرهك .... أكرهك .... )


ضمها بقوةٍ الى صدره و هو يدفن وجهها في صدره ليكتم صراخها و ذراعيه تعصرانها الى صدره الضخم .... وممرضة قد مرت بهما مذعورة من منظر حنين ... فقال جاسر برفق


( عندنا حالة وفاة ..... وزوجتي منهارة )


أومأت الممرضة رأسها بتعاطف و أكملت سيرها الى أن اختفت ...... لكن جاسر لم يترك حنين وهو يعصر جسدها المنتفض بعنف .... لكنه سمعها بوضوح وهي تشهق باكية من بين أحضانه الخشنة


( أريد أمي ..... أريد أمي ....أناااا أريد أمي )


رفع يدا يمسك برأسها ليضمه أكثر الى صدره و الذي أخذ في الصعود و الهبوط حاملا رأسها المنهار معه


.................................................. .................................................. ....................................


بعد عدة أيام


حاول عاصم ازاحة المحاليل عن كفه بقوةٍ حتى أنها اسالت منه بضع قطراتمن الدم وهو يحاول النهوض بصعوبةٍ هاتفا بغضب


( سأذهب لأراها .......لن أبقى للحظة واحدة )


أمسك مالك بكتفيه بقوةٍ وهو يهتف بغضبٍ هو الآخر


( كفى حماقة يا عاصم .... يكفي ضغطك الذي ارتفع بخطورة الأيام السابقة )


ارتمى عاصم الى الخلف بجهد وهو يشعر برأسه تكاد تنفجر من الألم ..... و الذي لا يضاهي ألم قلبه و الغضب العاجز الذي يشعر به منذ أن علم بوفاة رجله .... و انهيار صبا .....


كيف سيستطيع تجاوز ما حدث ؟..... كيف سيحيا بينما ضاع رجلا آخر في قضيته هو ؟؟ ..... و صبا التي تمكث الآن وحيدة منهارة دون أن تجد من يواسيها ......


أخذ عاصم يلهث هامسا بضعف


( يجب أن أراها ..... يجب أن أراها )


( ها أنا ذا .......)


التفت رأس عاصم بقوةٍ هو مالك الدهش من رؤية صبا واقفة عند باب الغرفة تستند الى إطاره بضعفٍ شديد و في يدها الأخرى مصحفها الصغير ....


و حجابها الملتف حول رأسها أفلت خصلة شاردة من شعرها على جانب وجهها الحزين الشاحب كالأموات ..... بدت كشبحٍ ناعم ضعيف يطوف في الطرقاتِ ......


همس عاصم وهو يلهث بقوة ( صباا ......صبااا ... )


ابتعد مالك الى آخر الغرفة و قلبه يتألم من ألمهما .... رفع عاصم يده يمدها في الهواء اليها .... فاقتربت منه بعد عدة لحظات وهي تسير بصعوبة حتى وصلت اليه .... و التقت عيناهما طويلا وهو يلتهم كل ذرةٍ من ملامحها البيضاء الهشة الرقيقة ... وعيناها ..... عيناها الناظرة دون ابصار ..... تبدو وكأنها قد فقدت نارهما الخضراء لتبدوانِ كرمادٍ باهت .....


حين لم تمد يدها ... أمسكها هو بقوةٍ حتى أنها لم تستطع الفكاك من يده ..... قال عاصم بقوةٍ دون أي مقدمات


( ستخرجين من هنا مع مالك ..... سيقلك الى بيتنا ..... عند أمي , و أقسم أنني لن أسمع حرفا آخر )


لكنها أحنثت قسمه ......حين همست بخفوت و دون أي تعبير

( سأذهب ........) 


 

جلست في مقعدها الذي اعتادته الايام الأخيرة على الأريكة ذات الأغطية القديمة أسفل النافذة المفتوحة ..... تنظر الى البحر الظاهر من البعيد ....و الهواء العليل يضرب وجهها الشارد و يطير خصلاتِ شعرها ....


لا تعلم ماذا بها حقا .... منذ أن عادت من زيارة عاصم وهي تشعر بإختلافٍ في قلبها و روحها .... تشعر بنفسها ثقيلة و روحها خفيفة .....


كانت الذكريات تنساب اليها بتدفقٍ عالٍ و بشكلٍ غريب .... ذكرياتٍ كانت قد نسيتها منذ فترةٍ طويلة .... طويلة جدا .... لكنها عادت لتغرقها بدفءٍ حزين


ذكرى والدها و دلاله لها ... ذكرى جلوسها مع أمها أرضا و هي تضفر لها شعرها الطويل .....


ابتسمت برقةٍ حزينة .... كانت هي كحور ... بالنسبةِ لهما الدنيا و ما فيها ......


نظرت الى معتز و الذي كان يجلس أرضا وهو ينظر الى الكتاب ذو الألوان المبهرة الذي اشتراه له والده ..... لماذا لا تشعر تجاهه بنفسِ شعور أمها و أبيها .....


لماذا لم يكن معتز لديها الدنيا وما فيها كما كانت لوالديها ؟ ......


هل هذا الشعور المتملك بقوةٍ للطفل هو نعمة أم نقمة ؟ ...... لقد كانت الأميرة حور بالنسبةِ اليهما , خاصة في مثل حيهم الشعبي الذي كانت تندر فيه مثل هذه المعاملة و هذا الدلال ....


كانت الأميرة في بيتها ... لتتحول الى أميرة الحي كله .... ومنها طارت الى حياةٍ مختلفة تماما , وكأنما أخرجوها من البحر الذي اعتادت العيش فيه .....


لتجد أن الأمر ليس صعبا تماما .... وأنها ظلت الأميرة حور في كلِ مجتمعٍ تحياه ......


لماذا لا تشعر بنفس الطريقة تجاه معتز ؟ .... وإن كانت تحبه جدا , لكنه ليس الدنيا كلها .... فهناك من قبله ذالك من أسر روحها قبل قلبها ...


ظلت تلك الأفكار تطوف بها طويلا .... الى أن وجدت نفسها تقول بصوتها العذب فجأة


( ما رأيك أن ننزل لنتمشى قليلا ؟ ..... أي خطر ممكن أن يحدث ؟ )


لكن طبعا معتز لم يسمعها و خاصة وأنه لم يكن ينظر اليها .... ظلت حور تنظر اليه مبتسمة و قلبها يتضخم من ألمٍ غير مألوفٍ لها ....


نهضت بعد فترةٍ من مكانها لتتجه اليه وهي تنخفض حتى جلست أرضا على ركبتيها بجواره وهي تتلمس شعره الناعم الأسود وهي تتسائل ... هل وجوده في حياتها نعمة ؟؟ ... أم وجودها في حياته نقمة ؟؟ ......


نهضت بعزمٍ وأنهضته بالقوة و هي عازمة على أن تسعده قليلا ... فألبسته ملابسه الزرقاء الجميلة ... ثم ارتدت فستانا شرقيا مزخرفا بنقوشٍ زاهية ... حمراء و بيضاء .... و تنورته الواسعة الطويلة تدور من حول ساقيها ...


نزلت حور مع معتز ... درجة درجة ..... الي أن وصلا و خرجا من بوابة البيت فغمرتهما الشمس الذهبية بأشعتها الصيفية


فشددت حور على قبضة معتز الصغيرة ... وهي تشعر بالخوف من أن تفقده أو أن يضيع منها .... لكنها أخذت نفسا عميقا و عقدت العزم على أن تصبح في قوة كل الأمهات اللاتي يخرجن بأولادهن دون مساعدة .....


تمشت مع معتز ببطءٍ .... وكل خطوةٍ تخطوها في الشمس المشرقة و رائحة اليود التي تتزايد تجعلها أكثر قوة و شجاعة ...


كانت تمر على بعض من يمكثون أسفل شرفتها .... فما أن مرت بصاحب المخبز حتى ابتسمت برقة و قالت


( السلام عليكم ...... )


لتكمل طريقها و كلمة (عليكم السلام و رحمة الله .. صباحك مثل الفل )


تتبعها هي ومعتز و تزيدها سعادة لا تعلم لماذا .... وكان هذا الحال مع بائعة الخضروات ... و صاحب المقهى ........


الكل يحيها كما لو كانو يعرفونها حق المعرفة .... تجرأت حور و مشت اكثر , لتخرج من هذا الزقاق الى الزقاق الأكبر .... حينها لمحت الشريط الأزرق يناديها من بعيد ....


نظرت الى معتز الذي رفع رأسه لينظر اليها .... فشددت على يده و سارت به حتى خرجت الى طريق البحر ...


وقفا على الرصيف المقابل وهي تتطلع الى المراكب و اليخوت المغرقة البحر أمامها على الجانب المقابل .... يالهي ... كم اشتاقت الى هذا المنظر .... عضت على شفتها وهي تقف مترددة ... هل تعبر ؟ .....


منذ متى كانت خائفة و مترددة الى هذا الشكل .... كانت تعبر هي و صديقاتها طريق البحر جريا و هن يضحكن بصوتٍ عال .... فماذا بها الآن ؟ ..... و لماذا وجود معتز ممسكا بيديها يشعرها بمثل هذا الرعب ؟؟ .... هل خوف من نادر ... أم أن مشهدا قديما لفتاة ضاعت وهي في عمر الطفولة يثير رعبها حين تولت هي مسؤولية معتز ...


أخذت نفسا عميقا .... و نفضت تلك الصورة عن ذهنها بقوة و قالت بصوتٍ خافت حازم ....


( لن يهزمني شيء .... سأخرج مع ابني ككل الأمهات .... )


انحنت لتحمل معتز ..... و نظرت بتركيز الي الطريق , ثم حين قل عدد السيارات قليلا عبرته بسرعةٍ بالرغم من ان قلبها كان يخفق برعب ٍ لم تعرفه من قبل .....


وصلت الى البحر و هي تبتسم بسعادة جمة .... وملأت صدرها من رائحة البحر القوية التي اسكرتها ....ظلت تنظر اليه من يمينه الي يساره على مدد النظر ......


ما أجمله من منظر ... و المراكب ... مراكب الصيد ....


امسكت بيد معتز الذي كان ينظر الي البحر هو الآخر بسعادة ... ثم سارت معه و الهواء القوي يبعثر شعريهما بفوضوية ... و ثوبها الأحمر يتطاير من حول ساقيها البيضاوين الرشيقتين و التي تتحلى بخلخالها الرنان ....


رفعت يدها ذات الأساور لتبعد شعرها الهمجي عن عينيها لتتمكن من رؤية ذلك المنظر الساحر .... و ظلا هي و معتز يسيرانِ قليلا .... الى أن توقفت أمام منطقة المراكب ...


فجذبت معتز حتى وصلا الى السور الحجري ... فانحنت لتحمل معتز لتوقفه على السور ليواجه البحر , بينما احتضنت خصره من الخلف بشدةٍ و هي تتطلع معه الى البحر و كأنهما قبطان و ابنه .....


تاهت ذكريات حور الي البعيد .... وهي تتذكر أن والدها كان قد أخذها الى مرسى المراكب و اليخوت ذات يوم وهو يقول لها مبتسما أنه قد اشترى لها هدية لا مثيل لها ....


وحين سألته ما هي و هي تقفز متلهفة ... أخذها ضاحكا الى مركب صيد أقرب الى اليخت الصغير .....


الأميرة حوور .... اليخت اسمه الأميرة حوور ... لم يكن والدها صيادا بل كان عطار ذو محلاتٍ معددة ... الا أن المراكب هنا كانت الأغلى على الجميع .... لذا اشترى يخت الصيد باسمها ... ليعمل عليها مجموعة كبيرة من الصيادين .


دائما ما كانت تأخذ رحلة بحرية طويلة في هذا اليخت .... كيف نسيت كل ذلك ؟ .... كيف ضاعت منها ذكرايتها بتلك السهولة في غمرة الحياة المختلفة التي انتقلت اليها ....


همست الى معتز تقول


( لا بد وأن يكون موجودا .... هذه المراكب لا تضيع أبدا و لا تتغير أسمائها )


أنزلت معتز من فوق السور ...... و اتجهت الى الفتحة التي نزلت منها الى رمال الشاطىء .... فانحنت لتخلع صنالها و صندال معتز .... و سارت حافية القدمين على الرمال حتى وصلا الى موجة الماء الناعمة التي لامست الشاطىء و بللت قدميهما .... روعة ... روعة كأمها .... روعةٍ كانت قد نسيت سحرها منذ زمنٍ بعيد .....


حانت منها التفاتة الى أحد الصيادين بجوار أحد المراكب ..... و بدون تفكير نادت


( يا ريس .... يا ريس )


نظر اليها الصياد ليترك ما في يده وجاء اليها مسرعا .... قالت حور مترددة من تهورها


( يا ريس .... أتعلم مكان الأميرة حوور ؟ )


ابتسم الصياد وهو يقول مشيرا الى الجانب البعيد .....


( إنها هناك وسط المراكب ..... لم تخرج للصيد اليوم , أتريدين رؤيتها ؟؟ )


أومأت حور مبتسمة وهي لا تصدق بأنها لازالت موجودة الى الآن .....


ذهب بها الصياد الى المركب التى بهت لونها قليلا .... لكنها لا تزال هي .... نعم إنها هي ....هي الأميرة حوور ....


دمعت عينا حوور بسعادة وهي تقبض على كف معتز الصغيرة .... و اقتربت من المركب تنظر اليها وهي تميل برأسها تتشرب لوحتها .....


سمعت صوتا ودودا يأتي من خلفها


( السلام عليكم يا ابنتي ..... أنا ريس تلك المركب , أتسألين عن أحدٍ ما ؟ )


التفتت حوور الي الرجل المتوسط العمر ... البشوش الوجه و الذي يرتدي ملابس الصيادين هو الآخر , ابتسمت حور لتقول بعد لحظةٍ بخجل


( لا .... كنت فقط أريد رؤيتها , لقد اشتقت اليها ..... كنت أركبها و أنا صغيرة , حتى أن والدي هو من اشتراها قديما )


اندهش الرجل قليلا وهو يهتف


( هل أنتِ حوور ابنة الحاج اسماعيل رشوان رحمه الله ؟......)


أومأت حور برأسها مبتسمة بسعادة .... فهتف الرجل بسعادة


( يا مرحبا ... يا مرحبا ...بابنة الغاليين , ومن هذا الصغير ؟ هل هو ولي العهد ؟؟ )


أومأت حور برأسها وهي تشعر بشعور دافىء جميل .... تابع الرجل كلامه


( والدك من أفضل الناس رحمه الله ...... و تلك المركب لا زالت مصدر رزقٍ لكل من يعمل عليها )


ثم تابع بعد لحظة


( حظك حلو أنها لم تخرج للصيد اليوم ..... ما رأيك أن تخرجي في رحلةٍ بها ؟ .... كما تعلمين ستأخذ وقتا حتى غروب الشمس و ستخوضين في عرض البحر .... ما رأيك ؟ )


هزت حور رأسها نفيا بسرعةٍ .... في نفس اللحظة التي داعبت الفكرة خيالها و جعلتها تشتاق الى رحلةٍ من رحلات زمان


ولم يحتج الرجل لأكثر من مرتين فقط لتقتنع وهي تنظر الي معتز ... ثم تهمس لنفسها


( نادر لن يعود قبل الليل .... أما نحن , فسنعيش يوما لن ينساه معتز أبدا )


و قد كان ..... مرت بهما الساعات الطويلة وهي تقطع عرض البحر بهما من شرق المدينة الي غربها .. و رذاذ البحر يضرب وجهيهما و يبلل ملابسهما بينما معتز يشهق ضاحكا وهو يمد يديه الى رذاذ الماء ..... كانت وكأنهما يطيرانِ فوق السحاب .... و كأن المطر الناعم يلامس وجهيهما


و كأنها تعيش حلما أخذها في ذكرى قديمة عمرها من عمر تلك المركب التي عاش بها الكثيرون ......


و انقضت تلك الساعات الساحرة .... و نزلت هي ومعتز من المركب بعد أن رست بهما في نفس المكان الذي خرجت منه


و كانت الشمس قد تحولت الي كرة ٍحمراء داكنة نزلت لتلامس سطح البحر وسط لوحةٍ حولها من ألوانٍ أرجوانية و وردية ٍ و ذهبيةٍ في السماء الشاحبة ....


دقائق معدودة وكانت على أول زقاق بيتهم و قد عم الظلام قليلا ...... توقفت مكانها وهي تجد نادر واقفا تحت البيت وهو يتكلم في هاتفه بعصبية ... ابتلعت ريقها بصعوبةٍ .... ما الذي أتى به الآن ؟ إنه لا يأتي قبل الليل ......


شعرت وكأن قلبها سيتوقف خوفا .... لم يكن قد رآها الى الآن .... وهي من جانبها كانت تفضل في تلك اللحظة أن تستدير و تعود من حيث أتت دون أن يراها ......


لكنه التفت في تلك اللحظة و رآهما ........


توقف الزمن وهو ينظر اليها و قد توحشت عيناه ليخفض هاتفه ... ومرت عدة لحظات و قلبها يخفق كالطبل ....


أخذ يقترب منها ببطءٍ وهي تتراجع خطوةٍ غير مرئية .... حتى وصل اليها و فوجئت بعلية من خلفه و لم تكن قد رأتها .... هل كانو يبحثون عنها و عن معتز ..... يالهي ... لقد تركت هاتفها في البيت أيضا .......


قال نادر بصوتٍ مخيف


( أين كنتِ ؟......)


ابتلعت ريقها وهي ترتجف قليلا ...ثم همست


( خرجت قليلا مع معتز .....)


قال نادر بخطورة


( أين كنتِ ؟ ......منذ الصباح ودون هاتفك )


قالت حور بخفوت


( ركبنا ..... مركب و خرجنا .... الى عرض البحر )


اتسعت عيناه قليلا و قال بهمسٍ خطيربعد عدة لحظات


( عرض البحر ؟؟ ....... بمعتز ؟)


توترت ملامح علية فشعرت حور بأنها قد رمت نفسها الى التهلكة , فسكتت تماما ... حتى أن عيناها طارت الى عينى علية ترجوها دون إرادة منها


تلاقت عينا علية مع عينيها ... فأمسكت بذراع نادر وهي تقول بهدوء و إتزان على الرغم من توتر ملامحها


( نادر .... ما رأيك أن آخذهما ليبيتا عندي الليلة , و غدا نتحدث ...... )


قال نادر دون أن ينظر حتى الي علية


( عذرا علية ..... لكن يجب أن نذهب الي البيت الآن )


انحنى و حمل معتز بين ذراعيه و الذي ما أن وضع رأسه على كتف والده حتى راح في سباتٍ عميق من شدة التعب و الجوع قالت علية برفق و ترجي


( لما لا .... يأتيا معي الآن , وغدا سوف ....... )


قاطعها نادر قائلا بصلابة


( طابت ليلتك علية , و اعتذري لصبيانك بالنيابة عني من أجل بحثهم الطويل .......)


لم ترد علية وهي تنظر الى حور بتصميم و كأنها تعظها دون كلام الا تفتح فمها الليلة بأي كلام ..... استدار نادر الي البيت و صعد السلم دون أن يهتم بها بينما هي تتبعه بصمت و خوفها منه ومن درجات السلالم الملفوفة تشعرها بأن الدنيا تضيق من حولها ..... وأخيرا وصلت الي الباب المفتوح بعد دخول نادر.....وهي تلهث و تشعر بالدوار ثم أغلقت الباب من خلفها لتستند اليه بظهرها مغمضة عينيها تلهث بعنف ....


كان نادر قد وضع معتز في فراشه بعد أن خلع عنه قميصه القطني المبلل و يدثره بالغطاء جيدا .....ثم خرج من الغرفة أغلق بابها من خلفه برفق .... ليجد أن حور تقف أمامه مباشرة وهي تهمس بصعوبة


( نادر .... أنا ....)


لكنه لم يمهلها لتكمل حيث قبض على ذراعها بمخالبٍ شرسه و لم تدري ما حدث في لحظةٍ حيث وجدت يده تهبط بقوةٍ على وجنتها ....


شهقت حور دون صوت وهي ترفع يدها الى وجنتها المحمرة و قد اتسعت عيناها ارتياعا ... لكنه لم يمهلها حيث نزل بظاهر يده على وجنتها الأخرى ...

Lanjutkan Membaca

Kamu Akan Menyukai Ini

390K 28.8K 28
كل ما ارادته الحماية من الجميع أولهم كان شقيقها تعلم اذا حدث شيء لوالدها لن تبقى هي لكن بكل سذاجة اختارت حماية الشيطان
8M 509K 53
رجلٌ شرسٌ شُجاع مُتقلبُ المزاج غريبُ الطورِ عديَمُ المُشاعر حيَادي لا ينحاز سَديدُ الرأي رابطُِ الجأَشِ وثابِتُ القلب حتىٰ.. وقعت تلك الجميلةُ بين...
519K 16.4K 33
فتيـات جميلات وليالــي حمـراء وموسيقـى صاخبة يتبعهـا آثار في الجسـد والـروح واجسـاد متهالكـة في النهـار! عـن رجـال تركوا خلفهم مبادئهم وكراماتهم وأنس...
5.3M 156K 105
في قلب كلًا منا غرفه مغلقه نحاول عدم طرق بابها حتي لا نبكي ... نورهان العشري ✍️ في قبضة الأقدار ج١ بين غياهب الأقدار ج٢ أنشودة الأقدار ج٣